تطبيقات البث التلفزيوني الرقمية العربية... قواعد المشاهدة على وشك التغيير

تحول عالمي في عادات استهلاك الترفيه

قد يصبح تجمع العائلة أمام التلفزيون أمراً من الماضي مع تغير عادات المشاهدة جراء انتشار الأجهزة الذكية
قد يصبح تجمع العائلة أمام التلفزيون أمراً من الماضي مع تغير عادات المشاهدة جراء انتشار الأجهزة الذكية
TT

تطبيقات البث التلفزيوني الرقمية العربية... قواعد المشاهدة على وشك التغيير

قد يصبح تجمع العائلة أمام التلفزيون أمراً من الماضي مع تغير عادات المشاهدة جراء انتشار الأجهزة الذكية
قد يصبح تجمع العائلة أمام التلفزيون أمراً من الماضي مع تغير عادات المشاهدة جراء انتشار الأجهزة الذكية

بدأت ظاهرة تطبيقات البث التلفزيوني تغزو العالم بعد الطفرة التي حققتها «نتفليكس» وتطبيقات أخرى مثل «هولو» و«سكاي» و«ديزني»، وأخيراً «آبل تي في»، والتي خلقت نهما في سلوك الاستهلاك الترفيهي حول العالم. على أثره دخلت مصر وعدد من الدول العربية هذا المضمار، حيث تفاجأ الجمهور المصري والعربي حول العالم بحجب المسلسلات الرمضانية على موقع يوتيوب مع إطلاق تطبيق «واتش إيت».
ورغم أن شرائح كبيرة من الجمهور كانت قبل أعوام تدفع اشتراكات لقنوات «إيه آر تي» وحاليا «أو إس إن» وأيضاً تطبيق «نتفليكس»؛ إلا أن ذلك أثار صدمة لدى الجمهور الذي كان يفضل الهروب من الفواصل الإعلانية التي تمتد لأكثر من 15 دقيقة لمدة 4 مرات خلال حلقة مسلسل مدتها 30 دقيقة. كذلك منع الفنانين من متابعة حجم الإقبال الجماهيري على الأعمال المشاركة في الماراثون الرمضاني التي كانت تقدر بملايين المشاهدات.
قبل فترة وجيزة خرج تامر مرسي، رئيس مجلس إدارة مجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية، بتصريح يوضح أن «معظم شركات إنتاج المحتوى العالمية سواء مسلسلات أو أفلام أو القنوات المتخصصة في مختلف الأنواع من المحتوى المميز سواء الدرامي أو الرياضي أو الترفيهي اتجهت عالمياً ومنذ فترة إلى حماية حقوق الملكية الفكرية للمحتوى، فلا تجده متاحاً على منصات مجانية بالجودة الفائقة المطلوبة للمشاهد بعدما تقدمت طرق المشاهدة من خلال التلفزيونات أو الهواتف الذكية، وتجده متاحاً على منصات رقمية متخصصة، لذا كان الاتجاه إلى حماية حقوق المحتوى الدرامي المصري بإنشاء تلك المنصة الرقمية الجديدة، لنقوم بجزء من دورنا في تحديث طرق تقديم المحتوى للمشاهد».
«ادفع لتشاهد» pay - per - view مبدأ ليس بالجديد فيما يخص استهلاك الترفيه، فطالما كان المشاهد يدفع ليشاهد فيلما في السينما، ثم بات يدفع نظير أقراص مدمجة لمشاهدة حلقات «ليالي الحلمية» بأجزائها من شركة صوت القاهرة ويحتفظ بها وهكذا... وفكرة ادفع لتشاهد ليست بالجديدة؛ بل إن تاريخها يعود إلى عام 1970 حينما بدأ المشاهد الأميركي يدفع نظير مشاهدة مباريات المصارعة، وغيرها من المحتوى الترفيهي عبر ما تبلور فيما بعد بظاهرة «كيبل».
وفي مصر يظهر جلياً متابعة الآلاف على ما يبث على «نتفليكس» في ظل كل الظروف الاقتصادية، فإن هناك شرائح كبيرة من المشاهدين المصريين يتابعون ما يبث عليه، وظهر جليا متابعة فيلم مثل «بيردبوكس» لساندرا بولوك الذي تم تصميم الكثير من الكوميكس حوله. وهو ما شجع على إطلاق تطبيق «واتش إيت» في مصر، ومن المتوقع أن تحذو شركات إنتاج أخرى حذوه في محاولة للترويج لبضاعتها القديمة، واستغلالها من جانب ومن جانب آخر حماية ملكيتها. السؤال الذي يجب أن نتابع مآلاته هل يصبح «يوتيوب» فيما بعد مقصورا على البث الخاص بالهواة فقط؟
«الشرق الأوسط» استطلعت آراء خبراء حول أثر تطبيق مبدأ «ادفع لتشاهد» على تغيير عادات المشاهدة لدى الجمهور العربي.
قالت الدكتورة أماني ألبرت، أستاذة العلاقات العامة والإعلان بكلية الإعلام جامعة بني سويف جنوب العاصمة القاهرة، إن «وجود تطبيقات مثل (شاهد) و(نتفليكس) ستجلس الجمهور مرة أخرى على العرش؛ ليصبح المستهلك هو الملك من جديد»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «بالطبع ستؤثر على نوعية المحتوى المعروض. وكونها مدفوعة الأجر سيعطينا أرقاما دقيقة عن عدد مرات المشاهدة الحقيقية ما يؤشر لنا بمدى الإقبال على العمل أم لا»، لافتة إلى أن «هناك استسهالا واضحا في صناعة المحتوى قائما على النقل الحرفي عن أعمال أجنبية».
وترى ألبرت أن هناك إيجابيات متعددة لتطبيقات المشاهدة، منها «أن اختيار الجمهور لما يشاهده سيمكنه من رفض تسطيح المحتوى والمضامين وستتمكن الأعمال الجيدة من فضح الأعمال الرديئة بسهولة، وستوفر وقت المشاهد الذي قد يلجأ إليها هرباً من الفواصل الإعلانية الطويلة بين المسلسلات، والتي تمنع المشاهد من الاستمتاع بالعمل»، مؤكدة «ستكون هذه التطبيقات مرحلة ثالثة من تغير عادات المشاهدين الذين أولا كانوا ينتظرون موعد المسلسل لمشاهدته عبر القنوات الفضائية، وهروباً من الفواصل الطويلة لجأوا لمشاهدته عبر اليوتيوب، وبعد أن بدأ في تفعيل حذف المحتوى تقف هذه التطبيقات كمنفذ للاستمتاع بالأعمال الفنية ولكن مدفوعة الأجر. ولكن تبقى نوعية المضمون الذي يتم بثه عبر هذه التطبيقات مرهونة بمدى إصرار القائمين عليها على التدقيق في اختيار الأعمال وعرض أفضلها أو الحاصل منها على جوائز لتعمل على الارتقاء بذوق المشاهد».

تحرر المحتوى

أما الإعلامية والمخرجة التونسية، مبروكة خضير، فترى أن «تاريخ الإعلام لطالما كان دائم التغير». وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «سواء الجمهور أو صناع الإعلام فإنهم جميعا يحاولون التأقلم مع مستجداته، لكن لا تزال نسب مشاهدة القنوات الفضائية في العالم العربي كبيرة»، مؤكدة أن «المشاهد اليوم مدلل فهو ينتقي من بين عدة خيارات لاستهلاك الترفيه، وهو في حل مما كانت تفرضه عليه القنوات المحلية أو الفضائيات من محتوى أو خطاب رديء». وتلفت إلى أن شركات الإنتاج الآن تنفق أموالا طائلة لإنتاج مواد ومحتوى يبث عبر تطبيقات المشاهدة ربما تفوق الإنتاج السينمائي أو التلفزيوني التقليدي.
وحول تغير عادات المشاهدة، أكدت خضير من خلال خبرتها في العمل بتلفزيون دويتشه فيله أن «المشاهدين هربوا إلى عالم (يوتيوب) بشكل لافت، وهو ما مهد لمرحلة تالية؛ إذ باتوا على استعداد للاشتراك في التطبيقات المدفوعة للهروب من موجة الركاكة التي تعتري الكثير من الأعمال الدرامية فهو يدفع نظير أن يجد محتوى يمتعه، وهنا تساعدنا هذه التطبيقات على إمكانية تحليل المحتوى بشكل جاد مختلف عن أرقام مشاهدات يوتيوب بشكل أكثر دقة عن ميول المشاهدين». وقالت خضير: «طبقت جريدة لوموند الفرنسية هذا المبدأ وعدد من القنوات الأميركية والأوروبية وتنتج مواد أكثر استقلالية».

تغير المعادلة

«لمة العيلة أمام التلفاز أمر ولى وانتهى»، هكذا يرى المخرج التلفزيوني والإعلامي الأردني، فراس عبندة، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «عادات المشاهدة بالفعل تغيرت مع انتشار الأجهزة الذكية، فكل فرد من أفراد الأسرة يشاهد ما يتفق مع ميوله ورغباته حتى لو كانوا بنفس المكان فهم لا يحضرون مادة واحدة على التلفزيون؛ لأن العصر تغير إلى جانب ضيق الوقت»، مؤكداً «لا أعتقد أن التلفزيون التقليدي إلى زوال بل ستتغير المعادلة، سيكون منصة مساندة للتطبيقات لكن نسب المشاهدة الحقيقية سوف نعرفها عبر هذه التطبيقات، الإعلام التقليدي كان يعتمد على الإعلانات الآن المعادلة أصبحت تعتمد على نسب المشاهدة، وقد بدأت منذ عدة سنوات المحطات التلفزيونية التقليدية الكبرى بتخصيص تطبيقات توازي البث العادي مثل (شاهد)».
«المواطن العربي اقترن الإنترنت لديه بالمجانية» يلفت عبندة إلى أن انتشار تطبيقات البث التلفزيوني يحتاج لمزيد من الوقت في العالم العربي، ويقول: «التطبيقات موجودة بالأردن لكن على استحياء فغالبية الأردنيين يعتمدون على (يوتيوب)، فضلا عن العامل الاقتصادي الذي يؤثر على قطاعات كبيرة من المواطنين الأردنيين والعرب بشكل عام».
يؤكد المخرج الأردني أن «التلفزيون بطل يجمعنا والتغير سمت إعلامي، وقد اعتادنا منذ التسعينات على قنوات الأوربيت وإيه آر تي وكان النقاش حول الأعمال التي تعرض على هذه القنوات محدود النطاق إلى أن يتم توزيعها بعد عام مثلا على القنوات المفتوحة، ثم تحولنا خلال العامين الأخيرين للاعتماد كلية على (يوتيوب) وبات رأس المال يوجه لإنتاج برامج وأعمال عليه وهكذا سيظل التطور في المستقبل يتيح الكثير من الخيارات للمشاهد».
وفي إطلالة على تطبيقات المشاهدة في ألمانيا، قالت الدكتورة حنان بدر، مدرس بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، وجامعة برلين، وهي متخصصة في الإعلام الدولي والمقارن لـ«الشرق الأوسط»: «في ألمانيا يتم جمع اشتراكات للبث التلفزيوني الحكومي 17 يورو لكل منزل، والقنوات العامة أيضا لديها تطبيقات بث تلفزيوني مجانية؛ لأنه لا أحد يتابع التلفزيون كما كان الوضع في الماضي، بل ندخل لنختار الحلقات في الوقت المناسب لنا، فضلا عن تطبيقات مثل «سكاي» التي تطبق مبدأ «ادفع لتشاهد» بألمانيا القانون صارم جدا أن من يقوم ببث تورنت يتم تجريمه وعقابه قانونيا بغرامة ضخمة تصل لألف يورو»، مضيفة: «أما إنتاج الدولة من مسلسلات تاريخية ومحتوى جاد يظل متاحا مجانا للجمهور لفترة ثم يتم تسويقه على أقراص مدمجة، أما المحتوى الترفيهي فعادة ما يكون باشتراك خاص». وتلفت إلى أنه «في مصر كانت هناك فترة كان الناس يدفعون خدمات (الوصلة) التي تعمل كباقات غير رسمية تبث محتوى للمشتركين».
وقالت بدر إن «علاقة المواطن بالإعلام علاقة إشكالية في العالم كله ومع تأثير التكنولوجيا، وقرصنة البرامج والمسلسلات على يوتيوب قبل إذاعتها يعد ذلك نقطة مفصلية في ظهور تطبيقات البث التلفزيوني، فضلا عن الفواصل الإعلانية الكثيرة التي دفعت المشاهدين للإقبال على خدمة ادفع لتشاهد».
وتسلط بدر الضوء على مصطلح «دمقرطة الاتصال»، بأن جمهور الإنترنت تصور أن الإنترنت سيقوم على مبدأ الإتاحة المجانية للجميع بشكل ديمقراطي، لكن سياسات الإعلام من جانب آخر تتطلب حماية الإنتاج الفكري والفني».
وعن عادات المشاهدة في أميركا، قال الكاتب الصحافي المقيم في واشنطن توماس جورجسيان لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذه التطبيقات الجديدة والمتجددة باستمرار غيرت بالتأكيد طبيعة علاقة المشاهد مع الأفلام والمسلسلات التلفزيونية وأيضا عاداته وتقاليده في المشاهدة والمتابعة لأحدث ما يتم إنتاجه وبثه، وبالتالي صار كل هذا متاحا أينما كنت وبسعر أقل وبإمكانية مشاهدته أيضا كمجموعة وصحبة بسعر واحد فقط».
ويلفت جورجسيان إلى أن «التغير الأهم والأكبر هو أن هذه الشركات أنتجت أفلاما ومسلسلات أميركية وعالمية كثيرة جدا طالما أن الجمهور متوافر، (نتفليكس) على سبيل المثال لديها نحو 150 مليون مشترك عالميا منهم 60 مليونا في الولايات المتحدة وحدها... كما أنها أدخلت ملمحا جديدا في التعامل مع المسلسلات إذ إنها تبث كل حلقات المسلسل، حلقات الموسم الـ13 في أغلب الأحوال مرة واحدة، وبالتالي يكون في إمكان المشاهد أن يشاهد هذه الحلقات كيف ما شاء دون الانتظار من أسبوع لأسبوع لمتابعتها. مضيفاً: «لا شك أن المحتوى المعروض متنوع وكثير ومتعدد الاهتمامات ويخاطب فئات عمرية كثيرة، وهذا مكسب للمشاهد، وأحيانا يمثل حيرة له، إلا أن الكثير من وسائل الإعلام، بالإضافة إلى الرسائل الإلكترونية الآتية من الشركات العاملة في هذا المجال تنبه المشاهد إلى الجديد الآتي إليه. وأهمية المعروض هذا الشهر. وتنوع المعروض في هذا المجال، من أفلام تسجيلية أو أفلام أطفال أو أفلام خيال علمي».



كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
TT

كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)

قبل 861 عاماً، نهضت كاتدرائية «نوتردام دو باريس» في قلب العاصمة الفرنسية. ومع مرور العقود والعصور تحوّلت إلى رمز لباريس، لا بل لفرنسا. ورغم الثورات والحروب بقيت «نوتردام» صامدة حيث هي، في قلب باريس وحارسة نهر السين الذي يغسل قدميها. إلا أن المأساة حلّت في شهر أبريل (نيسان) من عام 2019، عندما اندلع حريق هائل، التهمت نيرانه أقساماً رئيسة من الكاتدرائية التي انهار سقفها وتهاوى «سهمها»، وكان سقوطه مدوياً.

منظر للنافذة الوردية الجنوبية لكاتدرائية نوتردام دو باريس(رويترز)

حريق «نوتردام» كارثة وطنية

وكارثة «نوتردام» تحوّلت إلى مأساة وطنية، إذ كان يكفي النظر إلى آلاف الباريسيين والفرنسيين والسياح الذين تسمّروا على ضفتي نهر السين ليشهدوا المأساة الجارية أمام عيونهم. لكن اللافت كانت السرعة التي قررت فيها السلطات المدنية والكنسية مباشرة عملية الترميم، وسريعاً جدّاً، أطلقت حملة تبرعات.

وفي كلمة متلفزة له، سعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى شد أزر مواطنيه، مؤكداً أن إعادة بناء الكاتدرائية و«إرجاعها أجمل مما كانت» ستبدأ من غير تأخير. وأعلن تأسيس هيئة تشرف عليها، وأوكل المهمة إلى الجنرال جان لويس جورجولين، رئيس أركان القوات المسلحة السابق. وبدأت التبرعات بالوصول.

وإذا احتاجت الكاتدرائية لقرنين لاكتمال بنائها، فإن ترميمها جرى خلال 5 سنوات، الأمر الذي يعد إنجازاً استثنائياً لأنه تحول إلى قضية وطنية، لا بل عالمية بالنظر للتعبئة الشعبية الفرنسية والتعاطف الدولي، بحيث تحوّلت الكاتدرائية إلى رابطة تجمع الشعوب.

وتبين الأرقام التي نشرت حديثاً أن التبرعات تدفقت من 340 ألف شخص، من 150 دولة، قدّموا 846 مليون يورو، إلا أن القسم الأكبر منها جاء من كبار الممولين والشركات الفرنسية، ومن بينهم من أسهم بـ200 مليون يورو. ومن بين الأجانب المتبرعين، هناك 50 ألف أميركي، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وكان أحد الأسباب التي دفعته للمجيء إلى فرنسا؛ البلد الأول الذي يزوره بعد إعادة انتخابه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

متطوعون يضعون برنامج الحفل على المقاعد قبل الحفل (أ.ف.ب)

منذ ما يزيد على الشهر، تحوّلت الكاتدرائية إلى موضوع إلزامي في كل الوسائل الإعلامية. وخلال الأسبوع الحالي، حفلت الصحف والمجلات وقنوات التلفزة والإذاعات ببرامج خاصة تروي تاريخ الكاتدرائية والأحداث الرئيسة التي عاشتها في تاريخها الطويل.

وللدلالة على الأهمية التي احتلتها في الوعي الفرنسي، فإن رئيس الجمهورية زارها 7 مرات للاطلاع على التقدم الذي حققه المهنيون والحرفيون في إعادة البناء والترميم. وإذا كانت الكاتدرائية تجتذب قبل 2012 ما لا يقل عن 12 مليون زائر كل عام، فإن توقعات المشرفين عليها تشير إلى أن العدد سيصل العام المقبل إلى 15 مليوناً من كل أنحاء العالم.

المواطنون والسياح ينتظرون إفساح المجال للوصول الى ساحة الكاتدرائية (أ.ف.ب)

باريس «عاصمة العالم»

خلال هذين اليومين، تحوّلت باريس إلى «عاصمة العالم»، ليس فقط لأن قصر الإليزيه وجّه دعوات لعشرات من الملوك ورؤساء الدول والحكومات الذين حضر منهم نحو الخمسين، ولكن أيضاً لأن الاحتفالية حظيت بنقل مباشر إلى مئات الملايين عبر العالم.

وقادة الدول الذين قدّموا إلى «عاصمة النور» جاءوا إليها من القارات الخمس. وبسبب هذا الجمع الدولي، فإن شرطة العاصمة ووزارة الداخلية عمدتا إلى تشكيل طوق أمني محكم لتجنب أي إخلال بالأمن، خصوصاً أن سلطاتها دأبت على التحذير من أعمال قد تكون ذات طابع إرهابي. وإذا كان الرئيس الأميركي المنتخب قد حظي بالاهتمام الأكبر، ليس لأنه من المؤمنين المواظبين، بل لأنه يُمثل بلداً له تأثيره على مجريات العالم.

لكن في المقابل، تأسف الفرنسيون لأن البابا فرنسيس اعتذر عن تلبية الدعوة. والمثير للدهشة أنه سيقوم بزيارة جزيرة كورسيكا المتوسطية الواقعة على بُعد رمية حجر من شاطئ مدينة نيس اللازوردية، في 15 الشهر الحالي. والمدهش أيضاً أنه منذ أن أصبح خليفة القديس بطرس في روما، «المدينة الخالدة»، فإنه زار فرنسا مرتين، ثانيها كانت لمدينة مرسيليا الساحلية. بيد أنه لم يأتِ إلى باريس إطلاقاً. ووفق مصادر واسعة الاطلاع، فإن قرار البابا أحدث خيبة على المستويين الديني والرسمي. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى حدث تاريخي رئيس، وهو أن بابا روما بيوس السابع، قدم إلى باريس يوم 2 ديسمبر (كانون الأول) من عام 1804، لتتويج نابليون الأول إمبراطوراً.

وتمثل لوحة الرسام الفرنسي الشهير لوي دافيد، التي خلد فيها تتويج بونابرت، ما قام به الأخير الذي لم ينتظر أن يضع البابا التاج على رأسه، بل أخذه بيديه ووضعه بنفسه على رأسه، وكذلك فعل مع الإمبراطورة جوزفين.

احتفالية استثنائية

لم يساعد الطقس مساعدي الاحتفالية الذين خططوا لأن تكون من جزأين: الأول رسمي، ويجري في ساحة الكاتدرائية الأمامية؛ حيث يلقي الرئيس ماكرون خطابه المقدر من 15 دقيقة، وبعدها الانتقال إلى الداخل للجزء الديني. وكان مقدراً للمواطنين الـ40 ألفاً، إضافة إلى 1500 مدعو حظوا بالوجود داخل الكاتدرائية، أن يتابعوا الحدث من المنصات التي نصبت على ضفتي نهر السين، إلا أن الأمطار والعواصف التي ضربت باريس ومنطقتها أطاحت بالبرنامج الرئيس، إذ حصلت كل الاحتفالية بالداخل. بيد أن الأمطار لم تقض على شعور استثنائي بالوحدة والسلام غلب على الحاضرين، وسط عالم ينزف جراء تواصل الحروب، سواء أكان في الشرق الأوسط أم في أوكرانيا أم في مطارح أخرى من العالم المعذب. وجاءت لحظة الولوج إلى الكاتدرائية، بوصفها إحدى المحطات الفارقة، إذ تمت وفق بروتوكول يعود إلى مئات السنين. بدءاً من إعادة فتح أولريش لأبواب «نوتردام» الخشبية الكبيرة بشكل رمزي.

كاتدرائية «نوتردام» السبت وسط حراسة أمنية استعداداً لإعادة افتتاحها (إ.ب.ى)

وسيقوم بالنقر عليها 3 مرات بعصا مصنوعة من الخشب المتفحم الذي جرى إنقاذه من سقف الكاتدرائية الذي دمرته النيران، وسيعلن فتح الكاتدرائية للعبادة مرة أخرى. ونقل عن المسؤول عن الكاتدرائية القس أوليفييه ريبادو دوما أن «نوتردام»، التي هي ملك الدولة الفرنسية، ولكن تديرها الكنيسة الكاثوليكية «أكثر من مجرد نصب تذكاري فرنسي وكنز محبوب من التراث الثقافي العالم، لا بل هي أيضاً علامة على الأمل، لأن ما كان يبدو مستحيلاً أصبح ممكناً»، مضيفاً أنها أيضاً «رمز رائع».

الأرغن الضخم يحتوي على 8 آلاف مزمار تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام (أ.ف.ب)

كذلك، فإن تشغيل الأرغن الضخم الذي تم تنظيفه وتحضيره للمناسبة الاستثنائية، تم كذلك وفق آلية دقيقة. ففي حين ترتفع المزامير والصلوات والترانيم، فإنه جرى إحياء الأرغن المدوي، الذي صمت وتدهورت أوضاعه بسبب الحريق. ويحتوي الأرغن على 8 آلاف مزمار، تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام. وقام 4 من العازفين بتقديم مجموعة من الألحان بعضها جاء مرتجلاً.

إلى جانب الشقين الرسمي والديني، حرص المنظمون على وجود شق يعكس الفرح؛ إذ أدت مجموعة من الفنانين الفرنسيين والأجانب لوحات جميلة جديرة بالمكان الذي برز بحلة جديدة بأحجاره المتأرجحة بين الأبيض والأشقر وزجاجه الملون، وإرثه الذي تم إنقاذه من النيران وأعيد إحياؤه.

وبعد عدة أيام، سيُعاد فتح الكاتدرائية أمام الزوار الذي سيتدفقوة بالآلاف على هذا المعلم الاستثنائي.

حقائق

846 مليون يورو

تدفقت التبرعات من 340 ألف شخص من 150 دولة قدموا 846 مليون يورو لإعادة ترميم نوتردام