مسيرات السلام الأفغانية لمقابلة «طالبان التي تشبهنا»

نجحت في الجلوس مع أعداء حكومة الرئيس أشرف غني

مسيرات السلام الأفغانية إلى ننغرهار حيث تمركز «طالبان» استغرقت نحو 30 يوماً (إ.ب.أ)
مسيرات السلام الأفغانية إلى ننغرهار حيث تمركز «طالبان» استغرقت نحو 30 يوماً (إ.ب.أ)
TT

مسيرات السلام الأفغانية لمقابلة «طالبان التي تشبهنا»

مسيرات السلام الأفغانية إلى ننغرهار حيث تمركز «طالبان» استغرقت نحو 30 يوماً (إ.ب.أ)
مسيرات السلام الأفغانية إلى ننغرهار حيث تمركز «طالبان» استغرقت نحو 30 يوماً (إ.ب.أ)

توجهت مسيرة السلام الأفغانية المحملة بالمظلات والأحذية الخفيف الاحتياطية إلى مناطق جماعة «طالبان» بداية الشهر الجاري وفي نهاية المطاف نجحت في تحقيق هدفها الذي لطالما تأخر، وهو الجلوس مع عدو حكومة الرئيس أشرف غني.
جلس الطرفان وجهاً لوجه وأمامهم أكواب الشاي الأخضر وأرغفة الخبز الجافة أمام عدو يشبههم كثيراً ولديه نفس الرغبة في إحلال السلام الذي تحركت من أجله مسيرة السلام التي ضمت 30 فرداً في مهمة شاقة محفوفة بالمخاطر.
غير أنهم أفادوا بأن «طالبان» والحكومة الأفغانية يديرها نفس نمط القادة غير الراغبين في قبول الحلول الوسط لإنهاء الحرب بعد أن بلغت عامها الثامن عشر، رغم رغبتهم الواضحة. «أبلغنا قادتهم أنه بإمكاننا إقناع مقاتليهم بالسلام، لكن قادتهم لن يغيروا رأيهم أبداً حتى يتم قبول مطالبهم».
توقفت محادثات السلام مع «طالبان» بقيادة الولايات المتحدة منذ أكثر من شهر بعد جلسات لم تستمر سوى أيام معدودة دون إحراز تقدم يُذكر، وهو ما عبّر عنه كبير المفاوضين الأميركيين، زلماي خليل زاد في خيبة أمل ظاهرة بقوله إن «وتيرة المباحثات الحالية غير كافية بالمرة». وفي ذلك التوقيت رفض المتمردون مقابلة وفد أفغاني في قطر رأوا أنه يمثل الحكومة الأفغانية التي تعتدها «طالبان» غير شرعية ورفضت التفاوض معها. ولم تسفر المحادثات التي جرت لاحقاً مع شخصيات سياسية أفغانية في موسكو إلا عن رفض «طالبان» المتكرر لعروض الحكومة لوقف إطلاق النار.
كان ذلك سبباً لجعل حركة السلام الشعبية الجهد الوحيد الذي لا يزال يكتسب قبولاً.
تجاهلت المسيرة تحذيرات الحكومة من الذهاب وتحذيرات «طالبان» من الحضور، وانطلق المتظاهرون من عاصمة إقليم هلمند لشكر جاه في 30 مايو (أيار) واتجهوا شمالاً نحو الخطوط الأمامية لـ«طالبان».
حدث ذلك في شهر رمضان المبارك وكانوا صائمين عندما تجاوزت درجات الحرارة 105 درجات وكانوا يستظلون بمظلاتهم. ساروا لخمسة أيام حتى وصلوا إلى منطقة نوزاد التي يسيطر عليها المتمردون. كانوا ينامون في المساجد ليلاً، ويستيقظون في الساعة الثانية صباحاً لتناول وجبة السحور قبل حلول الفجر.
مسيرات السلام عبارة عن مجموعة متنوعة من الأشخاص يتزعمهم السيد خيبر الذي يعمل صيدلانياً، وتضم المسيرة صبياً لم يتعدَّ العاشرة من عمره قُتلت والدته بقذيفة هاون، وهناك شاعر أعمته قنبلة ألقتها «طالبان»، والبعض الآخر من المزارعين والعمال والطلاب ورجال الأعمال. باختصار، لم يكن هناك تمثيل للحكومة.
كانت تلك المسيرة هي المحاولة الثانية لمسيرات السلام للوصول إلى خطوط «طالبان». فقد بدأت حركتهم العام الماضي باعتصام وإضراب عن الطعام رداً على تفجير مروّع لـ«طالبان» في مباراة مصارعة في منطقة «لشكر جاه». وعندما حاول المتظاهرون تنظيم مسيرة سلام باتجاه «طالبان»، طالبهم المتمردون، من باب التعجيز أو ربما السخرية، برفع شكاواهم إلى الحكومة الأفغانية ومؤيديها الأميركيين وغيرهم من الأجانب.
ورداً على ذلك، سار المتظاهرون لمدة 30 يوماً عبر بعض أخطر أراضي أفغانستان للوصول إلى العاصمة كابل. اعتقد المتظاهرون لوهلة أن جهودهم قد أثمرت حيث بدأت أولى محادثات السلام رفيعة المستوى بين الأميركيين وحركة «طالبان» العام الماضي مع وجود علامات تبعث على الأمل في إحراز تقدم مبكر في يناير (كانون الثاني) تمثل في اقتراح أميركي بالانسحاب مقابل وعد من «طالبان» بالتنصل من الجماعات الإرهابية، على رأسها «القاعدة».
وعندما تعثرت المحادثات الشهر الماضي، قرر المتظاهرون تكرار المحاولة، متحدين شرط «طالبان» الحصول على إذن رسمي مسبقاً. وحذر المتمردون من أنهم لا يستطيعون حماية المتظاهرين من الضربات الجوية الحكومية أو غيرها من الهجمات ومن أنهم يشكّون في أنهم ربما يتبعون حكومتهم.
عندما صادف المتظاهرون مؤخراً أربعة من مقاتلي «طالبان» في قرية «نوزاد رود» وقت الغروب، قال السيد خيبر إنهم «يشبهوننا تماماً. كان لديهم نفس الوجوه ونفس اللحى ونفس الملابس والعادات».
كانوا جميعاً من طائفة «البشتون» التي تتبنى «مدونة سلوك البشتوني» التي تضمن حماية المسافر ومعاملته كضيف حتى وإن كان عدواً، وهو ما اعتمد عليه الرحالة في مسيرة السلام.
قام المتمردون بإصدار وثيقة تضم أسماء أعضاء المسيرة وفحصوا الوجوه بدقة للتأكد من مطابقتها. كان المضيفون يشعرون بالتوتر وهم يلقون نظرة سريعة على السماء ويتوقون إلى المغادرة، وطلبوا سيارات للمسيرة لنقلهم إلى مكان أكثر أمناً.
فجأة توقفوا وأدرك الجميع أن الشمس قد غربت وحان الوقت لتناول الإفطار، ثم اتجهوا إلى المسجد لتناول الطعام. أفاد المتظاهرون بأن المتمردين شاركوهم طعامهم الذي تكون من الفاصوليا الحمراء المعلبة واللبن فيما أحضر السكان المحليون الخبز الطازج.
عادوا إلى الطريق حيث قادوا السيارات لأربع ساعات حتى توقف المتمردون خارج مبنى من الطين. في الداخل كان هناك نحو ثلاثين من أعضاء «طالبان». قال السيد خيبر إنهم كانوا مريبين وعدائيين في البداية، لكنّ ذلك تغيّر بعد فترة.
قال السيد خيبر: «لقد استمعت (طالبان) إلينا لمدة ساعة، حيث وصفت مدى سوء المعاناة التي يعانيها الناس من الحرب المستمرة ومدى تعطشهم للسلام».
تحدث خيبر عن تفجير مباراة المصارعة العام الماضي، والذي بلغ عدد ضحاياه 14 بينهم طفل في العاشرة كان يكسب قوته من بيع الحلوى والمكسرات للمشاهدين، وكيف أنه لم يُعثر على رفات للصبي بعد التفجير.
وقال السيد خيبر إنه شعر بأن المشاركين في المسيرة يحرزون تقدماً حقيقياً مع الشبان الثلاثين الذين وصفهم بأنهم مقاتلون كبار. وقال: «لقد تغير سلوكهم تماماً: لقد جلبوا لنا عصير الفواكه والبطيخ والشاي، ويبدو أنهم مقتنعون بالسلام».
بعد ذلك جرى نقل النشطاء إلى قادة المتمردين الذين تمسكوا بالخط الرسمي المتمثل في وقف إطلاق النار حتى انسحاب القوات الأجنبية.
بحلول ذلك الوقت كانوا قد توغلوا عميقاً في أراضي «طالبان» حيث يحظر الاستماع إلى أجهزة الراديو أو تشغيل الموسيقى ولم يكن هناك أي نساء. كان الطعام متقشفاً ولم يكن هناك سوى القليل من اللحم، وكان الشراب في كثير من الأحيان مجرد سطل من الماء جلبوه من قناة الري. ولتجنب الغارات الجوية، كان المقاتلون في حالة تنقل دائمة، ونادراً ما كانوا ينامون مرتين في نفس المكان.
وقال زاماراي زالاند، 28 عاماً، وهو لاعب كمال أجسام محترف انضمّ إلى مسيرة السلام مبكراً، إنه قبل مغادرته للمتظاهرين يوم الخميس، جاء إليه أحد حراس «طالبان» وهمس إليه برغبته في الانضمام إلى حركة السلام.
قال قادة مسيرة السلام بعد عودتهم إلى «لشكر جاه» بالسيارة إن أياً منهم كان يعتقد في إمكانية حدوث انفراجة، لكنها كانت بداية.
قال السيد زالاند: «لقد أرادوا جميعاً السلام وكانوا متعطشين إليه، وعندما نعود إلى أراضينا لا بد أن ننقل لهم ذلك».
• «نيويورك تايمز»



لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.