«معرض الفن والكتاب» يعيد أهل بيروت إلى التراث

المعرض كل سبت على درج الجميزة
المعرض كل سبت على درج الجميزة
TT

«معرض الفن والكتاب» يعيد أهل بيروت إلى التراث

المعرض كل سبت على درج الجميزة
المعرض كل سبت على درج الجميزة

يلقبونه بـ«مونمارتر» بيروت لما يشبه تلك المنطقة الفرنسية الشهيرة بأجوائها الفنية. فـ«درج الجميزة» الذي يعرف بأسماء كثيرة أخرى مثل «درج مار نقولا» و«درج الفن» يعدّ قبلة السيّاح العرب والأجانب ومحطة ثقافية شبه دائمة تنبض في قلب بيروت. فهو يربط بين شارعين عريقين في العاصمة اللبنانية، ألا وهما منطقة مار نقولا وشارع الجميزة. وحالياً يستضيف هذا المعلم التراثي البيروتي القديم مساء كل سبت «معرض الفن والكتاب». «إنها مظاهرة ثقافية ارتأينا إقامتها مرة في الأسبوع من أجل إعادة إحياء فنون لبنانية تنبع من صلب تراثنا». يقول شربل غريّب مؤسس جمعية «ثقافة الكتاب» المنظمة لهذا الحدث. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كما أننا نحاول من خلاله تشجيع الناس على القراءة كونه يتضمن في أحد أقسامه البارزة زاوية خاصة بالكتب». ويرى غريّب الذي ينظم هذه التظاهرة الثقافية منذ نحو سنتين، بأن «درج مار نقولا» يمثل بوابة مفتوحة أمام الفنانين من نحاتين ورسامين ومصممين يحفرون على الخشب والنحاس وغيرها، كي يخرجوا بهوية بيروت الحقيقية إلى الضوء. «أردناه مساحة بعيدة كل البعد عن زمن التكنولوجيا الذي نعيشه. فهنا لا تصادف (لابتوب) ولا (موبايل) ولا أياً من هذه الوسائل التي تلازم إيقاعنا اليومي ليل نهار». يوضح غريّب الذي يشارك شخصياً في هذا المعرض من خلال مجموعة من مؤلفاته إلى جانب نحو 60 فناناً آخرين يأتونه من مختلف المناطق اللبنانية.
ومن الأعمال الحرفية التي تلفتك في هذا المعرض أشغال الـ«دانتيل بروتون» النادرة والتي تروق لربّات المنازل الشغوفات بالفن اليدوي القديم. «لا تزال هذه الأعمال تجذب شريحة لا يستهان بها من اللبنانيين هواة الأعمال اليدوية الحرفية التي تضفي أناقة حقيقية على المنزل». تقول هند صيداوي التي جاءت من بلدة دير القمر خصيصاً لتعرض أعمالها على «درج الجميزة». وتضيف في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «غالبية الزبائن التي تقصدني هنّ من النساء البيروتيات المتذوقات لهذا الفن المرتكز على إبرة تطريز دقيقة يلزمها الكثير من البال الطويل والصبر لإتمامها. كما أن هذه الأشغال النادرة تستقطب السيّاح الأجانب في الوقت نفسه فيتخذون منها هدية قيمة يقدمونها لأصدقائهم من بيروت». أما إبريق الزجاج المنقوش برسومات الزهور الملونة فهو أحد الفنون التي تتقنها اللبنانية هيام أضباشي. «إنها المرة الأولى التي أقف فيها على هذا الدرج التراثي البيروتي وأحد معالم بيروت التاريخية وهو ما يزودني بشعور فرح كبير». تعلق هيام التي تشير في حديثها لـ«الشرق الأوسط» بأن زبائنها هم بغالبيتهم من الشباب الذي يهوى فن التصميم القديم. فهم يشترونها لعرضها بين مقتنياتهم من أعمال فنية حديثة لأنها تشكل الفرق وتؤلّف مشهدية فنية غير مألوفة.
ومع ربيكا جبيلي وهيام زوين نتذوق شوكولاته مصنوعة في البيت ومستوحاة من خلطة برازيلية مزينة بالـ«فيرميسيل» وبرش جوز الهند وحبوب الفاكهة. «إننا طالبتان جامعيتان نشارك في هذا المعرض من باب الترويج لحلوى نحضرها معاً في المنزل ونوضبها في علب بلاستيكية صغيرة تتلألأ فيها حبّات الشوكولاته المصنوعة من الحليب والزبدة وجوز الهند».
ومن مدينة صيدا الجنوبية تجلس سارة على إحدى الدرجات الحجرية تفلش مجموعة من أزرار «البينز» الحديدية والـ«ستيكرز» الملونة. «إنها تجذب عادة طلاب الجامعات والمدارس فيشترون أكثر من قطعة واحدة منها ليعلقوها على أزيائهم. كما يلصقونها على أجهزة الـ«لابتوب» التي يحملونها بشكل شبه دائم خلال دراستهم. تقول سارة التي تعد وقوفها على درج الجميزة تجربة تخوضها لأول مرة.
ومع لوحات الرسم من الأكواريل والزيت والموزاييك تأخذنا مروى رئيس المينا الآتية أيضا من مدينة صيدا في رحلة مع فنون الرسم. وتجلس طالبة الهندسة كلير على كرسي خشبي لترسم لوحاتها السريعة بقلم الرصاص، فتنقل ملامح وجه شخص يقف أمامها بظرف دقائق معدودة ليحملها معه ذكرى من هذا المعرض. «كثيرون يهوون هذا الفن المشهور في شوارع أوروبية ونشاهدها بكثرة في منطقة (مونمارت) الفرنسية. وأحياناً يزودونني بصورة فوتوغرافية لأحد أفراد عائلتهم لأرسمها ويقدمونها لهم كهدية». تعلق كلير في حديثها لـ«الشرق الأوسط».
وعلى إيقاع موسيقى الكمان التي يعزفها أحدهم على واحدة من درجات المعرض تستوقفك مارلين مارغوسيان بمنتجات المونة اللبنانية المصنوعة من مكونات طبيعية. «هي منتجات نحضرها بأنفسنا في بلدتنا الشوفية (عين دارة) من ماء زهر ودبس الرمان وماء الورد وشراب التوت والورد وغيرها. وتتميز بمذاقها الأصيل إذ لا نستخدم أياً من المواد الصناعية فيها».
جولة على «درج الجميزة» مساء كل سبت تشكل محطة ثقافية وفنية أسبوعية تحيي لدى زائرها هاوي الأعمال الحرفية، الشعور بأن بيروت لا تزال بوابة فنون غنية بالتراث والأصالة.


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«أيقونة» الذكاء الاصطناعي «صوفيا» تأسر القلوب في زيمبابوي

«صوفيا» آسرةُ القلوب (أ.ب)
«صوفيا» آسرةُ القلوب (أ.ب)
TT

«أيقونة» الذكاء الاصطناعي «صوفيا» تأسر القلوب في زيمبابوي

«صوفيا» آسرةُ القلوب (أ.ب)
«صوفيا» آسرةُ القلوب (أ.ب)

من خلال إجاباتها على أسئلة وجَّهها وزراء الحكومة والأكاديميون والطلاب حول تغيُّر المناخ، والقانون، وتعاطي المخدرات، وكذلك استفسارات الأطفال عن كيفية «ولادتها»، ووصفها بأنها «نسوية»؛ نجحت الروبوت الشهيرة عالمياً المعروفة باسم «صوفيا» في أسر قلوب الحضور ضمن معرض الابتكارات في زيمبابوي.

وذكرت «أسوشييتد برس» أنّ «صوفيا» تتمتّع بقدرة على محاكاة تعابير الوجه، وإجراء محادثات شبيهة بالبشر مع الناس، والتعرُّف إلى إشاراتهم، مما يجعلها «أيقونة عالمية» للذكاء الاصطناعي، وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي جلبها إلى هذا البلد الواقع في جنوب أفريقيا؛ وقد صُنِّعت بواسطة شركة «هانسون روبوتيكس» في هونغ كونغ عام 2016، ومُنحت الجنسية السعودية في 2017، لتصبح أول روبوت في العالم يحمل جنسية.

هذه المرّة الأولى التي تستضيف فيها زيمبابوي روبوتاً من هذا النوع، فقد أبهرت «صوفيا» كبار السنّ والشباب في جامعة «زيمبابوي» بالعاصمة هراري، إذ حلَّت ضيفة خاصة في فعالية امتدّت لأسبوع حول الذكاء الاصطناعي والابتكار.

خلال الفعالية، ابتسمت «صوفيا» وعبست، واستخدمت إشارات اليد لتوضيح بعض النقاط، وأقامت اتصالاً بصرياً في عدد من التفاعلات الفردية، كما طمأنت الناس إلى أنّ الروبوتات ليست موجودة لإيذاء البشر أو للاستيلاء على أماكنهم.

لكنها كانت سريعة في التمييز بين نفسها والإنسان، عندما أصبحت المحادثات شخصيةً جداً، إذا قالت: «ليست لديّ مشاعر رومانسية تجاه البشر. هدفي هو التعلُّم»؛ رداً على مشاركين في الفعالية شبَّهوها بالنسخة البشرية من بعض زوجات أبنائهم في زيمبابوي اللواتي يُعرفن باستقلاليتهن الشديدة، وجرأتهن، وصراحتهن في المجتمع الذكوري إلى حد كبير.

لكنها اعتذرت عندما نبَّهها أحدهم إلى أنها تجنَّبت النظر إليه، وبدت «صوفيا» أيضاً صبورة عندما تجمَّع حولها الكبار والصغار لالتقاط الصور، وأخذوا يمطرونها بكثير من الأسئلة.

والجمعة، آخر يوم لها في الفعالية، أظهرت ذوقها في الأزياء، وأعربت عن تقديرها لارتداء الزيّ الوطني للبلاد؛ وهو فستان أسود طويل مفتوح من الأمام ومزيَّن بخطوط متعرّجة بالأحمر والأخضر والأبيض. وقالت: «أقدّر الجهد المبذول لجَعْلي أشعر كأنني في وطني بزيمبابوي»، وقد سبق أن زارت القارة السمراء، تحديداً مصر وجنوب أفريقيا ورواندا.

وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إنه يأمل أن تُلهم مشاركة «صوفيا» في الفعالية شباب زيمبابوي «لاكتشاف مسارات مهنية في مجالات الذكاء الاصطناعي، والعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات».