مواجهات وإصابات واعتقالات بعد السماح لليهود باقتحام الأقصى في أواخر رمضان

إدانات فلسطينية وتحذيرات من فرض واقع جديد... ومذكرة احتجاج أردنية شديدة

فلسطينيون في مواجهة الأمن الإسرائيلي بعد اندلاع مواجهات إثر دخول متطرفين يهود أمس (رويترز)
فلسطينيون في مواجهة الأمن الإسرائيلي بعد اندلاع مواجهات إثر دخول متطرفين يهود أمس (رويترز)
TT

مواجهات وإصابات واعتقالات بعد السماح لليهود باقتحام الأقصى في أواخر رمضان

فلسطينيون في مواجهة الأمن الإسرائيلي بعد اندلاع مواجهات إثر دخول متطرفين يهود أمس (رويترز)
فلسطينيون في مواجهة الأمن الإسرائيلي بعد اندلاع مواجهات إثر دخول متطرفين يهود أمس (رويترز)

تفجرت مواجهات هي الأعنف في المسجد الأقصى منذ عدة شهور بعدما سمحت الشرطة الإسرائيلية، في خطوة نادرة، لليهود بدخول المكان في الأيام الأخيرة لشهر رمضان.
وقال مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني إن نحو ألف متطرف اقتحموا المسجد بقرار سياسي في محاولة لتغيير الوضع القائم. والوضع القائم هو اتفاق أردني - إسرائيلي بتحديد أعداد زيارة غير المسلمين للمسجد ومنع ذلك في أيام محددة منها العشر الأواخر في رمضان.
واتهم الكسواني قوات الشرطة الإسرائيلية والوحدات الخاصة بحماية المتطرفين من أجل كسر هذا الوضع بالقوة.
وشهدت ساحات المسجد مواجهات ممتدة بين المصلين وقوات الشرطة التي اقتحمت المكان لتأمين المتطرفين الإسرائيليين الذين أصروا على اقتحام المسجد محتفلين بيوم القدس، وهو اليوم الذي يحتفل فيه الإسرائيليون وفق التقويم العبري بضم القدس الشرقية للغربية بعد احتلالها في حرب الأيام الستة، وإعلانها عاصمة موحدة.
وأطلقت الشرطة الإسرائيلية قنابل الصوت والغاز واستخدمت الهراوات ضد المصلين، فيما رشق المصلون القوات بالكراسي والأحذية والحجارة وأغراض أخرى، بعدما حاصرت القوات مصلين في المسجد القبلي واعتدت عليهم لإبعادهم عن المستوطنين.
وأظهرت لقطات فيديو نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لحظة اقتحام القوات الإسرائيلية الجامع القبلي وإلقاء قنابل الصوت داخله، فيما ألقى المصلون كل ما وقع تحت أيديهم على الشرطة. وأغلقت الشرطة الجامع على من فيه قبل أن تعود وتفتحه تحت وطأة المواجهات.
وهذه المرة الأولى منذ 3 عقود التي يُسمح فيها لغير المسلمين بدخول المسجد في الأيام الأخيرة من شهر رمضان. وأعلنت الشرطة في وقت سابق أن المسجد سيكون مغلقاً أمام اليهود والسياح، لكنها عادت وسمحت للمتطرفين باقتحام المسجد بعد «تقييمات أمنية».
واتهمت السلطات الفلسطينية والأردنية القوات الإسرائيلية بانتهاك حرمة شهر رمضان والاعتداء على المصلين والمسجد.
وقال الكسواني إن القوات الإسرائيلية اعتدت على المصلين وحراس المسجد. وقالت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس إن القوات الإسرائيلية اعتدت على خليل الترهوني أحد حراس المسجد الأقصى بالضرب المبرح. واعتقلت الشرطة 6 فلسطينيين على الأقل من داخل المسجد، ضمن حملة طالت خلال يومين نحو 40 مقدسياً.
وفوراً، أدانت الخارجية الفلسطينية، «الهمجية» الإسرائيلية في الأقصى، وأرسلت الخارجية الأردنية مذكرة احتجاج شديدة اللهجة لإسرائيل. وقالت الخارجية الفلسطينية، إن الاعتداء على الأقصى يأتي ضمن مخطط يهدف إلى تهويده وفرض السيطرة الإسرائيلية عليه.
