مستقبل المدن الذكية

إضاءة تفاعلية ومركبات تتواصل فيما بينها

مستقبل المدن الذكية
TT

مستقبل المدن الذكية

مستقبل المدن الذكية

انعقد الشهر الماضي في مركز مؤتمرات كبير في لوس أنجلس، مؤتمر «هيئة جنوبي كاليفورنيا للطاقة العامة» السنوي الذي ضمّ تجمّعاً لأهم المنشآت البلدية في المنطقة التي تعمل لخدمة أكثر من خمسة ملايين شخص وتؤمّن 16 في المائة من الطاقة في هذه الولاية المشمسة. وكانت التقارير تدور حول المستقبل وتقديم أفكار جديدة حول كيفية تحويل المنشآت العامة إلى محطات للابتكار.

خيال وواقع
ناقش المؤتمر موضوعاً مهماً جداً هو «المنازل الذكية»؛ إذ إن المدن الذكية لم تصبح حقيقة بعد، لكنها ستصبح كذلك. لكن، ما هي المدينة الذكية؟ فكّروا بـ«ذا جتسونز» The Jetsons، وهو مسلسل رسوم متحركة أميركي.
في عام 1962، عرض مسلسل «ذا جتسونز» على الشاشات وقدّم لنا عالماً جديداً يعمل بالتكنولوجيا. شاهدنا أشياء كمحادثات الفيديو، والصور المجسّمة، وأحزمة الطيران، والمأكولات المصنوعة بالطباعة الثلاثية الأبعاد والساعات الذكية التي كانت خيالاً علمياً في ذلك الوقت. لكن هذه الأشياء أصبحت حقيقية اليوم. بمعنى آخر، قد تبدو فكرة المدينة الذكية خيالاً علمياً للبعض، لكنّها تتحوّل سريعاً إلى حقيقة.
المدن الذكية متصلة بالكامل، ومستدامة، وفاعلة في استهلاك الطاقة، ومناسبة للمجتمعات التي تستخدم بناها التحتية لتحسين نوعية حياة السكان الذين يعيشون فيها أو يزورونها بذكاء. يقول دوكّو لي، المشارك في المؤتمر، وهو المدير العام في «أناهايم بابليك يوتيلتيز»، مثلاً، إن شركته عملت أخيراً على تثبيت عدد من «كاميرات الحرائق الهائلة» لرصد الحرائق الكبيرة والوقاية منها.
وضمّ المؤتمر أيضاً متحدثين آخرين من بينهم خبراء يعملون في شركات للطاقة كـ«ساوثرن كاليفورنيا إديسون» إلى جانب شركات تعمل في تطوير البنى التحتية في المدن الذكية كـ«تي موبايل» و«باناسونيك».

مميزات ذكية
تتميّز المدن الذكية بعناصر أساسية كثيرة، أهمها:
> نقاط الواي - فاي المنتشرة: توفّر الإنترنت اللاسلكية في كل مكان وللجميع.
> مواقع شحن للمركبات الكهربائية: شبكات لمحطات شحن تدعم نموّ المركبات الكهربائية.
> بنى تحتية للمركبات المتصلة بالإنترنت: مركبات متصلة «تتكلّم» مع بعضها بعضاً لتفادي الحوادث.
> كهرباء ذكية ومستدامة: بيانات ومعلومات تزوّد الناس بقوة الحفاظ على الطاقة وتنظيم استخدامها.
> إضاءة ذكية في الشوارع: إضاءة تعمل وتُطفأ بالتزامن مع وجود الأشخاص والمركبات أو عدمه.
> إشارات سير تفاعلية: شاشات وإشارات توفّر المعلومات والاتجاهات وتقدم المساعدة عند الحاجة.
• مواقف ذكية لركن السيارات: أنظمة ركن تحافظ على انسياب حركة السير.
> أنظمة مائية ذكية: من رصد التسربات إلى المرشات الذكية للحفاظ على المياه وتنظيم استخدامها.
> أبنية ذكية: أنظمة تبريد وتدفئة وتهوئة وإضاءة ذكية.
> كاميرات للحرائق الهائلة: كاميرات في المناطق البعيدة لرصد الحرائق والوقاية منها.
> مركبات كهربائية ذاتية: خدمات نقل ذاتية القيادة تعتمد على مركبات كهربائية خالية من الكربون.
> حلول سكنية: مساكن زهيدة وفعالة ومستدامة لجميع المواطنين.
صحيح أن التكنولوجيا مسؤولة عن تشغيل الكثير من مكوّنات المدينة «الذكية» كأجهزة الاستشعار وتحليلات البيانات وغيرها، إلا أن المستقبل لا يتمحور حول التكنولوجيا كنهاية حتمية بحد ذاتها، بل كوسيلة لتلبية حاجات المساهمين في تكوين مجتمع ما. إن استخدام التقنية لحل المشاكل الاجتماعية وتحسين نوعية الحياة في الوقت نفسه هي التعريف الحقيقي لوصف «ذكي».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً