تراجع وتيرة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة حول العالم

الولايات المتحدة تبقى في المرتبة الأولى بلا منازع

الدول المتقدمة باستثناء الولايات المتحدة تأثرت بتراجع التدفقات بنسب أكبر من تأثر دول الاقتصادات الناشئة (رويترز)
الدول المتقدمة باستثناء الولايات المتحدة تأثرت بتراجع التدفقات بنسب أكبر من تأثر دول الاقتصادات الناشئة (رويترز)
TT

تراجع وتيرة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة حول العالم

الدول المتقدمة باستثناء الولايات المتحدة تأثرت بتراجع التدفقات بنسب أكبر من تأثر دول الاقتصادات الناشئة (رويترز)
الدول المتقدمة باستثناء الولايات المتحدة تأثرت بتراجع التدفقات بنسب أكبر من تأثر دول الاقتصادات الناشئة (رويترز)

هل ستتأثر تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بالحروب التجارية؟ للسنة الثالثة على التوالي، تتراجع تلك التدفقات؛ وفقاً لتقرير صادر عن «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية». هذه الاستثمارات هبطت بنسبة 13 في المائة في 2018 إلى 1.3 تريليون دولار، علما بأنها كانت بلغت نحو تريليوني دولار في عام 2015. وسجلت تلك التدفقات العام الماضي أدنى مستوى لها منذ الأزمة المالية في 2008. ويتحدث التقرير عن تراجع في العولمة التي بدأت تفقد عصرها الذهبي منذ الأزمة المالية. ويؤكد أن المتوسط السنوي لنمو التدفقات في السنوات العشر الماضية لا يزيد على واحد في المائة كثيراً، في مقابل متوسط نمو لتلك التدفقات الاستثمارية العابرة للقارات بلغ 8 في المائة بين 2000 و2007. وكانت النسبة قفزت إلى 20 في المائة في تسعينات القرن الماضي.
وبين أسباب الهبوط خلال العام الماضي الإصلاح الضريبي الذي أجرته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 2017 لتشجيع الشركات الأميركية المنتشرة عالمياً على إعادة أرباحها إلى الولايات المتحدة، لذا شهدت الرساميل الأميركية هجرة معاكسة بعد سنوات من البحث عن موطئ قدم لها خارج بلادها في جنات ضريبية هرباً من النسبة المرتفعة للضرائب على الأرباح في أميركا، علماً بأن 2018 شهد تدفقات استثمار أجنبي مباشر إلى الولايات المتحدة بنحو 252 مليار دولار واحتلت المرتبة العالمية الأولى على هذا الصعيد. وجاءت الصين في المرتبة الثانية (139 ملياراً)، وهونغ كونغ الثالثة (116 ملياراً)، ثم سنغافورة (78 ملياراً)، وهولندا خامسة (70 ملياراً). وإذا كانت الولايات المتحدة محتفظة بمرتبتها الأولى بين الدول، فإن آسيا تحتفظ بمرتبتها الأولى بين القارات الأكثر جذباً للاستثمار.
وأكد التقرير أن الدول المتقدمة، باستثناء الولايات المتحدة، تأثرت بتراجع التدفقات بنسب أكبر من تأثر دول الاقتصادات الناشئة؛ ففي أوروبا خصوصاً حدث هبوط بنسبة 50 في المائة في سنة؛ إذ استقبلت المملكة المتحدة العام الماضي تدفقات استثمارية بلغت قيمتها 64 مليار دولار مقابل 101 مليار في 2017، وتراجعت بريطانيا مرتبتين في تصنيف الدول الأكثر جذباً للاستثمار الأجنبي. لكن فرنسا تقدمت قليلاً وسجلت تدفق 37 مليار دولار.
وفي جانب الدول المصدرة للاستثمار، أتت اليابان في المرتبة الأولى (143 مليار دولار)، والصين في المرتبة الثانية (130 ملياراً).
ويشير التقرير إلى أن ارتفاع عمليات الدمج والاستحواذ بنسبة 17 في المائة عوضت جزئياً هبوط تدفق الرساميل عبر الحدود. كما أن الاستثمارات الآتية إلى الدول النامية حافظت نسبياً على حجمها؛ لا بل ارتفعت اثنين في المائة. والصين التي تحتل المركز الثاني بعد الولايات المتحدة سجلت خروج استثمارات منها بقدر ما سجلت دخول استثمارات إليها. وشهدت أفريقيا زيادة في الدفق نسبتها 11 في المائة، لكن القارة السوداء لا تستقبل إلا جزءاً طفيفاً من تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر.
ويعزو التقرير التغير في التدفقات إلى جملة عوامل؛ بينها تراجع العوائد في الاقتصادات الناشئة في ظل تنافس دولي محموم على جذب الاستثمار. لكن التدفقات تأثرت أيضاً في السنوات القليلة الماضية بالحواجز التي وضعها بعض البلدان بحجة «الأمن القومي» أو بداعي «الحفاظ على الصناعات والتكنولوجيات الاستراتيجية وحمايتها من الاستحواذات غير الوطنية»؛ ففي عام 2018 أقرت 50 دولة تشريعات تحد من مرونة الاستحواذات الأجنبية في قطاعات معينة، وتلك التشريعات التقييدية لم يسبق لها مثيل في السنوات العشرين الماضية، ولم يقتصر الأمر على حماية قطاعات حساسة؛ بل شمل المطارات والموانئ وغيرها من البنى التحتية العادية!
وبفعل ذلك؛ أوقف تنفيذ نحو 20 عملية استثمارية عملاقة لأسباب سياسية وتشريعية، وذلك بزيادة نسبتها 100 في المائة قياساً بعام 2017.
وعلى الصعيد نفسه، يشير التقرير إلى 11 دولة وضعت آليات صارمة لمراقبة الاستثمارات الأجنبية على أراضيها.
إلى ذلك؛ يضيف التقرير أن رقمنة الأعمال، أي الاعتماد المتزايد على الأصول الافتراضية، أثرت بدورها على تدفق الرساميل، فهناك قطاعات تعتمد أكثر فأكثر تلك الأصول غير المادية الملموسة.
ويتضح من التقرير الأممي أنه «غير متفائل كثيراً» بارتفاع التدفق الاستثماري، وذلك بسبب الحروب التجارية وبروز سياسات حمائية، فضلاً عن أن الاقتصادات الناشئة التي كانت جاذبة بقوة للاستثمار هي الآن في مرحلة ركود على هذا الصعيد.
كما أن التراجع أصاب الدول الغنية التي شهدت تراجعاً في التدفق إليها بنسبة 27 في المائة، لتهبط الاستثمارات الآتية إليها إلى 557 مليار دولار السنة الماضية، وهو الحجم الأدنى منذ 4 سنوات... فأوروبا شهدت تراجع التدفقات إلى 172 مليار دولار، أي إلى أدنى مستوى منذ عام 1997، والاستثناء شبه الوحيد في الدول الغنية هو الولايات المتحدة التي سجلت ارتفاعاً بنسبة 9 في المائة إلى 252 مليار دولار، لتبقى متربعة على عرش العالم استثمارياً.


مقالات ذات صلة

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
خاص ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

خاص قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

يقف عام 2025 عند منعطف محوري مع تنامي المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين ووسط استمرار التوترات الجيوسياسية.

هلا صغبيني (الرياض)
الاقتصاد امرأة على دراجتها الهوائية أمام «بورصة بكين»... (رويترز)

تراجع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة... والصين الأكبر تضرراً

من المتوقع أن يشهد النمو العالمي تباطؤاً في عام 2025، في حين سيتجه المستثمرون الأجانب إلى تقليص حجم الأموال التي يوجهونها إلى الأسواق الناشئة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد برج المقر الرئيس لبنك التسويات الدولية في بازل (رويترز)

بنك التسويات الدولية يحذر من تهديد الديون الحكومية للأسواق المالية

حذّر بنك التسويات الدولية من أن تهديد الزيادة المستمرة في إمدادات الديون الحكومية قد يؤدي إلى اضطرابات بالأسواق المالية

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداولون في كوريا الجنوبية يعملون أمام شاشات الكومبيوتر في بنك هانا في سيول (وكالة حماية البيئة)

الأسواق الآسيوية تنخفض في ظل قلق سياسي عالمي

انخفضت الأسهم في آسيا في الغالب يوم الاثنين، مع انخفاض المؤشر الرئيسي في كوريا الجنوبية بنسبة 2.3 في المائة.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ )

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)
صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)
TT

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)
صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية شملت الحد من تدهور الأراضي والجفاف، والهجرة، والعواصف الترابية والرملية، وتعزيز دور العلوم والبحث والابتكار، وتفعيل دور المرأة والشباب والمجتمع المدني، والسكان الأصليين لمواجهة التحديات البيئية، بالإضافة إلى الموافقة على مواضيع جديدة ستدرج ضمن نشاطات الاتفاقية مثل المراعي، ونظم الأغذية الزراعية المستدامة.

هذا ما أعلنه وزير البيئة والمياه والزراعة رئيس الدورة الـ16 لمؤتمر الأطراف، المهندس عبد الرحمن الفضلي، في كلمة بختام أعمال المؤتمر، مؤكداً التزام المملكة بمواصلة جهودها للمحافظة على النظم البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي، والتصدي للجفاف، خلال فترة رئاستها للدورة الحالية للمؤتمر.

وكان مؤتمر «كوب 16» الذي استضافته المملكة بين 2 و13 ديسمبر (كانون الأول)، هو الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يؤكد دور المملكة الريادي في حماية البيئة على المستويين الإقليمي والدولي.

أعلام الدول المشارِكة في «كوب 16» (واس)

وشهد المؤتمر الإعلان عن مجموعة من الشراكات الدولية الكبرى لتعزيز جهود استعادة الأراضي والقدرة على الصمود في مواجهة الجفاف، مع تضخيم الوعي الدولي بالأزمات العالمية الناجمة عن استمرار تدهور الأراضي. ونجح في تأمين أكثر من 12 مليار دولار من تعهدات التمويل من المنظمات الدولية الكبرى، مما أدى إلى تعزيز دور المؤسسات المالية ودور القطاع الخاص في مكافحة تدهور الأراضي والتصحر والجفاف.

ورفع الفضلي الشكر لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده على دعمهما غير المحدود لاستضافة المملكة لهذا المؤتمر الدولي المهم، الذي يأتي امتداداً لاهتمامهما بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، والعمل على مواجهة التحديات البيئية، خصوصاً التصحر، وتدهور الأراضي، والجفاف، مشيراً إلى النجاح الكبير الذي حققته المملكة في استضافة هذه الدورة، حيث شهدت مشاركة فاعلة لأكثر من 85 ألف مشارك، من ممثلي المنظمات الدولية، والقطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني، ومراكز الأبحاث، والشعوب الأصلية، وقد نظم خلال المؤتمر أكثر من 900 فعالية في المنطقتين الزرقاء، والخضراء؛ مما يجعل من هذه الدورة للمؤتمر، نقطة تحول تاريخية في حشد الزخم الدولي لتعزيز تحقيق مستهدفات الاتفاقية على أرض الواقع، للحد من تدهور الأراضي وآثار الجفاف.

خارج مقر انعقاد المؤتمر في الرياض (واس)

وأوضح الفضلي أن المملكة أطلقت خلال أعمال المؤتمر، 3 مبادرات بيئية مهمة، شملت: مبادرة الإنذار المبكر من العواصف الغبارية والرملية، ومبادرة شراكة الرياض العالمية لتعزيز الصمود في مواجهة الجفاف، والموجهة لدعم 80 دولة من الدول الأكثر عُرضة لأخطار الجفاف، بالإضافة إلى مبادرة قطاع الأعمال من أجل الأرض، التي تهدف إلى تعزيز دور القطاع الخاص في جميع أنحاء العالم للمشاركة في جهود المحافظة على الأراضي والحد من تدهورها، وتبني مفاهيم الإدارة المستدامة. كما أطلق عدد من الحكومات، وجهات القطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، وغيرها من الجهات المشاركة في المؤتمر، كثيراً من المبادرات الأخرى.

وثمّن الفضلي إعلان المانحين الإقليميين تخصيص 12 مليار دولار لدعم مشروعات الحد من تدهور الأراضي وآثار الجفاف؛ داعياً القطاع الخاص، ومؤسسات التمويل الدولية، لاتخاذ خطوات مماثلة؛ «حتى نتمكن جميعاً من مواجهة التحديات العالمية، التي تؤثر في البيئة، والأمن المائي والغذائي، للمجتمعات في مختلف القارات».

وأعرب عن تطلُّع المملكة في أن تُسهم مخرجات هذه الدورة لمؤتمر الأطراف السادس عشر، في إحداث نقلة نوعية تعزّز الجهود المبذولة للمحافظة على الأراضي، والحد من تدهورها، إضافةً إلى بناء القدرات لمواجهة الجفاف، والإسهام في رفاهية المجتمعات بمختلف أنحاء العالم، مؤكداً التزام المملكة بالعمل الدولي المشترك مع جميع الأطراف المعنية؛ لمواجهة التحديات البيئية، وإيجاد حلول مبتكرة ومستدامة لتدهور الأراضي والتصحر والجفاف، والاستثمار في زيادة الرقعة الخضراء، إلى جانب التعاون على نقل التجارب والتقنيات الحديثة، وتبني مبادرات وبرامج لتعزيز الشراكات بين الحكومات، والقطاع الخاص، والمجتمعات المحلية، ومؤسسات التمويل، والمنظمات غير الحكومية، والتوافق حول آليات تعزز العمل الدولي المشترك.