«منتدى الصويرة لحقوق الإنسان»: الثقافة أفضل سلاح لمحاربة العنف

الدورة الثامنة ناقشت دور العامل الثقافي في إرساء التهدئة لتحقيق السلام

من فعاليات «منتدى الصويرة لحقوق الإنسان» في دورة 2019
من فعاليات «منتدى الصويرة لحقوق الإنسان» في دورة 2019
TT

«منتدى الصويرة لحقوق الإنسان»: الثقافة أفضل سلاح لمحاربة العنف

من فعاليات «منتدى الصويرة لحقوق الإنسان» في دورة 2019
من فعاليات «منتدى الصويرة لحقوق الإنسان» في دورة 2019

«لبعث الأمل في النفوس»؛ سعى «منتدى الصويرة لحقوق الإنسان»، الذي نظمه «مهرجان كناوة وموسيقى العالم»، في دورته الـ22، بتعاون مع «المجلس الوطني لحقوق الإنسان»، بمشاركة فنانين وأكاديميين وفاعلين سياسيين وجمعويين من المغرب والمنطقة العربية وأفريقيا وجهات أخرى من العالم، إلى التفكير الجماعي في مسؤولية الفاعل الثقافي، ودوره في التصدي للعنف والعمل على إرساء التهدئة في أفق تحقيق السلام، مع طرح أفكار وبدائل تتطلع إلى عالم أفضل للنساء والرجال من جميع أنحاء العالم.
وانطلق المشاركون في هذه التظاهرة، التي تواصلت على مدى يومين، واختتمت أول من أمس، في إطار محورين أساسيين: «أشكال العنف بين الأصول والتجسيدات الحالية» و«دور الثقافة والفاعل الثقافي»، من «أرضية ترى أن التطرف الديني وأشكال العنف والاعتداءات الإثنية وكراهية الأجانب، وغيرها، تؤكد أن العالم يغوص، أكثر فأكثر، في مستنقع العنف: عنف في الأفعال، ولكن أيضاً في الخطاب حتى بين الدول، في بعض الأحيان، في وقت زادت فيه الشبكات الاجتماعية من حدة هذا العنف، كما عمقه السباق المحموم للقنوات الإخبارية والصانعين الجدد للإعلام».
وأجمع المشاركون في دورة هذه السنة على أن الثقافة كانت، على مدى تاريخ الإنسانية، في قلب التجاذبات وكل أشكال العنف. ولذلك: «ليس من الغريب ولا من الصدفة أن تكون الثقافة هي أول ما يستهدفه الغزاة والمتطرفون، مع أنها السبيل الذي تتحقق عبره نهضة الشعوب، والمحجة التي يعود عبرها السلام ويولد الحوار».
وتحدثت نايلة التازي، منتجة «مهرجان كناوة وموسيقى العالم»، عن الهوية التي حددها المنتدى للقضايا التي يطرحها للنقاش، مشيرة إلى علاقة الفعل الثقافي بالمجتمع والإنسان، ودوره في تحفيز الاقتصاد وتوفير فرص الشغل وتحقيق التنمية.
وبالنسبة لأمينة بوعياش، رئيسة «المجلس الوطني لحقوق الإنسان»، فــ«في التسامح انتصار للإنسانية». ولتوضيح أفكارها انطلقت، في افتتاحيتها من أن ثنائية «الكراهية والتسامح»، التي تتخلل تاريخ الإنسانية، بين الفشل والنجاح، بين الحرب وإعادة الإعمار، بين الأزمة والحل، هي «محرك حتمي لحياتنا على الأرض»؛ قبل أن تستدرك: «ومع ذلك، ليست هناك حاجة لأن نكون متشائمين للغاية. فالكراهية ليست حتمية. لقد نجحنا في الماضي في بناء عالم أفضل؛ أكثر تسامحاً، وأكبر انفتاحاً، ومستنيراً أكثر. لقد تمكنا من تجاوز انقساماتنا ووضع إطار كوني جوهره الإنسان؛ من خلال الحوار المستمر والنقاش والتبادل والاستماع. هكذا نشأت حقوق الإنسان. لأن التسامح، في جوهره، هو العمل المشترك، ويتمثل الغرض الأساسي منه في ضمان الكرامة والحقوق الأساسية للجميع. وفي التسامح يوجد أيضاً بُعد أكثر دقة وأكثر حكمة وأكثر تعقلاً: إنه قبول الآخر، أياً كان، بحكم الواجب».
وشددت بوعياش على أن «واجب التسامح ليس مجرد خصلة اجتماعية أو فضيلة أخلاقية، بل هو في قلب المجتمعات الحرة؛ حيث يساهم حس التحضر والتعايش يومياً في تغذية الديمقراطية وسيادة القانون». لتتساءل: «أليست المؤسسات الديمقراطية، السلاح الحقيقي للحرية، معقلاً للتسامح؟ معقلاً يكون فيه حرمان الآخر من كرامته وإنسانيته وحقه أكبر خطر على الإطلاق». لتختم بالتشديد على أنه «في عالم منقسم أكثر من أي وقت مضى، عالم مزقته زلازل العصر الحديث، يجب الاحتفاء ببصيص الأمل الذي نحمله معنا».
يذكر أن «منتدى الصويرة لحقوق الإنسان»، قد استقبل، منذ إطلاقه في 2012، بوصفه فضاء للحرية والتبادل، متداخلين من كل الآفاق، تبادلوا تجاربهم، وعرضوا أفكارهم ورؤاهم، وعبروا عن آمالهم.
وبالنسبة للمنظمين؛ «فهؤلاء النساء والرجال، القادمون في أغلبيتهم من أفريقيا وكذلك من العالم العربي وأوروبا وأميركا، يستغلون زمن المنتدى؛ لتقاسم خبراتهم وللتفكير في بعض القضايا التي تمس مجتمعاتنا، دون اختزال، ولا لغة الخشب، بل بتواضع العارفين وإنسانية الصادقين. وهم في الغالب فنانون وكتاب وفلاسفة وموسيقيون وشعراء وسينمائيون يأتون إلى الصويرة لفتح النقاش مع جامعيين وباحثين وأنثروبولوجيين وعلماء اجتماع وعلماء سياسة».
وناقش المنتدى في دوراته السبع السابقة مواضيع على علاقة بالراهن الإنساني، تحت عناوين: «مجتمعات متحركة وثقافات حرة» (2012)، و«مجتمعات متحركة وشباب العالم» (2013)، و«أفريقيا المستقبل» (2014)، و«المرأة الأفريقية: الإبداع والمبادرة» (2015)، و«المهاجرون الأفارقة: جذور... حركية... تجذر» (2016)، و«الإبداع والسياسات الثقافية في العهد الرقمي» (2017)، و«حتمية المساواة» (2018).



