علاقات لبنان مع سلطات دمشق تتأرجح على حبال ملف اللجوء

في أعقاب تفعيل سلسلة إجراءات للتضييق على اللاجئين

علاقات لبنان مع سلطات دمشق تتأرجح على حبال ملف اللجوء
TT

علاقات لبنان مع سلطات دمشق تتأرجح على حبال ملف اللجوء

علاقات لبنان مع سلطات دمشق تتأرجح على حبال ملف اللجوء

أرخت التطوّرات الأخيرة التي شهدها لبنان، المرتبطة بملف اللجوء السوري، بظلالها على العلاقات اللبنانية - السورية.
وبات واضحاً وجود سياسة جديدة تنتهجها الدولة اللبنانية في التعاطي مع الملف، بعد نحو 8 سنوات من «العشوائية» في معالجة هذه الأزمة، نتيجة الخلافات والانقسامات السياسية الداخلية والضغوط الخارجية التي فعلت فعلها، ولا تزال، معلّقة موضوع العودة إلى أجل غير مسمى.

السياسة اللبنانية الجديدة حيال اللاجئين السوريين اتضحت مما أشيع عن خروج الوفد السوري من قاعة مؤتمر العمل الدولي عام 2019، الذي انعقد في جنيف بسويسرا، أثناء إلقاء وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان كلمته. وفي تلك الكلمة، قال أبو سليمان إنها «تتضمّن موقف لبنان الرسمي»، وإنه «سبق أن أطلع رئيس الجمهوريّة عليها، وأجرى بعض التعديلات الطفيفة مع سفير لبنان لدى المنظمات الدوليّة في جنيف». وبدا أن النظام السوري ليس ممتناً من الموقف اللبناني الرسمي المستجَد، الذي يُحمِّل اللاجئين مسؤولية كل المشكلات والأزمات اللبنانية، ويدفع باتجاه الضغط عليهم للعودة.
المندوب الدائم لدمشق لدى الأمم المتحدة في جنيف، السفير حسام الدين آلا حاول أن يناقض الرواية التي تقدم بها الوفد اللبناني بخصوص موضوع الانسحاب، فقال لوكالة «سانا» السورية الحكومية إن الوفد السوري إلى الدورة الـ108 لمؤتمر العمل الدولي، برئاسة وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ريمة قادري، لم يكن داخل قاعة المؤتمر إبان إلقاء أبو سليمان كلمته، لأن قادري كانت تعقد اجتماعات ثنائية مع نظرائها على هامش الجلسة الصباحية.
وتحدث آلا عن «لغط حاولت بعض الأطراف اللبنانية افتعاله حول مزاعم خروج الوفد السوري من قاعة الاجتماعات، إلا أن أبو سليمان أكد أن الوفد السوري كان جالساً في الصفّ الأول، وحين بدأ يتحدث عن ملف النازحين السوريين بدأ أفراده بالانسحاب، الواحد بعد الآخر... في تكرار لما حصل في عيد العمّال، حين انسحب السفير السوري عند إلقاء كلمتي في الاتحاد العمالي العام».
مصادر في قوى «8 آذار»، المؤيدة للنظام السوري داخل لبنان، وهي مطلعة على الموقف السوري، ذكرت «أن ما أزعج وفد دمشق ليس موقف لبنان من ملف النزوح، إنما أبو سليمان نفسه ومحاولته وحزب (القوات اللبنانية) الذي ينتمي إليه تصوير أن الدولة السورية هي التي ترفض عودة مواطنيها إلى بلدهم». وأكدت المصادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن دمشق «تعتبر موقف بيروت ممتازاً فيما يتعلق بقضية النزوح (اللجوء)، ولا ترى أي مشكلة في الإجراءات المتخذة أخيراً، من منطلق أن ما يعنيها تحقيق العودة من دون أن تتدخل بشؤون لبنان، والتدابير التي يتخذها لتحقيق مصلحته العليا».
من جانب آخر، اللافت أن كلمة أبو سليمان التي وزّعتها «الوكالة الوطنية» في لبنان لم تحمل أي جديد فيما يتعلق بموقف لبنان، يستدعي استنفاراً سورياً، إذ قال وزير العمل اللبناني إنه «لم يعد خافياً على أحد أن أهم التحديات التي يواجهها لبنان، يكمن في العدد غير المسبوق للنازحين (اللاجئين) السوريين منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، ما يجعل لبنان البلد الأول في العالم من حيث حجم النازحين (اللاجئين) نسبة إلى عدد مواطنيه»، مشيراً إلى أن عددهم بات يعادل ثلث عدد المواطنين في لبنان، من دون احتساب أعداد اللاجئين من جنسيات أخرى.

