هل بلغت دورة النمو الأميركي نهايتها واقترب شبح الركود العالمي؟

قمة مجموعة الـ 20 في دورتها الـ 13 بالأرجنتين العام الماضي (أرشيف – أ. ب)
قمة مجموعة الـ 20 في دورتها الـ 13 بالأرجنتين العام الماضي (أرشيف – أ. ب)
TT

هل بلغت دورة النمو الأميركي نهايتها واقترب شبح الركود العالمي؟

قمة مجموعة الـ 20 في دورتها الـ 13 بالأرجنتين العام الماضي (أرشيف – أ. ب)
قمة مجموعة الـ 20 في دورتها الـ 13 بالأرجنتين العام الماضي (أرشيف – أ. ب)

يتوقع الخبراء أن يستمر نمو الاقتصاد العالمي في العام الحالي، لكنهم يحذرون من أن الأوضاع تتغيّر في اتجاه سلبي وتمهّد لحصول ركود عام 2020، أو ربما 2021. ولا شك في أن هذا الموضوع سيكون مدار بحث في قمة العشرين التي تعقد دورتها الرابعة عشرة في اليابان قريباً، وسواها من المنابر واللقاءات المعنية بالاقتصاد.
ويشير الخبراء في المقام الأول إلى أن حزم التحفيز العالمية للاقتصاد تقترب من نهايتها، والضغوط التضخمية تتعاظم، بالإضافة إلى أن النزاعات التجارية المتفاقمة تلقي بأعباء كثيرة على دول عدة أساسية في الاقتصاد العالمي ومساراته.
ويعتبر الاقتصاد الأميركي الذي يعيش مرحلة إيجابية منذ سنوات مع نمو متواصل وتراجع مستمر للبطالة مبعث القلق الأكبر. إذ إن قادة الأعمال في الولايات المتحدة يتفقون مع عدد كبير من الخبراء على أن بلادهم يحتمل أن تدخل مرحلة ركود بحلول نهاية عام 2020 لأسباب عدة تأتي في صدارتها السياسة التجارية الحمائية. والاستنتاج نفسه خلص إليه تقرير صدر حديثاً عن الرابطة الوطنية لاقتصاديات الأعمال بناءً على مسح تضمّن ردود 53 من الخبراء الاقتصاديين. وقال الخبير الأميركي في مؤسسة «أكسفورد إيكونوميكس» غريغوري داكو إن معظم المشاركين في المسح أبدوا خشية من التداعيات السلبية للحروب التجارية، وأبرزها النزاع المتفاقم بين الولايات المتحدة والصين، ونُذُر حربين تجاريتين بين الأولى وكل من الهند والمكسيك، بالإضافة إلى الخلاف المستمر لواشنطن مع الاتحاد الأوروبي.
وإذ اعتبر الخبراء الأميركيون أن خطر حدوث ركود وشيك في الولايات المتحدة لا يزال ضئيلاً، حذّروا من أنه سيرتفع بسرعة في العام المقبل، خصوصاً في النصف الثاني منه ليبلغ في أواخره 60 في المائة. وورد في التقرير أن متوسط التوقعات لنمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأخير من العام 2020 بلغ 1.9 في المائة، بتراجع كبير عن نمو الاقتصاد 3.1 في المائة خلال الربع الأول من العام 2019.
والأرجح أن الولايات المتحدة بلغت المراحل الأخيرة من مسلسل النمو الذي بدأ عام 2009. ولا شك في أن إجراءات مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي) والكونغرس وإدارة الرئيس السابق باراك أوباما ساهمت في انتشال البلاد من الركود، واستمر الاتجاه التصاعدي في عهد الرئيس دونالد ترمب.
ولئن يعتبر أكثر الخبراء أن النزاعات التجارية هي المصدر الأول للخطر على الاقتصاد الأميركي وبالتالي العالمي، فإن ذلك لا يلغي وجود عوامل سلبية أخرى. وفي هذا السياق، تداولت مواقع إلكترونية عالمية عدة في الأيام الأخيرة مقالاً تحليلياً للخبير الاقتصادي والأكاديمي الأميركي نورييل روبيني الذي عمل في الإدارة خلال عهد الرئيس بيل كلينتون. وحذّر الخبير، المعروف عموماً بميله إلى التشاؤم، من حصول ركود عام 2020 بمجرد وقوع صدمة ما، حتى لو تحرّكت البنوك المركزية للتصدّي لها بسرعة. ولفت خصوصاً إلى تقلبات أسواق الأسهم الأميركية، وأخطار مرتبطة بارتفاع أشكال الديون الجديدة، بما في ذلك في العديد من الأسواق الناشئة حيث يحصل الكثير من الاقتراض بعملات أجنبية.
ويتخوّف روبيني كثيراً من التوترات القائمة بين بكين وواشنطن، خصوصاً إذا أدّت إلى إقفال الأولى أسواقها في وجه شركات متعددة الجنسية كانت في الأصل أميركية أو تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها. ففي هذه الحالة ستكون الارتدادات السلبية عالمية نظراً إلى اتّساع رقعة انتشار هذه الشركات العملاقة، الأمر الذي سيؤدي إلى أزمة قد تتحوّل إلى ركود بسبب حجم الديون الخاصة والديون الحكومية حول العالم.

4 أسباب أميركية
من جهتها، حذّرت شيلا بير التي كانت رئيسة الوكالة الفدرالية الأميركية لضمان الودائع إبان حصول الأزمة المالية عام 2008، من الغيوم الرمادية المتلبّدة في سماء الاقتصاد الأميركي الذي لا حاجة إلى القول إن أي أزمة كبيرة فيه ستجرّ العالم إلى أزمة. وتحدّثت عن أربعة بواعث رئيسية للقلق: خفض مستوى رؤوس الأموال الإلزامية للبنوك، تعاظم الديون الخاصة، العجز الكبير في الميزانية الفيدرالية، والحجم الضخم للقروض الطلابية.
في ما يتعلّق بالسبب الأول، قالت بير لمجلة «بارون» الأميركية إن تخفيف القيود على رؤوس الأموال الإلزامية للبنوك يحرمها الوسيلة الضرورية لاستيعاب أي هزّة، تماماً كما حصل في 2008 و 2009. وفي هذا السياق، خلصت ذراع بحثية تابعة لوزارة الخزانة الأميركية إلى أن النظام المالي سيكون في خطر كبير إذا تعثر أحد البنوك الكبرى، رغم الإصلاحات التي اعتُمدت بعد أزمة 2008. وكذلك، يعتقد كينيث روغوف أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد أن البنوك المركزية الأساسية في أنحاء العالم غير مهيأة للتعامل مع أزمة مصرفية جديدة.
عن السببين الثاني والثالث، رأت بير أن شيئاً لم يتغير منذ العام 2008، فالأميركيون ينفقون بالاعتماد على الاقتراض، خصوصاً بواسطة بطاقات الائتمان، فيما الإنفاق الفدرالي يتعاظم مع أن الوضع المالي للخزينة العامة ليس سليماً. وبالتالي، سيكون القطاعان الخاص والعام عاجزين عن امتصاص أي صدمة كبيرة.
أما السبب الرابع فقد يتعجب له البعض للوهلة الأولى، لكن العجب يبطل متى علمنا أن حجم القروض الطلابية في الولايات المتحدة يبلغ 1.3 تريليون دولار. والمشكلة أن التعثر المحتمل لن تدفع ثمنه المؤسسات التعليمية بل الحكومة الفدرالية، تماماً كما حصل مع أزمة القروض السكنية التي استتبعت سقوط حجارة الدومينو في أزمة عام 2008.
في الإطار نفسه، رأت دراسة أجراها خبراء معهد أندرسون للإدارة في جامعة كاليفورنيا لوس أنجليس، أن القفزة التي تحققت في ظلّ السياسات المالية التوسعية لإدارة ترمب ستنتهي قريباً وتنهي معها نمواً بدأ قبلها واستمر عقداً. وتوّقعت أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 1.7 في المائة عام 2019 وإلى مستوى قريب من الركود يبلغ 1.1 في المائة عام 2020.
وكتب الخبير الاقتصادي ديفيد شولمان في دراسة المعهد: «قبل سنة، كنا نتطلّع إلى نمو اقتصادي عالمي متزامن، أما اليوم فقد بدأ تباطؤ عالمي متزامن». ولفت إلى أن ركوداً يحصل أواخر العام المقبل سيشكل بطبيعة الحال ضربة لفرص إعادة انتخاب دونالد ترمب لولاية رئاسية ثانية. وأضاف: «بالنسبة إلى التباطؤ العالمي، يتفاقم الضعف بسبب السياسات الحمائية التي تعتمدها إدارة ترمب والشكوك المرتبطة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وسينتقل الضعف العالمي إلى الاقتصاد الأميركي من خلال بيئة تصدير أقل قوة وانخفاض أرباح الشركات».
وعلى الجانب الإيجابي، تتوقع دراسة معهد أندرسون أن يعدّل الاحتياط الفدرالي سياسته خلال العام المقبل بحيث يلطّف آثار الأزمة إذا وقعت، وبحيث يحافظ الاقتصاد الأميركي على مستوى مقبول من النمو عند حدود 2 في المائة عام 2021. وإذا حصل ذلك، يمكن الحديث عندها عن انكماش أو تباطؤ لا عن ركود حقيقي.
خلاصة القول إن دورة الانتعاش التي قادها صعود الاقتصاد الأميركي لا يمكن أن تستمر، فهي متواصلة منذ 38 فصلاً، علماً أن أكبر دورة من هذا النوع في الولايات المتحدة استمرت 40 فصلاً، أي عشر سنوات. ويؤمل أن يكون مسؤولو الدول الكبرى التي تقود سفينة الاقتصاد في مستوى المسؤولية لتمر دورة الهبوط المتوقعة بسلام وبأقل الأضرار الممكنة، خصوصاً أن آثار أزمة 2008 – 2009 لا تزال ماثلة في الأذهان.


