البنوك العراقية والمستقبل مع بطاقة «كيو آي كارت»

TT

البنوك العراقية والمستقبل مع بطاقة «كيو آي كارت»

إن التكنولوجيا المالية أو «Fintech» هي أشبه بإعادة كتابة القواعد للقطاع المالي، من خلال تبسيط الأساليب النقدية التقليدية، باعتماد تقنيات مثل الهواتف الذكية للخدمات المصرفية، واستخدام الذكاء الاصطناعي لتوفير خدمات الاستثمار والتأمين والإقراض.
وفي العالم المتقدم، تهدف الخدمات المقدمة إلى تحويل المشهد التنافسي لصالح المستهلك، وذلك بتخفيض التكاليف وزيادة الخيارات، بينما في العالم النامي هناك فرص للدخول في عالم الخدمات المالية، متجاوزين عقبات البنية التحتية بالدرجة التي تسمح بها، حتى لمن لا يمتلكون حسابات مالية بتنفيذ العمليات المالية.
في العراق، أصبح إدخال هذه الخدمات أمراً ممكناً بسبب الاتجاه السريع للهواتف المحمولة منذ عام 2003. وبعدها جاءت شبكة الإنترنت، رغم حدوث انخفاض طفيف في انتشار الهواتف المحمولة منذ عام 2014 بسبب احتلال تنظيم «داعش» لثلث الدولة.
وصاحب نمو مبيعات الهواتف المحمولة حدوث انخفاض مطرد في تكاليف الاستخدام، وزيادة في سرعات الإنترنت، وكلاهما يعد من المتطلبات الأساسية لانتشار بطاقات «Fintech» في كل مكان.
في كينيا والصين مثلاً، ساعد انتشار الهواتف المحمولة الأشخاص الذين لا يستطيعون الوصول إلى أحد البنوك على استخدام «محافظ الهواتف المحمولة» لتحويل الأموال عبر الإنترنت، وجرى توفير هذه الخدمة من قِبل شركات مثل «M - Pesa» في كينيا، ومن خلال احتكار خدمة «Alipay - WeChat Pay» في الصين. وفي العراق، جرى تمهيد الطريق من خلال اعتماد بطاقة «Qi Card» التي أنتجتها شركة «إنترناشيونال سمارت كارد» المحلية.
ومن خلال الفوز بعقد توزيع الرواتب الحكومية والمعاشات ومدفوعات الضمان الاجتماعي، تمكنت شركة «إنترناشيونال سمارت كارد» من تسجيل نحو 7 ملايين شخص يستخدمون بطاقة «Qi» البيومترية لتسلم الأموال من خلال بنوك الدولة أو بنوك خاصة محددة أو شبكة «إنترناشيونال سمارت كارد» التي تضم 14 ألف وكيل، وقد حل ذلك محل العملية النقدية التقليدية السابقة التي كانت مرهقة، وعرضة لإساءة الاستخدام.
ومن بين المستفيدين هناك 5 ملايين مستخدم نشط لبطاقة «Qi Card»، وقد أكملت شركة «إنترناشيونال سمارت كارد» تقريباً تسجيل الموظفين المدنيين في الحكومة، إلا أنه لم يجرِ بعد تسجيل أفراد القوات المسلحة، رغم أنه بدأ في تسجيل أعضاء «قوات الحشد الشعبي».
واستطاعت منظومة بطاقات «Qi Card»، من خلال الاستخدام المبتكر للقياسات الحيوية، تسجيل العملاء، وتحديد هويتهم، وتخطي رقاقة «PIN»، والهيكل القديم، كما وفرت حلاً فعالاً للتغلب على عمليات تزوير الهوية العراقية التي انتشرت كالوباء.
ورغم أن بطاقة «Qi Card» تعمل من خلال تطبيقات الإنترنت والهاتف المحمول لعرض كشوف الحساب والأرصدة، فإنها ليست محفظة نقالة أو مزوداً للأموال عبر الهاتف المحمول.
وجرى ترخيص شركتي «آسيا سيل حوالة» و«زين كاش» كمزودي خدمات الهاتف المحمول في أواخر عام 2015 وأوائل عام 2016. ويتم تنظيم عملهما من خلال البنك المركزي العراقي. ورغم أن انتشارهما أصغر بكثير من بطاقات «Qi Card»، حيث لا يتخطى عدد حامليها ما بين 5 و10 في المائة فقط من مستخدمي الهواتف المحمولة، فإن الأنظمة الثلاثة تعمل بطرق مماثلة تجعل اللاعبين الآخرين يبدون أقزاماً أمامهم، كما أنها توفر إمكانية للتشغيل المتبادل في المستقبل لأموال المحمول عبر المنصات المختلفة.
وكما هو الحال في أفريقيا، فإن الخطوة الأولى نحو الإدماج المالي هي استخدام التكنولوجيا لتسلم الرواتب، وغيرها من المزايا النقدية. أبسط نموذج هو استخدام ميزة «السحب النقدي»، التي تتضمن أخذ جميع الأموال نقداً، وتجاهل البطاقة أو محفظة الهاتف المحمول حتى الدورة التالية.
