الحرب ضد «داعش» في العراق توجد وقائع على الأرض لم تكن في الحسبان

الولايات المتحدة تتغاضى عن دور إيران وتبدو مرتاحة حيال سيطرة البيشمركة على كركوك

الحرب ضد «داعش» في العراق توجد وقائع على الأرض لم تكن في الحسبان
TT

الحرب ضد «داعش» في العراق توجد وقائع على الأرض لم تكن في الحسبان

الحرب ضد «داعش» في العراق توجد وقائع على الأرض لم تكن في الحسبان

دفعت المعركة العاجلة، التي تهدف إلى منع قوات «داعش» من الاستيلاء على أراض أكثر في العراق، إدارة الرئيس باراك أوباما إلى أن يتسامح مع أشياء كانت تحتج عليها بشدة قبل ذلك، بل إنها وافقت على بعضها.
فعندما استعادت الميليشيات الشيعية العراقية المدعومة من إيران التي كانت وصفتها الإدارة الأميركية لفترة طويلة بأنها غير شرعية، بلدة آمرلي من «داعش» الأسبوع الماضي، تنفس المسؤولون الأميركيون الصعداء. لكن تقارير عن أن قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الذي يوصف عادة بأنه العدو اللدود للولايات المتحدة الأميركية، كان حاضرا أثناء المعركة وشوهد بعد أيام في صور بثتها مواقع الإنترنت وهو يصافح أحد مقاتلي الميليشيات.
وإلى الشمال، احتل المقاتلون الأكراد مدينة كركوك الغنية بالنفط، وهي جائزة ظل الأكراد يطالبون بها طويلا لكنها تقع خارج حدود إقليم كردستان العراق شبه المستقل - والمعترف به من قبل كل من بغداد وواشنطن. وبعيدا عن الإصرار على سحب المقاتلين، فإن الإدارة الأميركية سعيدة لأن هناك من يدافع عن المدينة ضد تنظيم داعش.
فقد أصبحت هذه التفاصيل القانونية والمتعلقة بالسياسة رفاهية في المعركة لدحر «داعش» الذي وصفه الرئيس أوباما أول من أمس بأنه «تنظيم همجي» وأنه «يشكل تهديدا كبيرا» على الولايات المتحدة وحلفائها.
الوضع ليس مثاليا كما قال أحد المسؤولين في الإدارة الأميركية بتهاون كبير، إذ إن هناك إدراكا واسع النطاق بأن الوقائع التي يجري تأسيسها على الأرض من المحتمل أن تسبب مشاكل في المستقبل.
لكن في الوقت الراهن، فإن المعركة الوجودية التي يخوضها العراق هي واحدة من الأسباب التي صنعت على الأقل تحزبات غير مباشرة من القوى التي ليست حلفاء ولا شركاء، ولا حتى يجمعها علاقات ودية في غالب الأحيان.
وفي حين أن الإدارة الأميركية أقرت بمناقشة الأزمة العراقية مع المسؤولين الإيرانيين على هامش محادثات منفصلة حول البرنامج النووي الإيراني، فإن المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي برناديت ميهان قالت أول من أمس: «نحن لا نقوم بالتنسيق في ميدان العمل العسكري أو تبادل المعلومات الاستخباراتية مع إيران ولا نعتزم القيام بذلك». وأضافت: «في الوقت نفسه، كنا واضحين بأن (داعش) يمثل تهديدا ليس على الولايات المتحدة وحسب، بل أيضا على المنطقة بأكملها وبشكل مباشر». وقالت ميهان: «نعتقد أن جميع البلدان، بغض النظر عن خلافاتها، يجب أن تعمل من أجل تحقيق الهدف الذي يرمي إلى إسقاط تنظيم داعش وهزيمته في نهاية المطاف».
وردا على سؤال عما إذا كان هناك دور لإيران في التحالف الدولي الذي تشكله الإدارة الأميركية لمحاربة الميليشيات في العراق ثم في سوريا، قال مسؤول كبير في الإدارة: «لا أعرف». لكنه أقر «بأنهم (الإيرانيين) بالفعل يلعبون دورا على الأرض».
وتجاوزت المساهمات الإيرانية حد السلاح والمستشارين إلى الميليشيات الشيعية. ورغم مخاوف إيران بشأن انفصال أكرادها، فإنها، حسبما أعلن رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني أواخر الشهر الماضي، «كانت أول دولة تزودنا بالسلاح والذخيرة» لمحاربة «داعش». وقال مسؤولون أميركيون إنه يعتقد أيضا أن إيران شنت ضربات جوية ضد تنظيم داعش.
وتنافست الولايات المتحدة مع إيران على بسط نفوذها في العراق منذ تنصيب الحكومة ذات الأغلبية الشيعية بعد الغزو الأميركي عام 2003 الذي أطاح بصدام حسين. واتهمت الولايات المتحدة إيران بتزويد الميليشيات بالعبوات الناسفة التي كانت تستخدم ضد الجنود الأميركيين خلال العقد السابق.
وفي السنوات الأخيرة، وضعت الميليشيات بوصفها قوة منظمة في مستوى منخفض. ولكن عندما هرب الجيش العراقي من المدن الشمالية في وقت مبكر من بدء الهجوم الذي شنه تنظيم داعش في أماكن متفرقة بالبلاد هذا الصيف، فإنها سرعان ما عادت إلى الظهور، ودخلت المعركة. وكانت احتجاجات الولايات المتحدة صورية إلى حد كبير.
وعندما تنحى رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي تحت ضغط من الولايات المتحدة الشهر الماضي، أعلنت إيران موافقتها بتهنئة خلفه ودعت إلى تشكيل حكومة شاملة.
وتفضل الإدارة الأميركية بشدة انضمام أعضاء الميليشيات الشيعية - وكذلك رجال القبائل السنية في غرب العراق - إلى قوات الأمن العراقية ومحاربة المسلحين تحت راية الحكومة. لكن المسؤولين الأميركيين، الذين لم يؤذن لهم بمناقشة استراتيجية الإدارة علنا، قالوا إنهم سيقومون بكل ما يمكن القيام به حتى يجري دحر المتشددين.
والولايات المتحدة ليست الفاعل الوحيد على الأرض الذي يجد الوضع غير مريح. وبينما نسبت إدارة الولايات المتحدة الفضل إلى الضربات الجوية الأميركية في دحر تنظيم داعش في بلدة آمرلي، أعلنت الميليشيات على الأرض من جديد عداءها للأميركيين وقالوا إن الهجمات لم تكن مهمة في الانتصار الذي حققوه. وقالت وكالة أنباء فارس الإيرانية يوم الجمعة إن فكرة أن الإجراء الأميركي كان حاسما في بلدة آمرلي، هي من نسج الخيال الأميركي. وأضافت الوكالة نقلا عن مصدر عسكري إيراني: «أطلق الغرب فرقعة إعلامية لإظهار الولايات المتحدة باعتبارها المنقذ للعراق».
وعندما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» صباح أول من أمس أن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي وافق على التعاون مع الجيش الأميركي ضد تنظيم داعش، سرعان ما نفى كبار المسؤولين في الحكومة هذا الخبر؛ إذ أخبر إسماعيل كوثري نائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني وكالة أنباء بلومبرغ «أن ذلك مستحيل»، مضيفا: «لسنا بحاجة للولايات المتحدة». وتابع كوثري، وهو قائد سابق للحرس الثوري: «نحن نعرف كيف نحتاط من (داعش) بأنفسنا».
وفي المنطقة الكردية، حيث أيدت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة إجراء استفتاء حول مستقبل كركوك والمناطق المتنازع عليها الأخرى، يجري الاحتفال بمكاسب البيشمركة. ولم تصادق الإدارة الأميركية علنا على احتلال كركوك وحقولها النفطية المجاورة، كما أنها لم ترغب في أن يتخلى الأكراد عن الأراضي التي استولوا عليها، في الوقت الذي لا يملك فيه الجيش العراقي القدرة على حمايتها من تنظيم داعش.
إن حل هذه القضية ينبغي أن يتأجل إلى يوم آخر. وبحلول ذلك الوقت - على افتراض دحر «داعش» في نهاية المطاف في العراق - فإن الأسلحة التي تتدفق إلى البيشمركة من الولايات المتحدة وأوروبا وإيران تكون قد جعلتها قوة هائلة وراء مطالب الحكومة الإقليمية أقوى مما كانت عليه قبل الأزمة الحالية.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.