مصادر أوروبية لـ«الشرق الأوسط»: لا نريد الانجرار إلى نزاع عسكري بين الولايات المتحدة وإيران

مصادر أوروبية لـ«الشرق الأوسط»: لا نريد الانجرار إلى نزاع عسكري بين الولايات المتحدة وإيران
TT

مصادر أوروبية لـ«الشرق الأوسط»: لا نريد الانجرار إلى نزاع عسكري بين الولايات المتحدة وإيران

مصادر أوروبية لـ«الشرق الأوسط»: لا نريد الانجرار إلى نزاع عسكري بين الولايات المتحدة وإيران

تنظر الدول الأوروبية بكثير من القلق للتطورات المتسارعة في الخليج وتبدي تخوفا من المسار الذي تسلكه على أمن المنطقة وعلى المصالح الأوروبية. وقالت مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن هذه الدول «لا تريد أن تجر إلى نزاع عسكري بين الولايات المتحدة وإيران».
وهذا المعطى الأساسي هو الذي يفسر، بحسب ما قالته، «ردة الفعل الباردة» للعواصم الأوروبية على شريط الفيديو الذي كشفت عنه وزارة الدفاع الأميركية والذي تصوره على أنه البرهان الدامغ على مسؤولية إيران في استهداف الناقلتين النرويجية واليابانية صباح الخميس الماضي في مياه خليج عمان.
وتضيف هذه المصادر أنه حتى بريطانيا التي «صادقت» على القراءة الأميركية لما حصل، إلا أن وزير خارجيتها جيرمي هانت لم يتردد في القول إن حكومته تريد التحري عما حدث «بطريقة مستقلة». أما ردة الفعل الأكثر سلبية، وفق القراءة الأوروبية، فقد جاءت من وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس الذي قام الأسبوع الماضي بزيارة إلى طهران في محاولة لخفض التوتر في الخليج، إذ أعلن أن شريط الفيديو الأميركي «غير كاف لتجريم إيران».
بيد أن الجانب الأوروبي الذي يأخذ على واشنطن ممثلة بالرئيس ترمب وعلى وزيري الخارجية والدفاع «تسرعهم» في استخلاص النتائج ورمي المسؤولية، يعتبر أن الطرف الأميركي «متأرجح» في مقاربته للملف الإيراني والدليل على ذلك أن الرئيس ترمب «لم يستشر أحدا» عندما خرج من الاتفاق في ربيع العام الماضي وفرض عقوبات اقتصادية وتجارية ومالية قاسية على إيران.
لكن، بالمقابل، فإن وزير دفاعه باتريك شاناهان ورغم «الحسم» الأميركي في تحميل مسؤولية الهجوم على الناقلتين، إلا أنه يريد «توافقا دوليا» قبل القيام برد ما على الطرف المعتدي. وقال شاناهان أول من أمس إنه «لدينا مشكلة دولية هناك في الشرق الأوسط وهي ليست مشكلة أميركية والأولوية بالنسبة لي ولـ«جون» بولتون و«مايك» بومبيو هي بناء توافق دولي للتعامل مع هذه المشكلة الدولية».
والخلاصة التي تتوصل إليها المصادر الدبلوماسية المشار إليها، هي أن واشنطن، في حال كانت عازمة اليوم على القيام برد عسكري ما في إطار التأكيد على حرية الملاحة في الممرات البحرية إلا أنها «لن تجد الكثير من الأطراف التي ستقف إلى جانبها رغم أن كثيرين يغلبون أن يكون جهاز إيراني عسكري هو المسؤول عما حصل».
وبرأيها، فإن هذه القراءة هي التي تفسر الرغبة الأميركية في التشاور والسعي لبناء «جبهة واسعة» في حال قررت واشنطن، ردا على استفزازات إيرانية لاحقة، التحرك عسكريا ضد إيران.
وتلاحظ هذه المصادر أنه حتى اليوم، ما زال الطرفان المعنيان يؤكدان أنهما لا يسعيان وراء الحرب. لكن الأمر الذي يثير قلق الأوروبيين وقلق غيرهم أن تكرار الأحداث البحرية والتصعيد العسكري الحوثي عن طريق استهداف منشآت مدنية في السعودية والتوتر القائم «يمكن أن يحول كل خطأ في الحسابات» إلى نزاع مفتوح.
وما يزيد من وجه الخطورة هو بالتحديد «غياب قناة تواصل» مباشرة بين الجانبين الأميركي والإيراني على غرار ما هو قائم في سوريا بين روسيا والولايات المتحدة أو بين روسيا وإسرائيل بحيث تكون «كفيلة بتطويق وضبط» أي حادث يحصل ومنعه من التحول إلى نزاع مفتوح.
ثمة تخوف آخر تعبر عنه المصادر الأوروبية وعنوانه القلق من خروج إيران من الاتفاق النووي في حال تدهورت الأوضاع في منطقة الخليج وخرجت عن السيطرة. وبحسب هذه الرؤية الأوروبية، فإن طهران ردت حتى اليوم على «الضغوط القصوى» التي تمارسها واشنطن عليها بـ«الصبر الاستراتيجي» وراهنت على دور أوروبي بتمكينها من الاستمرار في الاستفادة مما يوفره لها الاتفاق النووي عن طريق الآلية المالية كما راهنت على تعامل الزمن وانتظار الانتخابات الأميركية خريف العام القادم. لكن هذه المصادر تلاحظ أنه في الأسابيع الأخيرة، تغيرت المقاربة الإيرانية لسببين: الأول، أن الآلية الأوروبية لم تصبح بعد فعلية رغم مرور تسعة أشهر على بدء الحديث عنها وبالتالي فإن العقوبات والتدابير الأميركية أخذت تفعل فعلها اقتصاديا واجتماعيا في إيران وتضع السلطات في موقف دقيق داخليا خصوصا الجناح «المعتدل» ممثلا بالرئيس روحاني وبوزير خارجيته محمد جواد ظريف. والثاني، بروز قناعة إيرانية أن الرئيس ترمب يتمتع بحظوظ كبيرة للفوز بولاية ثانية. من هنا، إعلان إيران تخليها عن بعض القيود المنصوصة في الاتفاق النووي مثل كميات اليورانيوم المخصب ونسبة تخصيبه واستعدادها للتخلي عن بنود أخرى. والحال أن اندلاع نزاع عسكري مباشرة أو بالوكالة يمكن أن يدفع طهران للخروج نهائيا من الاتفاق وإعادة إطلاق برنامجها النووي بكامل إمكانياتها المادية والتقنية. وترى المصادر الأوروبية أن أمرا كهذا سيعني «فتح الأبواب أمام المجهول» وأيضا سباقا للتسلح النووي في المنطقة وموت معاهدة الحد من انتشار هذا السلاح.
لا تعني هذه القراءة أن المصادر الأوروبية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»» «تبرئ» إيران وترفع عنها مسؤولية التصعيد. فهي من جهة تلتزم موقفا متشددا من إيران وتلومها على برامجها الصاروخية ــ الباليستية وعلى سياستها الإقليمية. ومن جهة ثانية، لا تستبعد احتمال أن تكون إيران المسؤولة عن العمليات الأخيرة فضلا عن أنها عمدت مؤخرا إلى اتخاذ عقوبات بحقها بسبب نشاطاتها الإرهابية في عدد من بلدان أوروبا مثل فرنسا وبلجيكا وهولندا والدنمارك.
وفي كل هذه المسائل يقترب الموقف الأوروبي كثيرا من مواقف الإدارة الأميركية ما يعني أن هناك توافقا على الأهداف واختلافا على الوسائل. ومن بين الوسائل المختلف عليها الضغوط العسكرية التي لا تريد الأطراف الأوروبية أن تصل إلى مرحلة الحرب المفتوحة التي، في أي حال، تستبعدها المصادر المشار إليها في الوقت الحاضر وفي ظل الوضعيات القائمة اليوم. لكن المعضلة تكمن في أن «الحروب الصغيرة» على غرار الهجمات على البواخر الأربع الشهر الماضي مقابل الفجيرة أو استهداف الناقلتين النرويجية واليابانية صباح الخميس الماضي، قد تفتح الباب أمام حروب أكبر وهو ما يتخوف منه الأوروبيون تحديدا.



الأوروبيون للأمم المتحدة: مستعدون لتفعيل «سناب باك» مع إيران

رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية محمد إسلامي يقدم شرحاً لنائب الرئيس محمد رضا عارف حول عمل أجهزة الطرد المركزي الأسبوع الماضي (الذرية الإيرانية)
رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية محمد إسلامي يقدم شرحاً لنائب الرئيس محمد رضا عارف حول عمل أجهزة الطرد المركزي الأسبوع الماضي (الذرية الإيرانية)
TT

الأوروبيون للأمم المتحدة: مستعدون لتفعيل «سناب باك» مع إيران

رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية محمد إسلامي يقدم شرحاً لنائب الرئيس محمد رضا عارف حول عمل أجهزة الطرد المركزي الأسبوع الماضي (الذرية الإيرانية)
رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية محمد إسلامي يقدم شرحاً لنائب الرئيس محمد رضا عارف حول عمل أجهزة الطرد المركزي الأسبوع الماضي (الذرية الإيرانية)

أبلغت بريطانيا وفرنسا وألمانيا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأنها مستعدة، إذا تطلب الأمر، لتفعيل ما يُسمى بآلية «سناب باك» وإعادة فرض جميع العقوبات الدولية على إيران لمنعها من امتلاك سلاح نووي.

وستفقد هذه الدول القدرة على اتخاذ مثل هذا الإجراء في 18 أكتوبر (تشرين الأول) من العام المقبل مع انقضاء موعد القرار 2231 الصادر من مجلس الأمن بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، بين إيران والقوى الكبرى.

وقال مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، لـ«رويترز»، الأسبوع الماضي، إن إيران تسرع «بشكل كبير» تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء تصل إلى 60 في المائة القريبة من مستوى 90 في المائة تقريباً اللازم لتصنيع أسلحة.

تأتي هذه الخطوة في وقت تعاني فيه إيران من سلسلة من الانتكاسات الاستراتيجية، بما في ذلك هجوم إسرائيل على حليفتيها حركة «حماس» في غزة، وجماعة «حزب الله» في لبنان، إلى جانب الإطاحة ببشار الأسد في سوريا.

وتقول الدول الغربية إنه لا يوجد مبرر لتخصيب اليورانيوم إلى هذا المستوى العالي في إطار أي برنامج مدني، وإنه لا توجد دولة وصلت لهذا المستوى من التخصيب دون أن تنتج قنابل نووية. وتنفي إيران السعي لامتلاك أسلحة نووية.

وفي رسالة إلى مجلس الأمن في السادس من ديسمبر (كانون الأول)، كتب سفراء بريطانيا وألمانيا وفرنسا لدى الأمم المتحدة: «يتعين على إيران خفض وتيرة برنامجها النووي من أجل خلق البيئة السياسية المواتية لتحقيق تقدم ملموس والتوصل إلى حل عبر التفاوض».

وقالوا: «نؤكد تمسكنا باستغلال كل السبل الدبلوماسية لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، بما في ذلك استخدام آلية (الرد السريع) إذا تتطلب الأمر».

وجاءت هذه الرسالة رداً على رسائل وجهتها روسيا وإيران في وقت سابق من الأسبوع الماضي، التي أعقبت مذكرة أوّلية وجهتها بريطانيا وألمانيا وفرنسا إلى المجلس في 27 نوفمبر (تشرين الثاني). وواصلت روسيا وإيران إرسال رسائل أخرى هذا الأسبوع.

جاءت الردود المتبادلة في وقت التقى فيه دبلوماسيون أوروبيون وإيرانيون، أواخر الشهر الماضي، لمناقشة ما إذا كان بإمكانهم العمل على تهدئة التوتر الإقليمي، بما في ذلك ما يتعلق بالبرنامج النووي لطهران، قبل عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وخلال فترة ولايته الأولى، انسحب ترمب من الاتفاق النووي عام 2018.

في رسالة إلى مجلس الأمن يوم الاثنين، حث مبعوث إيران لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، الأوروبيين على «التخلي عن سياستهم الفاشلة وغير الفعالة المتمثلة في الضغط والمواجهة»، وقال: «يتعين عليهم تبني الدبلوماسية والتركيز على إعادة بناء الثقة الضرورية للخروج من المأزق الحالي».

وتبنت الأطراف الأوروبية المشاركة في الاتفاق النووي مع طهران موقفاً أكثر صرامة تجاه إيران في الأشهر القليلة الماضية، لا سيما منذ أن كثفت طهران دعمها العسكري لروسيا في حربها ضد أوكرانيا.

وقال مبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، في رسالة يوم الثلاثاء، إن بريطانيا وألمانيا وفرنسا ليست لها الحق في استخدام آلية «سناب باك»، وإن الحديث عن إمكانية استخدامها يعد تصرفاً غير مسؤول من جانبهم.

وقدم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، يوم الثلاثاء، تقريره نصف السنوي إلى مجلس الأمن بشأن تنفيذ اتفاق 2015، محذراً من وجود «حاجة ماسة إلى حل سلمي للقضية النووية الإيرانية» نظراً للوضع المتدهور في شتى أنحاء الشرق الأوسط.

وينص الاتفاق النووي على أن تعلق إيران جميع الأنشطة المتعلقة بالتخصيب وإعادة المعالجة، بما في ذلك البحث والتطوير، وحظر استيراد أي شيء يمكن أن يسهم في تلك الأنشطة أو تطوير أنظمة توصيل الأسلحة النووية.

ومن شأن إعادة العمل بآلية «سناب باك»، إعادة العمل بـ6 قرارات أممية مجمدة بموجب الاتفاق النووي، وتفرض تلك القرارات حظراً على الأسلحة التقليدية، وتمنع طهران من تطوير الصواريخ الباليستية القادرة على حمل الأسلحة النووية، وتعيد فرض عقوبات على عشرات الأفراد والكيانات. كما سيتم حث الدول على تفتيش الشحنات من إيران وإليها والسماح لها بمصادرة أي شحنة محظورة.