«مسار» لبناني جديد

من جهة ثانية، تُرجح مصادر سياسية لبنانية ألا يكون موقف أبو سليمان ما أزعج وفد دمشق، بل المسار الجديد الذي سلكته الدولة اللبنانية في معالجة ملف اللجوء، وإن كانت الحكومة اللبنانية حتى الساعة لم تبدأ بدراسة الخطة، التي من المفترض أن يعرضها وزير الدولة لشؤون النازحين قريباً على طاولة مجلس الوزراء.
أما أبرز الإجراءات التي اتخذت بالفعل أخيراً، والتي توحي بأن الأمور سلكت طريق اللاعودة في هذا الملف، فجاءت نتيجة قرارات اتخذها أخيراً المجلس الأعلى للدفاع، وأخرى جرى تضمينها مشروع الموازنة. ومن هذه التدابير...
- الترحيل الفوري للداخلين خلسة.
- مكافحة التهريب من خلال المعابر غير الشرعية.
- تغريم المشغّل اللبناني لكل أجنبي لا يحوز إجازة عمل، وهذا ما لحظته الموازنة، بالإضافة إلى مطالبات إلى الجهات المعنية (البلديات - المخاتير- المحافظين - القائمقامين) بإقفال المؤسسات غير الشرعية.
- فرض رسم على عائلة الأجنبي المقيمة في لبنان.
ولم تقف الإجراءات الجديدة المتخذة عند هذا الحد، بل أمهل الجيش اللبناني اللاجئين السوريين والجهات المعنية هدم البيوت الإسمنتية، التي شيّدت بشكل أساسي في بلدة عرسال، وهو قرار اتخذه المجلس الأعلى للدفاع. ورأى ناشطون في المجتمع المدني في لبنان أن الإجراءات الأخيرة التي تطال اللاجئين السوريين تعكس بشكل واضح وجود استراتيجية للضغط عليهم وترحيلهم، واعتبر الناشطون أنها تؤدي جميعها إلى خلق بيئة غير مرحِّبة بهم، والضغط عليهم، عبر إجراءات غير مكتوبة، بدل معالجة هذه القضية بطريقة هادئة.
في المقابل، تؤكد مصادر رسمية لبنانية أن ما يحصل «هو انتقال من مرحلة عدم تطبيق القوانين المرعية الإجراء، إلى تطبيقها بحزم للحد من التداعيات السلبية» للّجوء، على كل القطاعات اللبنانية، «ما سيؤدي في حال ظلت الأمور على ما هي عليه إلى صدام لبناني - سوري، مؤكد في مرحلة قريبة مقبلة».
هذا التناقض نبّهت عليه وزيرة الداخلية والبلديات ريّا الحسن أخيراً، واعتبرت ما وصفته باقتلاع اللاجئين من خيمهم، له انعكاسات خطيرة، وذلك في إشارة إلى قرار بلدية دير الأحمر، في شمال البقاع، بهدم مخيّم للنازحين بعد اعتداء شبان على عناصر الدفاع المدني الأسبوع الماضي.

مواقف عون وباسيل

المعروف أن بعض المسؤولين اللبنانيين، على رأسهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ووزير الخارجية جبران باسيل، يواصلون زيادة الضغوط على المجتمع الدولي لحثّه على المساهمة بإعادة اللاجئين. كما أن المواقف المتتالية الصادرة عن عون أخيراً، التي لوّح فيها صراحة بالاتصال والتنسيق مع حكومة النظام في دمشق لإعادة اللاجئين في حال استمرار «لا مبالاة» المجتمع الدولي في التعامل مع الملف، أثارت جملة تساؤلات حول خلفية هذه المواقف وماهية الخطوات التي قد يتخذها لبنان الرسمي لتسريع عودة هؤلاء.
عون قال أمام مسؤولين غربيين، التقاهم أخيراً، إن لبنان يتطلع لتغيير الموقف الأوروبي من عودة اللاجئين، «لئلا تشتد تداعيات هذا اللجوء على الأوضاع كافة في لبنان، ويجبر على اتخاذ خطوات لتنظيم العودة مع الحكومة السورية». أما باسيل فلا ينفك يتهم «إرادة خارجية واضحة بإبقاء النازحين (اللاجئين) على أرضنا»، وقد حذّر أخيراً خلال زيارته إسبانيا من أن «مدة بقاء السوريين في لبنان في ظل أوضاعهم السيئة، لن تطول، وهم إما سيتجهون نحو أوروبا وإما نحو سوريا... والأفضل لأوروبا أن يعودوا إلى سوريا».

... ونصر الله وقانصو

كذلك انضم أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله إلى الحملة، التي يقودها عون وباسيل، فتحدث في إحدى إطلالاته الأخيرة عن وجود «إصرار أميركي - غربي - خليجي على رفض عودة النازحين (اللاجئين) السوريين إلى بلدهم». وادّعى نصر الله أن الرئيس بشار الأسد سبق أن أكد له خلال لقاء بينهما رغبته أن يعود جميع اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان إلى بلادهم.
وهذا أيضاً ما قاله لـ«الشرق الأوسط» الأمين القطري السابق لحزب «البعث» عاصم قانصو عن أن سلطات دمشق «راغبة بعودة مواطنيها إلى أرضهم بأسرع وقت ممكن، للمساهمة بإعادة الإعمار، خاصة أن 90 في المائة من الأراضي باتت آمنة»، حسب قوله. وأضاف قانصو أن «العدد الفعلي الذي يتوجب العمل على إعادته إلى سوريا هو نحو 800 ألف، باعتبار أن هناك 500 ألف سوري لطالما وُجدوا في لبنان للعمل»، مضيفاً: «الدولة في سوريا لم تتعاط يوماً مع النازحين (اللاجئين) كثقالات ترغب في إلقائهم في بلدان النزوح. بالعكس تماماً، هناك من السياسيين في لبنان وخارج لبنان من يستخدمون ورقة النزوح للضغط على الحكومة في سوريا».
وإذ يستهجن قانصو تحميل بعض المسؤولين اللبنانيين اللاجئين مسؤولية كل الأزمات التي يرزح تحتها لبنان، سواء أزمة الكهرباء أو المياه أو التلوث... يتساءل: «ألم تكن هذه الأزمات موجودة قبل العام 2011؟».

دور البلديات

وبالتزامن مع وضع وزير الدولة لشؤون النازحين - المحسوب على دمشق وقوى «8 آذار» - اللمسات الأخيرة على خطته لعودة اللاجئين، التي نسقها مع دمشق، انتهت وزارة الخارجية في لبنان من تحديث خطة، كانت قد أعدتها عام 2014، تقوم بشكل أساسي - كما تقول - على «تحقيق العودة الآمنة والممرحلة وفق خط زمني محدد»، وعلى أساس تقسيم اللاجئين إلى فئات.
وبعد التصويب بشكل أساسي على موضوع العمالة السورية «غير الشرعية» في لبنان، سواء من قبل «التيار الوطني الحر» (الذي أسّسه الرئيس عون، ويرأسه الوزير باسيل) أو وزارة العمل، ما أدى إلى إقفال عدد كبير من المحال التجارية، التي يعمل فيها سوريون، أوضحت مستشارة وزير الخارجية والمغتربين لشؤون النازحين، الدكتورة علا بطرس (وهي محسوبة على التيار نفسه)، أنه سيجري في المرحلة المقبلة «تفعيل دور البلديات بتطبيق القوانين على كل من لا يحوز إجازة عمل وإقامة، وإقفال المحلات والمؤسسات غير الشرعية، بالتعاون والتنسيق مع الأجهزة المعنية، ومنها الأمن العام».
ولفتت بطرس إلى أن «البلدية في النهاية ضابطة عدلية، وبالتالي عليها أن تحدد من يمتلكون صفة (نازح) بإبراز بطاقة النزوح الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومن هم عمّال دخلوا خلسة أو بشكل شرعي، ولم تعد إقامتهم صالحة... وهنا يجب أن يقوموا بتسوية أوضاعهم من خلال الحصول على إقامة من الأمن العام، وإجازة من وزارة العمل في القطاعات المسموح لهم أن يعملوا فيها، وفق القانون».
وتابعت بطرس، في تصريح أدلت به لـ«الشرق الأوسط»: «كل ما نقوم به في هذا المجال يهدف إلى تنظيم واقع النزوح (اللجوء) السوري، ضمن آلية متكاملة، ومنها تطبيق القوانين على المخالفين، بالتكامل مع قرار المجلس الأعلى للدفاع بالترحيل لكل من يدخل خلسة، مع التشديد على احترام لبنان لالتزاماته تجاه القانون الدولي بعدم الإعادة القسرية».

