الحريري يقود «انتفاضة» لتفعيل الحكومة

حرص على تحييد علاقته برئيس الجمهورية عن خلافه مع باسيل

من اجتماع الرئيسين عون والحريري أمس (الوطنية)
من اجتماع الرئيسين عون والحريري أمس (الوطنية)
TT

الحريري يقود «انتفاضة» لتفعيل الحكومة

من اجتماع الرئيسين عون والحريري أمس (الوطنية)
من اجتماع الرئيسين عون والحريري أمس (الوطنية)

أخيراً وبعد طول صبر ومعاناة قرر رئيس الحكومة سعد الحريري أن يتوجّه إلى اللبنانيين بمواقف لم تكن مألوفة منذ تكليفه برئاسة الحكومة حتى اليوم، يُفترض أن تفتح الباب أمام انطلاق حوار يتناول أبرز القضايا التي ما زالت تشكّل مادة لاستمرار الاشتباك السياسي وتعيق تفعيل العمل الحكومي من خلال إنقاذ التسوية الرئاسية قبل فوات الأوان.
فالحريري أراد من خلال مؤتمره الصحافي -كما تقول مصادر وزارية مقرّبة منه لـ«الشرق الأوسط»- توجيه رسائل سياسية من العيار الثقيل في كل الاتجاهات انطلاقاً من شعوره بأن البلد لا يستطيع أن يقلع في ظل إخضاعه للعبة شد الحبال بدلاً من تحضيره للإفادة من مقررات مؤتمر «سيدر» لمساعدته للنهوض من أزماته الاقتصادية والاجتماعية.
وتلفت المصادر إلى أن الحريري بعد كل ما أدلى به من مواقف في مؤتمره الصحافي لن يكون كما كان في السابق، وتعزو السبب إلى أنه تحمّل الكثير لإقرار الموازنة للعام الحالي وتجنّب الدخول في سجالات مع هذا الطرف أو ذاك لأنه لا مجال لهدر الوقت وإضاعة الفرص.
كما تلفت إلى أنه من الخطأ التعاطي مع المضامين السياسية للعناوين التي طرحها الحريري من زاوية أنه في حاجة ماسة إلى «فش خلقه» لاسترضاء تياره السياسي ومحازبيه الذين يشكون من الالتفاف على صلاحياته، وتؤكد أن مجرد التعامل معه من هذه الزاوية يعني أن منسوب الاحتقان سيرتفع.
وتؤكد المصادر نفسها أن الحريري أراد أن ينتفض على نفسه، ليكون في مقدوره الانتفاض على الوضع الراهن الذي إذا استمر سيضطر البلد إلى دفع فاتورة سياسية واقتصادية لا يملك القدرة على تسديدها.
وتكشف المصادر أن ما عرضه الحريري في مؤتمره الصحافي كان موضع اهتمام في الاتصال الذي جرى لاحقاً بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون، وتقول إنه كان يدرس تأجيل عقد مؤتمره الصحافي إلى ما بعد لقاء المصارحة الذي عقده بعد ظهر أمس مع عون والذي يأتي في سياق مشاورات يجريها مع أبرز المكوّنات السياسية في البلد.
لكن الحريري -كما تقول المصادر- ارتأى في نهاية المطاف أن يستبق مشاوراته بمؤتمر صحافي يبقّ فيه البحصة بلا كفوف ولا قفازات ومن دون مراعاة هذا أو ذاك.
وتعترف بأن ليس في وسع الحريري أو أي طرف أن يغطي على الغضب السنّي وسببه شركاء أساسيون في التسوية السياسية. وتسأل: كيف يمكن إنجاز مثل هذه التسوية ما دام هناك مَن يصمم على التعاطي مع السنة على أنهم الحلقة الأضعف في المعادلة السياسية؟ وهل تدوم طويلاً أم أنها ستصبح غير قابلة للحياة؟
ويبقى الأهم في المواقف التي طرحها الحريري، إشعار الآخرين -حسب مصادره- بأنه قرر عن سابق تصوّر وتصميم أن يكسر حاجز المحاذرة مع رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل الذي يتصرّف كأنه الآمر الناهي.
ناهيك بأن مصادر مقرّبة من رؤساء الحكومات السابقين ترى أن ما أعلنه الحريري كان ضرورياً ومطلوباً ويجب أن يشجّع عليه كأساس لوضع الأمور في نصابها وتصحيح الإخلال بأي توازن بعد التعدّيات التي لا حصر لها على الدستور، وصولاً إلى إعادة الاعتبار لاتفاق الطائف في ظل محاولة باسيل ومن يقف خلفه الالتفاف عليه.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر سياسية مواكبة للأجواء الضبابية التي سيطرت أخيراً على علاقة باسيل بـ«المستقبل»، أن الرئيس عون بادر إلى التدخّل في الوقت المناسب، وهو أوفد وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، إلى دار الفتوى ناقلاً رسالة من عون إلى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في محاولة لتهدئة الخواطر بعد التصريحات «الحزبجية» التي صدرت عن باسيل وحاول نفيها لاحقاً ومنها حديثه عن السنّية السياسية.
وقالت إن بعض من هم في الحلقة الضيقة المحسوبين على رئيس الجمهورية كانوا وراء التمنّي عليه للتواصل مع المفتي دريان لتنفيس الاحتقان المترتّب على تصريحات باسيل، خصوصاً أن هناك من يعتقد من وجهة نظره أن العهد الذي يتربّع عليه رئيس قوي بدأ يُستنزف، وأن عدم تفعيل الحكومة سينعكس سلباً عليه.
لذلك، فإن الحريري حرص على تحييد علاقته برئيس الجمهورية عن علاقته غير السوية مع باسيل، انطلاقاً من رهانه على أنه لا بد من أن يتدخّل في الوقت المناسب لإعادة الأمور إلى نصابها السياسي بعيداً عن الشعبوية.
ومع أن الحريري ليس في وارد الدخول في صدام مع عون فإن إنقاذ التسوية الرئاسية يتطلب أولاً الضغط على باسيل ليعيد النظر في سلوكه بدءاً بالكف عن ارتكاب أخطاء تهدد علاقة لبنان بعدد من الدول العربية وأبرزها دول الخليج، وهذا يستدعي تأنّيه في إصدار المواقف بعيداً عن زلاّت اللسان أو البهورات السياسية، بما فيها السقطات التي لا تُحصى، وإلا لماذا هذا الانقطاع بينه وبين عدد من الدول العربية.
ويبقى السؤال: هل يقرر عون التدخّل من أجل تقييم سلوك باسيل، خصوصاً حيال الملفات التي ما زالت عالقة وأبرزها إشكال التعيينات الإدارية التي يؤخّر باسيل إصدارها بسبب إصراره على حصر التعيينات المسيحية بتياره السياسي، إضافة إلى مطالبته بأن تكون له حصة في التعيينات الخاصة بالمسلمين؟
وعليه فإنه لم يعد من مفر سوى مبادرة الرئاسة الأولى إلى التدخّل اليوم قبل الغد لوضع ضوابط من شأنها أن تحدّ من استغلال باسيل لنفوذه في الدولة وتوظيفها لخدمة طموحاته الرئاسية، إضافة إلى وقف استهداف كبار الموظفين من السنة وتنظيم الحملات الإعلامية ضدّهم، كأن هناك من يحاول تطييف حملات مكافحة الفساد وحصرها بموظّفين من طائفة معيّنة. وإلى أن يتم تظهير المواقف من الصرخة أو الإنذار الذي أطلقه الحريري، فإن طريقة تعاطي بعض الأطراف مع مشروع الموازنة الذي يُناقَش حالياً في لجنة المال والموازنة النيابية تثير أكثر من ريبة، لأنها تنمّ عن وجود ازدواجية في مواقف بعض الكتل النيابية الكبرى التي وافقت على المشروع في مجلس الوزراء، وتحاول الآن الانقلاب على موقفها في البرلمان.
وأخيراً، فإن معاودة اجتماعات مجلس الوزراء تتوقف على مدى تعاون عون والحريري لخلق المناخ الذي من شأنه أن يُسهم في تفعيل الإنتاج الحكومي ووضع خريطة طريق جديدة في هذا الخصوص، إنما بعد تبديد أجواء الاحتقان التي خلّفتها مواقف باسيل.



​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
TT

​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

كشف مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط» عن جهود عربية - أميركية جديدة لدفع جهود التهدئة في السودان. وقال المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن دول «السعودية ومصر والإمارات تعمل مع الولايات المتحدة، على التنسيق على أمل حلحلة الأزمة السودانية».

وأفاد المصدر المصري بأن «اجتماعاً ضم مسؤولين من الدول الأربع، استضافته السعودية نهاية الأسبوع الماضي، ناقش دفع الجهود المشتركة؛ لتحقيق انفراجة بالأزمة».

وسبق أن شاركت الدول الأربع في اجتماعات «جنيف»، التي دعت لها واشنطن لإنهاء الحرب بالسودان، منتصف أغسطس (آب) الماضي، إلى جانب ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، غير أنها لم تحقق تقدماً، في ظل مقاطعة الحكومة السودانية المحادثات.

غير أن المصدر المصري، قال إن «اجتماع السعودية، الذي عقد يومي الخميس والجمعة الماضيين (ليس امتداداً لمبادرة جنيف)، وإن الآلية الرباعية الحالية هي للدول صاحبة التأثير في المشهد السوداني، وتستهدف دفع الحلول السلمية للأزمة». ورجح المصدر «انعقاد اجتماعات أخرى؛ لدفع جهود الدول الأربع، نحو وقف الحرب، وإيصال المساعدات الإغاثية للمتضررين منها».

صورة جماعية بختام اجتماعات جنيف حول السودان في أغسطس الماضي (إ.ب.أ)

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 حرباً داخلية، بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت «ما يفوق 10 ملايين سوداني للفرار داخلياً وخارجياً لدول الجوار»، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

وعقب اندلاع الحرب، استضافت مدينة جدة العام الماضي، بمبادرة سعودية - أميركية، محادثات بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، أفضت إلى توقيع «إعلان جدة الإنساني»، الذي نصّ على حماية المدنيين، والمرافق الخاصة والعامة، والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية. وتتمسك الحكومة السودانية بتنفيذ مخرجات «اتفاق جدة»، قبل الانخراط في أي مفاوضات مباشرة مع «قوات الدعم السريع».

توحيد الجهود

وترى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفيرة منى عمر، أن «توحيد جهود الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة السودانية، سيسهم في تحريك حلول وقف إطلاق النار»، موضحة: «أدى تضارب الرؤى والمسارات الدولية، بسبب كثرة المبادرات والتدخلات التي خرجت من دول أفريقية وإقليمية ودولية، إلى إضعاف أي تحركات لوقف الحرب السودانية».

وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «التنسيق الرباعي بين مصر والإمارات والسعودية والولايات المتحدة، سيسهم في دفع جهود إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب على الأقل بصورة أكثر فاعلية»، مشيرة إلى أن «هناك مناطق مثل الفاشر في دارفور وولاية الجزيرة، تعاني من أوضاع إنسانية مأساوية».

ودعت إلى ضرورة تركيز تحرك الرباعي الدولي على «جهود وقف إطلاق النار، وأعمال الإغاثة، وصياغة خريطة طريق سياسية، تنهي الأزمة السودانية».

سودانيون يتلقون العلاج في مستشفى ميداني أقيم بمدينة أدري التشادية المحاذية للحدود مع السودان أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

ويواجه السودان «واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية حالياً»، حسب تقديرات الأمم المتحدة، وأشار مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم، إلى أن «أكثر من نصف سكان السودان، يواجه خطر المجاعة والكوارث الطبيعية، مما يؤدي لانتشار الأوبئة»، وخلال زيارته لمدينة بورتسودان، في سبتمبر (أيلول) الماضي، شدّد على أن «الأزمة الإنسانية بالسودان، لا تجد اهتماماً كافياً دولياً».

دول مؤثرة

وباعتقاد الباحث السياسي السوداني المقيم في مصر، صلاح خليل، فإن «تشكيل رباعية من الدول صاحبة التأثير في الساحة السودانية، قد يحرك مسار الحلول السلمية، وتفعيل مسار جدة»، مشيراً إلى أن «توحيد جهود هذه الأطراف، سيسهم في تغيير مسار الأزمة السودانية»، منوهاً بأن «الدول الأربع تؤيد العودة لمسار جدة».

ورجح خليل، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، مشاركة الحكومة السودانية في مسار مفاوضات «الآلية الرباعية حال العودة إلى مسار جدة، ولن تقاطعه كما فعلت في مبادرة جنيف».

وأشار إلى أن «فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية، قد يغير من معادلة التأثير الدولي في الحرب داخل السودان».

وكان السفير السوداني في القاهرة عماد الدين عدوي، شدّد على «تمسك بلاده بمسار جدة، بوصفه آلية للتفاوض لوقف الحرب»، وقال في ندوة استضافتها نقابة الصحافيين المصرية نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن «بلاده ترفض المشاركة في أي مبادرة أفريقية، إلا بعد عودة عضوية السودان للاتحاد الأفريقي».