قلق جنوب سوريا مع انتهاء مهلة التسوية

شباب يرفضون المشاركة في معارك إدلب

عناصر من المعارضة جنوب سوريا (الشرق الاوسط)
عناصر من المعارضة جنوب سوريا (الشرق الاوسط)
TT

قلق جنوب سوريا مع انتهاء مهلة التسوية

عناصر من المعارضة جنوب سوريا (الشرق الاوسط)
عناصر من المعارضة جنوب سوريا (الشرق الاوسط)

تسود جنوب سوريا حالة من الترقب والقلق بعد انتشار أنباء بانتهاء مدة التسوية في المنطقة الجنوبية، بعدما مُددت مهلة التسوية سابقاً إلى ستة أشهر بعد انتهاء المهلة الأولى التي بدأت في يوليو (تموز) الماضي، حيث أعطت المهلة الثانية للمطلوبين للأفرع الأمنية أو المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية والمنشقين عن الجيش السوري مهلة 6 أشهر لإدارة أمورهم قبل تسليم أنفسهم لشعب التجنيد المسؤولة عن تسليمهم لمراكز الخدمة الإلزامية في الجيش السوري والتحاق المنشقين بالقطعات العسكرية التي انشقوا عنها.
وقالت مصادر محلية من جنوب سوريا بأن المهلة السابقة التي منحتها التسوية سمحت للمطلوبين حرية الحركة دون اعتراضهم من قبل حواجز النظام السوري أو سوقهم مباشرة إلى الخدمة العسكرية، مع تخلل الاتفاق لخروقات وتجاوزات قامت بها قوات النظام وتنفيذ اعتقالات منذ بداية التسوية في المنطقة. وأشارت المصادر أنه إذا انتهت المهلة فالكثير يتوقع إعادة إدراج الأسماء المطلوبة على لوائح حواجز قوات النظام السوري المنتشرة في المنطقة، وتصاعد ظاهرة الاعتقالات والسوق الفوري للخدمة الإلزامية.
وأكد أحد أعضاء وفد التفاوض في درعا لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يصدر أي قرار من مكتب الأمن الوطني في دمشق (المسؤول عن ملف مناطق المصالحات) ينهي مدة التسوية الثانية التي منحت للمنطقة الجنوبية مطلع 2018. وأن المهلة التي شارفت على الانتهاء هي المهلة الممنوحة للمتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية والمنشقين، وفقاً للاتفاق الأخير الذي تم بين الأطراف ومنح المطلوبين للخدمة مهلة ٦ أشهر شارفت على الانتهاء خلال الأيام القادمة، أما تسوية أوضاع المطلوبين للأفرع الأمنية والذين بحقهم إذاعات بحث ما تزال التسوية فعالة بحقهم دون تحديد مهلة زمنية لانتهاء مدتها، حتى إزالة كافة المطالب الأمنية عن الشخص، موضحاً أن لجنة التفاوض تعمل على الوصول إلى اتفاق جديد يمنحهم مهلة جديدة لتأجيل سوق المطلوبين إلى الخدمة الإلزامية، وأنه حتى الآن لم يتم الوصول إلى اتفاق جديد لحل قضيتهم.
وأردف أن في جنوب سوريا آلاف المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية والمنشقين، وكثيراً منهم يرفضون الالتحاق بقوات النظام السوري، ومنهم من التحق بقوات النظام السوري بشكل طوعي خلال مدة التسوية الثانية، مشيرا إلى أن الأعداد الكبيرة لهؤلاء المطلوبين قد يسبب توتر جديد في المنطقة إذا ما عادت حواجز النظام السوري استخدام أسلوب اعتقالهم وسوقهم بشكل إجباري وفوري إلى الخدمة الإلزامية، أو مداهمة بيوتهم، وخاصة أن غالبية الشباب في المنطقة يرفض حتى الآن الالتحاق بقوات النظام السوري وملتزمون بالبقاء في مناطقهم.
