تطبيقات البث التلفزيوني الرقمية العربية... قواعد المشاهدة على وشك التغيير

تحول عالمي في عادات استهلاك الترفيه

قد يصبح تجمع العائلة أمام التلفزيون أمراً من الماضي مع تغير عادات المشاهدة جراء انتشار الأجهزة الذكية
قد يصبح تجمع العائلة أمام التلفزيون أمراً من الماضي مع تغير عادات المشاهدة جراء انتشار الأجهزة الذكية
TT

تطبيقات البث التلفزيوني الرقمية العربية... قواعد المشاهدة على وشك التغيير

قد يصبح تجمع العائلة أمام التلفزيون أمراً من الماضي مع تغير عادات المشاهدة جراء انتشار الأجهزة الذكية
قد يصبح تجمع العائلة أمام التلفزيون أمراً من الماضي مع تغير عادات المشاهدة جراء انتشار الأجهزة الذكية

بدأت ظاهرة تطبيقات البث التلفزيوني تغزو العالم بعد الطفرة التي حققتها «نتفليكس» وتطبيقات أخرى مثل «هولو» و«سكاي» و«ديزني»، وأخيراً «آبل تي في»، والتي خلقت نهما في سلوك الاستهلاك الترفيهي حول العالم. على أثره دخلت مصر وعدد من الدول العربية هذا المضمار، حيث تفاجأ الجمهور المصري والعربي حول العالم بحجب المسلسلات الرمضانية على موقع يوتيوب مع إطلاق تطبيق «واتش إيت».
ورغم أن شرائح كبيرة من الجمهور كانت قبل أعوام تدفع اشتراكات لقنوات «إيه آر تي» وحاليا «أو إس إن» وأيضاً تطبيق «نتفليكس»؛ إلا أن ذلك أثار صدمة لدى الجمهور الذي كان يفضل الهروب من الفواصل الإعلانية التي تمتد لأكثر من 15 دقيقة لمدة 4 مرات خلال حلقة مسلسل مدتها 30 دقيقة. كذلك منع الفنانين من متابعة حجم الإقبال الجماهيري على الأعمال المشاركة في الماراثون الرمضاني التي كانت تقدر بملايين المشاهدات.
قبل فترة وجيزة خرج تامر مرسي، رئيس مجلس إدارة مجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية، بتصريح يوضح أن «معظم شركات إنتاج المحتوى العالمية سواء مسلسلات أو أفلام أو القنوات المتخصصة في مختلف الأنواع من المحتوى المميز سواء الدرامي أو الرياضي أو الترفيهي اتجهت عالمياً ومنذ فترة إلى حماية حقوق الملكية الفكرية للمحتوى، فلا تجده متاحاً على منصات مجانية بالجودة الفائقة المطلوبة للمشاهد بعدما تقدمت طرق المشاهدة من خلال التلفزيونات أو الهواتف الذكية، وتجده متاحاً على منصات رقمية متخصصة، لذا كان الاتجاه إلى حماية حقوق المحتوى الدرامي المصري بإنشاء تلك المنصة الرقمية الجديدة، لنقوم بجزء من دورنا في تحديث طرق تقديم المحتوى للمشاهد».
«ادفع لتشاهد» pay - per - view مبدأ ليس بالجديد فيما يخص استهلاك الترفيه، فطالما كان المشاهد يدفع ليشاهد فيلما في السينما، ثم بات يدفع نظير أقراص مدمجة لمشاهدة حلقات «ليالي الحلمية» بأجزائها من شركة صوت القاهرة ويحتفظ بها وهكذا... وفكرة ادفع لتشاهد ليست بالجديدة؛ بل إن تاريخها يعود إلى عام 1970 حينما بدأ المشاهد الأميركي يدفع نظير مشاهدة مباريات المصارعة، وغيرها من المحتوى الترفيهي عبر ما تبلور فيما بعد بظاهرة «كيبل».
وفي مصر يظهر جلياً متابعة الآلاف على ما يبث على «نتفليكس» في ظل كل الظروف الاقتصادية، فإن هناك شرائح كبيرة من المشاهدين المصريين يتابعون ما يبث عليه، وظهر جليا متابعة فيلم مثل «بيردبوكس» لساندرا بولوك الذي تم تصميم الكثير من الكوميكس حوله. وهو ما شجع على إطلاق تطبيق «واتش إيت» في مصر، ومن المتوقع أن تحذو شركات إنتاج أخرى حذوه في محاولة للترويج لبضاعتها القديمة، واستغلالها من جانب ومن جانب آخر حماية ملكيتها. السؤال الذي يجب أن نتابع مآلاته هل يصبح «يوتيوب» فيما بعد مقصورا على البث الخاص بالهواة فقط؟
«الشرق الأوسط» استطلعت آراء خبراء حول أثر تطبيق مبدأ «ادفع لتشاهد» على تغيير عادات المشاهدة لدى الجمهور العربي.
قالت الدكتورة أماني ألبرت، أستاذة العلاقات العامة والإعلان بكلية الإعلام جامعة بني سويف جنوب العاصمة القاهرة، إن «وجود تطبيقات مثل (شاهد) و(نتفليكس) ستجلس الجمهور مرة أخرى على العرش؛ ليصبح المستهلك هو الملك من جديد»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «بالطبع ستؤثر على نوعية المحتوى المعروض. وكونها مدفوعة الأجر سيعطينا أرقاما دقيقة عن عدد مرات المشاهدة الحقيقية ما يؤشر لنا بمدى الإقبال على العمل أم لا»، لافتة إلى أن «هناك استسهالا واضحا في صناعة المحتوى قائما على النقل الحرفي عن أعمال أجنبية».
وترى ألبرت أن هناك إيجابيات متعددة لتطبيقات المشاهدة، منها «أن اختيار الجمهور لما يشاهده سيمكنه من رفض تسطيح المحتوى والمضامين وستتمكن الأعمال الجيدة من فضح الأعمال الرديئة بسهولة، وستوفر وقت المشاهد الذي قد يلجأ إليها هرباً من الفواصل الإعلانية الطويلة بين المسلسلات، والتي تمنع المشاهد من الاستمتاع بالعمل»، مؤكدة «ستكون هذه التطبيقات مرحلة ثالثة من تغير عادات المشاهدين الذين أولا كانوا ينتظرون موعد المسلسل لمشاهدته عبر القنوات الفضائية، وهروباً من الفواصل الطويلة لجأوا لمشاهدته عبر اليوتيوب، وبعد أن بدأ في تفعيل حذف المحتوى تقف هذه التطبيقات كمنفذ للاستمتاع بالأعمال الفنية ولكن مدفوعة الأجر. ولكن تبقى نوعية المضمون الذي يتم بثه عبر هذه التطبيقات مرهونة بمدى إصرار القائمين عليها على التدقيق في اختيار الأعمال وعرض أفضلها أو الحاصل منها على جوائز لتعمل على الارتقاء بذوق المشاهد».

تحرر المحتوى

أما الإعلامية والمخرجة التونسية، مبروكة خضير، فترى أن «تاريخ الإعلام لطالما كان دائم التغير». وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «سواء الجمهور أو صناع الإعلام فإنهم جميعا يحاولون التأقلم مع مستجداته، لكن لا تزال نسب مشاهدة القنوات الفضائية في العالم العربي كبيرة»، مؤكدة أن «المشاهد اليوم مدلل فهو ينتقي من بين عدة خيارات لاستهلاك الترفيه، وهو في حل مما كانت تفرضه عليه القنوات المحلية أو الفضائيات من محتوى أو خطاب رديء». وتلفت إلى أن شركات الإنتاج الآن تنفق أموالا طائلة لإنتاج مواد ومحتوى يبث عبر تطبيقات المشاهدة ربما تفوق الإنتاج السينمائي أو التلفزيوني التقليدي.
وحول تغير عادات المشاهدة، أكدت خضير من خلال خبرتها في العمل بتلفزيون دويتشه فيله أن «المشاهدين هربوا إلى عالم (يوتيوب) بشكل لافت، وهو ما مهد لمرحلة تالية؛ إذ باتوا على استعداد للاشتراك في التطبيقات المدفوعة للهروب من موجة الركاكة التي تعتري الكثير من الأعمال الدرامية فهو يدفع نظير أن يجد محتوى يمتعه، وهنا تساعدنا هذه التطبيقات على إمكانية تحليل المحتوى بشكل جاد مختلف عن أرقام مشاهدات يوتيوب بشكل أكثر دقة عن ميول المشاهدين». وقالت خضير: «طبقت جريدة لوموند الفرنسية هذا المبدأ وعدد من القنوات الأميركية والأوروبية وتنتج مواد أكثر استقلالية».

تغير المعادلة

«لمة العيلة أمام التلفاز أمر ولى وانتهى»، هكذا يرى المخرج التلفزيوني والإعلامي الأردني، فراس عبندة، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «عادات المشاهدة بالفعل تغيرت مع انتشار الأجهزة الذكية، فكل فرد من أفراد الأسرة يشاهد ما يتفق مع ميوله ورغباته حتى لو كانوا بنفس المكان فهم لا يحضرون مادة واحدة على التلفزيون؛ لأن العصر تغير إلى جانب ضيق الوقت»، مؤكداً «لا أعتقد أن التلفزيون التقليدي إلى زوال بل ستتغير المعادلة، سيكون منصة مساندة للتطبيقات لكن نسب المشاهدة الحقيقية سوف نعرفها عبر هذه التطبيقات، الإعلام التقليدي كان يعتمد على الإعلانات الآن المعادلة أصبحت تعتمد على نسب المشاهدة، وقد بدأت منذ عدة سنوات المحطات التلفزيونية التقليدية الكبرى بتخصيص تطبيقات توازي البث العادي مثل (شاهد)».
«المواطن العربي اقترن الإنترنت لديه بالمجانية» يلفت عبندة إلى أن انتشار تطبيقات البث التلفزيوني يحتاج لمزيد من الوقت في العالم العربي، ويقول: «التطبيقات موجودة بالأردن لكن على استحياء فغالبية الأردنيين يعتمدون على (يوتيوب)، فضلا عن العامل الاقتصادي الذي يؤثر على قطاعات كبيرة من المواطنين الأردنيين والعرب بشكل عام».
يؤكد المخرج الأردني أن «التلفزيون بطل يجمعنا والتغير سمت إعلامي، وقد اعتادنا منذ التسعينات على قنوات الأوربيت وإيه آر تي وكان النقاش حول الأعمال التي تعرض على هذه القنوات محدود النطاق إلى أن يتم توزيعها بعد عام مثلا على القنوات المفتوحة، ثم تحولنا خلال العامين الأخيرين للاعتماد كلية على (يوتيوب) وبات رأس المال يوجه لإنتاج برامج وأعمال عليه وهكذا سيظل التطور في المستقبل يتيح الكثير من الخيارات للمشاهد».
وفي إطلالة على تطبيقات المشاهدة في ألمانيا، قالت الدكتورة حنان بدر، مدرس بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، وجامعة برلين، وهي متخصصة في الإعلام الدولي والمقارن لـ«الشرق الأوسط»: «في ألمانيا يتم جمع اشتراكات للبث التلفزيوني الحكومي 17 يورو لكل منزل، والقنوات العامة أيضا لديها تطبيقات بث تلفزيوني مجانية؛ لأنه لا أحد يتابع التلفزيون كما كان الوضع في الماضي، بل ندخل لنختار الحلقات في الوقت المناسب لنا، فضلا عن تطبيقات مثل «سكاي» التي تطبق مبدأ «ادفع لتشاهد» بألمانيا القانون صارم جدا أن من يقوم ببث تورنت يتم تجريمه وعقابه قانونيا بغرامة ضخمة تصل لألف يورو»، مضيفة: «أما إنتاج الدولة من مسلسلات تاريخية ومحتوى جاد يظل متاحا مجانا للجمهور لفترة ثم يتم تسويقه على أقراص مدمجة، أما المحتوى الترفيهي فعادة ما يكون باشتراك خاص». وتلفت إلى أنه «في مصر كانت هناك فترة كان الناس يدفعون خدمات (الوصلة) التي تعمل كباقات غير رسمية تبث محتوى للمشتركين».
وقالت بدر إن «علاقة المواطن بالإعلام علاقة إشكالية في العالم كله ومع تأثير التكنولوجيا، وقرصنة البرامج والمسلسلات على يوتيوب قبل إذاعتها يعد ذلك نقطة مفصلية في ظهور تطبيقات البث التلفزيوني، فضلا عن الفواصل الإعلانية الكثيرة التي دفعت المشاهدين للإقبال على خدمة ادفع لتشاهد».
وتسلط بدر الضوء على مصطلح «دمقرطة الاتصال»، بأن جمهور الإنترنت تصور أن الإنترنت سيقوم على مبدأ الإتاحة المجانية للجميع بشكل ديمقراطي، لكن سياسات الإعلام من جانب آخر تتطلب حماية الإنتاج الفكري والفني».
وعن عادات المشاهدة في أميركا، قال الكاتب الصحافي المقيم في واشنطن توماس جورجسيان لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذه التطبيقات الجديدة والمتجددة باستمرار غيرت بالتأكيد طبيعة علاقة المشاهد مع الأفلام والمسلسلات التلفزيونية وأيضا عاداته وتقاليده في المشاهدة والمتابعة لأحدث ما يتم إنتاجه وبثه، وبالتالي صار كل هذا متاحا أينما كنت وبسعر أقل وبإمكانية مشاهدته أيضا كمجموعة وصحبة بسعر واحد فقط».
ويلفت جورجسيان إلى أن «التغير الأهم والأكبر هو أن هذه الشركات أنتجت أفلاما ومسلسلات أميركية وعالمية كثيرة جدا طالما أن الجمهور متوافر، (نتفليكس) على سبيل المثال لديها نحو 150 مليون مشترك عالميا منهم 60 مليونا في الولايات المتحدة وحدها... كما أنها أدخلت ملمحا جديدا في التعامل مع المسلسلات إذ إنها تبث كل حلقات المسلسل، حلقات الموسم الـ13 في أغلب الأحوال مرة واحدة، وبالتالي يكون في إمكان المشاهد أن يشاهد هذه الحلقات كيف ما شاء دون الانتظار من أسبوع لأسبوع لمتابعتها. مضيفاً: «لا شك أن المحتوى المعروض متنوع وكثير ومتعدد الاهتمامات ويخاطب فئات عمرية كثيرة، وهذا مكسب للمشاهد، وأحيانا يمثل حيرة له، إلا أن الكثير من وسائل الإعلام، بالإضافة إلى الرسائل الإلكترونية الآتية من الشركات العاملة في هذا المجال تنبه المشاهد إلى الجديد الآتي إليه. وأهمية المعروض هذا الشهر. وتنوع المعروض في هذا المجال، من أفلام تسجيلية أو أفلام أطفال أو أفلام خيال علمي».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.