فلول نظام البشير يحاولون العودة إلى السلطة عبر نافذة «العسكري»

ظلوا في نظام الإنقاذ حتى سقط ويطلبون المشاركة في بديله

الرئيس المعزول عمر البشير خلال إحدى خطبه الجماهيرية بقرية في جنوب دارفور (أ.ف.ب)
الرئيس المعزول عمر البشير خلال إحدى خطبه الجماهيرية بقرية في جنوب دارفور (أ.ف.ب)
TT

فلول نظام البشير يحاولون العودة إلى السلطة عبر نافذة «العسكري»

الرئيس المعزول عمر البشير خلال إحدى خطبه الجماهيرية بقرية في جنوب دارفور (أ.ف.ب)
الرئيس المعزول عمر البشير خلال إحدى خطبه الجماهيرية بقرية في جنوب دارفور (أ.ف.ب)

عقب سقوط نظام الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير في الحادي عشر من أبريل (نيسان) الماضي، وجدت الأحزاب التي كانت تشاركه السلطة والامتيازات نفسها منبوذة ومعزولة من الشارع السوداني وقوى الثورة، ووُصمت بـ«ـسدنة النظام». ولتعود إلى المشهد السياسي من جديد، لتجد لها موطئ قدم في السلطة خلال الفترة الانتقالية، شرعت في مغازلة المجلس العسكري.
من أبرز الأحزاب الموالية لنظام البشير الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة مولانا محمد عثمان الميرغني، المرشد الأعلى لطائفة الختمية، وهي من كبرى الطرق الصوفية في البلاد، وكذلك حزب المؤتمر الشعبي الذي يرأسه علي الحاج، وحركة «الإصلاح الآن» التي يقودها غازي صلاح الدين العتباني. وهذان الفصيلان منشقان عن الإسلاميين منذ سنوات، بالإضافة إلى عدد من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقيات سلام مع النظام السابق، وعشرات الأحزاب الصغيرة المنشقّة أيضاً من الحزبين الكبيرين «الأمة» و«الاتحادي»، ويطلق عليها مسمى أحزاب «الفكة»، لأنها بلا ثقل جماهيري في الشارع السوداني.
في أواخر ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي، عندما بدأت رقعة الاحتجاجات الغاضبة تتسع ضد حكم البشير، وأيقن الجميع بسقوط النظام أعلن 22 حزباً، منها حركة «الإصلاح الآن»، وحزب «الأمة» بقيادة مبارك المهدي، بالإضافة إلى جماعة الإخوان المسلمين، تكوين تحالف «الجبهة الوطنية للتغيير» وفضّت الشراكة مع النظام السابق وانسحبت من أجهزة الحكومة التنفيذية والتشريعية وأيدت الحراك الشعبي، ورغم ذلك لم تجد القبول من قوى الحراك الثوري التي رأت في هذا الموقف محاولة للقفز من السفينة الغارقة.
أسست هذه الأحزاب مجتمعة تحالف «تنسيقية القوى الوطنية» وأعلنت رفضها جملةً وتفصيلاً للاتفاق الذي تم بين المجلس العسكري و«قوى الحرية والتغيير»، ووصفته بالاتفاق المجحف كونه منح الأخيرة 95% من السلطة الانتقالية، وأقصى متعمداً بقية القوى السياسية في البلاد.
ونشطت هذه القوى في أعقاب خطاب رئيس المجلس العسكري الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان، وحديثه عن إلغاء الاتفاق الموقّع مع «قوى الحرية والتغيير»، والذي أكد فيه أن الحوار سيشمل جميع القوى السياسية لإشراكها في المرحلة الانتقالية، وهو ما يتماهى مع رؤية الكيانات التي ترفض أن تكون «قوى الحرية والتغيير» الممثل الوحيد للثورة.
استغلت هذه الأحزاب الخلافات بين المجلس العسكري و«قوى الحرية والتغيير»، حول هياكل السلطة الانتقالية، لتطرح نفسها بديلاً، وأعلنت دعمها وتأييدها للمجلس العسكري لقيادة البلاد في المرحلة الانتقالية، وفي ذات الوقت وجد فيها «العسكري» ضالّته لتمكين نفسه من السلطة واستخدامها كورقة في مواجهة «قوى الحرية والتغيير».
ودفعت هذه القوى بوثيقة تدابير الانتقال، التي طالبت فيها بتشكيل حكومة انتقالية لتصريف الأعمال من (التكنوقراط) تنتهي مهامها بإجراء انتخابات عامة في كل البلاد، وهي ذات الرؤية التي يطرحها المجلس العسكري.
واقترحت الوثيقة تكوين مجلس السيادة من العسكريين يشارك فيه عدد من المدنيين المستقلين على أن تكون رئاسة «السيادي» من القوات المسلحة لتشرف على عملية الانتقال.
ويقول القيادي في حزب المؤتمر الشعبي كمال عمر: «أحزاب تنسيقية القوى الوطنية كانت من (فلول) نظام البشير حتى اللحظات الأخيرة لسقوطه، وهي مطالبة بمراجعة مواقفها السياسية لمشاركتها في السلطة، بدلاً أن تطرح نفسها بديلاً لـ(قوى الحرية والتغيير)».