وطالبت الخارجية في بيان لها، المجتمع الدولي والمنظمات الأممية المختصة، بالخروج عن صمتها والتحرك سريعاً في تحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه القدس ومقدساتها، عبر اتخاذ إجراءات عملية كفيلة بإجبار إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال على الانصياع للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وقبل فوات الأوان.
ودخلت الخارجية الأردنية على الخط فوراً، وأرسلت مذكرة احتجاج دبلوماسية إلى الحكومة الإسرائيلية، وجاء في المذكرة أن عمان ترفض انتهاك إسرائيل لحرمة الأماكن المقدسة وتطالب بوقفها وتحذر من تبعاتها. وقال الناطق بلسان وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية سفيان القضاة: «إن على إسرائيل احترام مشاعر المسلمين في هذا المكان المقدس، خصوصاً في الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل».
ويتولى الأردن الوصاية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس بموجب اتفاق مع السلطة الفلسطينية. وقال عبد الناصر أبو البصل وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في الحكومة الأردنية، إن «على الاحتلال ألا يتدخل بالمسجد الأقصى المبارك الذي هو ملك للمسلمين وحدهم لا يشاركهم فيه أحد، وإنه غير قابل للمشاركة ولا التقسيم».
ونقلت الوكالة وكالة الأنباء الأردنية (بترا) الرسمية عن أبو البصل استهجانه لما قامت به قوات الاحتلال «عندما ضربت النساء والشيوخ والأطفال المعتكفين الآمنين وملاحقتهم إلى داخل المصلى القبلي والمرواني، والاعتداء عليهم ورشهم بالغازات المسيلة للدموع داخل المساجد المسقوفة».
وردت الشرطة الإسرائيلية باتهام المصلين بإثارة «الشغب». وقال ميكي روزنفيلد المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية في تغريدة على «تويتر»: «اتخذت الشرطة إجراءات أمنية في جبل الهيكل بعد اضطرابات أثارها العرب هذا الصباح. الوضع تحت السيطرة». وأصدرت الشرطة بياناً جاء فيه: «اندلعت أعمال شغب شملت إلقاء حجارة وكراسي وأجسام مختلفة». وأضاف البيان: «بعد ذلك، أمر قائد منطقة القدس الميجور جنرال دورون ياديد قوات الشرطة بدخول جبل الهيكل (التسمية اليهودية للمسجد) والتعامل مع مثيري الشغب».
واقتحام الأقصى في هذا الوقت الحساس، آثار ردود فعل واسعة. ونددت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالانتهاك الخطير الذي مارسته قوات الاحتلال الإسرائيلي، في المسجد الأقصى، مؤكدة أن انتهاك حرمته هو اعتداء على مشاعر المسلمين في العالم أجمع وليس في فلسطين وحدها، كما أنه مساس بالمكان الأكثر قداسة للمسلمين في فلسطين. ووصف قاضي القضاة، مستشار الرئيس للشؤون الدينية، محمود الهباش ما يحدث في الأقصى، بـ«التطور الخطير الذي يؤشر إلى مرحلة في غاية الخطورة».
ودعت فصائل فلسطينية إلى الدفاع عن الأقصى وهددت أخرى بالرد، ووجهت حركة فتح تحية إكبار وإجلال للمرابطين المعتكفين في المسجد الأقصى ورحابه، داعية الفلسطينيين للدفاع عن المسجد. وقالت الجبهة الديمقراطية إن العدوان على الأقصى مؤشر خطير لفرض تقسيمه زمانياً ومكانياً، فيما حذرت الجبهة الشعبية من أن التصعيد بحق الأقصى يعد لعباً بالنار وجزءاً من المزاودات الداخلية لليمين.
من جهتها، أكدت حركة حماس أن «استمرار غطرسة الاحتلال ومستوطنيه في تدنيس المسجد الأقصى لن يقود إلا إلى مزيد من التمسك الفلسطيني به، والاستبسال في الدفاع عن حرمته وقدسيته». أما حركة الجهاد الإسلامي فهددت بأن إسرائيل ستدفع ثمن اقتحام الأقصى.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.