وتتضمن الخطوة التالية استخدام بطاقة الهوية أو محفظة الهاتف المحمول كأداة للدفع الإلكتروني لمجموعة كبيرة من السلع والخدمات، لكن هذا ربما يواجه بمقاومة ثقافية، والتحدي الرئيسي هنا هو كسب ثقة مقدمي السلع والخدمات. فكما تحمل ورقة الدولار الأميركي عبارة In God We Trust»»، فإن الشركات الصغيرة تعيش وفق تعويذة «كل شخص آخر يدفع نقداً».
طريقة واحدة للتغلب على هذه الشكوك، وهي زيادة عدد منافذ استخدام البطاقة أو محفظة المحمول. ففي الوقت الذي ينمو فيه التسوق عبر الإنترنت في العراق من خلال منافذ التجارة الإلكترونية المحلية مثل «Miswag»، وهي منصة تسوق عبر الإنترنت تعرض مجموعة من المنتجات من الملابس إلى الإلكترونيات، لا يزال الدفع يجرى نقداً عند تسلم السلع المشتراة عبر الإنترنت.
وكما فعلت عندما بدأت في دفع الرواتب والمزايا من خلال بطاقة «Qi Card»، يمكن للحكومة العراقة أن تلعب دوراً رائداً في امتصاص المعاملات غير النقدية، إذا سمحت بالدفع الإلكتروني لفواتير الخدمات ورسوم الخدمات الحكومية في المرافق التي تخضع للدولة. لكن بدلاً من إنشاء حوافز تستند إلى سوق المعاملات غير النقدية الأقل كلفة، يبدو أن بيروقراطية الدولة اختارت فرض تبني النمط الجديد من خلال الإكراه فقط.
وتتمثل العقبة الأصعب في عنصر الشفافية التي تأتي مع اعتماد نمط «Fintech» الجديد. فكل معاملة مالية لا بد أن تترك ورائها أثراً أو توثيقاً ورقياً، وهو ما يواجه بمقاومة من ثقافة الفساد والتهرب الضريبي في البلاد. ولذلك فإن الفساد هو المستفيد الأول من استمرار النظام النقدي. وستستفيد الشركات، سواء كانت قانونية أو تلك التي تعمل في ظل الاقتصاد الاقتصادي، من انخفاض تكاليف التشغيل لشركة «Fintech»، لكنها ستجد نفسها مضطرة للكشف عن حجم مبيعاتها الحقيقية، وتعرضها لضرائب أعلى، ولتقلبات الإيجارات التي نشأت في ظل الفساد اللامركزي الذي استشرى بعد عام 2003.
ورغم التحديات الكثيرة، فقد قطع العراق شوطاً كبيراً نحو الاندماج المالي على مدار السنوات القليلة المضطربة، كما يتضح من قاعدة بيانات «غلوبال أنديكس» العالمية التي أصدرها البنك الدولي عام 2017. فقد ارتفع عدد العراقيين أصحاب الحسابات البنكية من 11 في المائة في عام 2014 إلى 20.3 في المائة عام 2017. وحدث ذلك النمو خلال فترة الانكماش المالي في 2014 - 2017، حيث مرت كثير من البنوك بأزمة ثقة. إن تمتع 19.1 في المائة من السكان بخدمة التحويل الرقمي أمر واعد في حد ذاته، مقارنة بالأرقام في باقي المنطقة.
ولعل الأهم من كل ذلك هو أن عملية التقييم والاعتماد الائتمانية المبتكرة الخاصة بشركة «Qi Card» على النحو المنصوص عليه في أكبر مصرف حكومي في البلاد، وهو «مصرف الرافدين»، قد أدت إلى إصدار أكثر من ملياري دولار من القروض عام 2018، في السنة الأولى من عمل الشركة. وتراوحت القروض ما بين مليون و10 ملايين دينار عراقي (840 - 8400 دولار)، مع نحو 9 في المائة من هذا المبلغ مستحقة الدفع على 60 شهراً، منها أكثر من 60 في المائة اتجهت إلى الشركات الناشئة.
إن رقم ملياري دولار أميركي، رغم صغره بالقيمة المطلقة، فإنه إيجابي مقارنة بإجمالي قيمة الائتمان البالغ 17 مليار دولار الذي جرى دفعه للقطاع الخاص العراقي عام 2018، وفق البنك المركزي العراقي.
إن هذه الأرقام تظهر إمكانية نمو القروض بمجرد أن يجري تغيير عملية التقييم والاعتماد الائتمانية القديمة والمكلفة عن طريق شركة «Fintech».
- أستاذ مساعد بالجامعة الأميركية في العراق كبير موظفي الاستثمار في صندوق الاتحاد الآسيوي للعراق عضو مجلس إدارة بنك التسليف العراقي



بكين توسع خطة «المقايضة الاستهلاكية» لإحياء النمو الاقتصادي

بائع يجلس أمام متجره في جزيرة هونغ كونغ بانتظار الزبائن (أ.ف.ب)
بائع يجلس أمام متجره في جزيرة هونغ كونغ بانتظار الزبائن (أ.ف.ب)
TT

بكين توسع خطة «المقايضة الاستهلاكية» لإحياء النمو الاقتصادي

بائع يجلس أمام متجره في جزيرة هونغ كونغ بانتظار الزبائن (أ.ف.ب)
بائع يجلس أمام متجره في جزيرة هونغ كونغ بانتظار الزبائن (أ.ف.ب)

أضافت الصين المزيد من الأجهزة المنزلية إلى قائمة المنتجات التي يمكن استخدامها في خطة «المقايضة الاستهلاكية»، وستقدم إعانات إضافية للسلع الرقمية هذا العام، في محاولة لإحياء الطلب في قطاع الأسر الراكد.

وستشمل خطة المقايضة للأجهزة المنزلية أفران الميكروويف وأجهزة تنقية المياه وغسالات الأطباق وأواني الطهي هذا العام، وفقاً لوثيقة صادرة عن أعلى هيئة تخطيط للدولة ووزارة المالية يوم الأربعاء. ويمكن أن تحصل الهواتف الجوالة وأجهزة الكمبيوتر اللوحية والساعات الذكية والأساور التي تقل قيمتها عن 6000 يوان على إعانات بنسبة 15 في المائة.

ولم يحدد البيان التكلفة الإجمالية للحوافز، لكن مسؤولاً بوزارة المالية قال في مؤتمر صحافي يوم الأربعاء إن الحكومة خصصت حتى الآن 81 مليار يوان (11.05 مليار دولار) لتبادل السلع الاستهلاكية لدعم الاستهلاك في عام 2025.

وتشكل التدابير الجديدة جزءاً من خطة أوسع لتحفيز النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم في عام 2025، حيث أدت أزمة العقارات الشديدة إلى تآكل ثروة المستهلكين والإضرار بإنفاق الأسر. وكان قطاع المستهلكين المتعثر في الصين نقطة ألم خاصة للاقتصاد مع مطالبة المحللين ومستشاري السياسات باتخاذ تدابير عاجلة لتحفيز الأسر على الإنفاق مرة أخرى.

