لم يعد السوريون يشعرون بتغير فصول السنة، فبالنسبة لهم صارت كلها مصبوغة بلون الدم، وحتى حلول شهر سبتمبر (أيلول)، الذين يتهيأون خلاله لعودة المدارس وتحضير مؤن الشتاء من أطايب المأكولات السورية، بات قدومه كابوسا يؤرق الغالبية، مع ارتفاع الأسعار وافتقاد الأمن والنزوح وتفاقم الأزمات يوما بعد آخر.
ولم يعد هناك من يفرح بصناعة «المكدوس السوري»، الباذنجان المحشو بالفلفل والجوز المحفوظ بزيت الزيتون، فهذه الأكلة الأساسية والأكثر شعبية وشهرة في البلاد، والتي تخزن منها العائلة المتوسطة ما لا يقل عن 50 كيلوغراما باذنجانا سنويا، باتت مكلفة جدا.
وتقول ماريا، وهي ربة أسرة مكونة من 4 أشخاص: «سنويا كنت أعمل 40 كيلوغراما باذنجانا، لكن هذا العام سأكتفي بعشرين كيلوغراما، إذ أصبح مكلفا جدا. فسعر كيلو الباذنجان مائة ليرة تقريبا، وكيلو الفليفلة 150 ليرة، وسعر كيلو الجوز 2500 ليرة، وسعر لتر واحد من زيت الزيتون 650 ليرة».
وتعد هذه الأسعار باهظة جدا للسوريين؛ إذ تبلغ 3 أضعاف ما كانوا يدفعونه قبل اندلاع الأحداث الدامية في البلاد. وحينها كانت الكلفة الكلية لأعداد المكدوس تبلغ، في أعلى تقدير، 5 آلاف ليرة، فيما تكلف اليوم ما بين 15 و20 ألف ليرة، كما كان إعداده يشمل مواد أخرى كالزيتون والجبنة ودبس الرمان ورب البندورة ودبس الفليفلة، والفول والبامية والملوخية والأرضي شوكي، أما الآن فصار يقتصر على المواد الأساسية فقط.
ويقول منير، موظف حكومي، إن عائلته هذا العام خفضت كميات المواد المخزنة، لا سيما التي تحتاج للتبريد، ليس بسبب ارتفاع الأسعار فقط، بل جراء انقطاع التيار الكهربائي أيضا. ويضيف أن راتبه وراتب زوجته وابنته الكبرى صار بالكاد يكفي لتغطية مصاريف العائلة اليومية.
ويشير خبراء اقتصاديون إلى خلل كبير طرأ على مستوى معيشة السوريين جراء ارتفاع الأسعار الذي شمل كل مناحي الحياة؛ من غذاء ولباس وصحة وتعليم وخدمات. وبحسب دراسة أكاديمية متخصصة في دمشق، قدمها الباحث نضال، طالب، فإن معدل التضخم التراكمي في سوريا، منذ ما قبل عام 2010 حتى نهاية عام 2013، بلغ 173 في المائة.
ووفقا للأرقام الرسمية، كان معدل إنفاق الأسرة قبل عام 2011 (عام اندلاع الثورة السورية) للغذاء فقط يعادل 30 ألف ليرة شهريا تقريبا، أما الآن مع ارتفاع معدل التضخم فإن الإنفاق يبلغ نحو 90 ألف ليرة.
ويقول الدكتور شادي، طبيب أسنان، إن معدل دخله شهريا قبل 2011 كان نحو 3 آلاف دولار، وكان الدولار الواحد يعادل حينها 50 ليرة. ويوضح أنه كان ينفق مع عائلته المؤلفة من 3 أفراد ألفي دولار شهريا، بمستوى معيشي جيد، ويوفر ألف دولار. أما الآن فإن دخله صار أكثر من 5 آلاف دولار (الدولار 170 ليرة سورية)، ينفقها كاملة ولا يستطيع أن يوفر منها شيئا.
ويفكر شادي، حاله حال كثير من السوريين، في الهجرة رغم أن عمله تحسن كثيرا خلال الحرب لعدة أسباب، أولها تقدمه بالعمل وزيادة خبرته، ثانيا كثرة الحوادث والإصابات، وثالثا هجرة كثير من أطباء الأسنان.
وتعمل سليمة، وهي أرملة، في تنظيف المنازل لتعول أسرة من 3 أفراد، ويبلغ دخلها الشهري نحو 40 ألف ليرة، إذ تتقاضى يوميا ما بين 1200 و1500 ليرة، لكنها بالكاد تكفيها لتغطية مصاريف أسبوع أو أسبوعين من الشهر. وتوضح أن 20 ألف ليرة تدفعها لإيجار المنزل، و3 آلاف ليرة ثمن خبز فقط، وما تبقى بالكاد يكفي ثمن الخضار الذي ارتفعت أسعاره بشدة جراء الحرب.
وتقول إن «سعر الفاصوليا الخضراء 300 ليرة، والبامية 400 ليرة، والطماطم 100 ليرة، فإذا أردت تحضير وجبة نباتية لأربعة أشخاص فأحتاج بالقليل إلى 1100 ليرة». وتضيف: «أما بالنسبة للحوم فقد نسيت طعمها منذ عامين».
سبتمبر شهر المؤن و«المكدوس» والمدارس صار عبئا ثقيلا على الأسر السورية
التضخم يلتهم دخول السوريين ويحصر حياتهم بالأساسيات فقط
سبتمبر شهر المؤن و«المكدوس» والمدارس صار عبئا ثقيلا على الأسر السورية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة