برونو بافلوفسكي: الزبون المحلي أولوية «شانيل» وليس السائح العابر

غدا تفتتح الدار صفحة أخرى في سوق الشرق الأوسط

برونو بافلوفسكي (تصوير: فريدريك ديفيد)
برونو بافلوفسكي (تصوير: فريدريك ديفيد)
TT

برونو بافلوفسكي: الزبون المحلي أولوية «شانيل» وليس السائح العابر

برونو بافلوفسكي (تصوير: فريدريك ديفيد)
برونو بافلوفسكي (تصوير: فريدريك ديفيد)

كان اللقاء مع برونو بافلوفسكي، الرئيس التنفيذي لدار «شانيل»، في شارع «ديفو» بباريس قبل يوم واحد من عرض الـ«كروز 2020». أول عرض للمصممة فيرجيني فيار، خليفة الراحل كارل لاغرفيلد.
الكل كان يترقب والكل كان يتوجس أن يكون الفراغ الذي تركه المصمم الذي قاد الدار لنحو ثلاثة عقود كبيراً يصعب ملؤه. لكن الحديث لم يكن عن العرض، ولا عما إذا كان غياب لاغرفيلد سيُخلّف فراغاً أو سيخلق تحولات في تاريخ الدار العريقة. كان بكل بساطة عن الشرق الأوسط، وتحديداً عن محل الدار الرئيسي الجديد في «دبي مول»، الذي انتهت من تجديده وتجميله بعد نحو عام، لتفتتحه، غداً (الجمعة). كان برونو بافلوفسكي، الذي يُشرف على جانب الأزياء والإكسسوارات منذ أكثر من عقدين من الزمن وعايش عدة تغيرات وتحديات، كعادته واقعياً، يفكر في المدى البعيد، مكرراً قوله إن الدار تبني المستقبل «ما نقوم به الآن لا نستعجل ثماره غداً، لأن استراتيجياتنا تعتمد على بناء علاقة وطيدة في أي من الأسواق التي نتوجه إليها».
قال هذا ملمحاً إلى التحديات التي تشهدها صناعة الترف في كل أنحاء العالم، بما في ذلك دبي. السبب طبعاً هو الأزمة الاقتصادية وتراجع السياحة وما شابه من أمور أثَّرت على حركة البيع. يشرح: «نعم، نُدرك أن هناك أزمة اقتصادية عالمية، وبأن هناك زبائن أقل في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما ينعكس على حركة البيع، لكننا لا نفكر في الأمر بهذا الشكل، فقد واجهنا تجارب مماثلة في أسواق أخرى، وكانت بمثابة سحابة صيف عابرة، تجاوزناها مع الوقت... عندما قررنا الوجود في الشرق الأوسط، كانت لنا نظرة طويلة المدى، وكانت النية ربط علاقة وطيدة مع هذه السوق، وهو ما يتطلب الاستثمار في الزبون المحلي أولاً وأخيراً، بتقديم خدمات مفصَّلة على مقاسه. إذا توفر زبون السياحة فهذا رائع، لكنه ليس هدفنا الرئيسي».
بافتتاح محلها الجديد في «دبي مول»، بعد أبوظبي، وقبلهما في سيول وباريس ونيويورك وغيرها من عواصم العالم، تؤكد «شانيل» أن الاستثمار في العقار لا يزال مهمّاً لم تؤثر عليها قوة «الديجيتال»، وهو ما يُثلج الصدر. ففي زمن اكتسح فيه «الديجيتال» ومواقع التسوق الإلكتروني عالم الموضة، لا تزال بيوت أزياء كبيرة تؤمن بالتسوق الواقعي. «إنه تجربة عاطفية تقوم على لمس الأشياء وتجربتها وهذا مهم جدّاً» حسب قول برونو بافلوفسكي، الذي أشرف على كل الافتتاحات والتوسعات التي قامت بها الدار. ويضيف: «لدينا دائماً قناعة بأن ما نُقدمه ليس مجرد مُنتجات يمكن الحصول عليها بضغطة زر ودون إحساس، بل هي حصيلة تجربة فريدة من نوعها نوفرها للزبون بداخل هذه المحلات.
فعندما نطرح جاكيت أو حقيبة يد بسعر يفوق الـ5000 يورو، مثلاً، فمن الواجب علينا أن نُبرر له هذا السعر، وهو ما لا يتأتى سوى في الواقع من خلال الخدمات، ولمس المنتجات عن قرب، إضافة إلى التعرف على تاريخ الدار وقصتها. فالهدف من هذه المحلات، بديكوراتها المميزة أن تعكس روح الدار الفرنسية من جهة، والبيئة المحيطة بها من جهة ثانية».
يكرر بافلوفسكي أنه من المهم أن توجد «شانيل» في المنطقة، قلباً وقالباً، وهذا لا يُلغي أهمية «الديجيتال»، فهو، حسب قوله، «يُتيح الفرصة للوجود والتواصل في الوقت ذاته، كما أنه وسيلة لاستقطاب زبونات جديدات، لكن عندما يتعلق الأمر بعمليات البيع الحقيقية، فإن أولويتنا تتركز على جذب الزبون إلى المحلات لكي يعيش تجربة متكاملة وخاصّة جداً، نعتمد فيها على فريق محلي يفهم متطلبات زبائنه وتطلعاتهم».
