توكاييف يستعد لخلافة نزارباييف في رئاسة كازاخستان

توقيف مئات المتظاهرين خلال أول انتخابات رئاسية

موظفون في اللجنة الانتخابية يفرزون الأصوات في ألماتي أمس (رويترز)
موظفون في اللجنة الانتخابية يفرزون الأصوات في ألماتي أمس (رويترز)
TT

توكاييف يستعد لخلافة نزارباييف في رئاسة كازاخستان

موظفون في اللجنة الانتخابية يفرزون الأصوات في ألماتي أمس (رويترز)
موظفون في اللجنة الانتخابية يفرزون الأصوات في ألماتي أمس (رويترز)

شارك الكازاخيون أمس في أول انتخابات رئاسية في تاريخ هذه الجمهورية السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى، بعد بقاء نور سلطان نزارباييف رئيساً لها لثلاثة عقود، وبلغت نسبة المشاركة قبل 3 ساعات من إقفال مكاتب الاقتراع الأولى 73 في المائة بحسب السلطات الانتخابية.
ويبدو فوز خلف نزارباييف المعين الرئيس المؤقت قاسم جومارت توكاييف، شبه مؤكد بعد تلقيه دعم الحزب الحاكم والرئيس السابق الذي استقال في مارس (آذار). وفيما توجه الناخبون إلى مكاتب الاقتراع، قال نائب وزير الداخلية مراد كوجاييف إن نحو 500 شخص اعتقلوا الأحد خلال مظاهرات مناهضة للانتخابات الرئاسية في مدينتي نور سلطان وألماتي. وهذه المظاهرات هي الأهم منذ 3 سنوات في الجمهورية السوفياتية السابقة.
ويتنافس ستة مرشحين آخرين مع توكاييف البالغ من العمر 66 عاماً، لكن لا أحد منهم معروف بالنسبة للرأي العام. في المقابل، يمكن للرئيس المؤقت الاعتماد على دعم الكثير من الشخصيات المعروفة وعلى موارد الدولة المتاحة له في حملته الانتخابية.
وقالت آسيا سيتبيكوفا، البالغة من العمر 25 عاماً التي تعمل في شركة خاصة للإنتاج، لوكالة الصحافة الفرنسية: «سأصوت لتوكاييف لأنني لا أعرف المرشحين الآخرين». وفي ألماتي إحدى أكبر مدن البلاد، أكد سائق تاكسي أيضاً نيته التصويت لتوكاييف، معتبراً أنه «أقوى المرشحين».
وقال مراد ساغينديكوف (65 عاماً)، وهو موظف حكومي سابق في ألماتي، إنه أعطى صوته لتوكاييف «من أجل أن يواصل مسيرة قائد الأمة». وأضاف: «أعتقد أنه خلال 30 عاماً شهدنا بعض النجاحات. كان هناك أمور سلبية أيضاً، لكنها موجودة في كل الدول».
بدوره، قال المدون أصلان ساقوتدينوف الذي أوقف لفترة وجيزة الشهر الماضي لرفعه لافتة بيضاء، إنه لا ينوي الاقتراع. وأوضح: «إذا صوتنا في انتخابات غير منصفة، فإننا نسمح لهم باعتبارها عادلة».
ويدرك المرشحون أنه من الصعب تحقيق نتائج مماثلة لنتائج نزارباييف الذي انتخب للمرة الأولى في عام 1991، ثم أعيد انتخابه أربع مرات بعد ذلك بنسب تجاوزت ثمانين في المائة. وفي عام 2015، وفيما كانت البلاد تعيش صعوبات اقتصادية، حاز نزارباييف 98 في المائة من الأصوات مع نسبة مشاركة 95 في المائة.
واعتبر مراقبون دوليون أن تلك الانتخابات لم تكن حرة ولا عادلة، ومن المرجح أن ينطبق الأمر نفسه على هذا الاستحقاق أيضاً. ويمنح واحد من مركزين لاستطلاعات الرأي مصرح لهما بالعمل توكاييف نسبة 73 في المائة من نوايا التصويت.
وبعدما أدلى بصوته قرابة الساعة في دار الأوبرا في العاصمة نور سلطان المعروفة سابقا باسم أستانا، قال توكاييف باللغة الإنجليزية للصحافيين إن نزارباييف «لا يزال في السلطة كرئيس لمجلس الأمن (...) ولديه صلاحيات أخرى أيضاً». وحل توكاييف في مارس محل نور سلطان نزارباييف في رئاسة هذا البلد الواسع، بعدما استقال الأخير بشكل مفاجئ بعد ثلاثة عقود من الحكم. ودعا توكاييف الذي كان رئيساً لمجلس الشيوخ إلى الانتخابات الرئاسية المبكرة التي جرت أمس.
وترشح بعد ذلك للرئاسة بدعم من مرشده نزارباييف، وبات من شبه المؤكد أنه سيكون الرئيس الجديد لهذا البلد. وخلال مؤتمر لحزب نور أوتان (نور الوطن) الحاكم في أبريل (نيسان)، قال نزارباييف مع إعلانه اسم خلفه: «أنا متأكد من أنه سيكون قائداً نزيهاً». ولن يكون دور توكاييف كرئيس رمزياً فقط، لكن نزارباييف سيبقى شخصية أساسية في السياسة الكازاخستانية حيث احتفظ بمهام بارزة.
ووُلد توكاييف الدبلوماسي المحنك في كازاخستان عام 1953 لعائلة من النخبة الثقافية السوفياتية. وفي 1975، حاز على شهادة من المعهد الحكومي للعلاقات الدولية في موسكو. وبدأ بعد ذلك العمل في السلك الدبلوماسي، حيث بات شخصية سياسية من الصف الأول بعد استقلال كازاخستان عام 1991، وعيّن مرتين وزيراً للخارجية، ورئيساً للوزراء بين عامي 1999 و2002. لكن تسليمه رئاسة مجلس الشيوخ كان أوضح تعبير عن ثقة نور سلطان نزارباييف به. وتولى توكاييف هذا المنصب مرتين، المرة الأولى بين عامي 2007 و2011، ثم في عام 2013 حتى استقالة نزارباييف.
وبموجب الدستور الكازاخستاني، يتولى رئيس مجلس الشيوخ الرئاسة الموقتة للبلاد خلفاً لرئيس الجمهورية.
شغل توكاييف الذي يجيد الصينية والإنجليزية مع الروسية والكازاخستانية أيضاً منصب المدير العام لمكتب الأمم المتحدة في جنيف بين عامي 2011 و2013، حيث كان أول كازاخستاني يتولى مركزاً على هذه الدرجة من الأهمية في منظمة دولية.
وفي السنوات الأخيرة، حاول تغيير صورته كرجل يعمل في الظلّ، غير معروف للرأي العام. فقد بدأ مثلاً باستخدام موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بشكل نشط. وفي إحدى تغريداته الأخيرة، نشر صورة له وهو يصافح مغنياً كازاخستانياً مشهوراً. ومنذ تسلمه السلطة، حاول أن يبني صورة لنفسه كزعيم أمام الرأي العام. فقد استقبل مثلاً الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي – إن، والتقى في موسكو حليفه فلاديمير بوتين. وحظيت جولاته خارج البلاد بتغطية واسعة من الإعلام الرسمي. لكن إشارته الدائمة لولائه للرئيس السابق وأسلوبه الجدي، عرضه للانتقادات بأنه يفتقد للحضور والجاذبية.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.