قباد طالباني.. هل يخلف الأب الغائب؟

التوازنات السياسية في كردستان تدفع ابن الرئيس إلى القمة

قباد طالباني.. هل يخلف الأب الغائب؟
TT

قباد طالباني.. هل يخلف الأب الغائب؟

قباد طالباني.. هل يخلف الأب الغائب؟

مع اقتراب انتهاء المشاورات التي يجريها نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني نيجيرفان بارزاني لتشكيل الحكومة الثامنة التي كلف برئاستها في إقليم كردستان العراق، يبدو أن قيادة الاتحاد الوطني وعبر مكتبه السياسي استقرت على ترشيح قباد طالباني، نجل الرئيس العراقي جلال طالباني، نائبا لرئيس الحكومة المقبلة.
ويأتي ذلك رغم أن ملامح التشكيلة المقبلة لم تتضح بعد، وأن هناك خلافات عميقة بين الاتحاد الوطني، الذي ينتمي إليه قباد، وحركة التغيير الكردية المعارضة بقيادة نوشيروان مصطفى، حول احتلال هذا المنصب في التشكيلة الحكومية المقبلة، مما وضع المكلف برئاسة الحكومة في موقف حرج للغاية بسبب عجزه عن التوفيق بين الطرفين، خاصة أن الطرفين يتمسكان بهذا المنصب المهم وليسا مستعدين للتنازل عنه تحت أي ظرف كان. وحتى الحلول الوسط لم تعد تنفع بإقناع الطرفين على تقديم بعض المرونة لكي لا يتأخر تشكيل الحكومة أكثر من ذلك، إذ مضت أكثر من أربعة أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية دون ولادة الحكومة المرتقبة.
ومن بين الحلول التوفيقية تعيين ثلاثة نواب لرئيس الحكومة، يكون أحدهم قباد طالباني والثاني من حركة التغيير والثالث يكون وزير الموارد الطبيعية، آشتي هورامي. لكن هذا المقترح بدوره يلقى اعتراضا شديدا من الطرفين (الاتحاد والتغيير) على حد سواء.
ويقول قيادي في حزب الاتحاد الوطني، الذي يقوده الرئيس العراقي جلال طالباني، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الاتحاد الوطني ليس مستعدا للتنازل عن منصب نائب الرئيس، فالمرسوم الرئاسي الذي سيصدر من رئاسة الإقليم بتكليف نيجيرفان بارزاني بشكل رسمي بتشكيل الحكومة سيضم أيضا اسم مرشح الاتحاد الوطني لمنصب نائب الرئيس كما هو معتاد، أي أن التكليف سيصدر باسمي الرئيس المكلف ونائبه، وهذا له تأثير معنوي كبير على الاتحاد الوطني، إذ سيظهره طرفا أساسيا في إدارة السلطة والحكومة ويطمئن أعضاءه وأنصاره بأنه ما زال محتفظا بقوته، وأنه ما زال داخل السلطة، ولذلك فإن مجرد التنازل عن هذا المنصب يعني أن الاتحاد الوطني خرج تماما من معادلة السلطة، ومن الصعب جدا على الاتحاد أن يتحول إلى حزب معارض، أو أن يستعيد دوره السياسي خصوصا في هذا الوضع الصعب بعد الهزيمة الانتخابية التي مني بها، لذلك فإن الاتحاد يشدد دائما على الاحتفاظ بثقله السياسي، ويسعى للتعامل معه على أساس هذا الثقل وليس على أساس عدد مقاعده». يذكر أنه منذ مرض جلال طالباني ومغادرته العراق إلى ألمانيا في ديسمبر (كانون الأول) 2012، هناك مخاوف على مستقبل الاتحاد وقوته.
بدوره، يشدد قيادي في حركة التغيير على التمسك بهذا المنصب، ويخالف القيادي بحزب الاتحاد بالقول «إنه على جميع الأطراف أن تحترم إرادة الناخبين، وأن تلتزم بالنتائج التي تمخضت عن تلك الانتخابات، وإلا فما فائدة تنظيم الانتخابات واللجوء إلى الشعب لانتخاب من يرونه مناسبا لتمثيلهم بالسلطة». ويضيف «نحن حصلنا على المرتبة الثانية في الانتخابات ولنا استحقاقات، وعلى الطرف الآخر أن يعترف بهذه الحقيقة وأن يعطينا ما أعطاه سابقا للاتحاد الوطني كقوة ثانية بالإقليم، بمعنى أننا سننتزع جميع الاستحقاقات التي حصل عليها الاتحاد الوطني باعتباره القوة الثانية في كردستان، وعليه فإن من حقنا أن نتسلم منصب نائب رئيس الحكومة». وحول مقترح تعيين ثلاثة نواب لرئيس الحكومة قال القيادي بحركة التغيير «هذا أمر مرفوض، لأن الهدف منه هو تهميشنا، فكما علمنا من مصادرنا فإنهم يريدون النائب الأول من الاتحاد الوطني والثاني منا، وفي العادة فإنه في منطقتنا لا يمتلك نائب الرئيس أي صلاحيات مهمة، فكيف ستمنح الصلاحيات للنائبين الثاني والثالث؟ لذلك نحن نرفض هذا الحل التوفيقي، ونصر على حصولنا على منصب نائب الرئيس بشرط أن يكون واحدا فقط».
وبانتظار أن تحسم الأطراف المفاوضة هذا الأمر، يبقى قباد طالباني هو المرشح الأقوى للمنصب.
فمن هو قباد طالباني؟
إنه النجل الأصغر للرئيس العراقي والأمين العام للاتحاد الوطني، ولولادته مفارقة غريبة يرويها لـ«الشرق الأوسط» القيادي الكردي عادل مراد، وهو عضو مؤسس للاتحاد الوطني الكردستاني وأحد اقرب المقريين من الرئيس جلال طالباني. يقول مراد «كنت مسؤولا عن إدارة مكتب الاتحاد الوطني في بيروت عندما جاء مام جلال وزوجته السيدة هيرو وكانت حاملا في قباد، ودخلت المستشفى لوضع الوليد، وفي هذه الأثناء كانت هناك اتصالات مكثفة بيننا وبعض الإخوة بتنظيم كردي في تركيا من أجل إدخال مام جلال إلى كردستان العراق، إذ إنه بعد إعلان تأسيس الاتحاد الوطني في دمشق وإرسال أولى المفارز المسلحة إلى كردستان العراق وإعلان الثورة الجديدة بقيادة الاتحاد الوطني لم يكن مام جلال قد زار كردستان، وكانت هناك طلبات ملحة من قوات البيشمركة ومن أنصار حزبنا بالداخل بضرورة الإسراع بوصوله إلى جبال كردستان ليتسلم مهام قيادة الثورة كزعيم لها، لكن الظروف الإقليمية لم تكن تسمح بذلك إلى أن أبدى الرفاق بتنظيم (ddkd) الكردي السري استعدادهم لإدخال مام جلال عبر الأراضي التركية إلى كردستان العراق، وهكذا وصل قائد الثورة إلى داخل الأراضي الكردستانية يوم 20-7-1977 وبعد يوم واحد من وصوله إلى كردستان ولد قباد طالباني».
ويستطرد مراد «بعد ثلاث سنوات زار طالباني زوجته، هيرو خان، وولده قباد بمنزل إبراهيم أحمد جد قباد في لندن، وعندما قرع الباب فتح له قباد ورأى رجلا غريبا، فهرب إلى والدته وقال لها (هناك رجل يقف بالباب يطلبك)، ولم يكن يعرف أن الرحل هو أبوه. وبعد أن عرف بذلك سأله ماذا جلب له من الهدايا معتقدا أن أباه جاء بعد جولة، ولم يكن يعرف أنه جاء من كردستان من وسط نيران المدافع وهدير الطائرات».
دخل قباد المدارس البريطانية وأكمل تعليمه الثانوي والجامعي هناك، ولم يكن له أي شأن سياسي أو حزبي طيلة الأعوام التي تلت ولادته إلى حين عام 2000، إذ عين في مكتب الاتحاد الوطني في الولايات المتحدة الذي ترأسه الدكتور برهم صالح. وتعلم قباد في تلك الفترة المهارات الدبلوماسية التي ساعدته على تطوير علاقاته في واشنطن، وبعد انتقال صالح إلى كردستان العراق ليتولى رئاسة حكومة الإقليم التي أعلنها الاتحاد الوطني بمحافظة السليمانية، أصبح قباد رئيسا لمكتب العلاقات هناك. وبعد توحيد الحكومتين في أربيل والسليمانية عام 2005، عين قباد طالباني مديرا لمكتب علاقات حكومة الإقليم وممثلا عنها بواشنطن.
حاول قباد طالباني طوال فترة رئاسته لمكتب العلاقات بواشنطن تأسيس لوبي كردي هناك ليتمكن من خلاله من التأثير على مراكز القرار السياسي بالإدارة الأميركية. وبحسب تقرير أعده محرر صحيفة «واشنطن بوست» راجيف شاندا سيكاران «سعى قباد إلى إقامة لوبي كردي وذلك عن طريق التشاور مع المسؤولين الأميركيين، والشخصيات الأميركية المتنفذة داخل وخارج الإدارة الأميركية حول التطورات الجارية في إقليم كردستان. وحث الأطراف الأميركية على ضرورة البقاء الطويل الأمد في العراق، والتشديد على تطبيق النظام الفيدرالي الذي يساعد الحركات الكردية على الاستقلال في شمال العراق، بما يؤدي على الأقل إلى شبه انفصاله إن لم يكن إلى انفصاله الكامل».
