الاقتصادات الناشئة معرضة لتراجع النمو لأول مرة منذ 40 عاماً

TT

الاقتصادات الناشئة معرضة لتراجع النمو لأول مرة منذ 40 عاماً

يتوقع مستثمرون واقتصاديون كما مؤسسات مالية دولية حصول أزمة مالية قد يكون مصدرها الأسواق الناشئة، بعدما تراكمت الديون على نحو غير مسبوق وفقاً لتقرير صادر عن بنك «ناتيكسيس» الاستثماري. ويقول باتريك آرتوس كبير الاقتصاديين في «ناتيكسيس» إن إجمالي الدين العالمي زاد على 400 تريليون دولار بما في ذلك التمويل بالسندات والأسهم فضلاً عن القروض التجارية العادية.
ويشير التقرير إلى أن ديون الأفراد والشركات الخاصة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (التي تضم 34 دولة صناعية وغنية ومتقدمة) تراجعت منذ عام 2009، كما تراجع نمو القروض البنكية في هذه الدول، في المقابل ارتفعت الديون الداخلية والخارجية في الدول الناشئة، موضحاً ارتفاع الديون الداخلية في الصين والديون العامة في دول منظمة التعاون والتنمية.
وأكد التقرير على أنه من غير المتوقع أن تأتي أزمة من الدين الخاص ومن بنوك دول منظمة التعاون، وديون الصين غير مقلقة لأن في مقابلها ادخار هائل للصينيين يمول مشاريع الداخل بفعل القيود المفروضة على خروج الرساميل. لذا تبقى الخطورة في الدين العام لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والديون الخارجية للدول الناشئة.
فخلال السنوات العشر الماضية، ارتفعت تلك الديون بشكل كبير في موازاة عجوزات كبيرة ومزمنة للموازين الخارجية للدول الناشئة. علما بأن تلك الدول تعيش تأرجحاً استثمارياً منذ 25 سنة تعرضت خلالها الاقتصادات الناشئة إلى دخول الاستثمارات ثم خروجها بشكل متواصل، وأدى ذلك التأرجح إلى شبه فلتان في أسعار صرف العملات التي تقلبت كثيرا وما زالت، كما في أسعار الفائدة التي ترتفع كثيرا ثم تهبط لتعود فترتفع.
ومعاناة الدول الناشئة من ارتفاع حجم ديونها بدأ يؤثر في نموها الاقتصادي. فبعد 40 عاماً من الاستفادة القصوى من مناخات اقتصادية مواتية، يبدو الآن أن «العيد» شارف على نهايته.
وأكد التقرير أن دولاً مثل البرازيل وجنوب أفريقيا والهند والصين تتعرض اقتصاداتها منذ بداية 2019 للتباطؤ ما قد يخفض متوسط النمو إلى 4 في المائة مقابل 4.3 في المائة في 2018 وفقاً لتقديرات البنك الدولي. وهذا المعدل هو الأدنى منذ 40 عاماً. والأسباب مختلفة لكن أبرزها تراجع التجارة الدولية وحالة عدم اليقين التي ترافق الحرب التجارية الناشبة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين.
وتبدل الأوضاع ليس صدفة، إذ يقول اقتصاديون إن تلك الاقتصادات الناشئة استفادت في مدى 40 سنة ماضية من محيط خارجي مناسب ولم تجهد نفسها لإجراء الإصلاحات المناسبة التي تحميها من الصدمات الخارجية أو تقلل من أثر تلك الصدمات.
ونقاط الضعف الداخلية معروفة. وأبرزها ارتفاع منسوب الديون. فبعدما كانت نسبة الديون إلى الناتج 15 في المائة في 2007، هي حالياً نحو 51 في المائة. ففي بعض الدول مثل الصين وتركيا تشكل قروض الشركات الخاصة مشكلة كبيرة، في مقابل دول أخرى مثل جنوب أفريقيا والمكسيك تعاني شركاتها العامة من ارتفاع عبء الدين. وتلك الأعباء المتراكمة تضغط على النمو الاقتصادي وتضيق هوامش المناورة في السياسات المالية التي يقع على عاتقها واجب زيادة الإنفاق لتحفيز النمو. ويتبع عدم التوسع في الإنفاق عادة غضب شعبي أو ضيق اجتماعي.
في المقابل، الأمور مختلفة قليلاً في الهند. فالإصلاحات التي قادها رئيس الوزراء ناريندرا مودي في الفترة الأولى لرئاسته يفترض حصد نتائجها في الفترة الثانية لولايته، ويذكر على هذا الصعيد الإصلاح الأبرز المتعلق بتعسر الشركات الذي يؤكد المتابعون أن القانون الجديد الخاص بإدارة التعثر والإفلاس هو بين الأفضل في العالم.
وعلى صعيد الإصلاحات أيضاً، تذكر البرازيل التي ينتظر فيها المستثمرون التصويت في البرلمان على إصلاح نظام التقاعد.
لكن تبقى حالة «اللا يقين» التي تغذيها المواقف الأميركية المتخذة ضد الصين والمؤدية إلى حرب تجارية، كما المواقف المتخذة ضد إيران أيضاً. وهناك شركات تتأثر بأوضاع كهذه، إذ لوحظ ذلك منذ ربيع 2018 عندما أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب تهديداته الأولى ضد الصين. وبما أن ترمب سيكون السنة المقبلة في خضم حملة انتخابية على أمل الفوز بولاية ثانية لرئاسة الولايات المتحدة، فإن الشركات والمستثمرين لا يتوقعون تراجعاً في حدة مواقفه لا بل ربما تزداد حدة.
لكن بكين تظهر أنها متماسكة غير عابئة كثيراً بالحرب التجارية، إذ قال الرئيس الصيني في تصريحات نقلتها وسائل إعلام روسية إن الصين تتمتع بنمو ثابت، وسوق العمل فيها يزداد دينامية، والموارد ترتفع. وأضاف من موسكو حيث كان يقوم بزيارة لروسيا: لدينا ما يكفي من الوسائل للمواجهة، وكثير من الثقة أيضاً.
لكن اقتصاديين يرون في تلك التصريحات بعض الطمأنة الظاهرية لأن صندوق النقد الدولي أعاد النظر الأربعاء الماضي في توقعاته لنمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم وخفض ذلك إلى 6.2 في المائة و6 في المائة بين 2019 و2020 علما بأن التوقعات السابقة كانت 6.3 و6.1 في المائة. مع إمكان مزيد من الخفض إذا استعرت الحرب التجارية أكثر، لأن الاقتصاد الصيني ينمو حالياً بأدنى معدلات منذ عقدين من الزمن.
وتقول جوسيبا ماركوفيتش متخصصة الأسواق الناشئة في شركة «سويس لايف لإدارة الأصول» إن النمو الاقتصادي في الدول الناشئة ليس وليد قوة اقتصادات هذه الدول فقط، لكنه يتعلق بقوة أيضا بعوامل ماكرواقتصادية عالمية، مثل مسار سعر صرف الدولار، وأسعار الفائدة والأوضاع الجيوسياسية الدولية.
وتضيف: بعد سنة شابها التعقيد (2018) عاد الاحتياطي الفيدرالي إلى إبطاء حركة رفع الفائدة وتخلى مرحليا عن التشدد في سياسته النقدية. إلى ذلك تسجل بعض الدول الناشئة معدلات تضخم مرتفعة لا سيما في تركيا والأرجنتين.
إلى ذلك يقول تقرير للبنك الدولي إن بعض المخاطر تأتي من ضعف الاستثمارات وارتفاع المديونية، وهذا يلجم طاقات الدول النامية والناشئة، ويؤكد أن على الحكومات الإسراع في إجراء الإصلاحات الهيكلية اللازمة وتحسين بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات، وعلى بعض الدول زيادة التعاطي بشفافية مع الدين العام.
ويضيف أن المناخ الحالي الذي توقف فيه ارتفاع الفائدة معطوفا على التباطؤ الاقتصادي قد يدفع حكومات إلى الاستدانة أكثر لتمويل مشاريعها التنموية وبالتالي إعطاء دفعة للنمو الاقتصادي، لكن كما أظهرت دائماً الأزمات المالية فإن هناك ثمناً دائماً لسياسات التوسع الائتماني.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».