الحريري ينتظر مبادرة من باسيل لإعادة الاعتبار للتسوية الرئاسية

الاتصالات مقطوعة بينهما وفي حاجة إلى جهود لإصلاح العلاقة

من لقاء سابق بين الرئيس الحريري والوزير باسيل (دالاتي ونهرا)
من لقاء سابق بين الرئيس الحريري والوزير باسيل (دالاتي ونهرا)
TT

الحريري ينتظر مبادرة من باسيل لإعادة الاعتبار للتسوية الرئاسية

من لقاء سابق بين الرئيس الحريري والوزير باسيل (دالاتي ونهرا)
من لقاء سابق بين الرئيس الحريري والوزير باسيل (دالاتي ونهرا)

قالت مصادر وزارية لبنانية واسعة الاطلاع إنه لم يطرأ حتى الساعة أيّ تطور إيجابي في اتجاه استيعاب التوتر واحتواء التصعيد السياسي والإعلامي الذي ارتفع منسوبه أخيراً بين تيار «المستقبل»، بزعامة رئيس الحكومة سعد الحريري، و«التيار الوطني الحر»، بقيادة وزير الخارجية جبران باسيل.
وأكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أنه لا قطيعة سياسية بينهما، وإن كانت الاتصالات مقطوعة وباتت في حاجة إلى بذل جهود فوق العادة لإصلاح ذات البين بينهما.
ولفتت المصادر الوزارية إلى أن تيار «المستقبل» بادر، منذ اندلاع الخلاف بينه وبين «التيار الوطني»، إلى تمرير رسائل من خلال كبار المسؤولين فيه لعل الأخير يبادر إلى التقاطها، ويسارع إلى معالجة الأسباب التي أدت إلى تظهير الخلاف إلى العلن، وللمرة الأولى منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.
وكشفت أن «المستقبل» أراد التركيز على نقطتين تشكلان من وجهة نظره خريطة الطريق لإعادة الانتظام إلى مؤسسات الدولة بدءاً بمجلس الوزراء، وقالت إن النقطة الأولى تكمن في أن الحريري أراد أن يقول بلا أي مواربة إنه غير مرتاح إلى التجاذبات الحاصلة بداخل الحكومة، وتحديداً من باسيل، فيما الثانية تعكس رأيه بصراحة بأن الأمور في البلد لن تسير نحو الأحسن في ظل الابتزاز من هنا، والتهويل من هناك.
وأكدت أن الحريري قال كل ما لديه من مآخذ من خلال المواقف التي صدرت عن «المستقبل»، والكرة الآن في مرمى باسيل الذي حاول أن ينقل النقاش إلى مكان آخر، بقوله إن الخلاف يدور بين فريق يريد محاربة الفساد وتحقيق الإصلاح الإداري، وآخرين لا يريدون ذلك. ورأت المصادر نفسها أن باسيل أراد من كلامه هذا القفز فوق الأسباب التي كانت وراء التأزم الذي بلغته علاقة «التيار الوطني» بـ«المستقبل»، وتوقفت أمام الموقف الذي صدر عن رؤساء الحكومات السابقين: نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة، تمام سلام، وقالت إن «رغبتهما في التوجّه مباشرة إلى رئيس الجمهورية لم تأتِ من فراغ وإنما لشعورهما بأن الوضع لم يعد يطاق وبات من الضروري أن يبادر عون إلى التدخّل، لوضع حد للممارسات المستفزّة التي تنال من العهد».
ومع أن الطرفين لا يزالان يشدّدان على تمسّكهما بالتسوية السياسية التي كانت وراء انتخاب عون رئيساً للجمهورية، فإن هذه التسوية بحسب المصادر الوزارية باتت أكثر من مأزومة وهي في حاجة إلى من ينقذها، في إشارة إلى ضرورة تدخّل الرئيس عون قبل فوات الأوان.
كما أن تركيز رؤساء الحكومات السابقين على المحاولات الحالية للعودة بالبلد إلى ما كان عليه قبل «اتفاق الطائف»، إضافة إلى النيل من صلاحيات رئيس الحكومة، يأتي في سياق إعلام الآخرين (كما تقول المصادر) أن من يراهن على التعامل مع الطائفة السنّية على أنها الحلقة الأضعف في المعادلة السياسية، سيكتشف أن رهانه ليس في محله، وأن البلد لا يستقيم بتعويم ثنائية سياسية طائفية من هنا أو هناك.
لذلك ترى المصادر أن هناك ضرورة لإعادة الاعتبار للتسوية الرئاسية في ضوء الاهتزاز العميق الذي أصاب العلاقة بين هذين التيارين، ولو أنه لم يبلغ حدود التوتر في العلاقة الشخصية بين الحريري وباسيل، فإنه في المقابل عكس عمق الاحتقانات المزمنة لا سيما في صفوف «المستقبل» ومؤيديه.
وتعتقد المصادر أن تنفيس الاحتقان يتطلب أولاً ترسيم الحدود لطبيعة العلاقة بين الحريري وعون وإلزام باسيل بمفاعيلها، ما يعني عدم إطلاق يده في كل شاردة وواردة، وبالتالي من غير الجائز تقديمه، وكأنه يحق له استخدام «الفيتو» ساعة يشاء بما يخدم طموحاته الرئاسية. وبكلام آخر، تؤكد هذه المصادر أنه من غير الجائز التعامل مع الحريري على أن ما يهمّه هو البقاء على رأس الحكومة، وتقول إن رئيس الجمهورية في حاجة إليه إلا إذا كان هناك من ينصح بالاستغناء عنه.
وتضيف أن عهد الرئيس القوي يمر حالياً في مرحلة من الاستنزاف، وأن التركيز تارة على محاربة الفساد وتارة أخرى على تحقيق الإصلاحات الإدارية لم يعد يفي بالغرض المطلوب، خصوصاً أن الحديث عن الإنجازات التي تحققت لم يكن له تأثير على معالجة الأزمة الاقتصادية أو على خفض منسوب التوتر السياسي. وتعتقد أن تنفيس الاحتقان يبدأ بضبط أداء باسيل، وإلا ماذا يقول الرئيس عون للبنانيين مع اقتراب السنة الثالثة من انتخابه رئيساً، خصوصاً أنه كان يراهن على تحقيق نقلة نوعية مع قيام حكومة العهد الأولى، أي هذه الحكومة التي مضى على ولادتها أكثر من عام من دون أن يُسمح لها بالانتقال إلى مرحلة العطاء التي من مؤشراتها وضع البلد وبسرعة على سكة الإفادة من مؤتمر «سيدر» الذي خصّص لمساعدته للنهوض من أزماته الاقتصادية والاجتماعية.
وعليه، لا بد من التريّث إلى حين انقضاء عطلة عيد الفطر التي يُفترض أن تضع البلد أمام مرحلة جديدة تستدعي من الرئيس عون أن يبادر إلى وضع اليد على أسباب التوتر ومكامنه تمهيداً لإعادة الانتظام إلى مجلس الوزراء، خصوصاً أن ما كُتب قد كُتب بالنسبة إلى الحريري، وأن أي موقف سيصدر عنه فور عودته إلى بيروت لن يبقى في إطار العموميات، في ضوء تقديره بأن بقاء الوضع على حاله يعني العودة بالبلد إلى الوراء وهذا ما يرفضه.
ويبقى السؤال: هل يؤخذ بوجهة نظر الحريري القائلة إن البلد لا يدار بهذه الطريقة وبات في حاجة إلى خطة لإنقاذه؟ وكيف سيتصرف باسيل الذي يصر من وجهة نظر خصومه على استخدام نفوذه داخل الدولة مستفيداً من علاقته المميّزة برئيس الجمهورية لخدمة طموحاته الرئاسية على حساب إلغاء خصومه من جهة والإمساك بالمفاصل الرئيسية في الدولة من خلال احتكاره للتعيينات، ليس في الشارع المسيحي فحسب، وإنما بأن يكون له حق الشراكة مع المسلمين في حصتهم في الإدارات والمؤسسات الرسمية وعلى قاعدة ممارسة حقه في استخدام «الفيتو»، كما حصل عندما اعترض على تعيين القاضي غسان عويدات خلفاً للمدّعي العام التمييزي القاضي سمير حمود الذي أُحيل للتقاعد منذ (مايو (أيار) الماضي؟
لذلك، فإن باسيل يخطئ كما يقول عدد من خصومه إذا اعتقد أن لديه القدرة على استغلال نفوذه لخدمة طموحاته الرئاسية أو أن يكون خياره الآخر محاصرة مجلس الوزراء من الداخل ومنعه من الإنتاج، لأن مجرد لجوئه إلى هذا الأسلوب سيُدخله في صدام سياسي حتى مع حلفائه.
ناهيك بأن باسيل غير رئيس الجمهورية، وبالتالي لا يملك القدرة على ربط مصير البلد بشخصه، أو أن يتصرّف على أنه الآمر الناهي، وأنه وحده بيده الحل والربط، ويبقى السؤال: كيف سيتعامل عون مع الرسائل التي بعث بها الحريري؟



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».