ماجان القديمة ...أسرارٌ ورجلٌ عظيم

قطعتان ذهبيتان وقطعة نحاسية مصدرها موقع تل أبرق في الإمارات العربية
قطعتان ذهبيتان وقطعة نحاسية مصدرها موقع تل أبرق في الإمارات العربية
TT

ماجان القديمة ...أسرارٌ ورجلٌ عظيم

قطعتان ذهبيتان وقطعة نحاسية مصدرها موقع تل أبرق في الإمارات العربية
قطعتان ذهبيتان وقطعة نحاسية مصدرها موقع تل أبرق في الإمارات العربية

كشفت أعمال المسح المتواصلة في الإمارات العربية المتحدة عن مواقع أثرية موغلة في القدم، منها موقع تل أبرق التابع لإمارة أم القيوين. يحوي هذا التل حصناً يضمّ سلسلة مبانٍ ذات غرف متعددة الأحجام، يجاوره مدفن دائري جماعي كبير. وتُظهر الدراسات أن هذه المنشآت تعود إلى فترة تمتد من الألف الثالث إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، وترتبط بمملكة عُرفت في تراث بلاد الرافدين باسم ماجان. خرجت من هذا التل مجموعة من اللقى تشهد لتعدّدية كبيرة في الأساليب، وضمَّت هذه المجموعة بضع قطع ذهبية، منها قطعة منمنمة على شكل كبش، وقطعة مشابهة على شكل وعلَين متجاورين.

يقع تل أبرق عند الخط الحدودي الفاصل بين إمارة أم القيوين وإمارة الشارقة، حيث يجاور الطريق الرئيسي المؤدي إلى إمارة رأس الخيمة. شرعت بعثة عراقية باستكشاف هذا الموقع في عام 1973، وبعد سنوات، عُهد إلى بعثة دنماركية تابعة لجامعة كوبنهاغن بإجراء أعمال المسح والتنقيب فيه، فأجرت تحت إدارة العالِم دانيال بوتس خمس حملات بين عامَي 1989 و1998. خرج تل أبرق من الظلمة إلى النور إثر هذه الحملات، وعمد فريق من الباحثين التابعين لكلية برين ماور الأميركية وجامعة توبنغن الألمانية على دراسة مكتشفاتها في 2007. تواصلت أعمال التنقيب في السنوات التالية، وأشرفت عليها بشكل خاص بعثة إيطالية تعمل في إمارة أم القيوين منذ مطلع 2019.

استعاد دانيال بوتس فصول استكشاف هذا الموقع في كتاب صدر عام 1999 تحت عنوان «ماجان القديمة... أسرار تل أبرق». زار الباحث تل أبرق للمرة الأولى في 1986، يوم كان يقود أعمال التنقيب في مواقع مجاورة، وزاره ثانية بعد عامين، بحثاً عن مؤشرات أثرية خاصة تتعلّق بالأبحاث التي كان يقودها، وكان يومها يعتقد أن تاريخ هذا التل يعود إلى مطلع الألف الأول قبل الميلاد، ثم عهد إلى العالِمة الدنماركية آن ماري مورتنسن بمشاركته في استكشاف هذا الموقع، وتبيّن له سريعاً أن الأواني التي كشفت عنها أعمال المسح الأولى تعود إلى القرون الثلاثة الأولى قبل الميلاد بشكل مؤكّد. إثر هذا الاكتشاف، تحوّل موقع تل أبرق إلى موقع رئيسي في خريطة المواقع الأثرية التي ظهرت تباعاً في الأراضي التابعة للإمارات العربية المتحدة، وتوّلت البعثة الدنماركية مهمة إجراء أعمال المسح المعمّق فيه خلال خمسة مواسم متتالية.