وقال شو تيان تشن، كبير الاقتصاديين في وحدة «إيكونوميك إنتليجينس»: «نتوقع أن يتضاعف إجمالي الدعم إلى 300 مليار يوان في عام 2025. وهذا يمثل إلى حد ما تحولاً سياسياً نحو المزيد من الاستهلاك». وأضاف أن الإعانات الأكثر محدودية للهواتف والأجهزة اللوحية، بأقل من 500 يوان لكل عنصر، تشير إلى أن بكين لا تنوي دعم الأغنياء للإنفاق الباهظ.

وفي العام الماضي، خصصت الصين نحو 150 مليار يوان من إصدار سندات الخزانة الخاصة بقيمة تريليون يوان لدعم استبدال الأجهزة القديمة والسيارات والدراجات وغيرها من السلع. وقال المسؤولون إن الحملة «حققت تأثيرات إيجابية».

وقال لي غانغ، المسؤول بوزارة التجارة، في نفس المؤتمر الصحافي، إن الحملة أسفرت عن مبيعات سيارات بقيمة 920 مليار يوان ومبيعات أجهزة منزلية بقيمة 240 مليار يوان في عام 2024.

ومع ذلك، لم يجد المستثمرون الكثير من الطموح في إعلانات يوم الأربعاء، حيث انخفض مؤشر أسهم الإلكترونيات الاستهلاكية في الصين بنسبة 3.2 في المائة بحلول استراحة منتصف النهار.

وقال مسؤول في هيئة تخطيط الدولة الأسبوع الماضي، إن الصين ستزيد بشكل حاد التمويل من سندات الخزانة طويلة الأجل في عام 2025 لتحفيز ترقيات المعدات ونظام مقايضة السلع الاستهلاكية. وفي العام الماضي، خصصت الصين ما مجموعه 300 مليار يوان لهذه المبادرات.

وقال تشاو تشين شين، نائب رئيس اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح - الجهة المسؤولة عن التخطيط الحكومي - يوم الأربعاء، إن أرقام التمويل للخطط ستصدر خلال الاجتماع البرلماني السنوي في مارس (آذار) المقبل.

وتعهد كبار القادة الصينيين بتعزيز الاستهلاك «بقوة» وتوسيع الطلب المحلي «في جميع الاتجاهات» هذا العام. وذكرت «رويترز» الأسبوع الماضي أن ملايين العاملين الحكوميين في جميع أنحاء الصين حصلوا على زيادات في الأجور، كجزء من الجهود الرامية إلى تعزيز الاستهلاك.

وقال لين سونغ، كبير خبراء اقتصاد الصين في «آي إن جي»: «نتوقع أن تساعد السياسة الأكثر دعماً في انتعاش نمو مبيعات التجزئة في عام 2025 مقارنة بعام 2024. وسيعتمد تعافي استهلاك الأسر على استقرار أسعار الأصول، بالإضافة إلى تحسن الثقة في آفاق التوظيف».

ووفقاً لوثيقة السياسة، ستزيد الصين أيضاً الأموال من إصدار سندات الخزانة الخاصة طويلة الأجل لدعم ترقيات المعدات في المجالات الرئيسة. وستشمل الحملة الآن المعدات المستخدمة في قطاعي تكنولوجيا المعلومات والزراعة، مع التركيز على المعدات المتطورة والذكية والخضراء.

وعلى أساس دعم بنسبة 1.5 نقطة مئوية على أسعار الفائدة على قروض ترقية المعدات التي يتم الحصول عليها من البنوك، قالت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح إنها سترتب أيضاً أموالاً من سندات الخزانة لخفض تكاليف تمويل الشركات بشكل أكبر.

ورتب البنك المركزي مرفق إعادة الإقراض المنخفض التكلفة بقيمة 400 مليار يوان لدعم ترقيات المعدات. وقال سونغ إن الوثيقة تشير إلى أن القطاعات الصناعية عالية التقنية بالإضافة إلى تصنيع معدات النقل من المرجح أن تستفيد، مما يساعد هذه القطاعات على البناء على الزخم القوي في العام الماضي.