ويضيف عمر لـ«الشرق الأوسط»: «ما يحدث الآن من تلك الأحزاب يعبّر عن اصطفاف آيديولوجي فرضته ظروف وجود العسكريين في السلطة». وتابع: «(قوى الحرية والتغيير) هي التي قادت الثورة التي أسقطت النظام، ولكن مشكلتها الإعلان الدستوري الذي صاغته لعملية انتقال السلطة الذي أظهر إقصاء واضحاً للآخرين».
ويشير إلى أن الموقف الصحيح الذي كان من المفترض أن تذهب إليه القوى السياسية التي كانت مشاركة مع النظام، أن تدفع في اتجاه نقاط التلاقي بين المجلس العسكري و«قوى الحرية والتغيير» من أجل السودان، وليس البحث عن السلطة.
مصادر داخل تحالف تنسيقية القوى الوطنية أكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن المجلس العسكري أجرى اتصالات بعدد من الأحزاب الموالية للنظام السابق، وتحريك بعض الجماعات السلفية لدعم خطواته المقبلة لمواجهة الضغوط التي تمارسها عليه «قوى الحرية والتغيير»، بل وعرض عليها أن تكون جزءاً من الحكومة المقبلة.
ويضيف القيادي -الذي فضّل حجب اسمه- أن دوافع بعض الأحزاب وبقايا الإسلاميين خاصة للوقوف إلى جانب «العسكري» تأتي من تخوفها من سيطرة اليسار داخل «قوى الحرية والتغيير» على السلطة، وهي التي كانت تغذّي الثورة المضادة. وينبه إلى أن رؤية تنسيقية القوى الوطنية تكاد تتطابق تماماً مع ما يطرحه المجلس العسكري، لتدفعه إلى التنصل من الاتفاق مع «قوى الحرية والتغيير»، ويشير إلى ذلك التطابق في دعوة الطرفين تشكيل حكومة تصريف أعمال من تكنوقراط، وإجراء انتخابات خلال فترة لا تتعدى الأشهر، وهذا التخطيط يقف وراءه الإسلاميون باختلاف كياناتهم خوفاً من أن تطالهم المحاسبة.
ويقول: «تسعى هذه الأحزاب بكل قوة لأن تكون حاضرة خلال الفترة الانتقالية، في محاولة منها لإعادة إنتاج نفس وجودها في الحكومات السابقة إبّان نظام البشير، والتي تقوم على المحاصصة الحزبية». ويتابع: «وهي تدرك تماماً أن حظوظها في الفوز بالانتخابات ضئيلة جداً لأنها لا تستند إلى قواعد شعبية».
ويقول نائب رئيس حركة «الإصلاح الآن» أسامة توفيق، إن «(قوى الحرية والتغيير) تصفنا بـ(سدنة النظام السابق) وتسعى لتصفية حساباتها مع الإسلاميين». وتابع: «حسب علمنا أن كشوفات التطهير جاهزة».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن تنسيقية القوى الوطنية تقترح عاماً واحداً للفترة الانتقالية تتوافق الأحزاب على ميثاق شرف مع المجلس العسكري حتى قيام الانتخابات الحرة الشفافة.
وقال إن وجود القوات المسلحة في الفترة الانتقالية أمر لا مفر منه حتى لا تؤدي الإشكالات التي تعاني منها البلاد إلى فوضى، وأضاف: «اقترحنا أن يكون المجلس السيادي مناصفة بين المجلس العسكري والأحزاب السياسية وأن يكون بلا صلاحيات تؤدي إلى تكريس السلطات في أيدي العسكريين، وأن يكون هنالك مجلس وزراء بصلاحيات واسعة».
وفي موازاة ذلك ينشط بعض الجماعات السلفية المتشددة المحسوبة على النظام السابق، تحت مسمى «تيار نصرة الشريعة» للحيلولة دون التوصل إلى اتفاق بين المجلس العسكري و«قوى الحرية والتغيير»، وقد سيّر هذا التيار مسيرات حاشدة إلى القصر الجمهوري لقطع الطريق أمام التوافق بين الطرفين.
ويستغل هذا التيار المدعوم من بقايا النظام السابق الشعارات الدينية لخلق القطيعة بين الشعب السوداني و«قوى الحرية والتغيير» بدعوى سيطرة اليسار العلماني عليها.
وتتباين المواقف داخل «قوى إعلان الحرية والتغيير» في التعامل مع تلك القوى السياسية، بعضها يدعو إلى عزل الأحزاب التي شاركت في النظام السابق حتى زواله، وأخرى تدعو إلى التنسيق مع الأحزاب التي خرجت من النظام قبل سقوطه لسد الجبهات في الصراع مع المجلس العسكري.
كان نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان -قطاع الشمال- ياسر عرمان، قد قال فور وصوله إلى البلاد الشهر الماضي: «نمد أيادينا بيضاء إلى الإسلاميين الراغبين في نظام جديد».
زعيم حزب الأمة الصادق المهدي، يبدو متشدداً في ضرورة عدم مشاركة سدنة النظام البائد في المرحلة الانتقالية، وتجريد الأحزاب المتحالفة معه من كل الامتيازات غير المشروعة التي حصلوا عليها عن طريق التمكين الجائر، ويبدي مرونة من جهة أخرى في عدم عزل الأحزاب التي كانت لها مواقف مؤيدة للثورة، ويدعو لإشراكها في على الأقل في الجهاز التشريعي.



