نجاة بلقاسم.. النجمة السياسية الصاعدة في فرنسا

ولدت من أسرة مغربية متواضعة.. وتعد أول امرأة تشغل منصب وزيرة التربية والتعليم في البلاد

نجاة بلقاسم.. النجمة السياسية الصاعدة في فرنسا
TT

نجاة بلقاسم.. النجمة السياسية الصاعدة في فرنسا

نجاة بلقاسم.. النجمة السياسية الصاعدة في فرنسا

يفيد استطلاع للرأي أجري لصالح صحيفة «ليه زيكو» الاقتصادية و«راديو كلاسيك» يومي 3 و4 سبتمبر (أيلول) الحالي بأن وزيرة التربية والتعليم والبحث العلمي الفرنسية نجاة فالو بلقاسم، ذات الـ36 ربيعا والوزيرة الأصغر في حكومة مانويل فالس الجديدة، أصبحت الشخصية الثانية الأكثر شعبية لدى الفرنسيين، وذلك بعد 15 يوما فقط من وصولها إلى منصبها الجديد.

نجاة بلقاسم حلت مباشرة بعد آلان جوبيه، رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق. وفيما هبطت شعبية رئيس الجمهورية فرنسوا هولاند إلى الحضيض، إذ لم يعد يحظى إلا بثقة 13 في المائة من الفرنسيين، فإن وزيرة التربية تحلق في الأجواء بعد أن منحها 51 في المائة من الفرنسيين ثقتهم، لا بل إنها حققت قفزة نوعية لدى ناخبي اليمين واليسار على السواء، مما يجعل من الوزيرة الشابة المرأة الأكثر شعبية في فرنسا والنجمة الصاعدة في سماء الطبقة السياسية الفرنسية.
عندما تسلمت نجاة فالو بلقاسم منصبها الجديد من قبل سابقها في منصب وزير التربية بونوا هامون، دمعت عيناها وهي تلقي كلمة مؤثرة وعاطفية عادت فيها إلى طفولتها وإلى «مدرسة الجمهورية» التي مكنتها من الوصل إلى حيث هي اليوم.
إنه مسار طويل قطعته هذه المرأة النحيفة وقصيرة القامة المولودة في قرية بني شاكر في الريف المغربي في العام 1977 من أسرة متواضعة. والدها كان أحد عشرات الآلاف من المهاجرين الذين قصدوا فرنسا لكسب الرزق. عائلته التحقت به عندما كانت نجاة في سن الرابعة من عمرها. وما كان لهذه الفتاة التي يحب الفرنسيون ابتسامتها المشرقة أن تصل إلى حيث وصلت من غير الرافعة التي يوفرها التعليم العام في فرنسا. إنه المصهر الأول في دمج الوافدين وتمكين المتفوقين منهم من البروز والخروج إلى دائرة الضوء. ولذا، ظهرت الوزيرة الجديدة بادية التأثر لدى حديثها عن قطاع التعليم والتربية الذين تدين له بكل شيء وها هو اليوم موضوع بين يديها قبل أيام قليلة من العودة إلى الصفوف الدراسية والجامعية.
تحتل نجاة فالو بلقاسم (فالو هو اسم زوجها، مدير مكتب وزير الاقتصاد السابق آرنو مونتبورغ)، المرتبة الرابعة بروتوكوليا في الحكومة الجديدة، إذ لا يتقدم عليها سوى وزيرين هما وزير الخارجية لوران فابيوس ووزيرة البيئة ورفيقة درب الرئيس هولاند السابقة سيغولين رويال. والأهم من ذلك أن نجاة بلقاسم أول امرأة في تاريخ الجمهورية الفرنسية تشغل منصب وزير التربية والتعليم العالي الذي كان مقصورا على الرجال. وتعد الوزارة المذكورة من أهم المناصب الحكومية بالنظر لميزانيتها الضخمة وللمسؤوليات الكبرى التي يتعين على حاملها مواجهتها، إذ عليه في زمن السنوات العجاف ماليا أن يتعاطى مع عشرات الآلاف من المدرسين ومع نقاباتهم ومطالبهم وإضراباتهم المتكررة ومع أهالي التلامذة ومع الجامعات والطلاب ومؤسسات البحث العلمي، وكلما قلب حجرا من أحجار هذا الصرح الضخم، تدحرجت مشكلة جديدة.
حتى عام 2007، لم تكن نجاة بلقاسم معروفة إلا في أوساط الاشتراكيين وفي منطقة ليون، ثاني المدن الفرنسية حيث انتخبت أكثر من مرة في مناصب محلية. وبعد دراسة محلية مرت عبر معهد العلوم السياسية في باريس، وهو مدرسة النخبة الفرنسية السياسية والإدارية، انضمت نجاة إلى الحزب الاشتراكي وتدرجت في سلم المسؤوليات. وحظها أن عمدة مدينة ليون جيرار كولومب تولى قيادة خطواتها السياسية وفتح أمامها الأبواب العصية. وفي عام 2007، اختارتها سيغولين رويال ناطقة باسم حملتها الانتخابية التي خسرتها في وجه منافسها نيكولا ساركوزي. وأعادت رويال الكرة في عام 2011 عندما حاولت الترشح مجددا للرئاسة عن الحزب الاشتراكي. إلا أن فرنسوا هولاند فاز بالانتخابات التمهيدية. وبالنظر لما وجده من خصال لدى نجاة بلقاسم، فإنه عمد بدوره إلى تعيينها ناطقة باسم حملته الانتخابية. وبعد فوزه بالرئاسة عام 2012، كلفها هولاند بوزارة شؤون المرأة التي استحدثها خصيصا لها، كما عينها ناطقة باسم الحكومة وهو المنصب الذي احتفظت به خلال عامين. وفي حكومة مانويل فالس الأولى، فضل هولاند إيكال مهمة التحدث باسم الحكومة لصديقه وزير الزراعة ستيفان لو فول الذي يتمتع بتجربة سياسية عريضة.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها امرأة من أصول عربية إلى المناصب الوزارية الأولى في فرنسا. فالنائبة الأوروبية الحالية رشيدة داتي تسلمت وزارة العدل في حكومة ساركوزي الأولى، وهي وزارة أساسية في الهرم الحكومي. بيد أن الفرق بين المرأتين مزدوج: الأول، أن نجاة بلقاسم وصلت إلى الذروة بفضل مثابرتها وعملها داخل الحزب الاشتراكي على المستوى المحلي، فضلا عن أهليتها العلمية والأكاديمية، بينما داتي عرفت بمهارتها في استخدام علاقاتها حيث إنها لم تعين وزيرة إلا بسبب صداقتها لزوجة ساركوزي السابقة سيسيليا. والثاني، أن وزيرة التربية الحالية مطلقة الوفاء وتعرف أن تكون خادمة أمينة مخلصة لعملها من غير الهرولة وراء الأضواء أو السعي لاحتلال الصفحات الأولى في مجلات النجوم. نجاة بلقاسم زوجة تريد حماية عائلتها وإبعادها عن الواجهة. وبالمقابل، فإن داتي صنعت من معدن مختلف، وهي تسعى حاليا لدى المحاكم الفرنسية للحصول على الاعتراف بأبوة ابنتها من رجل أعمال فرنسي شهير بعد أنها أخفت هويته أشهرا طويلة.
بالإضافة إلى نجاة بلقاسم، ثمة شخصيتان من أصول عربية في حكومة فالس الثانية: الأولى قادر عارف، وزير الدولة لشؤون قدامى المحاربين، وهو يتبع لوزير الدفاع جان إيف لودريان. والثانية مريم الخمري (والدها مغربي وأمها من غرب فرنسا) التي عينت وزيرة الدولة لشؤون المدينة. والخمري مقربة من آن هيدالغو، عمدة العاصمة باريس، وكانت تشغل مناصب محلية في بلدية باريس.
يقول العارفون لنجاة بلقاسم إنها تخفي تحت غطاء ابتسامتها الدائمة شخصية فولاذية وقدرة على ضبط الأعصاب والمحافظة على هدوئها رغم الانتقادات والحملات. ومن المؤكد أنها ستحتاج لهذه الصفات في مهمتها الجديدة، إذ إنه يتعين عليها أن ترضي أساتذة التعليم الرسمي، وأن تطمئن الأهالي بعد العواصف التي أثارتها إصلاحات الوزير فانسان بيون. والمشكلة أنها، خلال العامين ونصف العام المنصرمة، لم تخف الوزيرة الجديدة قناعاتها لجهة تأكيدها على المساواة بين الرجال والنساء والحاجة إلى سياسات حكومية تذهب في هذا الاتجاه. فضلا عن ذلك فإنها من دعاة أن «تترجم» التحولات الاجتماعية في القوانين، ومنها على سبيل المثال حق التبني للأزواج من جنس واحد. ويأخذ عليها اليمين واليمين المتطرف أنها من أنصار تعليم المساواة بين الأجناس في المدارس الابتدائية، وهي خطة اقترحها الوزير السابق. لكن المدافعين عن العائلة «التقليدية» جعلوا منها حصان طروادة للتهجم على الحكومة واتهامها بتدمير العائلة في بلد كاثوليكي كفرنسا. ولذا، سيكون من المفيد جدا لنجاة فالو بلقاسم أن تستنجد بفن الدبلوماسية حتى لا تنظم ضدها الحملات الاحتجاجية منذ بداية الطريق.
بيد أن الانتقادات التي تتعرض لها نجاة بلقاسم تخطت الأطر التقليدية المعروفة في الديمقراطية لتأخذ طابعا «قذرا»، لا بل عنصريا، تكفلت به صحافة اليمين المتشدد واليمين المتطرف. فاليمين التقليدي وجد فيها طريدة سهلة للهجوم على الحكومة ورئيس الجمهورية. واليمين المتشدد والمتطرف انقض عليها بشراسة بغرض تدميرها ونزع الشرعية عنها. والأبرز ما جاء به غلافا مجلتي «فالور أكتويل» (القيم المعاصرة) و«مينوت» (الدقيقة) الناطقة باسم اليمين المتطرف. الأولى كرست غلافها للوزيرة الشابة وأطلقت عليها لقب «آية الله»، فيما الثانية أشارت إليها بـ«الوزيرة المغربية المسلمة» و«المرأة - الاستفزاز». وبالطبع، أثار هذا الهجوم «حمية» الحزب الاشتراكي الذي هب للدفاع عن وزيرته وحمية الرابطة الدولية لمناهضة العنصرية ومعاداة السامية، وكذلك منظمة محاربة العنصرية، فيما صدر عن اتحاد المساجد الفرنسية بيان مندد بعنصرية المجلتين ومعاداتهما للعرب والإسلام. ونقلت القضية إلى المحاكم الفرنسية المختصة.
تعيش الوزيرة الشابة التجربة التي عاشتها قبلها وزيرة العدل السوداء كريستيان توبيرا التي شبهتا «مينوت» بـ«القرد». وواضح اليوم أن ثمة أوساطا فرنسية لم تتقبل بعد وصول متحدرين من أصول مهاجرة إلى المناصب العليا في البلاد رغم أن الرئيس السابق ساركوزي من أصل مجري، ورئيس الحكومة الحالي مانويل فالس لم يحصل على الجنسية الفرنسية إلا في سن الـ18 عاما. ذلك أن التوجه العام في أوروبا الغربية ينحو باتجاه اليمين المتطرف، وزعيمته في فرنسا مارين لوبن تؤكد أنها تتهيأ لتسلم الحكم بعد انتخابات سيكون الرئيس هولاند مضطرا للدعوة إليها بسبب الأزمات السياسية التي تعرفها البلاد. وثمة من لا يستبعد هذا الخيار يمينا ويسارا باعتباره الوحيد الذي سيمكن هولاند من إكمال ولايته الرئاسية وربما التحضر لخوض الانتخابات مجددا.
وفي أي حال، تبدو نجاة بلقاسم اليوم مهيأة لمستقبل سياسي كبير. فهي من جهة ما زالت امرأة شابة بحيث إن تقلدها المنصب الجديد جعل منها أحد الأوجه الرئيسة لحكومة تبرز عنصر الشباب. ومن جهة ثانية، فإنها رمز للآلاف من الشباب المتحدر من أصول مهاجرة (خصوصا عربية) الذي يريد أن ينجح في مجتمع يزداد انغلاقا يوما بعد يوم بسبب الأزمة الاقتصادية. ويريد لها الكثيرون أن تنجح في مهمتها الجديدة لأن نجاحها نجاح لهم.



بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.