فصائل إدلب تضم خليطاً من «المعتدلين» والإسلاميين والمتشددين

هجوم قوات النظام السوري وروسيا وحّد بينها

مقاتل من {الجبهة الوطنية للتحرير} شمال حماة (أ.ف.ب)
مقاتل من {الجبهة الوطنية للتحرير} شمال حماة (أ.ف.ب)
TT

فصائل إدلب تضم خليطاً من «المعتدلين» والإسلاميين والمتشددين

مقاتل من {الجبهة الوطنية للتحرير} شمال حماة (أ.ف.ب)
مقاتل من {الجبهة الوطنية للتحرير} شمال حماة (أ.ف.ب)

في نهاية أبريل (نيسان) الماضي، شن النظام السوري في سوريا بدعم من روسيا، ما جرى تصميمه بادئ الأمر على أنه «هجوم محدود» في شمال غربي سوريا. وتمثل الهدف من وراء الهجوم، الذي جرى الاتفاق حوله خلال اجتماع عقد في آستانة في فبراير (شباط) 2019، في مهاجمة جماعات معارضة وأخرى جهادية على كثير من الجبهات الاستراتيجية الحساسة، من أجل تعزيز ما أطلق عليها «المنطقة منزوعة السلاح»، أي ذلك الحزام من الأراضي الذي أقر في منتصف سبتمبر (أيلول) 2018 والذي يحيط بـ«منطقة خفض تصعيد» أكبر أنشئت منتصف عام 2017.
في الأساس؛ كان الهدف من المنطقة منزوعة السلاح أن تكون خالية من أي تنظيمات إرهابية وجميع الأسلحة الثقيلة، ومع هذا ظلت عناصر من كلا الأمرين داخل المنطقة. الأسوأ من ذلك أنه كان من المفترض أن تشهد منطقتا «خفض التصعيد» و«نزع السلاح» توقفاً شبه كامل لأعمال العنف، فيما عدا جهود مكافحة الإرهاب التي يجري اتخاذها دفاعاً عن النفس ضد جماعات مصنفة إرهابية من قبل الأمم المتحدة. لكن هذا الوقف لإطلاق النار تعرض للتجاهل منذ اليوم الأول من جانب نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، مع إقدامهم على أعمال قصف دون تمييز أسقطت أعداداً لا تحصى من المدنيين على نحو شبه يومي.
وجراء غياب أي نظام مراقبة أو آليات فرض مستقلة، أصبح في حكم المؤكد أن منطقتي «خفض التصعيد» و«نزع السلاح» ستفشلان حتى قبل أن تنطلقا. في الواقع، كانت منطقة خفض التصعيد التي أقيمت شمال غربي سوريا منتصف عام 2017، واحدة من أربع موزعة عبر أرجاء البلاد؛ وتقع المناطق الثلاث الأخرى في الغوطة الشرقية لدمشق، وجنوب غربي سوريا، وجيب من الأراضي يحيط بمدينتي تلبيسة والرستن في حمص.
كانت روسيا هي التي اقترحت فكرة إقرار مناطق خفض تصعيد في سوريا، واليوم أصبح الهدف من وراء ذلك واضحاً؛ التعامل مع أزمة نقص القوة البشرية التي تعوق تحركات نظام الأسد، والتي تركته عاجزاً عن القتال بفاعلية على أكثر من جبهة في وقت واحد. ومثلما كشفت الأحداث منذ ذلك الحين، فإن النظام بعد ذلك، بدعم روسي قوي، حاصر وقصف وغزا منطقة واحدة في المرة الواحدة؛ بدءاً بالغوطة الشرقية بين فبراير وأبريل 2018، ثم حمص بين أبريل ومايو (أيار)، وأخيراً جنوب غربي سوريا بين يونيو (حزيران) ويوليو (تموز). فقط منطقة خفض التصعيد في شمال غربي البلاد ظلت على حالها بوصفها «مِكَبّ النفايات» الذي يضم المسلحين والجهاديين المهزومين، بجانب عشرات الآلاف من المدنيين الذين أجلوا عن ديارهم.
وبذلك، تحولت إدلب إلى بوتقة تنصهر بداخلها عناصر متباينة. وفي الوقت الذي يحتفظ فيه كثير من المناطق بمجتمع مدني مزدهر ومعتدل؛ يقوده إصرار على دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير، فإنه واجه معارضة قوية وعدائية من جانب جماعات جهادية على صلة بتنظيم «القاعدة». في السنوات الأولى، وبسبب إلحاحية المعارك، دخلت هذه الجماعات الجهادية في علاقات تعاونية مع التيار الرئيسي من المعارضة المسلحة في سوريا، لكن منذ عام 2016، ومع مرور الصراع ذاته بفترات مدّ وجزر في خضم تدخلات دولية ومبادرات دبلوماسية، بدأ الجهاديون في الانقلاب على حلفائهم العسكريين، وسعوا نحو فرض إرادتهم على أرض الواقع من خلال التهديد والقوة الوحشية. إلا إنه نتيجة التصعيد الأخير في العنف داخل إدلب وتهديد القوة الكاسحة من جانب النظام السوري وروسيا، عاد كثير من هذه الجماعات إلى تحالفاتها الهشّة السابقة.
اليوم، تواجه مجموعة مختلفة من العناصر المسلحة هجوماً يشنه الأسد في شمال غربي سوريا، ويمكن تقسيمها إلى 5 مظلات أساسية:
«جبهة التحرير الوطني»؛ والعناصر الرئيسية: «فيلق الشام»، و«أحرار الشام»، و«حركة نور الدين الزنكي»، و«صقور الشام»، و«جيش الأحرار»، و«جيش إدلب الحر»، و«الفرقة الساحلية الأولى»، و«الجيش الثاني»، و«الفرقة الساحلية الثانية»، و«جيش النخبة»، و«فرقة المشاة الأولى»، و«جيش النصر»، و«الفرقة 23»، و«لواء شهداء الإسلام»، و«تجمع دمشق».
وتعد «جبهة التحرير الوطني» تحالفاً واسعاً من جماعات المعارضة المنتمية للتيار الرئيسي التي تشكلت أواخر مايو 2018 وتوسعت في أغسطس (آب) 2018. وتربط «جبهة التحرير الوطني» نفسها بـ«جيش سوريا الحرة»، وتعد قريبة للغاية من الحكومة التركية. وكانت أغلبية العناصر أعضاء «جبهة التحرير الوطني» سبق أن تلقوا مساعدات عسكرية من «غرفة تنسيق العمليات العسكرية» التي تتولى وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) الإشراف عليها، وتلقت الغرفة دعماً من حلفاء أوروبيين وشرق أوسطيين بين عامي 2013 و2017.
وتشكل «جبهة التحرير الوطني» مجموعة واسعة النطاق من خلفيات آيديولوجية، في ظل وجود عناصر معتدلة مثل «جيش إدلب الحر» و«جيش النصر» الذين يربطون أنفسهم بعناصر على صلة بـ«جماعة الإخوان المسلمين»، مثل «فيلق الشام»، وعناصر سلفية محافظة و«جيش الأحرار» و«أحرار الشام».
وقد انحسر نطاق نفوذ وقوة «جبهة التحرير الوطني» منذ تشكيلها، الأمر الذي يعود لأسباب؛ على رأسها الهجمات التي شنتها «هيئة تحرير الشام» (التي عرفت سابقاً باسم «جبهة النصرة»). سياسياً، تعارض «جبهة التحرير الوطني» بشدة الأجندة الآيديولوجية والاستراتيجية لـ«هيئة تحرير الشام» والموالين لـ«القاعدة»، حسبما أظهرت جميع العناصر المكونة لها في السنوات الأخيرة. ورغم أنه يصعب تقدير أعداد أفرادها، فإنه من المحتمل أن يكون تحت قيادة الجبهة نحو 30 ألف مقاتل يعملون بقدرة كاملة.

«جيش العزة»
فصيل معارض يعمل بصورة أساسية شمال حماة، وكان من قبل عضواً لفترة طويلة في غرفة العمليات التي تديرها وكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه». ورغم أنه لا يزال يرفع علم «الجيش السوري الحر»، فإنه يصر في الفترة الأخيرة على البقاء مستقلاً خارج مظلة «جيش التحرير الوطني».
ويبقي «جيش العزة» على اتصالات وثيقة مع الحكومة التركية، لكنه في الأشهر الأخيرة أظهر قدراً أقل من الالتزام بالتوجيهات التركية؛ كان أبرزها إلغاؤه موافقته على اتفاق منطقة نزع السلاح، بالمخالفة لأوامر أنقرة. في الوقت ذاته، أبدى «جيش العزة» معظم الوقت استعداده للبقاء منفتحاً تجاه فكرة بناء علاقات حيادية وإيجابية في معظمها مع «هيئة تحرير الشام»، مقارنة بالعناصر المقاتلة في «جبهة التحرير الوطني». ورغم صعوبة تقدير أعداد مقاتليه، فإن الاحتمال الأكبر أن «جيش العزة» يضم ما بين ألفين و3 آلاف مقاتل.

«الجيش الوطني السوري»
تتمثل العناصر الرئيسية النشطة في إدلب وشمال حماة في: «لواء شهداء بدر»، و«الجبهة الشامية»، و«أحرار الشرقية»، و«أحرار الشمال (فيلق الشام)».
يشكل «الجيش الوطني السوري» هيكلاً عسكرياً ضخماً أسسته القوات التركية أواخر عام 2017 كي توحد تحت قيادته كثيراً من فصائل المعارضة المسلحة التي أسهمت في التدخلات التركية من خلال عمليتي «درع الفرات» و«غصن الزيتون» في شمال حلب بين عامي 2016 و2018. ويتسم بهوية واضحة تعكس صورة «الجيش السوري الحر»، ويتألف من أكثر من 30 مجموعة ـ ربما تمثل في مجملها ما بين 20 ألفاً و25 ألف مقاتل على الأقل ـ من أبناء خلفيات عربية وتركمانية. على الورق، يبقى «الجيش الوطني السوري» على ولائه للحكومة السورية المؤقتة (المعارضة)، وإن كان يبدو أشد ولاءً للحكومة التركية.
واجه بعض أعضاء «الجيش الوطني السوري» اتهامات بالتورط في جرائم، وتشوهت صورة الكيان بتورط عناصره في التدخلات التي قادتها تركيا والتي جرى النظر إليها باعتبارها تتحرك بدوافع مناهضة للأكراد. كما عانى «الجيش الوطني السوري» من موجات تناحر داخلي متكررة.
ونشر «الجيش الوطني السوري» مئات المقاتلين، بجانب أسلحة ثقيلة ومركبات مدرعة مدعومة من تركيا إلى شمال حماة في الفترة ما بين منتصف ونهاية مايو، وذلك لتعزيز المواقف الدفاعية لـ«جبهة التحرير الوطني» وتمكين قدرات الجبهة الهجومية. ويبدو أن انضمامهم إلى ميدان القتال ترك تأثيراً ملموساً ويبدو دورهم بمثابة إشارة واضحة على تصعيد تركي مضاد في مواجهة هجمات سورية وروسية.

«هيئة تحرير الشام»
تشكل «هيئة تحرير الشام» الصورة الثالثة لجماعة كانت تعرف في الأصل باسم «جبهة النصرة». وتأسست «هيئة تحرير الشام» في يناير (كانون الثاني) 2017، بعد 6 أشهر من إعادة تسمية «جبهة النصرة» باسم «فتح الشام»، وتعرضها لتنديدات شديدة من جانب الموالين لـ«القاعدة» داخل سوريا ودولياً باعتبار أنها انشقت عن التنظيم. ورغم مرور «هيئة تحرير الشام» من قبل عبر فترات عداء مع «القاعدة» والموالين لها داخل سوريا، فإنها عملت في الفترة الأخيرة في ظل تفاهم جرى التفاوض حوله حصلت بمقتضاه على سلطة فوق مستودعات أسلحة «القاعدة» وأصبح بإمكانها الدخول إلى خطوطها الأمامية.
وعلى ما يبدو، يقود الزعيم الشاب لـ«هيئة تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، حركة سلفية جهادية يبدو أنها تشكل النسخة السورية من «طالبان»، ذلك أنها تتبع آيديولوجية متطرفة بوضوح، لكنها تحصر تركيزها على الوجود داخل حدود دولة قومية: سوريا.
اليوم، لا تزال «هيئة تحرير الشام» تعمل على نحو يتعارض تماماً مع التوجيهات المباشرة الصادرة عن «القاعدة»، خصوصاً من خلال إصرارها على حكم مناطق واقتحام العمل السياسي والتعاون مع حكومتين على الأقل بالمنطقة ومحاولة التواصل سراً مع عدد أكبر من الحكومات، بينها حكومات أوروبية.
وتبقي «هيئة تحرير الشام» قنوات اتصال مع السلطات التركية فيما يخص شؤوناً عسكرية وسياسية وتجارية، لكن العلاقة بين الجانبين لا تدور في إطار الصداقة، وإنما تحكمها المصالح البرغماتية: «هيئة تحرير الشام» تسعى لتجنب تحويل تركيا إلى عدو، بينما تحتاج تركيا إلى تفادي تحول «هيئة تحرير الشام» إلى عنصر تعكير ضدها في شمال غربي سوريا على نحو يهدد مصالحها.
وتشير الاحتمالات إلى أن «هيئة تحرير الشام» يعمل تحت قيادتها نحو 15 ألف مقاتل بصورة كاملة، بجانب آلاف عدة من الموظفين المدنيين. وتبقي الجماعة على نفوذ مهيمن لها بمختلف أرجاء شمال غربي سوريا، لكنها تفتقر إلى الشعبية بشدة في أوساط سكان المنطقة البالغ عددهم 3 ملايين نسمة. وتمثل «هيئة تحرير الشام» العنصر العسكري الأقوى، ويبدو أنها على امتداد 18 شهراً حرصت على تعزيز مستوى تدريب مقاتليها وتسليحهم بأسلحة ومعدات أحدث، منها خوذات وسترات مضادة للرصاص.

الموالون لـ«القاعدة»
الفصائل الأساسية: تنظيم «حراس الدين»، و«حزب تركستان الإسلامي»، و«أجناد قوقاز»، و«كتائب الفاتح»، و«جبهة أنصار الدين»، و«جماعة أنصار الدين»، و«كتائب الإمام البخاري».
منذ انشقاق «جبهة النصرة» عن «القاعدة» وتشكيلها «هيئة تحرير الشام»، انشق عنها كثير من الموالين لـ«القاعدة» في شمال غربي سوريا وشكلوا فرقاً جديدة؛ كان أبرزها تنظيم «حراس الدين» الذي قاده كثير من أعضاء «القاعدة»، منهم اثنان من أعضاء مجلس الشورى العالمي التابع للتنظيم. وتبعاً للتعليمات الصادرة عن زعيم «القاعدة»، أيمن الظواهري، حرص تنظيم «حراس الدين» والموالون له بدرجة كبيرة على عدم السعي نحو السيطرة على أرض ما أو حكم مجموعة من السكان، وركزوا بدلاً من ذلك على العمل العسكري باعتباره الهوية المميزة لهم والغرض الأساسي الذي يسعون خلفه.
نظرياً؛ فإن جميع هذه المجموعات التي ربما يبلغ قوامها مقاتليها 4 آلاف، يعارضون كل ما يخص «جبهة التحرير الوطني» و«الجيش الوطني السوري»، ويوجهون انتقادات شديدة إلى «هيئة تحرير الشام»، لكنهم تجنبوا التورط في تشاحنات وتقاتل بين الفرق. كما أن هذه المجموعة لا تزال متميزة على صعيد العمليات عن التشكيلات الأخرى سالفة الذكر، وعادة ما تعمل على خطوط أمامية خاصة بها، بدلاً من التعاون مع جماعات أخرى.
من ناحية أخرى؛ فإن أبرز ما يميز «حزب تركستان الإسلامي» جذوره الضاربة بمنطقة سنغان الصينية (أوغور). وبمرور الوقت أصبح الحزب فاعلاً للغاية في شمال سوريا وأكثر قوة بكثير من الكيان الأصلي له في آسيا. وتتمركز منطقة عمليات الحزب في مدينتي بداما وجسر الشغور غرب إدلب، لكنه في الفترة الأخيرة أقدم على خطوة نادرة الحدوث بإرساله مقاتلين إلى شمال حماة؛ الخط الأمامي اليوم لأشرس المعارك على مستوى البلاد.
ورغم استمرار كثير من الاختلافات اليوم بين «هيئة تحرير الشام» و«جبهة التحرير الوطني» و«الجيش السوري الوطني»، وبين «هيئة تحرير الشام» و«القاعدة»، وبين الموالين لـ«القاعدة» و«جبهة التحرير الوطني» و«الجيش الوطني السوري»، فإن إلحاحية المعارك الدائرة شمال غربي سوريا في الأشهر الأخيرة كانت لها الأولوية. الحقيقة أن كثيراً من هذه الفصائل ناقشت التعاون عسكرياً في جبهات أمامية مشتركة ضد التحالف الموالي للأسد، بل وتتعاون فيما بينها فنياً داخل غرفة عمليات واحدة؛ كان يطلق عليها في الأصل «فتح دمشق»، لكن أعيدت تسميتها في الفترة الأخيرة لتحمل أسماء عمليات محددة مخطط لها سلفاً. وفي الأسابيع الأخيرة، جرت سلسلة من الاجتماعات (استثني منها الموالون لـ«القاعدة»)، لمناقشة إمكانية الاندماج الرسمي لبعض هذه القوى، وإن كانت احتمالات حدوث ذلك تبقى ضئيلة.
وحتى الآن، يبدو أن استعداد هذه الجماعات لتنحية خلافاتها الكبيرة جانباً أثمر أداءً دفاعياً وهجومياً أقوى في مواجهة هجوم قوي من جانب سوريا وروسيا. أما مسألة استمرار هذا الصمود فتعتمد بدرجة كبيرة على تركيا ومدى استعدادها للإبقاء على دعم كبير لحلفائها، وعلى روسيا وما إذا كانت ستختار المضي في التصعيد، أم تتحرك نحو وقف التصعيد لأسباب سياسية.
* خاص بـ«الشرق الأوسط»



طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».