يقول أحد المطلوبين للخدمة العسكرية في جنوب سوريا بأنه يرفض الالتحاق بالخدمة في صفوف قوات النظام «خوفاً من الزج على جبهات القتال المشتعلة في شمال سوريا»، وأنه لا يرغب في التدخل بالحرب الدائرة بالمنطقة وخاصة أن السنوات الماضية أنهكت عقله ونفسه بحسب تعبيره، وأنه يرغب في حياة مدنية بعيدة عن العسكرة والخوف والمخاطر، وأضاف أن الكثير من أبناء المنطقة يرفضون الالتحاق بالجيش السوري بعد نقل أعداد كبيرة من أبناء المنطقة الموجودين في الجيش إلى جبهات شمال سوريا، ومنهم من يرفض الالتحاق باعتباره أكبر إخوته والمعيل لعائلته وأنه من غير المنطقي ترك العائلة عرضة للفقر والعوز دون معيل.
وأضاف أحمد من درعا (طالب في جامعة دمشق) أنه استطاع استئناف دراسته بعد المرسوم الأخير الذي شمل الطلاب المنقطعين من المناطق التي سيطر عليها الجيش السوري وأجرت عملية التسوية، وأضاف أنه رغم تخلفه عن الالتحاق بالخدمة الإلزامية خلال السنوات الماضية حين سيطرة المعارضة على المنطقة الجنوبية، استطاع بعد إجراء التسوية والتمديد الذي شملها المرور على حواجز النظام من درعا إلى دمشق وصولاً إلى كليته، وأشار إلى أنه الآن بعد انتهاء مدة التسوية سوف يحرم من استكمال تعليمه والتخرج من الكلية، مطالباً الجهات المسؤولة في المحافظة لطرح موضوع الطلاب الجامعيين لمنحهم مهلة إضافية من التسوية لاستكمال تعليمهم وخاصة أن الامتحانات الجامعية قد بدأت في الجامعات السورية، معبراً أنه بات معظم الطلاب المتشابهين بوضعه يعيشون حالة من القلق بعد أنباء انتهاء مدة التسوية وبات الذهاب إلى الجامعة والامتحانات مغامرة خوفاً من اعتراضهم على أحد الحواجز أو الدوريات والسوق مباشرة إلى الخدمة الإلزامية، ما قد يدفعه وزملاءه مجبرين إلى ترك الجامعة والالتزام بالبقاء ضمن مناطقهم، وإضاعة تعب السنين السابقة من الدراسة خوفاً من السوق إلى الخدمة قبل التخرج وعدم النظر بوضعهم على وجه خاص.
ويرى أمجد (شاب في العشرينات) أن الحرب في سوريا أنهكت فئة الشباب، وخاصة أن الخدمة الإلزامية والاحتياطية لم تحدد مدة الخدمة بها كما كانت قبل عام ٢٠١١ محددة بسنة ونصف، حيث إن آخر دورة عسكرية تم تسريحها من الجيش السوري بقي عناصرها ضمن الخدمة مدة ٨ سنوات، وهذه السنوات ستكون استنزافا لعمر الشباب الذي يكون في مرحلة النضوج والإنتاج وبناء المستقبل، لكن الخدمة لسنوات طويلة ستكون عائقا أمام أي مشاريع أو عمل يبني به الشاب نفسه.
رغم الأنباء التي تتحدث عن انتهاء مدة التسوية جنوب سوريا قالت مصادر ميدانية بأن «وتيرة الانشقاقات والفرار من الجيش السوري تصاعدت مؤخراً في المنطقة الجنوبية حيث فرت أعداد فردية من عناصر قوات النظام من محافظة درعا والقنيطرة بعد نقلهم إلى مناطق مشتعلة المعارك أو خطوط تماس مباشرة في شرق سوريا أو شمالها الغربي»، وفضلوا البقاء في مناطق خاضعة للاتفاق الروسي مع المعارضة الذي أجري في يونيو العام الماضي 2018، وهي المناطق التي لا توجد بها مقرات لقوات النظام أو سلطة فعلية للنظام حتى الأن.
