تمسك روسي بـ«محاربة الإرهاب» في إدلب... وقلق أممي ـ غربي من «كارثة إنسانية»

TT

تمسك روسي بـ«محاربة الإرهاب» في إدلب... وقلق أممي ـ غربي من «كارثة إنسانية»

حذر مسؤولون رفيعون في المنظمة الدولية من عواقب إنسانية «كارثية» لأي عملية عسكرية واسعة النطاق يمكن أن تشنها القوات النظامية بدعم روسي في محاولة لاستعادة السيطرة على ادلب، مع إقرارهم بـ«حتمية» مواصلة الحرب ضد «هيئة تحرير الشام» المصنفة أممياً جماعة إرهابية.
وبعد جلسة عقدها مجلس الأمن بطلب من الكويت وألمانيا وبلجيكا، التي ترعى الجانب الإنساني من الأزمة السورية، بدا واضحاً لدبلوماسيين غربيين تحدثوا مع «الشرق الأوسط» أن «روسيا غير راغبة على الإطلاق في التجاوب مع الدعوات إلى موقف موحد من مجلس الأمن من أجل المطالبة بتثبيت وقف النار في شمال غربي سوريا، على رغم العواقب الكارثية على الوضع الإنساني لأي حملة عسكرية واسعة النطاق».
وخلال الجلسة، رأت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري ديكارلو أن الجهود الأممية للتوسط في حل سياسي يلبي تطلعات الشعب السوري «لا يمكن أن تتقدم في بيئة من النزاع المفتوح»، معبرة عن «تفهم الأمم المتحدة جيداً لمواقف رعاة مذكرة تفاهم إدلب» لأنه «بالنسبة لروسيا، فإن وجود هيئة تحرير الشام في منطقة خفض التصعيد، أمر غير مقبول. وبالنسبة لتركيا، فإن عزل والتصدي لأكثر مقاتلي هيئة تحرير الشام تشدداً يتطلبان وقتاً». وشددت على «حتمية التصدي لهيئة تحرير الشام ولكن من دون أن يؤدي ذلك إلى كارثة إنسانية». حذرت من أن «عدم التوصل إلى حل سيخلف عواقب لا يمكن تصورها».
وسلط وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية منسق المعونة الطارئة مارك لوكوك الضوء على «أعمال العنف المستمرة بلا هوادة في ظروف عامة من الإحباط للناس المحاصرين في إدلب، فقال: «نواجه كارثة إنسانية تتكشف أمام أعيننا»، وإذ رسم صورة قاتمة للعنف المتواصل بين القوات الحكومية السورية وحلفائها من جهة وقوى المعارضة المسلحة و«هيئة تحرير الشام» («جبهة النصرة» سابقاً) المصنفة جماعة إرهابية لدى مجلس الأمن، كشف أنه «خلال الأسابيع الستة الماضية، أدت الأعمال القتالية إلى مقتل أكثر من 230 مدنياً، بينهم 69 امرأة و81 طفلاً» بينما «أصيب مئات آخرون». وأضاف أنه منذ 1 مايو (أيار)، «أُجبر ما يقدر بنحو 330 ألف شخص على الفرار من منازلهم»، مؤكداً أن «مخيمات النازحين مكتظة، حيث يضطر كثير من الناس للبقاء في العراء والذين يعيشون على مقربة من القتال يعيشون في خوف دائم من الهجوم التالي». وطالب بوقف الهجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية «على الفور». وأشار إلى أن «العاملين لدى الأمم المتحدة وفي المجال الإنساني الشجاع يخاطرون بحياتهم لمساعدة الآخرين»، آسفاً لأن أكثر من 250 ألف طفل خارج المدرسة الآن كما ألغيت الامتحانات لنحو 400 ألف طالب، علماً بأن 94 مدرسة تستخدم حالياً كملاجئ، وأن مستشفيات عدة أغلقت خوفاً من التعرض للهجوم. وشدد على أنه «بموجب القانون الدولي الإنساني، يجب أن تلتزم كل الأطراف بالامتناع عن مهاجمة المواقع المحمية». وتحدث المندوب الألماني كريستوف هيوسيغن باسم بلاده وبلجيكا والكويت، فندد بحملة الغارات الجوية العشوائية والقصف المدفعي والصاروخي في إدلب، مشيراً إلى وقوع خسائر كبيرة في الأرواح وتدفق أكثر من 300 ألف نازح داخلياً منذ أبريل (نيسان). وطالب ممثل الولايات المتحدة رودني هانتر بإنهاء ما سماه «التصعيد المتهور من قبل نظام بشار الأسد في إدلب»، مضيفاً أنه «يبدو أن وقف النار الأخير انهار». وعبر عن قلق بلاده من التهديد الذي يشكله هذا الهجوم على تركيا، داعياً إلى «استعادة فورية لاتفاق وقف النار». وقال المندوب الفرنسي فرنسوا دولاتر: «نشهد كارثة إنسانية جديدة في شمال غربي سوريا»، مطالباً بعدم جعل إدلب «حلب ثانية». وعبرت نظيرته البريطانية كارين بيرس عن قلقها من استهداف النظام السوري للجيش التركي في الآونة الأخيرة. وتساءلت: «لماذا لا تستطيع السلطات الروسية إقناع السلطات السورية بمتابعة تنفيذ الاتفاق؟»
وحذر المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا من أنه «لا يمكن السكوت» عما سماه «استهداف الإرهابيين لمواقع الجيش السوري وقاعدة حميميم»، مشيراً إلى أن «اتفاق سوتشي لا يمنع مكافحة الإرهاب في إدلب» ومشدداً على «ضرورة عودة المحافظة إلى الدولة».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.