وزير خارجية ألمانيا: ملتزمون بالاتفاق النووي ولا يمكننا صنع المعجزات

وزير الخارجية الألماني خلال اجتماعه مع نظيره الإيراني في طهران (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الألماني خلال اجتماعه مع نظيره الإيراني في طهران (أ.ف.ب)
TT

وزير خارجية ألمانيا: ملتزمون بالاتفاق النووي ولا يمكننا صنع المعجزات

وزير الخارجية الألماني خلال اجتماعه مع نظيره الإيراني في طهران (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الألماني خلال اجتماعه مع نظيره الإيراني في طهران (أ.ف.ب)

قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، اليوم (الاثنين)، إن «الوضع في منطقة الشرق الأوسط متوتر للغاية وخطير بشدة»، محذراً من «أي تصعيد خطير للتوترات القائمة يمكن أن يؤدي لتصعيد عسكري».
وأضاف ماس، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في طهران، أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا متمسكة بالحفاظ على التزاماتها بموجب الاتفاق النووي مع إيران، وأنه من المهم مواصلة الحوار لتجنب التصعيد العسكري. وأوضح: «نريد أن نفي بالتزاماتنا، لا يمكننا صنع معجزات لكننا سنحاول تجنب فشل الاتفاق النووي»، مؤكداً على أهمية مواصلة الحوار مع إيران واستخدام هذه المحادثات لإجراء مناقشات صريحة».
وقال ماس إن «الأوروبيين مقتنعون بأن إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران يستحق المحاولة».
وكان ماس صرح للصحافيين بعد وصوله ليلاً إلى طهران، المحطة الأخيرة من جولة في الشرق الأوسط استغرقت 4 أيام وقادته إلى العراق والأردن والإمارات: «لا نريد أن تمتلك إيران أسلحة نووية».وأضاف أن الاتفاق النووي ينطوي «على أهمية قصوى» بالنسبة لأوروبا لأسباب أمنية.
وأكد ماس أن ألمانيا وشركاءها الأوروبيين «بذلوا أقصى جهودهم للوفاء بالتزاماتهم» بموجب هذا الاتفاق، إلا أنه اعترف بأن النتائج الاقتصادية التي كانت طهران تأمل فيها من اتفاقية فيينا، أصبحت «أكثر صعوبة»، وحث إيران على الاحترام الكامل للاتفاق. وقال قبل الاجتماع مع ظريف إن «من مصلحة إيران السياسية والاستراتيجية» الحفاظ على هذا الاتفاق والحفاظ على الحوار مع أوروبا». وأشار إلى أن كل المتطلبات الرسمية لنظام مدفوعات أوروبي قائم على المقايضة للتجارة مع إيران بهدف تفادي العقوبات الأميركية متوفرة الآن، مضيفاً أنه ينبغي بدء العمل به قريباً، وتابع: «هذه أداة جديدة من نوعها لذا فإن تشغيلها ليس بسيطاً».
من جانبه، قال وزير الخارجية الإيراني إن بلاده أجرت محادثات «صريحة وجادة» مع ألمانيا بشأن إنقاذ الاتفاق النووي.
وتابع ظريف: «طهران ستتعاون مع الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق لإنقاذه»، وشدد على أن «إيران لن تبدأ حرباً لكنها ستدمر أي طرف يغزوها»، على حد قوله.
وكان التلفزيون الرسمي الإيراني قد نقل في وقت سابق اليوم عن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي، قوله: «حتى الآن لم نشهد تحركات عملية وملموسة من الأوروبيين لضمان مصالح إيران، وما قاموا به لغاية الآن لم يرضنا»، وتابع: «طهران لن تبحث أي قضية خارج نطاق الاتفاق النووي».
وقال موسوي ان«الاتحاد الأوروبي ليس في موقف يؤهله لطرح أسئلة عن قضايا إيران بخلاف الاتفاق النووي». كما أعلن أن طهران لم تطلب شراء منظومة الدفاع الصاروخي «إس 400» من روسيا، وأكد «اننا لم نتقدم بطلب لشراء منظومة (إس 400) من روسيا، إذ لا نشعر بالحاجة لهذه المنظومة في الوقت الحاضر، وقد قام خبراؤنا بتصميم منظومات تضاهي هذه المنظومة».
في غضون ذلك، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنها «قلقة إزاء تصاعد التوتر» بشأن الملف النووي الإيراني بعد إعلان طهران أنها لم تعد تحترم بعض القيود التي ينص عليها الاتفاق.
وقال المدير العام للوكالة يوكيا أمانو، في كلمة: «آمل في إيجاد طرق لخفض التوتر الحالي من خلال الحوار».
يذكر أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحب من الاتفاق النووي العام الماضي وأعاد فرض العقوبات على طهران.
وندد ترمب بالاتفاق الذي وقعه سلفه باراك أوباما بوصفه معيباً لأنه غير دائم ولا يشمل برنامج إيران للصواريخ الباليستية أو دورها في صراعات منطقة الشرق الأوسط.
وتحاول الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق، وهي فرنسا وبريطانيا وألمانيا، إنقاذه لكنها تشاطر الولايات المتحدة مخاوفها من تطوير الصواريخ الباليستية في إيران وأنشطة طهران في المنطقة.



غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)
الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)
TT

غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)
الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

لم يتخيل الكاتب الغزي محمود عساف، للحظة واحدة، أن يخسر مكتبته الثرية بآلاف الكتب العلمية والدينية وغيرها من محتويات قيمة، ولم يتخيل في أسوأ كوابيسه أن مكتبته «العزيزة» على قلبه ستتحول إلى وقود للنار التي يبحث عنها كل الغزيين في ظل افتقارهم لوسائل التدفئة المعروفة.

شعر عساف، الذي نزح مضطراً من مدينة غزة إلى دير البلح بفعل الحرب الإسرائيلية، بغصة في قلبه، بعد أن عرض عليه صاحب أحد الأفران شراء ما تبقى من مكتبته، لاستخدام الكتب في إشعال النار في فرنه القديم، بغرض إعداد الخبز للسكان.

لم يوافق فوراً لكنه لاحقاً اضطر لبيع كتبه تحت ضغط الوضع المعقد.

وقال عساف الذي يملك في مكتبته الكبيرة نحو 30 ألف عنوان بينها كتب ألَّفها بنفسه: «منذ تلك اللحظة كأني أُقيم كل المآتم في قلبي، لكن ما اضطرني إلى القبول هو ضيق الحال الذي وصلنا إليه في غزة، وأنا أنظر إلى أطفالي وأطفال بلادي وهم يتمنون لقمة العيش أو ارتداء حذاء في أقدامهم يساعدهم على السير في الرمال بين الخيام التي تحتوينا منذ عام».

كتب عساف عبر صفحته في «فيسبوك» التي يتابعها الآلاف: «ليتني مِتُّ قبل هذا»، خصوصاً أن مكتبته يعود عمرها إلى 35 عاماً مضت، وكان من حين إلى آخر يُثريها بالكتب القيمة التي قرأها جميعها بتمعّن، وكانت بمثابة مرجع علمي لكثيرين من الطلبة الجامعيين وحتى لأصدقائه من الكتاب والأكاديميين وغيرهم.

وعساف ليس الوحيد الذي اضطر إلى استخدام الكتب للحصول على نار، ومع تضاعف أزمة عدم توفر الحطب في القطاع، اضطر الكثيرون إلى استخدام كتبهم بغضّ النظر عن نوعها، حتى المدرسية، لإشعال النار من أجل تجهيز الطعام لعوائلهم، أو الحصول على تدفئة، حتى إن بعض المواطنين اضطروا إلى دخول مكتبات عامة وخاصة واستولوا على ما بها من كتب لاستخدامها في إيقاد النيران.