كما شكل 15 عنصرا من أبناء محافظة السويداء من قوات الفرقة الخامسة عشرة التابعة للجيش السوري في السويداء فراراً من الفرقة بعد تلقيهم أوامر بنقل أبناء السويداء الموجودين في الفرقة إلى محافظة درعا ومناطق الزلف وتل الصفا المحيطة بالسويداء والتي كانت تنتشر بها خلايا «داعش» سابقاً، معتبرين أن تخصيص أبناء السويداء بأمر النقل إلى هذه المناطق بالمعاملة العنصرية، بينما علق آخرون أن أمر النقل جاء بناء على اتفاقيات ضمنية خاصة بأبناء السويداء تقضي بخدمة أبناء السويداء ضمن المنطقة الجنوبية، لا سيما أن الفرقة أفرغت مواقعها من تلك المناطق (درعا، تلول الصفا، الزلف) بعد نقل عناصرها إلى جبهات الشمال السوري، ولجأ الفارون إلى المرجعيات الدينية والجهات السياسية المسؤولة عن التفاوض في المحافظة مطالبين بحمايتهم وبقاء خدمتهم ضمن تشكيلات الفرقة 15 في السويداء فقط.
وبالتزامن مع ذلك عادت ظاهرة الاغتيالات إلى مناطق التسويات في درعا والقنيطرة مستهدفةً قادة وعناصر من فصائل المعارضة سابقاً، حيث سجل ناشطون في جنوب سوريا 15 حالة اغتيال وقعت خلال الشهرين الماضيين في درعا والقنيطرة، كان آخرها اغتيال أحد أعضاء لجان المصالحة في بلدة عتمان وأعضاء من وفد التفاوض مع الجانب الروسي والنظام في مدينة نوى بريف درعا الغربي وهو قيادي السابق في فصيل فرقة أحرار نوى سابقاً، تلاها هجوم لمجهولين على حاجز لقوات النظام في ريف درعا الغربي ما أسفر عن وقوع قتيل من قوات النظام وجرحى، أيضاً أقدم مجهولون على تفجير مقر لقوات النظام السوري في مدينة الحراك بريف درعا الشرقي قبل أيام، وهو مقر ناحية الشرطة الذي كانت تجري به عمليات إصلاح تحضيراً لإعادة تفعيله في المنطقة.
ويرى مراقبون أن مناطق جنوب سوريا غير مستقرة بعد وتحتاج مزيداً من ترتيب الأوراق لا سيما الأمنية التي تسهل عودة الحياة الطبيعية بعيداً عن أي تجاوزات وخروقات من شأنها تأجيج الموقف في أي لحظة وخاصة إذا ما استمرت أعداد الفارين بالازدياد مع الفئة الرافضة للالتحاق بالخدمة الإلزامية والاحتياطية، وأن معضلة الفرار والتخلف عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية والأعداد الكبيرة التي تشملها عند فئة الشباب في سوريا تفرض وجود حلول لكسب القدرات الشبابية المتبقية في البلاد، وأن الحل الممكن لها هو طرح البدل النقدي الداخلي عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية مقابل زيادة رواتب العسكريين وتحسين تعويضاتهم المادية بعد التسريح تمكنهم من العيش الكريم وتأمين المسكن أو العمل في إحدى مؤسسات الدولة بعد التسريح لضمان مستقبل هذه الفئة، فالكثير من الشباب المتخلفين عن الخدمة العسكرية الرافضين للالتحاق حتى الآن يكونون مجبرين على مغادرة البلاد بطريقة غير شرعية خوفاً من السوق الإجباري إلى الخدمة وتنفيذ مشاريع وأعمال خاصة خارج بلدهم، بالوقت الذي سوريا هي أحوج لمثل هذه الإمكانيات.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.