أخيراً، وبعد نحو 16 عاماً من العزلة شبه التامة، قررت الحكومة العراقية فتح معقلها شديد التحصين «المنطقة الخضراء» في بغداد أمام المواطنين. وعقب سلسلة «فتوحات» جزئية للمنطقة الرئاسية أقرتها الحكومة بعد تولي عادل عبد المهدي رئاسة الوزراء في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، أعلن الأخير أول من أمس، «فتح جميع بواباتها (المنطقة الخضراء) بشكل كامل أمام المواطنين في أول أيام عيد الفطر المبارك».
ويرى مراقبون أن في ذلك مؤشراً واضحاً على تحسن الأوضاع الأمنية في بغداد، بعد سنوات من الانفجارات وأعمال العنف التي طال بعضها المنطقة الخضراء رغم تحصينها وإحاطتها بسياج أمني كبير وأسلاك شائكة وحراستها من قبل أفواج حماية خاصة.
وأبلغ مصدر مقرب من الحكومة العراقية «الشرق الأوسط» بأن «حكومة عبد المهدي عازمة على فتح المنطقة الخضراء بشكل نهائي وكذلك فتح مطار بغداد الدولي أمام حركة المسافرين ورفع جميع القيود المتعلقة بتعقيدات وصول المسافرين إلى المطار». ومعروف أن المسافرين العراقيين يخضعون لإجراءات تفتيش مكثفة في «ساحة عباس بن فرناس» التي تبعد نحو 10 كيلومترات، قبل وصولهم إلى صالة مطار بغداد بسيارات تابعة لشركات خاصة، لكن كبار المسؤولين العراقيين لا يخضعون لتلك السلسلة من الإجراءات ويصلون إلى صالة المسافرين بسياراتهم الخاصة.
ومنذ عام 2003، الذي شنت فيه الولايات المتحدة هجومها على العراق وأسقطت نظامه السياسي، اتُّخذت «المنطقة الخضراء» مقراً لحكومة عهد الاحتلال التي رأسها الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، حتى عام 2004 ومن ثم صارت مقراً دائماً للحكومات العراقية المتعاقبة منذ ذلك التاريخ، وكانت قبل 2003 مقراً لحكومات حزب «البعث» المنحل.
وارتبطت «المنطقة الخضراء» في الذاكرة الشعبية العراقية منذ أكثر من عقد ونصف بلحظة الاحتلال الأميركي، من جهة، وتمترس الحكومات المتعاقبة في منطقة آمنة، من جهة أخرى، في مقابل تعرض السكان العاديين لمخاطر الهجمات الانتحارية والاستهداف بالأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة في الأسواق والأماكن العامة.
وتضم المنطقة الخضراء التي تقع في جانب الكرخ وعلى الضفة الغربية لنهر دجلة الذي يقسم بغداد إلى قسمين، وتمتد على مساحة نحو 10 كيلومترات مربعة، القصر الجمهوري وقصر السلام والمؤتمرات ومبنى البرلمان العراقي، إلى جانب السفارتين الأميركية والبريطانية، وعدداً كبيراً من المنشآت والوزارات والمؤسسات الحكومية، ومن بينها وزارة الدفاع وساحة الاحتفالات الكبرى، ونصب الجندي المجهول وفندق الرشيد.
وللمنطقة الخضراء ثلاثة أبواب رئيسية، الأول من الجهة الشمالية ويسمى باب «التشريع» القريب من جسر الجمهورية ومبنى البرلمان، وهناك الباب الواقع في الجهة الشرقية بمنطقة الجادرية في الكرادة ويتم الوصول إليه عبر الجسر المعلق، وهناك بوابة أخرى تقع في الجانب الغربي القريب من حي القادسية. وكان يُسمح للمسؤولين الحكوميين وأعضاء البرلمان فقط بالمرور عبر هذه الطرق وفق «بطاقات» أمنية خاصة، ويحظر مرور المواطنين العاديين، إلا وفق موافقات أمنية خاصة وبكفالة أحد المعرفين الضامنين العاملين في المنطقة الخضراء. وتعليقاً على خبر إعادة فتح المنطقة الخضراء، يقول مدرس الفلسفة في الجامعة المستنصرية ستار عواد، إن «الأمر لم يعد مهماً بالنسبة إليّ، وربما لعموم البغداديين، السياسيون حموا أنفسهم أيام المحنة، واليوم بعد تراجع أعمال العنف قرروا فتحها من جديد».
ويضيف ستار لـ«الشرق الأوسط» أنه «مع ذلك ربما تسهم الخطوة في التقليل من الزخم المروري الذي تعاني منه العاصمة، وهو أمر مشجع على كل حال، إنْ تمتعنا بشيء من الإيجابية».
«المنطقة الخضراء» في بغداد تفتح أبوابها أمام العراقيين
بعد 16 عاماً من «العزلة»
«المنطقة الخضراء» في بغداد تفتح أبوابها أمام العراقيين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة