الجزائر: توتر حاد بين قائد الجيش ووسائل الإعلام

دعا الصحافيين إلى أن «يكونوا لسان صدق»... بينما اشتكوا من «مضايقاته»

متظاهرة جزائرية تشارك في احتجاجات الجمعة في العاصمة (أ.ف.ب)
متظاهرة جزائرية تشارك في احتجاجات الجمعة في العاصمة (أ.ف.ب)
TT

الجزائر: توتر حاد بين قائد الجيش ووسائل الإعلام

متظاهرة جزائرية تشارك في احتجاجات الجمعة في العاصمة (أ.ف.ب)
متظاهرة جزائرية تشارك في احتجاجات الجمعة في العاصمة (أ.ف.ب)

أظهرت المؤسسة العسكرية بالجزائر انزعاجا من طريقة تعاطي وسائل الإعلام مع الحراك الشعبي، في وقت يشكو فيه غالبية الصحافيين بالجرائد والصحف الإلكترونية والفضائيات من التضييق عليهم، لمنعهم من نقل النقد الذي يتعرض له قائد الجيش، الجنرال قايد صالح، من طرف المتظاهرين.
ونقلت «مجلة الجيش»، لسان حال وزارة الدفاع في عددها لشهر يونيو (حزيران) الصادر أمس، عن الجنرال صالح أن الإعلام «مدعو إلى خدمة الجزائر، ويتعين عليه أن يكون مرآة عاكسة للمطالب الفعلية والحقيقية للشعب الجزائري، ومطالب بأن يكون لسان صدق لشعبه يقول الحقيقة ويقوم بتبليغ مطالبه دون تشويه أو تزييف أو استغلال، أو تسخير لأغراض أخرى غير خدمة الوطن. فالمصالح المادية لا يمكن أن تكون إطلاقا بديلا للوطن، إذ تزول ويبقى الوطن وتبقى الجزائر».
ويواجه الإعلام الحكومي والخاص ظروفا صعبة كان الصحافيون يعتقدون أنها ستزول بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 2 أبريل (نيسان) الماضي. فمع استمرار المظاهرات في يوم الجمعة، وتوجيه انتقادات حادة لقيادة الجيش بسبب رفضها تلبية مطالبهم، تلقت كل وسائل الإعلام توجيهات من السلطة الفعلية بعدم تغطية الاحتجاجات. والمساحات القليلة التي خصصت لأحداث الحراك ضربها مقص الرقابة بإبعاد كل ما يمس قايد صالح، الذي أثار رعبا في الوسط السياسي والإعلامي بعد أن أدخل السجن رجال أعمال وسياسيين ورموز نظام بوتفليقة. وذكر رئيس تحرير بصحيفة خاصة، رفض نشر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعد مسموحا أبدا كتابة أي شيء سلبي عن قايد صالح، وهو وضع عشناه عندما كان بوتفليقة مريضا إذ لم يكن مسموحا الخوض في قضية صحته».
وعادت المطبوعة العسكرية إلى دعوة للحوار وجهها صالح إلى الأحزاب والشخصيات الفاعلة في المجتمع، فقالت: «تقتضي مصلحة الوطن في الأزمة المعقدة التي يعيشها، انتهاج أسلوب الحوار الجاد والمثمر والبناء للإسراع بإيجاد الحلول الملائمة، بما يجنب بلادنا الدخول في متاهات من شأنها أن تزيد الوضع تعقيدا، وتقطع الطريق أمام مرحلة انتقالية لا يمكن إلا أن تفرز وضعا يصعب التحكم فيه».
ويبدي الجنرال صالح حساسية كبيرة من مطلب أحزاب المعارضة الدخول في مرحلة انتقالية تدوم عامين، يتم خلالها تعديل الدستور ومراجعة قانون الانتخابات، ثم تنظم بعدها انتخابات نزيهة.
وقال الكاتب الصحافي حمزة عتبي بهذا الخصوص: «لقد كشف الجيش، على لسان مجلته، عن توجسه من المرحلة الانتقالية على اعتبار أنها تفرز وضعا يصعب التحكم فيه. في المقابل، رسم معالم خطة طريق يرى أنها تقود البلاد إلى الخروج من الأزمة. يبدو أن قايد صالح حوّل مؤسسة الجيش إلى حزب سياسي، يواظب على التصريحات ويبدي مواقف إزاء الأحداث. ويكاد حضور الجيش بصفة دائمة في الساحة يوحي بأن الحِراك جارٍ داخل ثكنة عسكرية، وليس بداخل مجتمع. وراح قائد الجيش يطرح الحلول المنسجمة مع تصوراته حتى يحكم قبضته، ويتوجس من غيرها لأنها صعبة التحكم فيها، كأنه يريد من الشعب والسياسيين أن يفكروا برأسه ويتمايلوا على الإيقاع المضبوط على سولفاج العسكر. فعلى الجالس على كرسي «طاغارا» (مبنى وزارة الدفاع) أن يعلم أن الشعب ليسوا جنودا، وأن الجزائر دولة مدنية وليست ثكنة».
من جهته، كتب وزير الدولة سابقا وصاحب التوجه الإسلامي، أبو جرة سلطاني: «حصل شبه توافق وطني حول ضرورة الالتقاء والحوار. وما زال الاختلاف قائما حول محتوى الحوار وآلياته والجهات الداعية إليه والشخصيات المدعوة. إننا نشجع قبول مبدأ الحوار، وندعو إلى بذل مزيد من الجهود الجادة والتنازلات المتبادلة لتحقيق المصلحة المشتركة بين جميع الجزائريين. ونقترح على الجهة الداعية للحوار (الجيش) موافاة المدعوين بمشروع أرضية حوار وطني، يكون منطلقا لندوة وطنية جامعة تباركها المؤسسة العسكرية وتقدم ضمانات صارمة للمرافقة وتجسيد مخرجاتها، وتعمل على تحفيز كل من يساهم في إيجاد مخرج عاجل لهذه الوضعية الآخذة في التعقيد. فالوقت ضاغط والتطورات الإقليمية تحثنا على حماية مكتسبات الشعب ومؤسسات الدولة، والتوافق على حل وطني بالحوار والتشاور والتنازل، وبغير هذا لن يكتب لأي مبادرة النجاح مهما كان حسن نية القائمين عليها، فالثقة قبل الوثيقة».



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».