حالة «تذمر وإرباك» تسود أوساط الصدريين وأنباء عن استقالات داخل كتلتهم

بعد دخول التيار في «لعبة التحاصص» على المناصب الحكومية

أنصار الصدر يتظاهرون وسط بغداد الليلة قبل الماضية (رويترز)
أنصار الصدر يتظاهرون وسط بغداد الليلة قبل الماضية (رويترز)
TT

حالة «تذمر وإرباك» تسود أوساط الصدريين وأنباء عن استقالات داخل كتلتهم

أنصار الصدر يتظاهرون وسط بغداد الليلة قبل الماضية (رويترز)
أنصار الصدر يتظاهرون وسط بغداد الليلة قبل الماضية (رويترز)

قدم حسن العاقولي رئيس كتلة «سائرون» النيابية المدعومة من زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر أمس، استقالته إلى رئاسة مجلس النواب. وفي مؤشر على حالة «الإرباك وعدم الاستقرار» التي يعاني منها التيار الصدري هذه الأيام. عاد العاقولي في وقت لاحق من يوم أمس، وأعلن أنه سيقوم بمراجعة قرار استقالته.
وفيما ذكر العاقولي، الذي يشغل أيضاً منصب الأمين العام لحزب «الاستقامة» الذي أسس عام 2018. أن أسباب قيامه بمراجعة قراره، تعود إلى «وقوف جميع الكتل السياسية بالضد من الاستقالة»، إلا أنه لم يذكر أي إيضاحات بشأن الأسباب التي دعته أصلاً لاتخاذ قرار من هذا النوع.
لكن النائب الصدري الآخر في تحالف «سائرون» رامي السكيني كشف، أمس، عن «مجموعة أسباب» قال إنها تقف وراء قرار الاستقالة. وقال السكيني في مؤتمر صحافي عقده بمبنى البرلمان، إن «الكثير من النواب يفكرون بالاستقالة للكشف عن حقيقة ما يحدث في أروقة العملية السياسية، ومحاولة للإجابة عن تساؤلات المواطنين بشأن إمكانية تقديم متطلباتهم». وأضاف أن «سعي النواب لأن يكون عند حسن ظن المواطنين قد تدفع العديد منهم إلى هذه الخطوة في حال استمرت الكتل السياسية بالوقوف في وجه الإصلاح»، لافتاً إلى أن «الاستقالة لا تعني الهروب وإنما مصارحة الناس بالحقيقة».
ويبدو أن قرار استقالة العاقولي الذي يعد العضو الأبرز في كتلة «سائرون» النيابية، لم يلق ترحيباً حتى داخل الكتل المنافسة الأخرى، نظراً للدور المحوري التي يقوم به العاقولي في تحالف «سائرون» في قضية الصفقات والتفاهمات التي تدور هذه الأيام مع بقية الكتل السياسية حول مناصب الوزراء ورؤساء الهيئات المستقلة والمديرين العامين. من هنا فإن تحالف «الفتح» الذي يتزعمه هادي العامري والمنافس لـ«سائرون»، أبدى عدم ارتياحه لخطوة الاستقالة وطالب من العاقولي التراجع عنها.
وأصدر النائب عن «الفتح» حامد الموسوي، أمس، بياناً أكد فيه الوعد الذي قطعه رئيس كتلة «سائرون» البرلمانية بإعادة النظر في قرار الاستقالة. وقال الموسوي: «كانت لنا زيارة إلى حسن العاقولي لثنيه عن قرار الاستقالة كوننا بحاجة لجهود شخصه وكفاءته بالعمل».
ويؤكد أكثر من مصدر داخل التيار الصدري حالة التذمر وخيبة الأمل التي تسود الأوساط الشعبية الصدرية، نظراً لحالة «الإخفاق والفشل» التي منيت بها كتلة «سائرون» الحائزة على 54 مقعداً نيابياً، وهو الرصيد الأكبر التي حصلت عليه من بين الكتل السياسية في انتخابات مايو (أيار) 2018.
وعن حالة التذمر وعدم الرضا التي تسود الأوساط الشعبية الصدرية هذه الأيام، يقول مصدر مطلع في التيار الصدري لـ«الشرق الأوسط» إن «الجمهور الصدري يشعر بخيبة كبيرة نتيجة عدم التقدم خطوة واحدة في شعارات الإصلاح التي رفعها التيار قبل وبعد الانتخابات وبعدها، وما زال يرى الأمور على حالها برغم مرور عام على الانتخابات، ولم تفلح كتلة سائرون حتى في الضغط لإكمال الكابينة الوزارية أو تحسين الخدمات». ويضيف المصدر: «هناك سبب آخر لحالة الإحباط، وهو ما تردد مؤخراً عن انخراط كتلة (سائرون) في لعبة تقاسم حصص المناصب الحكومية، في وقت ترفع شعار محاربة المحاصصة والطائفية». ويؤكد المصدر أن «الشرائح الشعبية في التيار ما زالت تنظر بعين الاحترام والثقة بزعيم التيار مقتدى الصدر، لكنها تنظر بعين الشك وعدم الثقة لممثليها في البرلمان». ويشير إلى أن «حالة الإحباط لا تشمل الصدريين وحدهم، بل عموم العراقيين، وخاصة التيار المدني منهم، باعتبار دخول الحزب الشيوعي العراقي في تحالف (سائرون)».
وفي مؤشر على استشعار مقتدى الصدر لحالة التذمر وسط اتباعه، أصدر الأسبوع الماضي بياناً منح فيه البرلمان وحكومة عبد المهدي مهلة عشرة أيام لإكمال الكابينة الوزارية التي ما زالت تعاني فراغاً في 4 مناصب (الداخلية والدفاع والتربية والعدل)، إضافة إلى تشديده على وضع الحلول الكفيلة بمعالجة مشكلة التردي في الخدمات وتجهيز الطاقة الكهربائية. ولوح الصدر في موجة احتجاجات جديدة في حال لم ينجح البرلمان والحكومة في تنفيذ مطالبه.
وتعبيراً عن نفاد صبر الجمهور الصدري من حالة التلكؤ والعجز العام الذي يسود الكواليس السياسية هذا الأيام، خرج المئات من أنصار التيار الصدري، مساء أول من أمس، في مظاهرة احتجاجية في ساحة التحرير وسط بغداد، للمطالبة بإكمال الكابينة الوزارية وحل مشكلة الكهرباء خلال مهلة الأيام العشرة التي حددها مقتدى الصدر. وهدد رئيس اللجنة الاحتجاجية التابعة للتيار الصدري إبراهيم الجابري، بـ«إجراءات أخرى» في حال لم يتم الالتزام بمهلة الصدر. وقال الجابري في تصريحات على هامش المظاهرة الاحتجاجية إن: «التصرفات غير المسؤولة للحكومة والبرلمان خلقت أزمة ثقة بينهما وبين أبناء الشعب العراقي»، منتقداً «تنافس كل القوى السياسية على مناصب الدرجات الخاصة وبحثها عن مغانم خاصة بها، تاركين الشعب بما يعانيه من البطالة وكل ما هو سلبي، دون أن تأبه هذه القوى والبرلمان لذلك».
ويشتكي النائب عن تحالف «سائرون» جواد الموسوي، من «عدم وجود الدعم الجماهيري الذي يساند عمل الكتلة ومشروعها الإصلاحي». في إشارة إلى الانتقادات الشديدة التي يوجهها الكثير من أتباع التيار الصدري إلى ممثليهم في البرلمان. وعلل الموسوي في بيان، أمس، استقالة العاقولي بـ«الضغوط التي تتعرض لها الكتلة من قبل الفاسدين الذين يحاولون الوقوف بوجه المشروع الإصلاحي». وتابع: «نحن في (سائرون) نساند وبقوة العاقولي بالتعبير عن رأيه الشخصي بهذا الخصوص ونتدارس تقديم استقالات مماثلة».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».