العاصمة الصومالية تشهد انتخابات في خطوة أولى نحو استعادة حق الاقتراع العام

عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)
عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)
TT

العاصمة الصومالية تشهد انتخابات في خطوة أولى نحو استعادة حق الاقتراع العام

عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)
عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)

يصوت سكان العاصمة الصومالية ​مقديشو اليوم الخميس في انتخابات بلدية تهدف إلى تمهيد الطريق لأول انتخابات وطنية مباشرة في الدولة الواقعة في شرق أفريقيا منذ أكثر من نصف قرن.

وباستثناء انتخابات منطقة بونتلاند شبه المستقلة ومنطقة أرض الصومال الانفصالية، أجرى الصومال آخر انتخابات مباشرة في عام 1969، قبل أشهر من سيطرة الجنرال محمد سياد بري على السلطة في انقلاب. وبعد سنوات من الحرب الأهلية التي أعقبت ‌سقوط بري ‌عام 1991، تم تبني طريقة الانتخابات غير ‌المباشرة ⁠عام ​2004. ‌وكان الهدف هو تعزيز التوافق بين القبائل المتنافسة في مواجهة حركةٍ مسلحة، على الرغم من أن بعض الصوماليين يرون أن السياسيين يفضلون الانتخابات غير المباشرة لأنها تتيح فرصا للفساد.

