قمم مكة: ردع الإرهاب الإيراني

تآزُر عربي وإسلامي لأمن المنطقة

مسؤولو ميناء الفجيرة يلتقطون صورة للسفينة «أندريا فيكتوري» التالفة في مياه الإمارات 13 مايو الماضي (رويترز)
مسؤولو ميناء الفجيرة يلتقطون صورة للسفينة «أندريا فيكتوري» التالفة في مياه الإمارات 13 مايو الماضي (رويترز)
TT

قمم مكة: ردع الإرهاب الإيراني

مسؤولو ميناء الفجيرة يلتقطون صورة للسفينة «أندريا فيكتوري» التالفة في مياه الإمارات 13 مايو الماضي (رويترز)
مسؤولو ميناء الفجيرة يلتقطون صورة للسفينة «أندريا فيكتوري» التالفة في مياه الإمارات 13 مايو الماضي (رويترز)

قمم مكة المكرمة الثلاث المتمثلة في القمة الإسلامية في دورتها العادية والقمتين الطارئتين لمجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، حوت في طياتها حرصاً على التآزر العربي والإسلامي من أجل تحقيق الأمن في المنطقة، والتصدي بحزم للتهديدات العدوانية والأنشطة التخريبية.
تمثَّل ذلك في التشديد على إدانة الاعتداء الإرهابي باستهداف أربع سفن تجارية بعمليات تخريبية في ميناء الفجيرة الإماراتي وتخريب ناقلات نفط في السواحل الإماراتية، بالإضافة إلى الهجوم على محطتي ضخ تابعتين لشركة «أرامكو» السعودية، باستهدافه مصالح الدول وإمدادات النفط العالمية، كما تمثل في الإعراب عن التضامن مع السعودية والدعم اللامحدود للإجراءات التي تتخذها لحماية أمنها القومي.

وأفادت نتائج تحقيق أوّلي مشترك حول استهداف ناقلتي نفط نرويجية وسفينة شحن إماراتية في الخليج بأن الهجمات نُفِّذت باستخدام ألغام بحرية على درجة من التعقيد تشير إلى أن دولة تقف وراءها، وهناك ترجيح بأن إيران مسؤولة عن ذلك. كما اتهم مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، إيران بأنها مسؤولة عن الهجوم على ناقلات النفط. أما مؤتمر أعمال القمة الإسلامية فتم فيه التباحث في شؤون وتحديات الشرق الأوسط ومن ضمنها تدخلات إيران في المنطقة.

قيم الوسطية
من جهة أخرى، نجد هناك تشديداً على أهمية تأكيد قيم الوسطية والاعتدال في نصوص الكتاب والسنة، بهدف التصدي لتيارات التطرف والإرهاب. وقد نصت وثيقة مكة المكرمة المنبثقة عن القمة التي انعقدت خلال الفترة من 27 إلى 29 مايو (أيار) 2019 على ذلك، سواء رفض العبارات والشعارات العنصرية أو التنديد بدعاوى الاستعلاء البغيضة، وفي ذلك تآزر رمزي بهدف دحض التطرف في العالم الإسلامي والعربي فكرياً ودينياً وتعديل القيم والمفاهيم المغلوطة من خلال المؤسسات السياسية والدينية وسن التشريعات الرادعة لمروجي الكراهية والمحرضين على العنف والإرهاب والصدام الحضاري، مما هو كفيل بتجفيف مسببات الصراع الديني والإثني ومكافحة التطرف والإرهاب، خصوصاً مع تصاعد ظاهرة «الإسلاموفوبيا» التي تدل على عدم المعرفة بحقيقة الإسلام وإبداعه الحضاري وغاياته السامية. والتعرف الحقيقي على الإسلام يستدعي الرؤية الموضوعية التي تتخلص من الأفكار المسبقة. ويظهر تصاعد الخوف من الإسلام فيما حدث في مدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا من إطلاق النار على مصلين في مسجدين، وما ظهر من خلال البيان الذي شرح دوافع تنفيذ الهجوم بأنها محاولة لحماية العرق الأبيض، ما يشير إلى تصاعد اليمين المتطرف.
تأتي القمم الثلاث بعدة أهداف أبرزها التصدي لأذرع إيران الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط من الحوثيين و«حزب الله» وغيرهما، بالأخص في خضم التوتر ما بين الولايات المتحدة وإيران وموجات التصعيد من الطرفين نتيجة تقهقر الاتفاق النووي والعقوبات الأميركية حيال إيران، وما جاء في أعقاب ذلك من دعم إيراني للحوثيين الذين كثفوا من هجماتهم في المنطقة في التوقيت ذاته. وقد اتفقت غالبية الدول العربية على إدانة إيران والتنديد بتهديدها المستمر للمنطقة. كما أدانوا الهجمات التي يقوم بها الحوثيون بدعم من إيران باستثناء تحفظ قطر على بياني القمتين الخليجي والعربي.

دعم الحوثيين
دعم إيران للحوثيين جاء بتزويدهم بالأسلحة والصواريخ الباليستية إضافةً إلى الدعم اللوجستي، كما تم اكتشاف عناصر من «الحرس الثوري» ممن يقومون بتدريب الحوثيين في صعدة. وانعكس ذلك على إطلاق الحوثيين ما يزيد على 225 صاروخاً باليستياً و145 طائرة مسيّرة على منشآت حكومية سعودية استهدفت عدة مدن من ضمنها الرياض ونجران والعاصمة المقدسة مكة المكرمة. وجاءت عدة حوادث للكشف عن سفن ومراكب إيرانية محمّلة بذخائر وأسلحة بهدف تسليح الحوثيين، مثل ما حدث في 23 يناير (كانون الثاني) 2013 حين تم اعتراض سفينة «جيهان 1» الإيرانية وهي محملة بأسلحة عبارة عن صواريخ من طراز «كاتيوشا» وأنظمة رادار وصواريخ مضادة للطائرات ومتفجرات وأسلحة أخرى، بهدف دعم الحوثيين بها. ويظهر التغلغل الإيراني في اليمن ودول أخرى بتصريح قائد «الحرس الثوري» الإيراني في يناير 2016 بوجود 200 ألف مقاتل مرتبطين بـ«الحرس الثوري» في خمس دول في المنطقة: اليمن وسوريا والعراق وباكستان وأفغانستان، إضافة إلى «حزب الله» وميليشياته الإرهابية.

تأثُّر المتطرفين
أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب في عدة مناسبات رسمية أن بلاده عازمة على منع النظام الإيراني من حيازة أسلحة نووية ووقف تمويله للإرهاب. وقد أظهرت معلومات استخباراتية أميركية أن فرض العقوبات الأميركية على إيران لم يتسبب فحسب في تدهور الوضع الاقتصادي فيها، وإنما كذلك الجماعات المدعومة من إيران تواجه أزمة مالية نتيجة نقص تمويل إيران لها. وحسب المعلومات التي نشرتها قناة «فوكس» الإخبارية فإن إيران أخبرت عدداً من الميليشيات الشيعية المتطرفة أنها بحاجة إلى إيجاد مصادر أخرى للدخل لأنها لم تعُد في وضع يتيح لها تزويدها بالأموال.
وتزامن ذلك مع دعوات أصدرها «حزب الله» على وسائل التواصل الاجتماعي طالب فيها أنصاره بالتبرع بالأموال. كما هدد الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله بأن أي حرب ضد إيران ستُشعل المنطقة. وعلى الرغم من أن «حزب الله» لا يزال يُظهر مواقف قوية داعمة لإيران؛ فإن تقريراً نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية أشار إلى أن إيران لم تعد تعتبر «حزب الله» ذراعها الأهم للقيام بعملياتها والمشاركة في حروبها في المنطقة، وإنما هناك توجه إلى جعل الحوثيين الذراع الأهم، بالأخص في ظل اشتعال التوتر ما بين الولايات المتحدة وإيران. وأشار التقرير إلى رأي الباحث في معهد دراسات سياسة الشرق الأدنى في واشنطن مايكل نايت، أن إيران اختارت جعل التهديد عبر الحوثيين ليقع رد الفعل والهجوم داخل اليمن وليس في إيران، وليصبح الاستهداف موجهاً إلى السعودية لا إلى مصالح الولايات المتحدة بشكل مباشر لأن ذلك سيتسبب في رد فعل عنيف لا محالة.

دعم الميليشيات
يظهر تغلغل إيران ودعمها للجماعات المتطرفة في الدول التي تعاني من انعدام الاستقرار والأمن مثل دعمها للحوثيين في اليمن ولجماعات متطرفة في سوريا. لذلك ليس بمستغرب قلة عدد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها، باستثناء هجمة إرهابية في 7 يونيو (حزيران) 2017 استهدفت البرلمان الإيراني وضريح آية الله الخميني وأسفرت عن مقتل 17 شخصاً، وتبنى تنظيم «داعش» العملية الإرهابية، وسبقها في 15 يوليو (تموز) 2010 هجومان انتحاريان على مساجد في مدينة زاهدان في محافظة سيستان بلوشستان، وفي ديسمبر (كانون الأول) من عام 2010 هجوم انتحاري في يوم عاشوراء تبنّته حركة جند البلوشية.
وتُتهم إيران بتقديمها الدعم المالي واللوجيستي وحتى إيوائها لأعضاء وقياديي تنظيمات إرهابية أبرزها «القاعدة»، وأبناء أسامة بن لادن، وأبرزهم حمزة بن لادن، وسيف العدل الذي أسهم في هجمات السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام، إضافة إلى سليمان أبو غيث المتحدث السابق باسم تنظيم «القاعدة». وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أخيراً عن أن إيران تواصل تمددها في الجنوب السوري ودير الزور وأماكن أخرى في دمشق وريفها. حيث إنها تقوم بالاستقطاب والتجنيد من خلال شبكة العرّابين والوكلاء بهدف ترسيخ وجودها هناك. وفي أعقاب التوتر الأميركي الإيراني حثّ قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» الإيراني، قادة الميليشيات المدعومة من إيران في مناطق الشرق الأوسط على التحضير للحرب بالوكالة. ومن بينها «لواء الفاطميون» الذي يتكون مقاتلوه من الهزارة الأفغان من الأقلية الشيعية، وقد لوحظ مغادرتهم من سوريا لانتقال قتالهم إلى منطقة أخرى. ويعد «فيلق القدس» الذراع الخارجية لـ«الحرس الثوري» الإيراني والمسؤول عن تصدير الثورة الإيرانية، وقد وُضع قائده قاسم سليماني في فترة سابقة على قائمة الإرهابيين. ولـ«فيلق القدس» ميزانية سرية، ويظهر تورطه في كلٍّ من العراق وسوريا، وحسب وثيقة سنة 1998 لاتحاد العلماء الأميركيين فإن التركيز الأساسي لـ«فيلق القدس» هو على «تدريب الجماعات الإرهابية الأصولية الإسلامية».
الموقف الإيراني حيال منطقة الشرق الأوسط وإذكائه للاضطراب السياسي ليس بأمر سرّي، فإيران تقسّم العالم ما بين ثورة إسلامية وحدها هي الصائبة والتي ينبغي للعالم أجمع أن يتبعها، وبين بقية العالم ممن يمثلون التطرف والشر وهم كل من يقف ضد الجمهورية الإيرانية. ما يدل على ذلك هو استنكار الرئيس الإيراني حسن روحاني، تصنيف الولايات المتحدة لأول مرة «الحرس الثوري» على أنه تنظيم إرهابي، والرد الغرائبي الذي وصف فيه روحاني ذكر الولايات المتحدة بأنها «زعيمة الإرهاب العالمي». فيما يتلخص الطموح الإيراني إلى تغلغل الثورة الخمينية في منطقة الشرق الأوسط فيما ذكره النائب البرلماني الإيراني علي رضا زاكاني في 21 سبتمبر (أيلول) 2014 من أن «ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران وتابعة للثورة الإسلامية»، وأن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة بعد كل من بغداد وبيروت ودمشق.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».