صلابة الموقف السعودي بمواجهة أطماع إيران في المنطقة

صلابة الموقف السعودي بمواجهة أطماع إيران في المنطقة
TT

صلابة الموقف السعودي بمواجهة أطماع إيران في المنطقة

صلابة الموقف السعودي بمواجهة أطماع إيران في المنطقة

انطلاقاً من أهمية دور السعودية في المنطقة العربية والساحة الدولية، وتصديها للتوجهات الإيرانية التي تعمل على زيادة حدة التوتر واستهداف أمن وسلامة المجتمع العربي خصوصاً بعد تشديد العقوبات الأميركية المفروضة عليها، شهدت المكتبات الفرنسية مؤخراً صدور كتاب بعنوان «السعودية وإيران: صراع الكبار» عن دار النشر الفرنسية «إيريك بونييه (Erick Bonnier)» للباحثة لارا الريسي، أستاذة القانون الدولي بجامعة محمد السادس بالرباط ومتخصصة في سياسات منطقة الخليج وإيران، ولها مؤلفات عديدة عن المنطقة.
يقع الكتاب في 277 صفحة من القطع المتوسط، وقدمه أوليفييه دولاج، الصحافي براديو فرنسا الدولي والمتخصص في قضايا الشرق الأوسط خصوصاً الشأن الخليجي، ويشغل نائب رئيس الاتحاد الدولي للصحافيين.
استهلت المؤلفة كتابها بالحديث عن القرار السعودي الصادر في الثالث من يناير (كانون الثاني) 2016، بشأن قطع الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع إيران على خلفية حادث الحريق الذي استهدف السفارة السعودية في طهران، وهو القرار الذي صاحبته نتائج وخيمة للغاية على إيران والمنطقة، ويمثل حلقة من حلقات تدهور العلاقات بين الجانبين لما يربو على 35 عاماً، وهي العلاقات التي تصفها المؤلفة بأنها تتسم دائماً بالتوتر والحذر والصعوبة، نظراً إلى ما بين الجانبين من اختلافات آيديولوجية وسياسية ودينية.
يرصد الكتاب منحنى العلاقات بين الدولتين منذ بدايتها في عام 1928، لافتاً إلى أنها بدأت تشهد توترات واختلافات خصوصاً بعد الثورة الإيرانية 1979 وتأسيس الجمهورية الإسلامية، ومحاولاتها الطائفية في إطار ما يسمى «الهلال الشيعي»، وهو توجه ترتبت عليه زيادة التدخل الإيراني في المنطقة على نحو بدأ يُقلق المملكة العربية السعودية. ويذكر الكتاب أن السعودية اتجهت إلى دعم الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي لمواجهة أطماع إيران ومخططاتها تجاه المنطقة.
وحول أثر قرار قطع السعودية علاقتها مع إيران، تقول الكاتبة إن القرار السعودي هذا كانت له انعكاسات جيوسياسية ليس فقط على المنطقة بأكملها، ولكن أيضاً على المجتمع الدولي، إذ كشف مخططات طهران أمام هذا المجتمع، خصوصاً أن وصول دولة إلى اتخاذ قرار خطير مثل «قطع العلاقات» إنما يتأسس على وجود قرائن وحقائق دامغة حول بلد ما، تؤكد سير هذا البلد عكس المصالح المتفق عليها وتغريده خارج محيطه الإقليمي والدولي.
وتتسم التحركات الإيرانية في المنطقة بالخطورة البالغة كونها تأخذ بعداً دينياً في منطقة يمثل الدين بالنسبة إلى أبنائها أهم وأعز ما يمتلكون، الأمر الذي يزيد من خطورة الدور الإيراني في المنطقة، وتأجيجه للمشاعر الدينية وسط الرأي العام.
إشكالية مهمة أخرى تطرحها لارا الريسي عبر صفحات كتابها تكمن في تساؤل واقعي مفاده: هل التوتر المستعر بين الجانبين الإيراني والسعودي توتر عَرَضي طارئ أم يتسم بالاستمرارية؟ وتفصل الكاتبة هذه الإشكالية بتأكيد بعدين، يكمن الأول في مديات هذا التوتر، بينما يكمن البعد الآخر في تعدد جبهات الخلاف والصراع بين الرياض وطهران، فالأمر يتجاوز نطاق العلاقات الثنائية ويصل إلى حد الخلاف الكبير بين الجانبين في ملفات مهمة وحساسة بالنسبة إلى الجانبين، في سوريا والعراق ولبنان واليمن، حيث تسعى طهران نحو بسط نفوذها هناك مهددةً الأمن الإقليمي.
ومن ثم، تلقي المؤلفة الضوء على الدور السعودي في مجابهة التحركات الإيرانية في المنطقة بتأكيد أن صلابة الموقف السعودي في مجابهة إيران تنعكس على مجلس التعاون الخليجي، وكذلك دولياً.


مقالات ذات صلة

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية
TT

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

فضاءات ومحاور بحث معمق، متخصصة في عوالم التعايش والتناغم المتأصلة والمؤتلِقة ضمن مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، يناقشها ويقاربها كتاب «التسامح في الإمارات... سيرة جديدة وضّاءة للأخوة الإنسانية (شهادات وقصص بطلها الآخر)»، للصحافي والباحث السوري رفعت إسماعيل بوعساف، الصادر، أخيراً، عن دار «ميتافيرس برس» للنشر. ويعرض المؤلِّف أبرز شواهد تآلف وتقارب حضارات وأديان وثقافات، موضحاً أهم المقومات التي امتازت بها وعلى رأسها: تجذّر التواصل والانفتاح في المجتمع، وتمسك قادة الإمارات بالقيم الإنسانية، وسماحة أهلها واتسامهم بالوسطية والاعتدال، والمشروعات والمبادرات النوعية الكفيلة بترسيخ التسامح محلياً وعالمياً (مثل: وثيقة الأخوة الإنسانية، وبيت العائلة الإبراهيمية، ووزارة التسامح، والمعهد الدولي للتسامح، والأعمال والمبادرات الخيرية المتنوعة).

يتضمن الكتاب، الواقع في 411 صفحة، على أربعة أبواب رئيسية، وخاتمة تضم مقترحات وتوصيات. وتناقش فصوله جوانب كثيرة شاملة يُجمل فيها بوعساف، وعبر سير مشاهداته ومعايشاته في الإمارات طوال أكثر من 20 عاماً، وكذا في ضوء خلاصات أبحاثه الخاصة بالدراسة، مصادر وينابيع جدارة وتميز مجتمع الإمارات في مدارات التّسامح، مبيناً في مستهلّ إضاءاته الأبعاد والجذور التاريخية لحكاية التسامح في هذه الأرض، في المحطات والأزمان كافّة، طبقاً لأسانيد وتدوينات تاريخية جليّة، فأهلها لطالما تميزوا بكونهم يحتفون بالآخر المختلف عنهم ويرحبون به ولا يرفضونه أو يعزلون أنفسهم عنه، وهكذا ضمّوا وحضنوا بين ظهرانيهم أفراداً من أعراق ومذاهب شتّى بقوا يبادلونهم الحب ويتأثرون ويؤثّرون بهم، ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً. ويستعرض المؤلف عقبها، حقائق فاعلية وإثمار مساعي وبرامج دولة الإمارات العربية المتحدة، الرامية إلى تعزيز التقارب بين الأديان وأطياف الإنسانية... وكذا إطفاء ألهبة أزمات الهُويات، واستئصال أسباب الصراعات المذهبية وقطع دابر التعصب. ثم يدرس ويحلل ماهيات أعمدة وتجليات التسامح والتعايش في ميادين الحياة بالإمارات: المجتمعية والصحية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والقانونية والإعلامية. ويقدم، أيضاً، جملة شهادات وإشادات لأبرز السياسيين ورجالات الدين والبحاثة والكتّاب الأجانب حول ثراء الإمارات بقيم الانفتاح والتعايش والتواصل، ومنهم: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومسؤولون أمريكيون، ونجم الكرة الأرجنتيني الراحل دييغو مارادونا، والروائي البرازيلي باولو كويلو، ونجم بوليوود شاروخان، وعالم النفس والباحث الكندي البروفسور إدوارد دينر. كما يُفرد الكتاب محطات موسَّعة لشرح طبيعة وقيمة حصاد جهود الدولة ومبادراتها ورؤى قادتها، الضامنة تمكين وتقوية هياكل ومرتكزات التسامح والتآخي الإنساني في مجتمع الإمارات والعالم أجمع، التي تكللها أعمال ومشروعات عمل خيري وإنساني ترصد لها الإمارات ميزانيات ضخمة، تطول أصقاع الأرض قاطبةً ولا تميز فيها بين دين أو إثنية أو طائفة.

ويحفل الباب الرابع في الكتاب، الموسوم «حوارات وسيمفونية»، بحوارات وأحاديث مع رجال دين ومسؤولين ومثقفين وأطباء وإعلاميين ومهندسين ومبدعين، بعضهم يقيم في الدولة منذ أكثر من 60 عاماً، يروون فيها حقائق ومواقف كثيرة، بشأن التسامح وواقع انفتاح المجتمع وقبوله الآخر المختلف ورسوخ التعايش والمحبة فيه. وتضم قائمة هؤلاء المحاورين: أحمد الحَدَّاد، مفتي دبي وعضو «مجلس الإمارات للإفتاء»، وبول هيندر، أسقف الكنيسة الكاثوليكية في جنوب شبه الجزيرة العربية (2004-2022م)، وراجو شروف، رئيس معبد «سندي غورو دربار» الهندوسي، وحمّود الحناوي، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا، وسوريندر سينغ كاندهاري، رئيس معبد «غورو ناناك دربار السيخي»، وعشيش بروا، مسؤول «المركز الاجتماعي البوذي» في الشارقة، وإيان فيرسرفيس، الشريك المؤسس ورئيس تحرير «موتيڤيت ميديا غروب»، وزليخة داود، أول طبيبة نسائية في الإمارات (1964م)، وبيتر هارادين، الرئيس السابق لـ«مجلس العمل السويسري»، وراميش شوكلا، أحد أقدم المصورين في الإمارات.