مكتبة الكاتب عساف التي تحولت إلى وقود للنار في قطاع غزة (فيسبوك)

وقال عماد محيسن، وهو موظف في القطاع الخاص ويمتلك مكتبة خاصة به، إن أبناءه حين قُصف منزلهم أخرجوا المئات من الكتب من تحت ركام المنزل، واحتفظ بها في خيمة مجاورة لخيمته التي نزح إليها في دير البلح وسط القطاع، لكنه فوجئ بأن جيرانه أحرقوها كلها لإشعال أفران الطينة من دون علمه واستئذانه.

لم يعاتبهم محيسن، كما قال لـ«الشرق الأوسط»، حتى حين رآهم أيضاً يحرقون شهادات التقدير التي حصل عليه، لأنه يشعر بأن الحرب أخذت منه كل شيء ولم يتبقَّ لأي شيء قيمة تُذكَر؛ «ماذا تنفع الشهادات مع انعدام الحياة؟».

الصديق وقت الضيق!

ووجد محيسن نفسه مضطراً إلى استخدام ما تبقى لديه لإشعال الوقود لزوجته من أجل إعداد الطعام، أو حتى لتدفئة المياه للاغتسال، وأحياناً من أجل التدفئة. ولم يُخفِ محيسن حسرته الكبيرة على فقدانه مكتبته التي كانت بمثابة الصديق وقت الضيق، يلجأ إليها كلما شعر بأنه بحاجة إلى تغيير مزاجه اليومي، قائلاً: «قراءة الكتب والاستفادة منها، هي أفضل ما يمكن أن يعينك على مواجهة مشكلات الحياة».

ويعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع، ويوزع عبر جهات حكومية ضمن معايير محددة وبكميات بسيطة جداً لا تكاد تكفي لأسبوع واحد لعائلة مكونة من 6 أفراد على سبيل المثال. كما أنه منذ العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فقد سكان قطاع غزة كل مصادر الكهرباء المتوفرة من خطوط إسرائيلية ومن محطة الكهرباء الوحيدة، الأمر الذي أسهم في مضاعفة الأزمات بالنسبة لهم، مع اعتمادهم على ما تبقى من طاقة شمسية لدى بعض المقتدرين التي تقتصر فقط على شحن البطاريات والهواتف النقالة.

طلب مرتفع

ومنذ بداية الحرب، يستخدم سمير الحوراني من سكان منطقة الزوايدة وسط قطاع غزة، الأخشاب والحطب بشكل أساسي لإيقاد النار لعائلته لإعداد الطعام والخبز، ومنذ فترة لجأ إلى الكتب والأوراق والدفاتر، التي تساعده على ايقاد النيران وتخفف من كميات الخشب الشحيحة. وقال: «الكتب تساعد على إيقاد النيران، وتخفف من استخدام الخشب».

ومع حاجة الناس إلى الكتب، تحولت إلى مادة للبيع. واستغل محمد المدهون، من سكان حي الشيخ رضوان، شمال مدينة غزة، الأوضاع الحالية، وأخرج من منزله الذي لم يتعرض لأي قصف أو ضرر، كل ما فيه من كتب ودفاتر وأوراق، وعرضها للبيع، في خيمة نصبها إلى جوار المنزل، وكان يقدم فيها مشروبات ساخنة، مقابل أجر مادي بسيط لا يتعدى 5 شواقل (دولار ونصف تقريباً). وقال المدهون: «جمعت كل ما لديَّ: كتب قراءة وكتب مدارس ودفاتر وأوراق كرتون... كل شيء، وعرضته للبيع». وأضاف: «فوجئت بالطلب المرتفع. البعض اشتراها من أجل المساعدة في إشعال النار، والبعض اشترى كتاباً أو اثنين للقراءة». وتابع: «لم يكن مشهداً محبباً لي. لكنّ الناس يحتاجون إلى الكتب من أجل القراءة والنار. وأنا أحتاج إلى المال».