ويشير إلى أنه على الرغم من أن «شانيل» فرنسية الجنسية، فإنها عالمية النظرة تتعامل مع زبائن من اليابان والصين والبرازيل، وهذا يعني أن الثقافات تختلف كذلك التوقعات «فنحن نُوفر نفس التشكيلة التي نعرضها على منصات عروض الأزياء في كل مكان... طريقة تقديمها، أو بالأحرى عرضها في كل بلد، هي التي تختلف. فالشكل الذي يناسب اليابان قد لا يناسب الولايات المتحدة مثلاً. وهذا جُزء من التحدي الذي نواجهه: أن نفهم الآخر ونحترمه بالتعامل معه بلغته». وبالفعل لم تتأخر «شانيل» عن الركب. فهي أكثر من يحترم ماضيها وتغرف منه، لكن دائماً بنظرة مستقبلية مواكبة لنبض العصر. وهذا مكمن نجاحها وسحرها. فدخولها مجال «الديجيتال» لا يجعلها تعتمد عليه كليّاً، فهو بمثابة «فاتح للشهية» لا يُشبع إلا بعد دخول «البوتيك» حيث يتوفر الطبق الدسم والغني. «دخولنا عالم (الديجيتال) قرار استراتيجي ندعو فيه الكل بمعاينة كل ما نطرحه على شبكات الإنترنت، لكننا بالنهاية نريده أن يأتي إلى (البوتيك). فهنا فقط سيعيش التجربة ويشعر بروح الدار».
محلها في «دبي مول»، الذي ستفتتحه، غداً (الجمعة)، ستكشف فيه الدار عن تغييرات كبيرة استغرقت أكثر من عام. مدة لا يراها بافلوفسكي طويلة، ما دامت النتيجة مُرضِية وبحجم توقعات زبائن المنطقة. لضمان النتيجة تم تجنيد المهندس الشهير بيتر مارينو لهذه المهمة كونه يعرف ثقافة الدار جيداً. صحيح أنه يتمتع بأسلوبه الخاص والمميز، إلا أنه «يلبس طربوش (شانيل) ويتقيد بالنص المكتوب فيها دائماً».
ويعلق بافلوفسكي على أهمية الديكورات وعلى دور بيتر مارينو قائلاً إن هذا الأخير «قدَّم أفضل ما لديه كلما كانت التحديات كبيرة أمامه».
و«الفضل في هذا يعود إلى ما يتمتع به من إحساس فني قوي بالأحجام والمواد وغيرها». لكن الأهم في هذه العملية أن مارينو يُدرك تماماً أن هذه الديكورات مجرد «كومبارس» ينصبّ دوره على تلميع المنتجات، لأنها هي البطل الرئيسي. ما يُحسب له أيضاً، بنظر بافلوفسكي، أنه من المصممين القلائل الذين لا يحاولون إبراز أنفسهم أو أسلوبهم على حساب الماركة التي يعملون معها، ويُفهم أيضاً أن الديكورات يجب أن تتماهى مع البيئة المحيطة من دون أن تُلغي روح الدار، مشيراً إلى أنه كما الموضة تتغير في كل موسم «كذلك الديكورات وطُرق عرض المنتجات. فما قمنا به منذ 15 سنة تقريباً يختلف عما نقوم به الآن». أما اللافت في المعروضات التي ستستمتع بها زبونة الشرق الأوسط منذ الغد أنها من عرضها الخاص بـ«مييته داغ». أشرف عليها الراحل كارل لاغرفيلد، واستوحيت تصاميمها من مصر القديمة، بدءاً من الأزياء إلى الإكسسوارات الغنية بالتفاصيل وألوان الذهب.
يتكون «البوتيك» الجديد «من طابقين. الأرضي على مساحة 485 متراً ويشمل كل أنواع الإكسسوارات، من حقائب يد وأحذية ونظارات شمسية وجواهر موضة وجواهر رفيعة وساعات مربع، والطابق الأول على مساحة 228 متراً مربعاً يحتضن الأزياء الجاهزة وصالونين لاستقبال الشخصيات المهمة. ولأن سوق الشرق الأوسط مهمة بالنسبة للدار، كان مهمّاً أن يضُخ بيتر مارينو في (البوتيك) جُرعة طاقة قوية يشعر بها الزبون بمجرد أن يدخله، بحيث سيلمس فيه زبون المنطقة نكهة مختلفة عما أنجزه في سيول ونيويورك وباريس وغيرها من العواصم الأخرى رغم أنها تبقى دائماً تحت مظلة (شانيل). فالمنتجات هي نفسها في كل مكان، بعض التفاصيل في الديكور من خامات وتحف فنية وغيرها، هي التي تختلف بعض الشيء إلى جانب نوع الخدمات، التي تريدها الدار أن تستوعب الكل، وتُشعر كل زبون بأنه مهم.
وهذا تحديداً ما لا يتوفر في جانب (الديجيتال)، الذي رغم أهميته، يبقى مُجرد أداة تسويق عصرية لا بدَّ منها حالياً، ولو لـ(جر رِجل) الزبون إلى المحلات»، حيث «تتم عمليات البيع الحقيقية والتجربة الممتعة»، حسب قول بافلوفسكي.
المؤكد أنه لا يستصعب الأمر ويراه تحصيل حاصل لأنه «عندما تكون لديك طاقة إبداعية هائلة يُصبح التسويق عملية سهلة جدّاً». والمقصود هنا ليس الإبداع في مجال الأزياء والإكسسوارات والجواهر فحسب بل أيضاً في تلك القدرة المذهلة على نسج قصص وحكايات تُلهب الخيال، سواء من خلال عروض الأزياء الضخمة التي تنظمها منذ سنوات أو الصور التي تتداولها على مواقع التواصل وتؤجج الرغبة فيها. لكن يبقى الفضل في كل هذا إلى قدرتها على تحقيق المعادلة الصعبة بين توفير الترف بشكل «ديمقراطي» بعيد عن النخبوية والإبقاء على الحلم حياً.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.