وبموجب هذا النظام، ينتخب ممثلون للقبائل أعضاء البرلمان، الذين يختارون بعد ذلك الرئيس. ويتولى الرئيس بدوره مسؤولية تعيين رئيس بلدية مقديشو. ويُنظر لانتخابات مقديشو، المدينة التي ⁠يبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة ملايين نسمة والتي تحسنت الأوضاع الأمنية بها خلال السنوات القليلة ‌الماضية على الرغم من استمرار وقوع ‍هجمات يشنها مسلحو «حركة الشباب» ‍المرتبطة بتنظيم القاعدة، على أنها بمثابة اختبار قبل إجراء انتخابات ‍مباشرة على المستوى الوطني.

وقال عبد الشكور أبيب حير عضو لجنة الانتخابات الوطنية إن حوالي 1605 مرشحين سيتنافسون اليوم الخميس على 390 مقعدا بالمجالس المحلية بمقديشو. وسيختار هؤلاء الأعضاء بعد ذلك رئيسا للبلدية. وذكر حير لرويترز «هذا يظهر أن الصومال يقف على قدميه ويمضي قدما... وبعد الانتخابات المحلية، يمكن وسيتم إجراء الانتخابات في جميع ⁠أنحاء البلاد».

وأعاد قانون صدر عام 2024 حق الاقتراع العام قبل الانتخابات الاتحادية المتوقعة العام المقبل. ومع ذلك، توصل الرئيس حسن شيخ محمود في أغسطس آب إلى اتفاق مع بعض قادة المعارضة ينص على أنه بينما سيتم انتخاب النواب مباشرة في عام 2026، سيظل البرلمان هو من يختار الرئيس.

وتقول أحزاب معارضة إن الانتقال سريعا لتطبيق نظام انتخابي جديد من شأنه أن يعزز فرص إعادة انتخاب محمود. ويتساءلون كذلك عما إذا كانت البلاد آمنة بما يكفي لإجراء انتخابات شاملة نظرا لسيطرة حركة الشباب على مساحات شاسعة من المناطق ‌الريفية فضلا عن أنها تشن غارات بشكل متكرر على مناطق سكانية رئيسية.


احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

تجوب فرق الكشافة شوارع بيت لحم، الأربعاء، مع بدء الاحتفالات بعيد الميلاد في المدينة الواقعة بالضفة الغربية المحتلّة، بعد عامين خيّمت عليهما حرب غزة التي حرمت مسقط رأس السيد المسيح، حسب المعتقد المسيحي، من الاحتفال.

لكن هذا العام، بدت المدينة الواقعة في جنوب الضفة الغربية أكثر حيوية، بعد اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، حيث يواجه مئات الآلاف برد الشتاء القارس بعد أن تركتهم الحرب في خيام مهترئة ومنازل مدمرة.

تجوب فرق الكشافة شوارع بيت لحم (أ.ب)

وفي الفاتيكان، من المقرر أن يترأس البابا لاوون الرابع عشر قداس عيد الميلاد الأول له عند الساعة 20:30 بتوقيت غرينتش في كاتدرائية القديس بطرس، بعدما دعا إلى «24 ساعة من السلام في العالم أجمع».

وانتخب الحبر الأعظم الأميركي من قبل مجمع الكرادلة، في مايو (أيار)، عقب وفاة البابا فرنسيس، وهو يتميّز بأسلوب أكثر هدوءاً من سلفه، لكنه سار على خطاه في قضايا أساسية، مثل الهجرة والعدالة الاجتماعية.

«أمل»

في بيت لحم، طغت على الأجواء أصوات الطبول ومزامير القِرَب التي تعزف ألحان تراتيل ميلادية شهيرة، بينما توجّه المسيحيون، صغاراً وكباراً، نحو وسط المدينة حيث ساحة المهد.

وقالت ميلاغروس إنسطاس (17 عاماً) التي ترتدي الزي الأصفر والأزرق لكشافة الساليزيان في بيت لحم «اليوم مليء بالفرح، لأننا (من قبل) لم نكن قادرين على الاحتفال بسبب الحرب».

وعلى غرار سائر دول الشرق الأوسط، يشكّل المسيحيون أقلية في الأراضي المقدسة، إذ لا يزيد عددهم على 185 ألفاً في إسرائيل، و47 ألفاً في الأراضي الفلسطينية.

وشارك مئات الأشخاص في المسيرة التي جابت شارع النجمة الضيق المفضي إلى كنيسة المهد والساحة المؤدية لها.

وتجمّع حشد غفير في ساحة المهد، فيما أطلّ عدد قليل من المتفرجين من شرفات مبنى البلدية لمتابعة الاحتفالات.

وفي وسط الساحة، وقفت شجرة الميلاد الكبيرة المزينة بكرات حمراء وأخرى ذهبية لتزيد بهجة على الأجواء.

ويعود بناء الكنيسة إلى القرن الرابع، وقد بُنيت فوق مغارة يعتقد المسيحيون أن السيد المسيح وُلد فيها قبل أكثر من ألفي عام.

وقالت كاتياب عمايا (18 عاماً)، وهي من أعضاء الكشافة أيضاً، إن عودة الاحتفالات تمثّل رمزاً مهماً لوجود المجتمع المسيحي في المنطقة.

وأضافت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «هذا يمنحنا أملاً بأن المسيحيين ما زالوا هنا يحتفلون، وأننا ما زلنا نحافظ على التقاليد».

في وسط الساحة، وقفت شجرة الميلاد الكبيرة المزينة بكرات حمراء وأخرى ذهبية لتزيد بهجة على الأجواء (أ.ف.ب)

«إخوتنا وأخواتنا في غزة»

خلال الحرب المدمرة التي دارت في قطاع غزة، عمدت بلدية بيت لحم المنظمة للاحتفالات الخاصة بعيد الميلاد إلى تخفيف مظاهر الاحتفال، فاقتصرت على المراسم الدينية.

وقالت عمايا: «هذه الاحتفالات هي بمثابة أمل لشعبنا في غزة... بأنهم سيحتفلون يوماً ما ويعيشون الحياة من جديد».

وقبل ساعات ظهر الأربعاء، وصل بطريرك اللاتين في القدس، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، إلى بيت لحم، استعداداً لترؤس قداس منتصف الليل التقليدي في كنيسة المهد.

وقال لدى وصوله إلى كنيسة المهد أمام المئات من المحتشدين: «أُوصِل لكم التحيات والصلوات من إخوتنا وأخواتنا في غزة».

وكان بيتسابالا زار غزة المدمّرة من الحرب في عطلة نهاية الأسبوع، وترأس قداس عيد الميلاد في رعية العائلة المقدسة بمدينة غزة الأحد.

بطريرك اللاتين في القدس، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا وسط الحشود (أ.ب)

وأُبرم اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» برعاية أميركية وقطرية ومصرية وتركية، ودخل حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن السكان ما زالوا يواجهون حياة صعبة وبائسة بعد فقدان منازلهم وأحبتهم.

وتتبادل إسرائيل و«حماس» الاتهامات بخرق الاتفاق.

«مكان مميّز جداً»

يأمل سكان بيت لحم أن تسهم عودة احتفالات عيد الميلاد في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح.

ويعتمد اقتصاد مدينة بيت لحم، على وجه الخصوص، على السياحة.

وتسببت الحرب في غزة بعزوف السياح عن المجيء خلال الحرب إلا أعداد قليلة جداً، كما تسببت الحرب بارتفاع معدلات البطالة.

لكن الزوار المسيحيين بدأوا، في الأشهر الأخيرة، بالعودة تدريجياً إلى المدينة المقدسة.

يأمل سكان بيت لحم أن تسهم عودة احتفالات عيد الميلاد في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح (أ.ف.ب)

وقال جورج حنا، من بلدة بيت جالا المجاورة «بيت لحم مكان مميّز جداً، نريد أن تصل رسالتنا إلى العالم كله، وهذه هي الطريقة الوحيدة».

وخلص إلى القول: «نأمل أن نتمكن من الاحتفال، وأن يكون الأطفال سعداء، هذا هو العيد بالنسبة لنا».


التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)

رغم اتفاق القاهرة وواشنطن على ضرورة تفعيل خطة لإعادة إعمار غزة، فإن النهج الذي ستتبعه هذه الخطة ما زال غامضاً، فضلاً عن عدم تحديد موعد لعقد مؤتمر في هذا الشأن.

ووسط تسريبات إسرائيلية عن مسعى لإعمار جزئي، وتناغم خطة أميركية جديدة مع هذا المسار العبري من دون رفض للخطة المصرية في إعمار كامل وشامل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية تميم خلاف، لـ«الشرق الأوسط» إن مصر تهدف إلى «إطلاق مسار متكامل بشأن إعمار غزة».

تلك الجهود أكدتها أيضاً الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» قائلة إنها «تتواصل بشكل فعال مع الشركاء بشأن إعمار غزة».

المسار الأول

ومنذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ظهر مساران، أحدهما مصري والآخر أميركي يبدو متناغماً مع طرح إسرائيلي، والاثنان يقودان تصورات على أرض الواقع بشأن إعمار القطاع المدمر بسبب الحرب الإسرائيلية على مدار نحو عامين.

وعقب الاتفاق، كان المسار المصري أسرع في الوجود، وجدد الرئيس المصري التأكيد على عقد مؤتمر لإعمار قطاع غزة، وكان موعد نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، هو المحتمل لذلك التنظيم، ومع عدم عقده قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، قبل أسابيع، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «لتعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

ولتسريع الجهود، قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني يوهان فاديفول، أوائل ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نتشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار، ونأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر، بالتعاون مع الشركاء».

لقطة عامة لخيام نازحين وسط أحوال جوية قاسية في خان يونس جنوب قطاع غزة 18 ديسمبر 2025 (رويترز)

واعتمدت «القمة العربية الطارئة»، التي استضافتها القاهرة في 4 مارس (آذار) الماضي، «خطة إعادة إعمار وتنمية قطاع غزة» التي تستهدف العمل على التعافي المبكر، وإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، وفق مراحل محددة، وفي فترة زمنية تصل إلى 5 سنوات، وبتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار.

ودعت القاهرة إلى عقد مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمار في غزة، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

إعمار من دون تهجير

وحسب عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية والأكاديمي المصري أحمد فؤاد أنور، فإن «مصر تسعى لتوفير توافق أكبر على جعل أي نهج للإعمار، سواء عبر خطة مصرية أو غيرها وفق إطار جعل غزة مكاناً ملائماً للحياة دون أي تهجير أو تهديد للأمن القومي المصري»، متوقعاً أن «تنجح الدبلوماسية المصرية في ذلك كما نجحت في مؤتمر شرم الشيخ للسلام».

ويضيف أنور: «الأولوية لدى مصر هي توفير طوق نجاة للجانب الفلسطيني، وتواصل التعاون مع الشركاء بشكل جدي من أجل توفير الزخم اللازم لإنجاز مهمة الإعمار، سواء كانت نابعة من خطة مصرية أو أميركية شريطة أن تصل بنا لجعل غزة مكاناً ملائما للسكن وليس للتهجير أو المساس بحق الفلسطينيين أو الأمن القومي المصري».

المسار الآخر

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدأت بوادر المسار الآخر الأميركي، وأكد جاريد كوشنر، صهر ترمب في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية، وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، إذا أمكن تأمينها لبدء البناء، بوصفها غزة جديدة؛ وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

ومطلع الأسبوع الحالي، تحدث تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن خطة أعدها كوشنر والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» لإعمار غزة مع اشتراط نزع سلاح «حماس»، بدءاً من الجنوب في رفح على مدار 10 سنوات، وتعنون بـ«رفح الجديدة» (تتمسك بها إسرائيل للبدء بها، والتي تقع على مقربة من الحدود المصرية) دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.

هذا المسار الأميركي المنحاز لإسرائيل، وفق تقديرات فؤاد أنور، «أقرب لصفقة تفاوضية، تريد أن تضع شروطاً تخدم مطالب إسرائيل بنزع (سلاح المقاومة)، والضغط عليها وفي الوقت ذاته احتمال تمرير التهجير دون أن ترفض الخطة المصرية صراحة، وبالتالي هناك اختلاف بين رؤيتي القاهرة وإسرائيل».

أي المسارين سينجح؟

وسط ذلك الاختلاف، والتساؤل بشأن أي المسارين سيكتب لها التموضع، قال وزير الخارجية التركي في تصريحات أدلى بها للصحافيين، السبت، إن «هناك تفاهمات تبعث على الأمل رغم تعنت إسرائيل»، مضيفاً: «هناك دراسة أولية بشأن إعادة إعمار غزة، تم تقديمها ونقاشها بشكل تمهيدي»، وفقاً لما ذكرته وكالة «الأناضول» التركية، غداة اجتماع للوسطاء في مدينة ميامي الأميركية، لبحث مستجدات اتفاق وقف إطلاق النار.

وخرج تقرير «بلومبرغ»، الاثنين، التي نقلت خلاله عن مصادر، أن الولايات المتحدة وحلفاءها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار قطاع غزة، مطلع الشهر المقبل على أقرب تقدير على أن يعقد في واشنطن أو مصر أو مواقع أخرى في ظل سعي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإعطاء زخم جديد لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس».

عمال فلسطينيون يُصلحون قبل أيام طريقاً تضرر من الحرب بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وتعليقاً على تقرير «بلومبرغ»، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، في تصريح خاص، الأربعاء، إن «الجهود الدولية لا تزال مستمرة للتشاور والتنسيق بين الأطراف المعنية، بما في ذلك مصر والولايات المتحدة، وبالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين؛ بهدف تهيئة الظروف الملائمة لإطلاق مسار متكامل للتعافي المبكر وإعادة الإعمار».

وأضاف خلاف: «لا تزال المشاورات جارية بشأن إعادة الإعمار، لدعم الشعب الفلسطيني وتخفيف معاناته، وبما يتسق مع الجهود الأوسع لتثبيت وقف إطلاق النار ودفع مسار التهدئة».

وبشأن مستجدات عقد مؤتمر الإعمار، وهل سيكون بشراكة مع مصر أم منفرداً، وحول مكان انعقاده، قالت الخارجية الأميركية في تصريح خاص مقتضب، إن الولايات المتحدة «تتواصل بشكل فعال مع الشركاء بشأن إعمار غزة».

وتحفظت وزارة الخارجية الأميركية عن الإدلاء بتفاصيل حالية، قائلة: «نتواصل بشكل فعّال مع شركائنا، وليس لدينا أي بيانات رسمية في الوقت الحالي».

ويرى فؤاد أنور، أن «مسار مصر أقرب للنجاح وسط المحادثات والمشاورات المصرية المستمرة لإنجاز مسار الاتفاق»، مشيراً إلى أن «واشنطن لن تغامر بالانحياز الكامل لإسرائيل في المرحلة الثانية المنتظرة والمرتبطة بترتيبات أمنية وإدارية مهمة، وقد تتجاوب مع الأفكار المصرية العربية ونرى مقاربة مغايرة أفضل قليلاً وتبدأ النقاشات بشأنه للوصول لرؤية ذات توافق أكبر».