وسعى قباد طالباني أيضا إلى كسب الأصدقاء الأميركيين، وذلك عن طريق ضم المزيد من الأميركيين إلى عضوية اللوبي الكردي والمشاركة في فعالياته، وبناء الروابط التجارية، وذلك عن طريق إقناع رجال الأعمال الأميركيين والشركات الأميركية بالاستثمارات التجارية والنفطية في منطقة كردستان، وحاليا يقوم اللوبي الكردي بالتنسيق مع بعض الشركات الأميركية النفطية الراغبة في الاستثمارات النفطية في شمال العراق، ويصف قباد طالباني العلاقات الكردية - الأميركية في الوقت الراهن (بالوقتية)، مؤكدا على ضرورة تحويلها إلى (دائمة واستراتيجية)، وذلك من خلال مساعدة عدد من جماعات الضغط والشركات الأميركية. ويعتبر قباد طالباني شخصية مقربة من مجلس الشيوخ الأميركي ومن رجال الدولة الأميركية رغم أنه لم يزل شابا في الثلاثينات من العمر.
تزوج قباد من شيري ج. غراهام، التي عملت قبل الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 مستشارة لنائب وزير الخارجية، وكانت تشرف على المساعدات الأميركية الخارجية، وهي خريجة كلية القانون وإدارة أعمال وقد أخذت شهادة في العلوم السياسية وركزت في دراستها على الصراعات الدينية والإثنية في الشرق الأوسط.
ومعروف عن قباد طالباني أنه مرح ونادرا ما تفارقه الابتسامة، لكنه أيضا طموح ومصر على إثبات نفسه سياسيا، وهو حاليا يشغل منصب وزير التنسيق والمتابعة في حكومة إقليم كردستان. ويرجح المراقبون السياسيون إن قباد سيكون له الدور البارز في الحزب بعد والده رغم وجود منافس قوي له هو الدكتور برهم صالح الذي بينت استفتاءات واستطلاعات الرأي أنه هو الأقوى من بين جميع قيادات الاتحاد الوطني لاحتلال موقع أمين عام الحزب، ففي استطلاع أجرته صحيفة «روداو» الكردية على موقعها، أظهرت النتائج أن 90 في المائة ممن صوتوا على الإنترنت يعتقدون أن برهم صالح، نائب الأمين العام للحزب ورئيس الوزراء السابق، هو من أكثر الأشخاص المناسبين لقيادة الحزب.
وكانت زيارة قامت بها هيرو إبرهيم أحمد، زوجة الرئيس العراقي المريض حاليا، إلى طهران والتقت فيها بالقادة هناك، فسرت في حينها بأنها تتعلق بمسألة خلافة طالباني، وبحسب بعض المصادر الخاصة بـ«الشرق الأوسط» فإن إيران مهتمة جدا بوضع الحزب بعد طالباني الذي كان من أقوى حلفاء إيران خلال العقود الأخيرة، ولذلك فإنها تهتم كثيرا بمن سيخلف طالباني في موقعه في قيادة الحزب. وهناك من يؤكد أن زوجة الرئيس طالباني تعمل حاليا على تقديم قباد كوجه جديد داخل قيادة الحزب، وهناك إشارات على هذا التوجه، إذ خرج قباد بالعديد من التصريحات مؤخرا حول تأشير أسباب أزمة حزبه الداخلية، ودافع عن الانتقادات الموجهة إلى قيادة الحزب بسبب انتكاسته الأخيرة في الانتخابات البرلمانية. ففي تصريحات قال قباد طالبان «إن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يقوده والده لن يكون بمقدوره البقاء إذا استمر في العمل وفق نهجه الحالي، وإن نهوض الاتحاد الوطني مشروع طويل الأمد ولن يعالج ذلك في يوم أو اثنين»، داعيا إلى «إجراء مراجعة داخلية قبل أي خطوة أخرى حتى يعود الاتحاد الوطني صانعا للسياسات وليس منفذا لها».
وكان الحزب قد خسر نفوذه في البرلمان بنسبة تقرب من 38 في المائة منذ أن غاب رئيسه جلال طالباني بسبب المرض أواخر عام 2012، إذ أجريت انتخابات برلمانية في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي انتهت بحصول الحزب على 18 مقعدا بعد أن كان يشغل 29 مقعدا في الدورة المنتهية.
ويتوقع أن يرشح قباد طالباني خلال المؤتمر الحزبي القادم عضوا بقيادة الحزب تمهيدا لانتخابه عضوا في المكتب السياسي لتعلن هيرو بعدها الانسحاب من عضوية المكتب السياسي، تاركة مناصبها ونفوذها لابنها قباد طالباني.



عودة مصرية لأفريقيا لمجابهة مخاطر وتحولات

قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (الرئاسة المصرية)
قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (الرئاسة المصرية)
TT

عودة مصرية لأفريقيا لمجابهة مخاطر وتحولات

قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (الرئاسة المصرية)
قمة ثلاثية بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في العاصمة أسمرة (الرئاسة المصرية)

مراحل متفاوتة شهدتها العلاقات «المصرية - الأفريقية»، بدأت بدور محوري بوصفه قوة داعمة لحركات التحرر، ثم تحولت إلى لاعب دبلوماسي ذي نفوذ، ثم تراجعٌ وغيابٌ غير مسبوق، قبل أن تعود وتكتب فصلاً جديداً في تاريخ العلاقات، عبر حزمة من مسارات التعاون على الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والاستراتيجية كافة، لـ«موازنة واحتواء ومجابهة أي مخاطر وتهديدات».

وتشكّلت ملامح الدور المصري في أفريقيا منذ الستينات، مع دعم الرئيس الأسبق، جمال عبد الناصر، جهود التحرر ببعض دول القارة السمراء التي كانت تحت الاستعمار، وزادت وتيرتها مع المساهمة في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية في 1963، ثم ابتعدت مصر قليلاً في عهد الرئيس الأسبق، أنور السادات، مع الانشغال بمعركة التحرر من احتلال إسرائيل لسيناء في 1967، والذي تحقق بالحرب في 1973، والسلام مع تحرير كامل أراضيها في الثمانينات.

السيسي في جيبوتي حيث كان على رأس مستقبليه الرئيس إسماعيل عمر جيلة في مايو 2021 (الرئاسة المصرية)

قبل أن تشهد خفوتاً في عهد الرئيس الأسبق، حسني مبارك، عقب محاولة اغتياله في أديس أبابا في 1995، وتتحوّل لغياب لافت بانشغال مصري داخلي مع اضطرابات واندلاع أحداث 2011 و2013، انتهى بتجميد عضوية مصر بالاتحاد الأفريقي.

ومع تولّى الرئيس عبد الفتاح السيسي، في صيف 2014، رئاسة البلاد، بدأت مصر مسار استعادة العلاقات بالقارة السمراء، وأعادت عضويتها بالاتحاد الأفريقي، وتحركت عبر ملامح رئيسية ثلاثة؛ بين تعاون، وبناء تحالفات، ومجابهة أي تهديدات محتملة.

تلك المسارات عزّزتها وساهمت في نجاحها جهود دبلوماسية كبيرة بـ«توجيه رئاسي وتحرك حكومي موازٍ»، وفق السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، وذلك «بعد سنوات من الفتور والخفوت في العلاقات خلال فترات سابقة».

فيما يقرأ الخبير السوداني المختص بالشؤون الأفريقية، عبد المنعم أبو إدريس، الحضور المصري المتصاعد بأن القاهرة «تُريد استعادة دورها» في القارة الأفريقية، الذي عرفت به خلال سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي، عبر تقديم مساعدات وخبرات في مجال البنى التحتية، ودعم حركة التحرر والاستقرار، متوقعاً أن تزداد فعالية الحضور المصري بين أدوار التعاون وبناء التحالفات، في ظل تنامي التهديدات ومحاولات الهيمنة.

وخلال العقد الأخير، تنوعت أدوار التعاون المصرية في أفريقيا بين تنفيذ عدد من مشروعات البنية التحتية، وأعمال الطرق والكبارى، والمشروعات السكنية، والصحية، وحفر عدد من الآبار الجوفية، وإقامة السدود ومحطات توليد الكهرباء في دول أفريقية كثيرة، بينها تنفيذ مشروع درء مخاطر الفيضان بغرب أوغندا، في أغسطس (آب) 2018، وإطلاق السيسي في مارس (آذار) 2019 مبادرات صحية لعلاج مليون أفريقي، والتوجيه في سبتمبر (أيلول) 2020 بإرسال مساعدات عاجلة إلى 30 دولة أفريقية، بقيمة 4 ملايين دولار لمواجهة فيروس «كورونا».

زيارة رئيس المخابرات المصرية السابق ووزير الخارجية إلى أسمرة ولقاء الرئيس الإريتري (الخارجية المصرية)

إضافة إلى تنفيذ مشروع «سد روفيجي» في تنزانيا، الذي بدأ ملؤه في 2022، و«تدشين الخط المباشر للطيران بين مصر وجيبوتي والصومال»، في يوليو (تموز) 2024، بخلاف قرار مصري حديث بالبدء في خطوات إنشاء صندوق للاستثمار في دول حوض النيل، تنفيذاً لتوجيه رئاسي، بعد تفعيل اتفاقية «عنتيبي» التي تمس حقوق مصر المائية.

وترى السفيرة منى عمر أن «الدور المصري الكبير، عبر تعزيز التعاون مع دول القارة هو التزام بأسس سياسة مصر الخارجية تجاه أفريقيا، وتأكيد حضورها غير المسبوق»، مشددة على أن ذلك التعاون شاهد على أن سياسة مصر المتوازنة بأفريقيا قائمة على التنمية.

ويعتقد الخبير المختص بالشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، أن «مصر أظهرت قدرات فائقة» خلال السنوات الماضية في مضمار العمل الدبلوماسي الدؤوب داخل القارة السمراء، وهو الأمر الذي تمت معه «فتوحات هائلة» على مستوى تعزيز التعاون المشترك، والتفاهمات والاتفاقات على كل الأصعدة داخل دول عدة بالقارة السمراء.

الرئيس المصري يستقبل في القاهرة رئيس جنوب السودان سيلفا كير ميارديت (الرئاسة المصرية)

كما كان مسار بناء التحالفات حاضراً في السياسة المصرية الأفريقية، وفق الحاج، لموازنة السلوك السياسي الإثيوبي واحتوائه، ومجابهة المخاطر والتهديدات، التي ترى القاهرة أبرزها بناء «سد النهضة» الإثيوبي منذ 2010، واتهام أديس أبابا بـ«عرقلة» إبرام اتفاق يؤمن مخاوف مصر من «السد» على حصتها المائية التاريخية (55.5 مليار متر مكعب)، فضلاً عن عقد إثيوبيا اتفاقاً أولياً مع إقليم أرض الصومال، يتيح لها استخدام ميناء مطل على البحر الأحمر، وهو ما رفضته مقديشو، ودعمتها القاهرة خشية على أمنها القومي.

ومن إثيوبيا إلى السودان، ورغم العلاقات القوية بين القاهرة والخرطوم، برزت في الآونة الأخيرة خلافات مع «قوات الدعم السريع» التي تحارب الجيش السوداني منذ أبريل (نيسان) 2023؛ حيث اتهمت القاهرة بـ«التدخل في الحرب الدائرة منذ أكثر من عام، ودعم الجيش السوداني»، وهو ما نفته «الخارجية المصرية»، وعدّتها «مزاعم».

وعقدت مصر بروتوكولات للتعاون العسكري بالعام 2021، أبرزها مع السودان، واتفاقية استخباراتية أمنية مع أوغندا، وأخرى عبر تعاون عسكري مع بوروندي، واتفاقية تعاون دفاعي مع كينيا، بخلاف توقيع مذكرة تعاون في مجال الصناعات الدفاعية بين مصر ونيجيريا في سبتمبر (أيلول) الماضي.

كما قام الرئيس المصري بين 2014 و2020 بـ27 زيارة لأفريقيا، بخلاف لقاءات واجتماعات الرئيس بالقادة الأفارقة، الذين استقبلهم في مصر، إذ يزيد عدد هذه اللقاءات على 150 زيارة منذ عام 2014 حتى منتصف عام 2021، وفق تقديرات صحيفة «الأهرام» الحكومية، كان أبرزها زيارته لجيبوتي جارة إثيوبيا، التي تعد الأولى من نوعها لرئيس مصري، في مايو (أيار) 2021.

ودعم ذلك المسار حديثاً، زيارات لرئيس المخابرات المصرية السابق اللواء عباس كامل، أولاها للسودان في أغسطس (آب) الماضي، ولإريتريا ولتشاد في سبتمبر الماضي، بحث خلالها التحديات وتطورات القرن الأفريقي، ويضاف لذلك تولي مصر رئاسة مجلس الأمن والسلم الأفريقي خلال أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، تأكيداً «للحضور القوي فى القارة السمراء على كل المستويات»، وفق ما ذكرته «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الرسمية في مصر.

الدعم المصري للصومال تحوّل من رفض اتفاقية قد تُهدد أمن مصر على البحر الأحمر، إلى بروتوكول تعاون عسكري أغسطس الماضي، واتفاق على إرسال قوات مصرية للمشاركة في قوات حفظ السلام بمقديشو يناير (كانون الثاني) 2025، بخلاف إعلان «الخارجية المصرية» في سبتمبر الماضي عن إرسال شحنة عسكرية للقوات الصومالية لدعمها، وسط تحفظ متكرر إثيوبي في أكثر من بيان لـ«الخارجية الإثيوبية»، وتحذير من «اتخاذ جهات خطوات لزعزعة استقرار المنطقة». ورغم إقرار الخبير الإثيوبي، عبد الشكور عبد الصمد، بعودة «بصمات مصر» في أفريقيا، والتي عرفت بها في عهود سابقة، يتطلع أن «تلعب القاهرة دوراً إيجابياً مع رئاستها لمجلس الأمن والسلم الأفريقي خلال أكتوبر الحالي»، وأن «تُغير نظرتها الأمنية، خصوصاً المرتبطة بتهديد أديس أبابا لأمنها المائي».

ومن التعاون إلى بناء التحالفات، عقدت قمة ثلاثية في أسمرة بين قادة مصر والصومال وإريتريا، في 10 أكتوبر الحالي، وإعلان الرئيس المصري في المؤتمر الصحافي أن «القمة بهدف التشاور والاستفادة من تبادل الرؤى إزاء سُبل التصدي لمخططات وتحركات تستهدف زعزعة الاستقرار، وتفكيك دول المنطقة، وتقويض الجهود الدؤوبة التوّاقة للسلام والاستقرار والرخاء».

السيسي يستقبل موهوزي موسيفيني قائد قوات الدفاع الشعبية بجمهورية أوغندا في القاهرة (الرئاسة المصرية)

ويقرأ عبد الناصر الحاج هذا الحضور المصري الكبير داخل القارة الأفريقية، على كل المستويات، لا سيما بمحوري بناء التحالفات ومجابهة التهديدات خلال السنوات العشر الماضية، بأنه يحمل «بُعداً استراتيجياً» لمفهوم السياسة الخارجية للدولة المصرية المرتبطة بحماية الأمن القومي المصري، وكذلك يحمل «بُعداً ذا طبيعة وقائية» تحسباً لتأثيرات قيام «سد النهضة» الإثيوبي في حال جرى تجاهل الموقف المصري الاستراتيجي من قيام السد.

وبرأي الحاج، فإن التحركات المصرية لا تنفك عن كونها «مجابهة لتهديد التعنت الإثيوبي» في قيام «سد النهضة» وتفعيل اتفاقية «عنتيبي» على خلاف رغبة القاهرة، من دون مراعاة حقيقة المهددات الأمنية الوجودية بالنسبة للدولة المصرية، أو الحضور عبر منفذ مائي مهدد بالبحر الأحمر، لافتاً إلى أن «مصر تتفوق على إثيوبيا في مهارة ترسيم حضورها المهم والملهم لعدد من الدول الأفريقية، بحسبان الخبرة الكبيرة التي تمتلكها مصر في إدارة الأزمات، فضلاً عن روابط مصر التاريخية مع جميع الدول الكبرى المؤثرة في المنطقة الأفريقية».

ذلك التفوق المصري يدفع الخبير المختص بالشؤون الأفريقية إلى «ترجيح أن تنجح مصر في مسار مواجهة الأزمات، لا سيما السد الإثيوبي»، عبر مساري الحضور المتجلي لمصر في أفريقيا هذه الفترة، سواء بمسار الدور السياسي الدبلوماسي الكبير لمصر في كل الأزمات التي تعيشها منطقة القرن الأفريقي، أو من خلال المسار العسكري المتمظهر على أشكال معاهدات واتفاقات تعاون عسكري، مثلما حدث مع الصومال وعقد تحالفات تشمل إريتريا.

ووفق أبو إدريس، فإن مصر ستستخدم قطعاً هذه التحركات لتحقيق مصالحها بـ«الضغط على إثيوبيا» عبر الوجود في الصومال، وتعزيز الحضور في إريتريا لتحقيق مكاسب في حال استؤنفت مفاوضات «سد إثيوبيا».

وبرأي عبد الشكور عبد الصمد، فإن مصر أمام تحدٍّ كبير للتوصل لتفاهم مشترك، مع إثيوبيا، وبحاجة للتغلب على هاجسها الأمني، والسعي للشراكة، وألا «يكون تحقيق مصالحها -ليس بالضرورة- عبر استهداف دول أخرى»، لافتاً إلى أن «أديس أبابا من حقها أخذ احتياطاتها أيضاً».

فيما أكدت السفيرة منى عمر أن «مصر ليست ضد التنمية، ولا تسعى لاستهداف أحد»، وقدمت مبادرات لحل أزمة السد، لكن «النظام الإثيوبي لم يقبلها، ولا تزال دولته مفككة بين عدة قوميات ولديها مشاكل مع جيرانها في كينيا والصومال وإريتريا»، معوّلةً على «عدم استمرار النظام الحالي، وأن يخلفه آخر قادر على شراكة وتعاون مع مصر».

السيسي خلال استقبال رئيس إريتريا أسياس أفورقي في القاهرة (الرئاسة المصرية)

حقائق

أبرز المحطات في علاقات القاهرة مع القارة السمراء

أولاً: عهد عبد الناصر

1961

- افتتاح مصر مكتباً إعلامياً بمقدیشو لدعم قضایا التحرر الوطني

- استضافة القاهرة مؤتمر الشعوب الأفریقیة الثالث الداعم للحركات التحررية

1963

- مساهمة مصر في إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية

1964

- مصر تتولى رئاسة منظمة الوحدة


ثانياً: عهد السادات

1970

- مساعٍ مصرية داعمة لاستقلال جیبوتى وتم ذلك في 1975

1977

- إنشاء مصر معهد تدريب للإعلاميين والإذاعيين الأفارقة

1980 - إنشاء الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا


ثالثاً: عهد مبارك

1989

- مصر تترأس منظمة الوحدة الأفریقیة

1993 - مصر تترأس المنظمة وتستقبل قيادات فصائل صومالیة لدعم المصالحة الداخلية

1995

- محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا وبدء التراجع المصري أفريقياً

1997- القاهرة تستضيف تأسيس مؤتمر القمة «العربي - الأفريقي» الأول

2000

- القاهرة تستضيف أول مؤتمر قمة بين أفريقيا والاتحاد الأوروبي

- مصر تسهم في تأسيس هيكل الاتحاد الأفريقي

2001- مصر تترأس قمة «الكوميسا»


رابعاً: الفترة من 25 يناير 2011 إلى يونيو 2014

- غياب لافت عن الحضور بأفريقيا


خامساً: عهد السيسي

2014

- إنهاء تجميد عضوية مصر بالاتحاد الأفريقي

2015

- استضافة شرم الشيخ قمة التجمعات الاقتصادية الإقليمية الثلاثة (الكوميسا - السادك - الإياك)

2016

- إقامة «منتدى أفريقيا» بشرم الشيخ الذي تلته قمم مماثلة في 2017 و2018

2018

- تنفيذ مصري لمشروع درء مخاطر الفيضان بغرب أوغندا

- إنشاء المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب لدول تجمع الساحل والصحراء

2019

- ترؤس مصر الاتحاد الأفريقي وإطلاقها منطقة التجارة الحرة بالقارة

- إطلاق مبادرات صحية لعلاج مليون أفريقي

- استضافة مصر وكالة الفضاء الأفريقية

2020

- مصر تتسلم رئاسة مجلس السلم والأمن الأفريقي لمدة شهر

2021

- توقيع مصر اتفافية عسكرية واستخباراتية ودفاعية مع السودان وأوغندا وبوروندي وكينيا

- عقد منتدى الاستثمار في أفريقيا بشرم الشيخ

- تسلمت مصر رئاسة الكوميسا

2022

- بدء ملء سد ومحطة جوليوس نيريري الكهرومائية بتنزانيا اللذين أسستهما شركات مصرية

2023

- جولة للرئيس المصري إلى أنجولا وزامبيا وموزمبيق تضاف لجولات وزيارات غير مسبوقة منذ 2014

2024

- تدشين الخط المباشر للطيران بين مصر وجيبوتي والصومال

- توقيع اتفاق عسكري ودفاعي مع الصومال ونيجيريا وإرسال القاهرة شحنة عسكرية لدعم الجيش الصومالي

- إعلان رئاسة مصر لمجلس الأمن والسلم الأفريقي لمدة شهر

- عقد قمة في أسمرة بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا

- مصر تقرر البدء في خطوات إنشاء «صندوق للاستثمار» بحوض النيل