ثمة تحالف قائم بين إسرائيل والولايات المتحدة بخصوص جميع القضايا تقريباً، عدا نقطة أساسية واحدة - الصين. فالدور الذي تلعبه الصين في مشروعات البنية التحتية الجوهرية في إسرائيل يثير قلقاً لدى خبراء أمنيين أميركيين، ما يدفع إسرائيل إلى التحرك باتجاه التراجع عن التزاماتها أمام الصين.
يُذكر أن وفداً رفيع المستوى من مجلس الأمن الوطني الإسرائيلي زار واشنطن في منتصف أبريل (نيسان) الماضي لمقابلة نظراء داخل إدارة ترمب. وركزت المناقشات التي دارت بين الجانبين وترأسها مستشار الأمن الوطني جون بولتون، ومدير مجلس الأمن الوطني الإسرائيلي مير بن شابات، على العلاقات بين إسرائيل والصين.
وفي تغريدة له بعد الاجتماع، أشاد بولتون بالمناقشات التي جرت بين الجانبين وذكر أنها تناولت التعاون المتزايد بين الولايات المتحدة وإسرائيل في مجال شبكات الجيل الخامس والأمن السيبري والتصدي لعناصر سيئة داخل الشرق الأوسط. إلا أن النبرة الإيجابية لبولتون أخفت وراءها المعضلات التي يواجهها صانعو السياسة الأميركيون فيما يتعلق بكيفية تناول الاختلاف المتنامي بين الدولتين إزاء السياسة تجاه الصين.
الشهر الماضي، تلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، داخل البيت الأبيض توبيخاً قاسياً من الرئيس دونالد ترمب بخصوص الروابط المتنامية بين إسرائيل والصين. وأفادت تقارير بأن ترمب أخبر نتنياهو بأنه إذا لم تقيّد إسرائيل روابطها مع الصين، فإن هذا سيؤثر سلباً على التعاون الأمني بين واشنطن وتل أبيب.
جدير بالذكر أن بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو أثارا مخاوف أميركية هذا العام إزاء التعاون الإسرائيلي مع بكين، مع إعلان بومبيو أنه في حال استمرار هذا التعاون، فإن الولايات المتحدة قد تقلص جهود مشاركتها في الاستخبارات مع الجانب الإسرائيلي. وحتى هذه اللحظة، من غير الواضح إذا كانت هذه التهديدات قد تركت تأثيراً على موقف نتنياهو. ومع هذا، فإن الأمر الأهم ربما يكمن في أن ثمة إجماعاً متزايداً داخل الدوائر الأمنية الإسرائيلية حول ضرورة تغيير مسار العلاقات مع الصين.
مصدر دائم للتوتر
الواضح أن كثيرين من الخبراء الأمنيين الأميركيين والإسرائيليين يعتقدون أن بكين تلعب دوراً مثيراً للقلق فيما يخص تكنولوجيا المعلومات التي توفرها في مشروعات أمنية استراتيجية في مجال البنية التحتية داخل إسرائيل، خصوصاً فيما يتعلق بمشروع لتحديث وإدارة ميناء حيفا الذي ظل طيلة عقود قاعدة لعمليات الأسطول السادس الأميركي.
إلى جانب ذلك، هناك مخاوف إزاء مشروعات البنية التحتية المرتبطة بشبكات الجيل الخامس والتي من المقرر أن تضطلع بها شركات صينية، منها «هواوي» (التي اشترت شركتين إسرائيليتين، تعمل واحدة منهما كمركز تطوير لحساب «هواوي»).
ولا تعد هذه المرة الأولى التي تتعرض العلاقات الوثيقة بين الحكومتين الأميركية والإسرائيلية لضغوط بسبب اتفاقات إسرائيلية مع الصين. أواخر تسعينات القرن الماضي، حذرت إدارة كلينتون إسرائيل من أنها في حال عدم تراجعها عن اتفاق لبيع أنظمة «فالكون» المحمولة جواً للإنذار المبكر والسيطرة للصين، فإنها ستعاني عواقب وخيمة. وبالفعل، ألغى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك الاتفاق عام 2000. الأمر الذي أثار غضب الحكومة الصينية. وخلال فترة الرئاسة الأولى لجورج دبليو بوش، حدث موقف مشابه عندما اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي إرييل شارون إلى إلغاء اتفاق مع الصين لبيع طائرات الاستطلاع «هاربي» عام 2004 بسبب ضغوط أميركية قوية.
الوجود التجاري المتنامي للصين
منذ قرابة عقد، بدأت شركات صينية شراء شركات إسرائيلية كبرى -مثل شركة «تنوفا» لمنتجات الألبان التي تعد الأكبر من نوعها داخل إسرائيل، وكذلك واحدة من كبرى الشركات في إسرائيل لإنتاج المبيدات الحشرية أصبحت تُعرف اليوم باسم «أداما للحلول الزراعية». عام 2016 كانت الصين على وشك الاستحواذ على شركة «فونيكس» للتأمين التي كانت تتولى إدارة صناديق معاشات الكثير من الإسرائيليين، لكن الصفقة أُلغيت في الدقيقة الأخيرة.
الملاحَظ أن القطاع التكنولوجي الإسرائيلي استقبل أعلى معدلات الاستثمارات الصينية، خصوصاً منذ أن زادت صعوبة الاستثمار داخل السوق الأميركية أمام الشركات الصينية. ويعتقد بعض المراقبين الأميركيين أن الصين استحوذت على قرابة 25% من قطاع التكنولوجيا في إسرائيل على مدار العقد الماضي.
من جهتها، تشعر واشنطن بالقلق إزاء هذا الوجود الصيني المتزايد وتخشى من إمكانية أن تضع الصين يدها على تقنيات حساسة. وتلقى هذه المخاوف أصداء متنامية في أوساط خبراء أمنيين إسرائيليين. في يناير (كانون الثاني) 2019 قال ناداف أغرامان، رئيس «شين بيت»، جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، خلال محاضرة مغلقة في جامعة تل أبيب إن هذا الاختراق الضخم من جانب الشركات الصينية من الممكن أن يعرض أمن إسرائيل للخطر. أيضاً، يعد الرئيس السابق لـ«الموساد»، أفرايم هاليفي، من بين مَن حذّروا من «الاختراق» الصيني.
واستجابةً لضغوط داخلية وأميركية، تدرس إسرائيل إلغاء بعض الاتفاقات. ويخشى البعض من أن الصين ربما تفكر في الانتقام، ربما في صورة تقديم مساعدات عسكرية واستخباراتية لإيران. إلا أن آخرين يشيرون إلى تنامي الروابط بين الصين وعدد من القوى المناهضة لإيران في المنطقة، خصوصاً المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ما تجلى في اتفاق استثماري أعلنت الصين في وقت قريب إبرامه مع الإمارات بقيمة 3.4 مليار دولار.
التوازن الدقيق
تكشف الأرقام حدوث ارتفاع هائل في حجم التجارة بين إسرائيل والصين خلال العامين الماضيين، مع شروع شركات إسرائيلية في الاستثمار في السوق الصينية بمعدلات تفوق بكثير الحال من قبل. من ناحيتها، تعتقد إسرائيل، كما هو الحال مع غالبية الحلفاء الأميركيين، أنها قادرة على تحقيق توازن بين الاستجابة للمخاوف الأمنية الأميركية والاستمرار في بناء علاقات تجارية مع الصين.
اليوم، تتحرك إسرائيل نحو خلق آليات مثل اللجنة الأميركية للاستثمار الأجنبي داخل الولايات المتحدة، بهدف مراجعة التبعات الأمنية للاستثمارات الأجنبية الكبرى. وجرى تعزيز هذه الجهود في الفترة الأخيرة عبر إجراءات مشتركة بين السلطة التنفيذية والكونغرس. ورغم عدم ذكر الصين في هذا التشريع المقترح، فإن مسودة القانون مصممة بصورة أساسية للتصدي لنفوذها.
الواضح أن المحادثات التي استضافتها واشنطن منتصف أبريل تشكّل خطوة أولى في مرحلة جديدة من الحوار الثنائي الأميركي - الإسرائيلي لتسوية الخلافات بين الجانبين حول السياسات تجاه الصين. الملاحظ أن الصين مثلما الحال مع حلفاء أميركيين آخرين في أوروبا وآسيا، وجدت نفسها مدفوعة داخل التنافس المحتدم بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ. والمؤكد أنها ستسعى لتقليل الأضرار التي سيخلّفها ذلك على علاقاتها ببكين، لكنها تبدو واثقة بمتانة علاقاتها بالصين لدرجة تجعلها على استعداد لإلغاء أو إدخال تغييرات كبرى على بعض الاتفاقات الموقّعة معها.
* خبيران في المعهد الدولي
للدراسات الاستراتيجية - لندن