مصاعب تواجه اللاجئين

حسب سجلات الأمن العام اللبناني، عاد أكثر من 200 لاجئ سوري من لبنان إلى سوريا منذ العام 2017، سواء عبر الرحلات التي ينظمها الأمن العام، أو من خلال مبادرات فردية خاصة.
وتحدّث التقرير السنوي لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» المتعلق بلبنان عن أكثر من مليون لاجئ سوري مسجّل لدى «المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» (المفوضية) في لبنان، في حين تقدّر الحكومة اللبنانية أن عدد السوريين الفعلي في البلاد هو 1.5 مليون.
وبحسب المنظمة الدولية، فإن سياسات الإقامة في لبنان تصعّب على السوريين المحافظة على الصفة القانونية، ما يعرّضهم لتزايد خطر الاستغلال والإساءة، كما أنها تحدّ من قدرتهم على الوصول إلى العمل والتعليم والرعاية الصحية. وكشفت المنظمة أن 74 في المائة من السوريين في لبنان يفتقرون إلى الإقامة القانونية، ويواجهون خطر الاعتقال بسبب وجودهم غير الشرعي في البلاد، موضحة أنه في مارس (آذار) 2018 ألغى لبنان بعض القيود المفروضة على الإقامة للأطفال السوريين اللاجئين، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 سنة.
ونقلت «هيومن رايتس ووتش» عن عدد من اللاجئين في لبنان أنهم يعودون بسبب السياسات القاسية والظروف المتدهورة في لبنان، وليس لأنهم يظنون أن الوضع في سوريا آمن، مشيرة إلى أن «هناك بلديات في لبنان أجلت قسراً آلاف اللاجئين، في إطار عمليات طرد جماعي من دون أساس قانوني أو مراعاة الإجراءات القانونية الواجبة. ولا يزال عشرات الآلاف عرضة للإجلاء».
وعلى صعيد متصل، كشف المسح الإقليمي الخامس، الذي أجرته «المفوضية السامية لشؤون اللاجئين»، حول تصورات ونوايا اللاجئين السوريين المتعلقة بالعودة إلى سوريا لشهر مارس 2019، أنّ نسبة 75.2 في المائة من اللاجئين السوريين يأملون في العودة «يوماً ما» إلى بلادهم. وأوضح المسح الذي شمل كلاً من مصر والعراق ولبنان والأردن، والذي أُجري خلال الفترة الممتدة بين أكتوبر (تشرين الأول) وفبراير (شباط) الفائتين، أنّ نسبة 69.3 في المائة من هؤلاء لا ينوون العودة إلى سوريا خلال الأشهر الـ12 المقبلة. كذلك بيّن أنّ نسبة السوريين الذين ينوون العودة خلال الأشهر الـ12 المقبلة بلغت 5.9 في المائة، في حين قُدّرت نسبة اللاجئين الذين لم يتخذوا قرارهم بعد بـ5.5 في المائة، ونسبة الذين لا يأملون في العودة بـ19.3 في المائة.
أما أبرز الأسباب التي تؤخر العودة، لـ19.3 في المائة، فهي؛ الوضع الأمني السيئ، فرص العمل السيئة، نقص المأوى، الخدمة العسكرية، الخدمات الأساسية المحدودة، الخوف من الاعتقال، تدهور التعليم، تعذر التوصل إلى حل سياسي، بالإضافة إلى أسباب أخرى.
وعلى مستوى لبنان، كشف مشروع «اللاجئون شركاء» أنّ 84 في المائة من العمالة السورية في لبنان تقتصر على قطاعي الزراعة والبناء، وهي قطاعات مسموح بها، بموجب قانون العمل اللبناني.
كذلك بيّن المشروع أنّ اللاجئين الأكثر ضعفاً هم الذين يحصلون على المساعدات المالية التي بالكاد تغطي احتياجاتهم؛ علماً بأن 90 في المائة منهم يقترضون المال لدفع تكاليف الإيجار والغذاء والرعاية الصحية؛ حيث إن 9 من أصل 10 عائلات سورية نازحة في لبنان تراكمت عليها ديون في العام 2018.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.