حمل عنوان كتاب دانيال بوتس اسم «ماجان القديمة»، وهو اسم تردّد في تراث بلاد الرافدين، ويمثّل جزءاً من شبه جزيرة عُمان كما تُجمع الدراسات المعاصرة. يذكر قصي منصور التركي هذا الاسم في كتابه «الصلات الحضارية بين العراق والخليج العربي»، ويقول في تعريفه به: «تعدّدت الإشارات النصية المسمارية عن المنطقة التي عُرفت باسم ماجان، وهي أرض لها ملكها وحاكمها الخاص، أي إنها تمثّل تنظيماً سياسياً، جعل ملوك أكد يتفاخرون بالانتصار عليها واحداً تلو الآخر». عُرف ملك ماجان بأقدم لقب عند السومريين وهو «إين» أي «السيد»، كما عُرف بلقب «لوجال»، ومعناه «الرجل العظيم». واشتهرت ماجان بالمعادن والأحجار، وشكّلت «مملكة ذات شأن كبير، لها ملكها واقتصادها القوي»، ودلَّت الأبحاث الحديثة على أن مستوطنات هذه المملكة، «بما فيها الإمارات العربية وشبه جزيرة عُمان الحالية، كانت لها قاعدة زراعية، ولكي تجري حماية استثماراتهم هذه شعر المستوطنون بضرورة بناء التحصينات الدفاعية الممكنة لقراهم، حيث احتوت كل قرية أو مدينة صغيرة على أبراج مرتفعة، بمنزلة حصن مغلق واسع، يتفاوت ارتفاعاً ومساحةً بين مدينة وأخرى». يُمثّل تل أبرق حصناً من هذه الحصون، ويُشابه في تكوينه قلعة نزوى في سلطنة عُمان، وموقع هيلي في إمارة أبو ظبي.

يتوقّف دانيال بوتس أمام اكتشافه قطعةً ذهبيةً منمنمةً على شكل كبش في مدفن تل أبرق، ويعبّر عن سعادته البالغة بهذا الاكتشاف الذي تلاه اكتشاف آخر هو كناية عن قطعة مشابهة تمثّل كما يبدو وعلَين متجاورين. وتحمل كلٌّ من هاتين القطعتين ثقباً يشير إلى أنها شُكّلت جزءاً من حليٍّ جنائزية. إلى جانب هاتين الحليتين الذهبيتين، تحضر حلقة على شكل خاتم، وقطعة على شكل ورقة نباتية مجرّدة، إضافةً إلى زر صغير، وتُكوّن هذه القطع معاً مجموعة ذهبية صغيرة تجذب ببيرقها كما بصناعتها المتقنة. يحضر الكبش في وضعية جانبية، ويتميّز بطابع تجسيمي دقيق، يتجلى في جانبيه. في المقابل، يحضر الوعلان متقابلين بشكل معاكس، أي الذيل في مواجهة الذيل، ويتميّزان كذلك بحذاقة في التنفيذ تظهر في صياغة أدّق تفاصيل ملامح كل منهما.

يذكر احد النقوش أن «لوجال ماجان»، أي عظيم ماجان، أرسل ذهباً إلى شولكي، ثاني ملوك سلالة أور الثالثة الذي حكم من 2049 إلى 2047 قبل الميلاد. ويربط دانيال بوتس بين قطع تل أبرق الذهبية وبين هذا الذهب، مستنداً إلى هذه الشهادة الأدبية، ويجعل من هذه القطع قطعاً ملكية ماجانية. في الخلاصة، يبرز كبش تل أبرق ووعلاه بأسلوبهما الفني الرفيع، ويشكّلان قطعتين لا نرى ما يماثلهما في ميراث مكتشفات تل أبرق الذي ضمّ مجموعة من البقايا الحيوانية، تُعد الأكبر في شبه الجزيرة العربية.

من هذا الموقع كذلك، عثرت البعثة الإيطالية في عام 2021 على مجموعة من اللقى، منها تمثال نحاسي صغير على شكل وعل، يبلغ طوله 8.4 سنتيمتر. يعود هذا التمثال إلى فترة زمنية مغايرة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث الميلادي، ويتميّز بطابعه الواقعي الذي يعكس أثراً هلنستياً واضحاً. يماثل هذا التمثال مجموعة كبيرة من القطع مصدرها جنوب الجزيرة العربية، كما يماثل قطعاً معدنية عُثر عليها في قرية الفاو، في الربع الخالي من المملكة السعودية.