مقالات ذات صلة

لاغارد للقادة الأوروبيين: اشتروا المنتجات الأميركية لتجنب حرب تجارية مع ترمب

الاقتصاد لاغارد تتحدث إلى الصحافيين عقب اجتماع مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

لاغارد للقادة الأوروبيين: اشتروا المنتجات الأميركية لتجنب حرب تجارية مع ترمب

حثَّت رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد القادة في أوروبا على التعاون مع ترمب بشأن التعريفات الجمركية وشراء المزيد من المنتجات المصنوعة في أميركا.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)
الاقتصاد مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)

تقلبات اليورو تهدد الاستقرار العالمي

مع اقتراب اليورو من أسوأ شهر له منذ أوائل 2022، يحذر المحللون من أن التقلبات الحادة في العملة قد تصبح المصدر القادم لعدم الاستقرار بالأسواق العالمية.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد مبنى «البنك المركزي الأوروبي» في فرنكفورت بألمانيا (رويترز)

الرسوم الجمركية تهدد النمو الاقتصادي... و«المركزي الأوروبي» يحذّر من تداعيات الحرب التجارية

أشار صناع السياسة في «البنك المركزي الأوروبي»، يوم الثلاثاء، إلى أن أسعار الفائدة بمنطقة اليورو ستستمر في الانخفاض، مع القضاء على التضخم إلى حد كبير.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت (ألمانيا) - لشبونة)
الاقتصاد مفوض الاتحاد الأوروبي للعمل المناخي فوبكي هوكسترا في مؤتمر صحافي على هامش «كوب 29» (رويترز)

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

تتواصل المفاوضات بشكل مكثّف في الكواليس للتوصل إلى تسوية نهائية بين الدول الغنية والنامية رغم تباعد المواقف في مؤتمر المناخ الخميس.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد أشخاص يقومون بتعديل لافتة خارج مكان انعقاد قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة (أ.ب)

أذربيجان تحذر: «كوب 29» لن ينجح دون دعم «مجموعة العشرين»

استؤنفت محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، يوم الاثنين، مع حث المفاوضين على إحراز تقدم بشأن الاتفاق المتعثر.

«الشرق الأوسط» (باكو)

النفط يتراجع مع زيادة المخزونات الأميركية... والعين على اجتماع «أوبك بلس» الأحد

عامل في صناعة النفط والغاز يسير أثناء عمليات منصة حفر في حقل زيتيباي في منطقة مانجستاو بكازاخستان (رويترز)
عامل في صناعة النفط والغاز يسير أثناء عمليات منصة حفر في حقل زيتيباي في منطقة مانجستاو بكازاخستان (رويترز)
TT

النفط يتراجع مع زيادة المخزونات الأميركية... والعين على اجتماع «أوبك بلس» الأحد

عامل في صناعة النفط والغاز يسير أثناء عمليات منصة حفر في حقل زيتيباي في منطقة مانجستاو بكازاخستان (رويترز)
عامل في صناعة النفط والغاز يسير أثناء عمليات منصة حفر في حقل زيتيباي في منطقة مانجستاو بكازاخستان (رويترز)

تراجعت أسعار النفط قليلاً في التعاملات الآسيوية، الخميس، بعد قفزة مفاجئة في مخزونات البنزين في الولايات المتحدة قبل عطلة عيد الشكر، التي أثارت مخاوف بشأن الطلب في أكبر مستهلك للوقود في العالم. وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت 4 سنتات أو 0.1 في المائة إلى 72.79 دولار للبرميل بحلول الساعة 02:20 بتوقيت غرينتش، كما انخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي سنتاً واحداً إلى 68.71 دولار للبرميل. ومن المتوقع أن تكون التداولات متواضعة بسبب العطلة في الولايات المتحدة. وقالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية، الأربعاء، إن مخزونات البنزين في البلاد ارتفعت 3.3 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 22 نوفمبر (تشرين الثاني)، على عكس التوقعات بانخفاض طفيف في مخزونات الوقود قبل موسم العطلات.

وكان المحللون يتوقعون انخفاض مخزونات البنزين الأميركية بمقدار 46 ألف برميل الأسبوع الماضي، بحسب استطلاع أجرته «رويترز» قبل صدور تقرير إدارة معلومات الطاقة. وأثر تباطؤ نمو الطلب على الوقود في أكبر مستهلكَين وهما الولايات المتحدة والصين بشدة على أسعار النفط هذا العام، إلا أن تخفيضات الإمدادات من مجموعة «أوبك بلس»، التي تضم منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وروسيا وحلفاء آخرين، حدّت من الخسائر. وقال مصدران من المجموعة لـ«رويترز»، يوم الثلاثاء، إن الدول الأعضاء تبحث تأجيلاً إضافياً لزيادة مزمعة لإنتاج النفط من المفترض أن تبدأ في يناير (كانون الثاني).

ومن المقرر أن تعقد المجموعة اجتماعاً، يوم الأحد، لتقرير سياسة الإنتاج للأشهر الأولى من 2025. وسبق أن أعلنت المجموعة، التي تضخ نحو نصف نفط العالم، أنها ستقلص تدريجياً تخفيضات إنتاج النفط عن طريق زيادات صغيرة على مدى أشهر عدة في عامي 2024 و2025.

وقال سوفرو ساركار، رئيس فريق قطاع الطاقة في بنك «دي بي إس»، إن تأجيلاً آخر، كما توقع الكثيرون في السوق، كان في الغالب عاملاً في أسعار النفط بالفعل.

وأضاف: «السؤال الوحيد هو ما إذا كان ذلك تأجيلاً لمدة شهر واحد، أو ثلاثة أشهر، أو حتى لفترة أطول. سيعطي ذلك سوق النفط بعض الاتجاه. من ناحية أخرى، سنشعر بالقلق بشأن انخفاض أسعار النفط إذا لم يتم تأجيله».

وخسر برنت وخام غرب تكساس الوسيط أكثر من 3 في المائة لكل منهما حتى الآن هذا الأسبوع، تحت ضغط من موافقة إسرائيل على اتفاق وقف إطلاق النار مع «حزب الله». وقد بدأ وقف إطلاق النار يوم الأربعاء وساعد في تخفيف المخاوف من أن الصراع قد يعطل إمدادات النفط من أكبر منطقة منتجة في الشرق الأوسط.

وقال محللون في بنك «إيه إن زد» إن المشاركين في السوق غير متأكدين من المدة التي قد يستمر فيها توقف القتال، مع بقاء الخلفية الجيوسياسية الأوسع للنفط غامضة.

وحذر رؤساء أبحاث السلع الأساسية في «غولدمان ساكس» و«مورغان ستانلي» في الأيام الأخيرة من أن أسعار النفط مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية بسبب عجز السوق، مشيرين أيضاً إلى خطر محتمل على الإمدادات الإيرانية من العقوبات التي قد يتم تنفيذها في عهد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.