الوضع الاقتصادي والمالي يهدد مصير مئات الجمعيات الإنسانية

عون يتدخل لدفع مستحقات مؤسسات لوَّحت بالإقفال

TT

الوضع الاقتصادي والمالي يهدد مصير مئات الجمعيات الإنسانية

تدخل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس، لدفع مستحقات مؤسسات إنسانية لوّحت بالإقفال، ما يهدد مصير مئات اللبنانيين الذين يستفيدون من خدماتها. وأعلنت رئاسة الجمهورية أمس أن عون تابع مسألة الصعوبات المالية التي تواجه عدداً من المؤسسات الإنسانية التي تعنى بالأطفال وذوي الحاجات الخاصة، والتي أدت إلى إعلان إحداها الإقفال.
وأفيد باتصال رئيس الجمهورية بوزير المال علي حسن خليل، وباتخاذ قرار بدفع جزء من المساهمات التي تقدمها الدولة لهذه المؤسسات خلال الأيام القليلة المقبلة، على أن تستكمل عملية الدفع في وقت لاحق وفق الإمكانات المتوافرة.
وقالت مصادر قريبة من الرئيس عون لـ«الشرق الأوسط»، إن تحركه جاء نتيجة مناشدات كثيرة من أكثر من مؤسسة، طلبت منه التدخل لإنقاذها من الإفلاس والإقفال، لافتة إلى أنه تم التفاهم مع خليل على دفع جزء من المستحقات المتأخرة، على أن يتم دفع باقي المبالغ في وقت لاحق، ومحاولة تسوية موضوع العقود. وأضافت: «لا شك في أن غياب الإمكانات والاعتمادات لدى الدولة، إضافة لسياسة التقشف المعتمدة، كل ذلك يترك تداعياته على وضع الجمعيات وغيرها من المؤسسات».
وبعد تحميل أكثر من جهة سياسية وزارة المال مسؤولية ما آلت إليه أوضاع هذه المؤسسات نتيجة عدم دفع مستحقاتها، سارع الوزير خليل لإبعاد المسؤولية عنه، شارحاً بأن المشكلة الأساسية في تنفيذ العقود المشتركة مع الجمعيات في وزارة الشؤون، تكمن في أن توقيعها تم مع نهاية عام 2018، في وقت كان من المفترض فيه أن يتم في الشهر الأول من السنة، للسير بالتصفيات ودفعها دورياً. وأوضح خليل أن وزارة المال قامت بدفع الفصلين الأول والثاني، أما الفصل الثالث والرابع فقد تم تدوير المبالغ المخصصة لهما نتيجة التأخير الذي حصل. وأضاف: «لقد تابعت هذا الملف لإنجازه وتأمين المبالغ اللازمة وفق توفر السيولة، وسيتم تحويلها خلال اليومين المقبلين للجمعيات المعنية».
وأكد خليل أحقية مطالب الجمعيات التي تغطي حاجات أساسية لذوي الاحتياجات الخاصة، في غياب مراكز حكومية متخصصة، والالتزام بما تم الاتفاق عليه في مجلس الوزراء، لجهة تحديد المستفيدين من الجمعيات التي لا تقوم بواجباتها وفق التقييم العلمي، لإلغاء عقودها أو استفادتها.
وكان وزير الشؤون الاجتماعية ريتشارد قيومجيان، قد شدد في تصريح له أمس، على أن أولوية الدولة يجب أن تكون للإنسان اللبناني قبل أي شيء آخر، مؤكداً أنه لن يقبل أن تغلق أي جمعية ومؤسسة رعاية. وقال: «يجب أن نعول على التضامن الاجتماعي بيننا في هذا الظرف الصعب، وهنا أناشد البلديات والفاعليات والأحزاب والمقتدرين، للعمل سوياً لدعم جمعياتنا ومؤسسات الرعاية التي تشكل شبكة الأمان الاجتماعي، وإذا فقدناها فسيصبح مجتمعنا في القعر، فهي تطال أكثر من 400 ألف لبناني».
ورغم سياسة التقشف التي قررت الحكومة اعتمادها في موازنة عام 2019، فإنه قد تم رفع موازنة وزارة الشؤون الاجتماعية من 152 مليون دولار في عام 2018 إلى 223 مليون دولار في عام 2019، منها 66.5 مليون دولار للإسكان، ما يعني أن موازنة الوزارة زادت نحو 4.5 مليون دولار.
واندلع أخيراً سجال بين وزير الشؤون وعدد من النواب والوزراء، بخصوص وجود جمعيات وهمية يتوجب إنهاء أي مساهمات تصلها من ميزانية الدولة، وشدد وزير الشؤون على أن وزارته ليست مسؤولة إلا عن عقودها المبرمة مع مؤسسات الرعاية والجمعيات غير الوهمية، كاشفاً أنه تم وقف العمل مع 20 جمعية لم تلتزم بالعقد.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.