تقول مصادر دبلوماسية أوروبية، إن قمة مجموعة العشرين في مدينة أوزاكا (اليابان) يومي الجمعة والسبت المقبلين، ستوفر الفرصة للقادة الأوروبيين الثلاثة الرئيسيين المعنيين مباشرة بالملف النووي الإيراني وتشعباته للتحدث مطولاً مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، واستكشاف الفرص المتاحة وشروطها لخفض التصعيد في مياه الخليج. وقبل ذلك بيوم واحد، سيحل المبعوث الأميركي الخاص للملف النووي، برايان هوك، في باريس لإجراء محادثات مع نظرائه من الدول الثلاث؛ الأمر الذي يشكل، بمعنى ما، تمهيداً للقاءات القمة في المدينة اليابانية. وسبق للقادة الأوروبيين الثلاثة أن أرسل كل منهم مبعوثاً إلى طهران بدءاً بالمستشارة الألمانية التي أوفدت وزير خارجيتها وأعقبه المستشار الدبلوماسي للرئيس ماكرون السفير إيمانويل بون، وأخيراً وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، آخر الذين حلوا في العاصمة الإيرانية.
بداية، ترى المصادر الأوروبية أن الهدف المباشر اليوم للمساعي الأوروبية هو «خفض التصعيد ومنع نشوب الحرب» بين الولايات المتحدة وإيران. ويعتبر الأوروبيون أن تطوراً من هذا النوع ستكون له «تداعيات لا تحصى» عسكرياً وسياسياً واقتصادياً ليس فقط على المنطقة الخليجية، بل على العالم كله.
ما بين واشنطن من جهة وباريس ولندن وبرلين من جهة أخرى، فيما خص الملف الإيراني علاقات معقدة. وتؤكد المصادر الأوروبية، أن الطرفين «يتقاسمان الأهداف نفسها» بخصوص تحسين شروط الاتفاق النووي المبرم مع طهران صيف عام 2015، والحاجة إلى لجم البرنامج الصاروخي ــ الباليستي الإيراني ووضع حد لسياسة إيران الإقليمية. إلا أن الخلاف يقوم على «الوسائل». وشددت هذه المصادر على أن «المأخذ» الأول على المقاربة الأميركية القائمة على الضغوط الاقتصادية والسياسية، وأحياناً العسكرية أنها «لا تترك باباً مفتوحاً لإيران» يمكن من خلاله «حثها» على العودة إلى طاولة المفاوضات لفتح الملفات الخلافية الثلاثة دفعة واحدة. وبعكس قراءة الرئيس الأميركي، فإن الأوروبيين يرون أن سياسة «الضغوط القصوى» التي تتبعها إدارته والتي يراد لها أن تكون بمثابة الحبل الذي يلتف على عنق المسؤولين الإيرانيين لإرغامهم على العودة إلى طاولة المفاوضات «صاغرين» يمكن أن تؤدي إلى «نتائج عكسية». ومن هذه النتائج أنها توفر لطهران وضع «الضحية» الذي تستطيع سلطاتها استغلاله لرمي كافة مشاكل وصعوبات البلاد على الخارج. وثاني النتائج، أنه يعطي الجناح المتشدد داخل إيران الذي «لم يهضم أبداً» الاتفاق النووي الحجج اللازمة للتنديد به والتصويب على الرئيس روحاني ووزير خارجيته، وبالتالي استبعاد العودة إلى التفاوض. والأهم من ذلك كله، وفق القراءة الأوروبية، أن طهران التي لم ينجح الأوروبيون في الاستجابة لرغباتها لجهة تمكينها من الالتفاف على العقوبات الأميركية، التي ترى أن هذه العقوبات اصابت القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية وأنها تصبح يوماً بعد يوم أكثر ثقلاً، «لا تجد أمامها سوى الاستفزاز الأمني والعسكري باباً لتغيير المعادلة المفروضة عليها». وبكلام آخر، فإن المسؤولين الإيرانيين، بعكس الطرف الأميركي الذي يراهن على عامل الزمن حتى تفعل العقوبات فعلها، لم يعودوا قادرين على السير في استراتيجية «الصبر الاستراتيجي»؛ لأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الداخل تسوء أكثر فأكثر.
يقوم التخوف الأوروبي «وغير الأوروبي» على أن الاستمرار في سياسة «حافة الهاوية» لن يكون مضموناً لدى كل امتحان. فإذا تمت السيطرة «حتى اليوم» على الاختبار العسكري الأكثر خطورة والمتمثل بإسقاط طائرة المراقبة الأميركية المسيرة في مياه الخليج وقرار الرئيس ترمب استهداف ثلاثة مواقع عسكرية إيرانية، ثم العدول عن ذلك، فإن المصادر الأوروبية تبدي مخاوف كبيرة مما «قد يحدث غداً»، وهي تذهب إلى حد اعتبار أن المواجهة العسكرية يمكن أن تنطلق من غير أن تكون «متعمدة» أو مخططاً لها. من هنا، فإن مهمة الأوروبيين في لقاءاتهم المرتقبة أكانت في بروكسل أو في أوزاكا أو عبر القنوات الدبلوماسية والمشاورات الهاتفية تكمن في «استكشاف هامش التحرك» المتاح لهم للسير في «وساطة ما» تركز في مرحلة أولى على «تبريد» الوضع، ثم على طرح «مبادرات سياسية» من شأنها فتح كوة في جدار الأزمة. من هنا، فإن الأوروبيين ما زالوا يمارسون ضغوطاً قوية على الجانب الإيراني لدفعه إما «للتخلي» عن تهديداته السابقة بالخروج التدريجي من الاتفاق النووي، وتحديداً تخطي عتبة تخصيب اليورانيوم المتاحة بموجب الاتفاق «3.67 في المائة» أو الكمية «300 كلغ»، وكذلك سقف المخزون من المياه الثقيلة «1300 كلغ». والبند الأول يبدو الأخطر للأوروبيين؛ لأنه يعني عودة إيران لما كانت تقوم به قبل الاتفاق، حيث كانت قد نجحت في تخصيب اليورانيوم حتى نسبة 20 في المائة. ووفق الخبراء، فإن من يصل إلى هذه النسبة قادر تقنياً على الوصول إلى نسبة 90 في المائة المطلوبة لإنتاج سلاح نووي. والحال، أن لا أحد يريد لإيران أن تصل إلى هذا الحد، والرئيس ترمب كان «حاسماً» في هذا الشأن. وإذا رفضت إيران مبدأ التراجع، فإن الأوروبيين يدعونها إلى «تأجيل» وضع قرارها موضع التنفيذ وسلاحهم أن خروجها من الاتفاق سيفقدها دعمهم وسيجعلها «معزولة» على المسرح العالمي.
تقول خلاصة المصادر الأوروبية، إنه إذا كانت الأطراف المعنية كافة «خليجياً وإيرانياً وأميركياً» لا تريد الحرب رسمياً، فإن تسلسل الأحداث كما هو حاصل قد يوجد «دينامية» من شأنها أن توصل إليها إلا إذا نجحت جهة ما، أوروبية أو غير أوروبية، في وقف الاندفاع إلى الهاوية التي يسير الجميع على حافتها.
مساعٍ أوروبية لاستكشاف «هامش التوسط» بين طهران وواشنطن
مساعٍ أوروبية لاستكشاف «هامش التوسط» بين طهران وواشنطن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة