أهالي إدلب يحفرون القبور مستبقين سقوط القتلى

غالباً ما يتم دفن ضحايا القصف من عائلة واحدة في مقابر جماعية

قبر جماعي لضحايا غارات الطيران الحربي على قرية كفر عويد بريف إدلب (أ.ف.ب)
قبر جماعي لضحايا غارات الطيران الحربي على قرية كفر عويد بريف إدلب (أ.ف.ب)
TT

أهالي إدلب يحفرون القبور مستبقين سقوط القتلى

قبر جماعي لضحايا غارات الطيران الحربي على قرية كفر عويد بريف إدلب (أ.ف.ب)
قبر جماعي لضحايا غارات الطيران الحربي على قرية كفر عويد بريف إدلب (أ.ف.ب)

يجلس باسل الريحاني خلف مقود جرافته، يتصبب منه العرق، وهو ينهمك في جرف الأرض وتحويل الحفر إلى مقابر، تمهيداً لاستقبال قتلى يُتوقَّع أن يسقطوا قريباً جراء التصعيد العسكري المستمر شمال غربي سوريا.
ومنذ نهاية أبريل (نيسان)، تستهدف الطائرات الحربية السورية والروسية ريف إدلب الجنوبي، ومناطق مجاورة له، ما يسفر بشكل شبه يومي عن سقوط قتلى في صفوف المدنيين، وباتت قرى وبلدات شبه خالية من سكانها، بعدما فرّوا جراء القصف العنيف.
ومع ارتفاع عدد القتلى، بادرت منظمة الدفاع المدني، المعروفة بـ«الخوذ البيضاء» في مناطق سيطرة الفصائل المقاتلة، بحفر القبور، استباقاً لتسهيل وتسريع الجنازات التي باتت تقتصر على بضعة أشخاص يأتون سريعاً لدفن موتاهم خشية استهدافهم من قبل طائرات لا تكفّ عن التحليق في سماء المنطقة.
وفي مدينة معرة النعمان، التي تتعرَّض لغارات عنيفة منذ أسابيع، يقول باسل، المتطوع في «الخوذ البيضاء»: «نجهز القبور ولا نعرف لِمَن نجهزها، قد تكون لي أو لشقيقي أو لرفيقي، الله وحده يعلم».
وبدلاً من حفر القبور يدوياً كما اقتضت العادة، يستخدم الريحاني الجرافة، كونها تُسّرع من عمله فينتهي خلال دقائق معدودة من حفر القبر من دون أن يخاطر بالبقاء كثيراً في الخارج. وبات الأمر يقتصر على دفن الميت ووضع التراب فوقه، من دون قطعة الرخام التي عادةً ما كانت تُوضَع فوق القبور. ويضيف الريحاني، الوالد لخمسة أطفال: «نجهز القبور لنتمكن من الدفن في أسرع وقت ممكن، فالطيران لا يفارق الأجواء، وأحياناً يستهدف الجبانات (المقابر)».
وتخضع محافظة إدلب ومحيطها، حيث يقطن نحو ثلاثة ملايين شخص، منذ سبتمبر (أيلول) الماضي لاتفاق روسي - تركي ينص على إقامة منطقة منزوعة السلاح، لم يتم استكمال تنفيذه. وبعد أشهر من الهدوء النسبي، صعّدت قوات النظام قصفها قبل أن تنضم الطائرات الروسية إليها لاحقاً.
ويتركز القصف على ريف إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، ووثَّق المرصد السوري لحقوق الإنسان منذ نهاية أبريل مقتل 360 مدنياً، بينهم 80 طفلاً جراء القصف. كما دفع التصعيد بـ270 ألف شخص للنزوح. وبين القتلى، فاطمة الطفلة التي لم تتجاوز العامين من العمر وقُتِلت، الاثنين، في قصف طال قرية بلدة معرشورين.
خرج محمد ترمان (21 عاماً) في ذلك اليوم لشراء الخضراوات، إلا أنه تفاجأ بقصف عنيف عاد إثره إلى المنزل ليجد أفراد عائلته بين قتيل وجريح. أخرج محمد فاطمة من تحت الأنقاض لكنها تُوفّيت بعد دقائق من وصولها إلى المستشفى. ويقول ترمان: «خرجنا إلى المقبرة، كان عددنا قليلاً، فالناس تخاف من أن يعود الطيران وينفذ غارات». ويضيف: «دفنّاها سريعاً ولم نتمكن من وداعها».
في السابق، كان أهالي القرية يتجمعون كلهم لوداع الميت، أما اليوم فبات الوضع مختلفاً، فالمواطنون يخشون الخروج بسبب القصف، كما غادر أساساً كثير منهم ولجأوا إلى أماكن أكثر أمناً في شمال إدلب. ويشرح باسل الريحاني: «قبل الحرب، كان نصف سكان معرة النعمان يتجمعون لدفن الشخص، أما اليوم، فلا يوجَد سوى أربعة أو خمسة أشخاص من أقاربه».
يتذكر الريحاني كيف كان يحفر في أحد الأيام قبراً لابن شقيق زميل له في الدفاع المدني، حين جاء أحدهم مسرعاً وطلب منه التوقف، فقد تبين أن والد القتيل تُوفي أيضاً متأثراً بجروح أُصيب بها جراء القصف.
ويقول الريحاني: «كنت أحفر قبراً لشخص واحد، ثم فجأة وسَّعتُه وبات قبراً لشخصين؛ الأب والابن».
أحياناً كثيرة لا يمكن حتى التعرُّف على جثث القتلى، فمنهم من تحول إلى أشلاء ومنهم من اختفت معالمه نتيجة الحروق. وغالباً ما يتم دفن ضحايا القصف من عائلة واحدة في مقابر جماعية.
في قرية كفر عويد، وبدلاً من الاحتفال بعيد الفطر الأسبوع الماضي واستقباله بالتهاني والمعايدات، وجد أهل القرية أنفسهم في المقبرة. تجمع بضعة أشخاص لدفن أقارب لهم من ضحايا القصف الجوي الذي سقط ضحيته عشرة أشخاص. يواسي أحدهم صديقاً له، يعانقه باكياً وقد لونت بقع الدماء عباءته الرمادية.
تحفر جرافة في التراب الأحمر حفرة كبيرة، وداخلها يضع رجال حجارة على شكل أربعة قبور متجاورة، قبل أن يأتي آخرون يحملون القتلى على كراتين أو في شراشف ملونة. يضع الرجال أربعة من الضحايا في هذا القبر الجماعي، قبل أن تبادر الجرافة بنثر التراب فوقهم.
تحت شجرة قريبة، تتجمع عائلة حول صندوق كرتون صغير وفي داخله أشلاء الطفل يامن، البالغ من العمر أربع سنوات فقط. يتربع جد الطفل إلى جانب الصندوق يمسكه بيديه ويصرخ: «أين البشر؟ أين الضمير؟ أين الأخلاق؟».



الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.