اتصالات حثيثة بين «المستقبل» و«التيار» لاحتواء التصعيد

سعد الحريري - جبران باسيل
سعد الحريري - جبران باسيل
TT

اتصالات حثيثة بين «المستقبل» و«التيار» لاحتواء التصعيد

سعد الحريري - جبران باسيل
سعد الحريري - جبران باسيل

تتسارع الاتصالات لاحتواء التشنّج القائم بين تيّار «المستقبل» بقيادة رئيس الحكومة سعد الحريري من جهة، و«التيار الوطني الحرّ» برئاسة وزير الخارجية جبران باسيل من جهة ثانية، بعد ارتفاع حدّة السجال بينهما على كثير من الملفات بدءاً من قانون الموازنة، مروراً بالصراع على المواقع الأمنية والقضائية والإدارية، وصولاً إلى الصلاحيات الدستورية، وتلميح فريق الحريري إلى أن «ممارسات باسيل تشكّل اعتداء على صلاحيات رئيس الحكومة، ومحاولة لكسر اتفاق الطائف».
وما إن سرّبت معلومات عبر إحدى الصحف عن اتصال أجراه الحريري بباسيل وطمأنه إلى أنه لن يفرّط بالتسوية التي أبرمها مع «التيار الوطني الحر» والتي أوصلت العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، سارع فريق قيادي في «المستقبل» إلى نفي هذه المعلومات، وأوضح أن الحريري «لم يتصل بالوزير باسيل، ولم يتواصلا منذ انتهاء مناقشة مشروع الموازنة».
ويسعى «التيار الوطني الحرّ» إلى تبديد أجواء التصعيد، وتوضيح كلام رئيسه جبران باسيل، إذ اعتبر عضو «تكتل لبنان القوي» النائب ناجي غاريوس، أنه «لا توجد مشكلة مع تيار (المستقبل) حتى نبحث عن مساع لاحتوائها». وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الوزير باسيل لم يهاجم (المستقبل) في خطاباته، بل أعطى وجهة نظره حول بعض الملفات الموضوعة قيد المعالجة»، مؤكداً أن «التسوية أبرمت مع (المستقبل) من أجل بناء الدولة، بالشراكة معه ومع كل الأحزاب والقوى السياسية وليس لتقاسم السلطة». ورأى أن «لا شيء ينقذ لبنان إلا السير باقتراحات القوانين التي قدمها تكتل (لبنان القوي) والوزير باسيل لمكافحة الفساد، وأهمها رفع السرية المصرفية، ورفع الحصانة عن المسؤولين في الدولة، وإقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة». وقال غاريوس: «نحن لسنا مختلفين مع أحد، وقلنا رأينا في بناء الدولة، وخلافنا مع الآخرين يأتي تحت هذا العنوان، وليس تحت عنوان المصالح والمكاسب».
وتخشى مصادر سياسية أن «تنعكس هذه الخلافات سلباً على الملفات المطروحة، لا سيما نقاشات إقرار الموازنة في المجلس النيابي، وتصدّع التسوية السياسية التي نتج عنها انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتسمية سعد الحريري رئيساً للحكومة. وأوضحت المصادر أن (ثمة اتصالات حثيثة لوضع حدّ للسجالات ومعالجة القضايا الخلافية تحت سقف الدستور والقانون)».
من جهته، قال عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل» الدكتور مصطفى علوش في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «احتواء التشنّج مع التيار الوطني الحرّ، مرهون بوقف اعتداءات جبران باسيل علينا». وأضاف: «نحن لم نفتعل الأزمة، بل نحاول ردّ الاعتداءات عنّا، على قاعدة إن عدتم عدنا»، مؤكداً أن باسيل «يريد كسر اتفاق الطائف من خلال الممارسة، لأنه يعلم أن كسر الطائف بالنص وتعديل الدستور سيخرج منه خاسراً، وهو يرى أن هناك خلافاً سنياً - شيعياً، يمكن أن يستغله للانقضاض على الطائف، لكن ليس له ولا لغيره مصلحة للتلاعب بالطائف». ورغم نفي وزير الخارجية لما نقل عنه بأن «السنيّة السياسية أتت على ظهر المارونية السياسية»، والتلويح بأنه سيضع ملف تغيير المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان (المحسوب على تيار المستقبل والحريري شخصياً)، لم يتوقف السجال بين الطرفين، إذ اعتبر علوش أن «الطائف لم يعتد على المارونية السياسية ولا على صلاحيات رئيس الجمهورية». وقال: «إذا كان البعض يتباكى على المارونية السياسية ويحاول إحياءها، قد يأتي من يطالب باستعادة نفوذ الحكم العثماني، ويأتي آخر ويطالب بإحياء زمن المتصرفية (التي كانت تحكم جبل لبنان قبل إعلان دولة لبنان الكبير)». وأشار علوش إلى أن «باسيل ناقم على اللواء عثمان لأنه ليس تحت سلطته، وهو لا يصوّب إلا على المواقع السنيّة».
وحذّر عضو كتلة «المستقبل» النيابية النائب سامي فتفت، من التلاعب بالتسوية وبالصلاحيات على حدّ سواء، وقال في تغريدة له: «كما أن الحفاظ على التسوية مسؤولية الجميع، كذلك عدم التعرض لصلاحيات الآخرين وخصوصاً صلاحيات رئيس الحكومة واجب الجميع»، معتبراً أن «الانطباع أهم من الحقيقة، وانطباعات الناس وقناعاتها يجب أن تُحترم، فإنّه أصبح من واجب مَن تسبب بالمشكلة إقناع الناس أنه لا يزال يريد التسوية».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.