الفن والحرية وجهان لعملة واحدة في بينالي القاهرة

{النسوية} هيمنت على أعمال الفنانات وقضايا العولمة في الخلفية

العمل التركيبي عشاء للفنان الألماني يوهانس فوجل
العمل التركيبي عشاء للفنان الألماني يوهانس فوجل
TT

الفن والحرية وجهان لعملة واحدة في بينالي القاهرة

العمل التركيبي عشاء للفنان الألماني يوهانس فوجل
العمل التركيبي عشاء للفنان الألماني يوهانس فوجل

لا تكفي جولة واحدة لمشاهدة الأعمال الفنية في بينالي القاهرة، حيث فرض تنوعها الفني، وعرضها في 3 أماكن على المشاهد معاودة المتابعة أكثر من مرة لفعاليات هذه الدورة الـ13 من عمر البينالي الذي يعود من خلالها بعد غياب 8 سنوات، ويستمر حتى أغسطس (آب) القادم.
لم تخل الكثير من الأعمال من التأثر بمناخات العولمة، كهاجس يقبع دائما في خلفية الرسوم، كما برز التأثر بالتطور الهائل في عالم التكنولوجيا، وأثره على العلاقة بين الشرق والغرب، وما يخلفه الاستخدام السيئ لهذا التطور من مشاعر سلبية، ترشح منها دلالات الإحباط والقهر والخوف من الكوارث والحروب، وفقدن الحوار الإنساني بين الدول والشعوب.
في «قصر الفنون» والذي يمثل الفضاء الأوسع للعرض بالبينالي، طغت نظرة تجريدية قلقة إلى المستقبل على العديد من الأعمال، ففي عمل للفنانة السويسرية «فيكتورين مولر» يبرز اللعب على الضوء بتراوحات بين السطوع والخفوت مكونا رئيسيا عن شغفها بالقضايا الوجودية. من خلال منحوتات شفافة بلاستيكية، ويبدو الهواء وكأنه محور إيقاع العمل وكتلته الرئيسية التي تشكل الفراغ وتكسبه طابع الهالة أو الحزمة الضوئية، ما ينعكس على الجسد، ويخرجه من سكونه، فيبدو متمردا على نفسه، وعلى التقاليد النحتية التي تعتمد في الغالب على ثبات الكتلة، فإذا ما وقف المتلقي في محيط الكتلة الرئيسة لهذا العمل تغيرت وتبدلت لتكتسب معنى جديدا في كل مرة بفعل الضوء. أما الفنان الألماني يوهانس فوجل فقدم لنا تصورا عن حياة المستقبل في ظل التكنولوجيا وما سيحل بعالم البشر من خواء عاطفي وإنساني، عبر عمله «عشاء» حيث استخدم الميكانيكا في تحريك أذرع اصطناعية تمسك بأشواك لتناول الطعام في أطباق فارغة، لتترك الأشواك نتيجة هذا الاحتكاك خدوشا سوداء في الأطباق البيضاء، بينما في لوحته الفيديو آرت يجسد الفنان نفسه يبكي بدموع اصطناعية يمده بها جهاز آلي وبوجه فقد تعبيراته، فلا شيء سوى نظرة شاخصة إلى لا شيء.
فيما عكس بعض الفنانين تأثرهم بفن العمارة وتأثيره على الإنسان فجاء لوحات الفنان السويسري دانيل فرانك تعبر عن انطباعاته عن القاهرة بكل حيويتها وصخبها وإيقاع الحياة المتواتر فيها، عبر لوحة ممتدة تمثل سلسلة من الرسوم تعطي المتلقي تلك الدفقة الشعورية التي انتقلت من الفنان لتتجسد على مسطح اللوحة. بينما جسد الفنان الإماراتي مطر بن لاحج رؤيته عبر أيقونات معمارية في الفراغ معززا بذلك العلاقة بين الأعمال الفنية والجمهور، يقف عمل بن لاحج «مقامات الإبداع» أمام متحف الفن الحديث بدار الأوبرا؛ ليستوقف المارة وجمهور المعرض الذين يتبادلون الأدوار كجزء من كينونته. فكل منحوتة من القطع الثماني التي تشكل قوام العمل الفني مستوحاة من رشاقة الخط العربي الكلاسيكي «الثلث» الذي اختاره الفنان ليعبر عن المزج بين الأصالة المعاصرة.
وحول فوضى الحقيقة والعالم الافتراضي وتماهي الحقائق والأكاذيب، جاء عمل الفنان البرازيلي ألكسندر موروتشي مجسدا حالة الإنسان المعاصر وشتاته بين الواقع والوهم، ليحثه بأنه مطالب بالبحث عن الحقيقة. شارك الفنان بعدة مجسمات من بينها لوحات من الرمال والمرايا كتبت عليها كلمتي «حقيقة» و«جوجل» في مواجهة بعضهما البعض. ليجد المشاهد المتلقي نفسه بين هاتين اللوحتين بكل ما تحملانه من رمزية ليتساءل عن حقيقة العالم من حوله. بينما في شريط آخر كتب بكل لغات العالم كلمة «الحقيقة».
لم تغب الحداثة أيضا عن الصور الفوتوغرافية المشاركة في البينالي، فالفنان الإماراتي عمار العطار يطارد هاجسه بانقراض الطقوس الشعبية الإماراتية مقدما عبر صوره الفوتوغرافية توثيقا حسيا وبصريا للإرث والتراث الإماراتي، مترجما رؤيته عبر طقوس دينية واجتماعية في ظل مجتمع كوزموبوليتاني يتسم بتنوع وتعدد الثقافات. ويشدد العطار على نقاط تميز التراث اللامادي عبر توثيق احتفالات الميلاد النبوي التي تنطق بالروحانيات والصفاء.
وتجسد الكثير من اللوحات ظهورا قويا وصارخا للتيار النسوي في الفن التشكيلي عبر أعمال الفنانة الإيطالية ميمونة جريزي التي تمثل تأثرها بالثقافة الإسلامية خاصة الصوفية وتجليات الروح البشرية وأبعادها. وأمام لوحاتها الجذابة في مجمع الفنون بالزمالك، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «تشكل العولمة هاجسا لي وأحاول تتبع تأثيراتها المختلفة على الثقافات والشعوب وتحديدا المرأة، وهنا تلمس الصور حالة الروحانية التي تجمع الأصول الأفريقية والآسيوية والأوروبية عبر الفن وتجسيده لأسلوب الحياة». نساء ميمونة جريزي لهن شخصية يبرز فيها اعتزازهن بأصولهن وتجسدهن الفنانة كجذور في الأرض وبراعم يشعر المتلقي كأنهن يتحدين نساء الفنان الإيطالي مودلياني باستطالتهن التي تمثل كتلة الصورة، وهو مشروع أطلقت عليه اسم «عائشة في بلاد العجائب» حيث تبدو النساء بالزي الإسلامي لكن باللون الأحمر القاني مبتسمات تارة، وحالمات تارة أخرى، مستعينة بالتركيب والفيديو والمؤثرات البصرية لتبدو نساؤها سائرات، أو جالسات في فضاءات غير مألوفة وغرائبية الطابع لكن لا يغيب عنها وجود الطبيعة وسحرها وغموضها.
أما الفنانة نكي لونا من الفلبين فتقدم من خلال عملها «سيدة المنزل» تصورا للمرأة عبر التجهيز في الفراغ باعتبار المرأة كيانا ديناميكيا مهدرة الحقوق، مستغلة جلود الماشية لإعطاء هذه الرمزية زخما فنيا وإنسانيا من منظور نسوي، وأيضا تركيزها على استغلال المرأة في الحروب وحقوقها الغائبة.



عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».