نجاة بلقاسم.. النجمة السياسية الصاعدة في فرنسا

ولدت من أسرة مغربية متواضعة.. وتعد أول امرأة تشغل منصب وزيرة التربية والتعليم في البلاد

نجاة بلقاسم.. النجمة السياسية الصاعدة في فرنسا
TT

نجاة بلقاسم.. النجمة السياسية الصاعدة في فرنسا

نجاة بلقاسم.. النجمة السياسية الصاعدة في فرنسا

يفيد استطلاع للرأي أجري لصالح صحيفة «ليه زيكو» الاقتصادية و«راديو كلاسيك» يومي 3 و4 سبتمبر (أيلول) الحالي بأن وزيرة التربية والتعليم والبحث العلمي الفرنسية نجاة فالو بلقاسم، ذات الـ36 ربيعا والوزيرة الأصغر في حكومة مانويل فالس الجديدة، أصبحت الشخصية الثانية الأكثر شعبية لدى الفرنسيين، وذلك بعد 15 يوما فقط من وصولها إلى منصبها الجديد.

نجاة بلقاسم حلت مباشرة بعد آلان جوبيه، رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق. وفيما هبطت شعبية رئيس الجمهورية فرنسوا هولاند إلى الحضيض، إذ لم يعد يحظى إلا بثقة 13 في المائة من الفرنسيين، فإن وزيرة التربية تحلق في الأجواء بعد أن منحها 51 في المائة من الفرنسيين ثقتهم، لا بل إنها حققت قفزة نوعية لدى ناخبي اليمين واليسار على السواء، مما يجعل من الوزيرة الشابة المرأة الأكثر شعبية في فرنسا والنجمة الصاعدة في سماء الطبقة السياسية الفرنسية.
عندما تسلمت نجاة فالو بلقاسم منصبها الجديد من قبل سابقها في منصب وزير التربية بونوا هامون، دمعت عيناها وهي تلقي كلمة مؤثرة وعاطفية عادت فيها إلى طفولتها وإلى «مدرسة الجمهورية» التي مكنتها من الوصل إلى حيث هي اليوم.
إنه مسار طويل قطعته هذه المرأة النحيفة وقصيرة القامة المولودة في قرية بني شاكر في الريف المغربي في العام 1977 من أسرة متواضعة. والدها كان أحد عشرات الآلاف من المهاجرين الذين قصدوا فرنسا لكسب الرزق. عائلته التحقت به عندما كانت نجاة في سن الرابعة من عمرها. وما كان لهذه الفتاة التي يحب الفرنسيون ابتسامتها المشرقة أن تصل إلى حيث وصلت من غير الرافعة التي يوفرها التعليم العام في فرنسا. إنه المصهر الأول في دمج الوافدين وتمكين المتفوقين منهم من البروز والخروج إلى دائرة الضوء. ولذا، ظهرت الوزيرة الجديدة بادية التأثر لدى حديثها عن قطاع التعليم والتربية الذين تدين له بكل شيء وها هو اليوم موضوع بين يديها قبل أيام قليلة من العودة إلى الصفوف الدراسية والجامعية.
تحتل نجاة فالو بلقاسم (فالو هو اسم زوجها، مدير مكتب وزير الاقتصاد السابق آرنو مونتبورغ)، المرتبة الرابعة بروتوكوليا في الحكومة الجديدة، إذ لا يتقدم عليها سوى وزيرين هما وزير الخارجية لوران فابيوس ووزيرة البيئة ورفيقة درب الرئيس هولاند السابقة سيغولين رويال. والأهم من ذلك أن نجاة بلقاسم أول امرأة في تاريخ الجمهورية الفرنسية تشغل منصب وزير التربية والتعليم العالي الذي كان مقصورا على الرجال. وتعد الوزارة المذكورة من أهم المناصب الحكومية بالنظر لميزانيتها الضخمة وللمسؤوليات الكبرى التي يتعين على حاملها مواجهتها، إذ عليه في زمن السنوات العجاف ماليا أن يتعاطى مع عشرات الآلاف من المدرسين ومع نقاباتهم ومطالبهم وإضراباتهم المتكررة ومع أهالي التلامذة ومع الجامعات والطلاب ومؤسسات البحث العلمي، وكلما قلب حجرا من أحجار هذا الصرح الضخم، تدحرجت مشكلة جديدة.
حتى عام 2007، لم تكن نجاة بلقاسم معروفة إلا في أوساط الاشتراكيين وفي منطقة ليون، ثاني المدن الفرنسية حيث انتخبت أكثر من مرة في مناصب محلية. وبعد دراسة محلية مرت عبر معهد العلوم السياسية في باريس، وهو مدرسة النخبة الفرنسية السياسية والإدارية، انضمت نجاة إلى الحزب الاشتراكي وتدرجت في سلم المسؤوليات. وحظها أن عمدة مدينة ليون جيرار كولومب تولى قيادة خطواتها السياسية وفتح أمامها الأبواب العصية. وفي عام 2007، اختارتها سيغولين رويال ناطقة باسم حملتها الانتخابية التي خسرتها في وجه منافسها نيكولا ساركوزي. وأعادت رويال الكرة في عام 2011 عندما حاولت الترشح مجددا للرئاسة عن الحزب الاشتراكي. إلا أن فرنسوا هولاند فاز بالانتخابات التمهيدية. وبالنظر لما وجده من خصال لدى نجاة بلقاسم، فإنه عمد بدوره إلى تعيينها ناطقة باسم حملته الانتخابية. وبعد فوزه بالرئاسة عام 2012، كلفها هولاند بوزارة شؤون المرأة التي استحدثها خصيصا لها، كما عينها ناطقة باسم الحكومة وهو المنصب الذي احتفظت به خلال عامين. وفي حكومة مانويل فالس الأولى، فضل هولاند إيكال مهمة التحدث باسم الحكومة لصديقه وزير الزراعة ستيفان لو فول الذي يتمتع بتجربة سياسية عريضة.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها امرأة من أصول عربية إلى المناصب الوزارية الأولى في فرنسا. فالنائبة الأوروبية الحالية رشيدة داتي تسلمت وزارة العدل في حكومة ساركوزي الأولى، وهي وزارة أساسية في الهرم الحكومي. بيد أن الفرق بين المرأتين مزدوج: الأول، أن نجاة بلقاسم وصلت إلى الذروة بفضل مثابرتها وعملها داخل الحزب الاشتراكي على المستوى المحلي، فضلا عن أهليتها العلمية والأكاديمية، بينما داتي عرفت بمهارتها في استخدام علاقاتها حيث إنها لم تعين وزيرة إلا بسبب صداقتها لزوجة ساركوزي السابقة سيسيليا. والثاني، أن وزيرة التربية الحالية مطلقة الوفاء وتعرف أن تكون خادمة أمينة مخلصة لعملها من غير الهرولة وراء الأضواء أو السعي لاحتلال الصفحات الأولى في مجلات النجوم. نجاة بلقاسم زوجة تريد حماية عائلتها وإبعادها عن الواجهة. وبالمقابل، فإن داتي صنعت من معدن مختلف، وهي تسعى حاليا لدى المحاكم الفرنسية للحصول على الاعتراف بأبوة ابنتها من رجل أعمال فرنسي شهير بعد أنها أخفت هويته أشهرا طويلة.
بالإضافة إلى نجاة بلقاسم، ثمة شخصيتان من أصول عربية في حكومة فالس الثانية: الأولى قادر عارف، وزير الدولة لشؤون قدامى المحاربين، وهو يتبع لوزير الدفاع جان إيف لودريان. والثانية مريم الخمري (والدها مغربي وأمها من غرب فرنسا) التي عينت وزيرة الدولة لشؤون المدينة. والخمري مقربة من آن هيدالغو، عمدة العاصمة باريس، وكانت تشغل مناصب محلية في بلدية باريس.
يقول العارفون لنجاة بلقاسم إنها تخفي تحت غطاء ابتسامتها الدائمة شخصية فولاذية وقدرة على ضبط الأعصاب والمحافظة على هدوئها رغم الانتقادات والحملات. ومن المؤكد أنها ستحتاج لهذه الصفات في مهمتها الجديدة، إذ إنه يتعين عليها أن ترضي أساتذة التعليم الرسمي، وأن تطمئن الأهالي بعد العواصف التي أثارتها إصلاحات الوزير فانسان بيون. والمشكلة أنها، خلال العامين ونصف العام المنصرمة، لم تخف الوزيرة الجديدة قناعاتها لجهة تأكيدها على المساواة بين الرجال والنساء والحاجة إلى سياسات حكومية تذهب في هذا الاتجاه. فضلا عن ذلك فإنها من دعاة أن «تترجم» التحولات الاجتماعية في القوانين، ومنها على سبيل المثال حق التبني للأزواج من جنس واحد. ويأخذ عليها اليمين واليمين المتطرف أنها من أنصار تعليم المساواة بين الأجناس في المدارس الابتدائية، وهي خطة اقترحها الوزير السابق. لكن المدافعين عن العائلة «التقليدية» جعلوا منها حصان طروادة للتهجم على الحكومة واتهامها بتدمير العائلة في بلد كاثوليكي كفرنسا. ولذا، سيكون من المفيد جدا لنجاة فالو بلقاسم أن تستنجد بفن الدبلوماسية حتى لا تنظم ضدها الحملات الاحتجاجية منذ بداية الطريق.
بيد أن الانتقادات التي تتعرض لها نجاة بلقاسم تخطت الأطر التقليدية المعروفة في الديمقراطية لتأخذ طابعا «قذرا»، لا بل عنصريا، تكفلت به صحافة اليمين المتشدد واليمين المتطرف. فاليمين التقليدي وجد فيها طريدة سهلة للهجوم على الحكومة ورئيس الجمهورية. واليمين المتشدد والمتطرف انقض عليها بشراسة بغرض تدميرها ونزع الشرعية عنها. والأبرز ما جاء به غلافا مجلتي «فالور أكتويل» (القيم المعاصرة) و«مينوت» (الدقيقة) الناطقة باسم اليمين المتطرف. الأولى كرست غلافها للوزيرة الشابة وأطلقت عليها لقب «آية الله»، فيما الثانية أشارت إليها بـ«الوزيرة المغربية المسلمة» و«المرأة - الاستفزاز». وبالطبع، أثار هذا الهجوم «حمية» الحزب الاشتراكي الذي هب للدفاع عن وزيرته وحمية الرابطة الدولية لمناهضة العنصرية ومعاداة السامية، وكذلك منظمة محاربة العنصرية، فيما صدر عن اتحاد المساجد الفرنسية بيان مندد بعنصرية المجلتين ومعاداتهما للعرب والإسلام. ونقلت القضية إلى المحاكم الفرنسية المختصة.
تعيش الوزيرة الشابة التجربة التي عاشتها قبلها وزيرة العدل السوداء كريستيان توبيرا التي شبهتا «مينوت» بـ«القرد». وواضح اليوم أن ثمة أوساطا فرنسية لم تتقبل بعد وصول متحدرين من أصول مهاجرة إلى المناصب العليا في البلاد رغم أن الرئيس السابق ساركوزي من أصل مجري، ورئيس الحكومة الحالي مانويل فالس لم يحصل على الجنسية الفرنسية إلا في سن الـ18 عاما. ذلك أن التوجه العام في أوروبا الغربية ينحو باتجاه اليمين المتطرف، وزعيمته في فرنسا مارين لوبن تؤكد أنها تتهيأ لتسلم الحكم بعد انتخابات سيكون الرئيس هولاند مضطرا للدعوة إليها بسبب الأزمات السياسية التي تعرفها البلاد. وثمة من لا يستبعد هذا الخيار يمينا ويسارا باعتباره الوحيد الذي سيمكن هولاند من إكمال ولايته الرئاسية وربما التحضر لخوض الانتخابات مجددا.
وفي أي حال، تبدو نجاة بلقاسم اليوم مهيأة لمستقبل سياسي كبير. فهي من جهة ما زالت امرأة شابة بحيث إن تقلدها المنصب الجديد جعل منها أحد الأوجه الرئيسة لحكومة تبرز عنصر الشباب. ومن جهة ثانية، فإنها رمز للآلاف من الشباب المتحدر من أصول مهاجرة (خصوصا عربية) الذي يريد أن ينجح في مجتمع يزداد انغلاقا يوما بعد يوم بسبب الأزمة الاقتصادية. ويريد لها الكثيرون أن تنجح في مهمتها الجديدة لأن نجاحها نجاح لهم.



هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.