روايات عشقها خامنئي... لكن ممنوع على غيره قراءتها

جميعها على قائمة كتب محظورة أصدرها خاتمي عام 1999

صورة نشرها موقع المرشد الإيراني علي خامنئي أثناء جولة في معرض طهران للكتاب الدولي يقرأ في مجموعة شعرية لأحمد شاملو الشاعر الذي منعت أغلب كتبه بعد ثورة 1979 في إيران
صورة نشرها موقع المرشد الإيراني علي خامنئي أثناء جولة في معرض طهران للكتاب الدولي يقرأ في مجموعة شعرية لأحمد شاملو الشاعر الذي منعت أغلب كتبه بعد ثورة 1979 في إيران
TT

روايات عشقها خامنئي... لكن ممنوع على غيره قراءتها

صورة نشرها موقع المرشد الإيراني علي خامنئي أثناء جولة في معرض طهران للكتاب الدولي يقرأ في مجموعة شعرية لأحمد شاملو الشاعر الذي منعت أغلب كتبه بعد ثورة 1979 في إيران
صورة نشرها موقع المرشد الإيراني علي خامنئي أثناء جولة في معرض طهران للكتاب الدولي يقرأ في مجموعة شعرية لأحمد شاملو الشاعر الذي منعت أغلب كتبه بعد ثورة 1979 في إيران

«قُلْ لي ماذا تقرأ، أقلْ لكَ مَن أنت!»، هكذا اعتاد الناقد الأدبي الراحل محيط طبطبائي ممازحة مجتمع الصفوة والمشاهير في إيران في «أيام الزمن الجميل». بالتأكيد لم يكن هذا الادعاء من جانبه قائماً على أي دراسة علمية، ومع هذا كشفت أدلة تجريبية أن هذه المقولة ليست بعيدة عن الواقع. الحقيقة أن الكتب بالفعل تسلط الضوء على روح القارئ، بافتراض أنه لديه روح.
وعليه، فإن المهتمين بالشأن الإيراني، خصوصاً في الأوقات المثيرة الحالية، لن يرضوا بالتأكيد أن تفوتهم فرصة مطالعة كتاب جديد حول «المرشد الأعلى» لـ«الجمهورية الإسلامية»، آية الله علي خامنئي، خصوصاً أنه يخصص فصلاً كاملاً لعرض الكتب التي عشق خامنئي قراءتها عندما كان شاباً.
يبدو الكتاب الجديد قريباً من كونه سيرة ذاتية، وكُتب في الأصل باللغة العربية بعنوان «إن مع الصبر فوزاً»، لكنه صدر للتوّ في نسخة مترجمة إلى الفارسية بعنوان أدبي: «قطرة دم تحولت إلى ياقوتة». وفي الكتاب، يتذكر «المرشد الأعلى»، «شغفه بقراءة روايات فارسية وعالمية»، ويصر على «التأثير العميق» الذي تركته قراءة الروايات عليه.
والآن، ما الروايات التي أسرت لبّ «المرشد الأعلى» في شبابه؟
على رأس القائمة التي طرحها خامنئي 10 روايات تدور حول السرية والتجسس والمؤامرات للروائي مايكل زيفاكو، كاتب كورسيكي - فرنسي ساعد في إضفاء شعبية واسعة على ما يصفه الإنجليز بالروايات الرومانسية المبتذلة داخل فرنسا. ويبدو الخط العام لزيفاكو بسيطاً: استقطاع شخصية أو حدث تاريخي وتحويله إلى عمل أدبي خيالي مع إضافة جرعة كبيرة من المواقف المثيرة للأسى والشجن. ويدور العالم الذي صوّره زيفاكو حول الجنس والعنف والتآمر والخيانة. في أشهر أعمال زيفاكو، «بورجيا»، فإن كبير آل بورجيا الذين هيمنوا على المشهد السياسي في فلورنسا خلال فترة العصور الوسطى، يقْدم على اغتصاب شقيقته الشقراء، لوكريس. أما رواية «نوستراداموس»، فإنها سيرة ذاتية خيالية لمحتال ادّعى قدرته على قراءة المستقبل سعياً للفوز بالمال والنفوذ والجنس والشهرة.
وقد صدرت أشهر روايات زيفاكو في سلسلة أُطلق عليها «لي باراديلون»، لم تُترجَم منها سوى اثنتين فقط إلى الفارسية.
انتمى زيفاكو إلى حركة «الأناركية» أو اللاسلطوية، وبالتالي سعى لتسليط الضوء على فساد الطبقات الأوروبية الحاكمة. وأبدى زيفاكو رفضاً قوياً للدين واعتبره «سُمّ الجماهير». ويدور بعض أفضل كتاباته حول مذبحة سانت بارتيليمي بحق المسيحيين البروتستانت على يد الملك شارل التاسع بإيعاز من والدته الشريرة كاثرين دي ميدتشي.
أما ثاني أكثر روائي مفضل لدى خامنئي فهو ألكسندر دوما، كاتب مغامرات آخر من القرن الـ19، ومن بين أبرز أعماله «الفرسان الثلاثة» و«الكونت دي مونت كريستو» و«اثنتان وعشرين عاماً لاحقة»، بجانب رواية «كاليوسترو» الأخاذة التي تتناول مغامرات جوزيف بالسامو، محتال آخر يبحث عن الجنس والمال والنفوذ. بوجه عام، تحوي أعمال دوما قدراً أقل من الجنس والانتقام والعنف عن زيفاكو، ومع هذا يتشارك الكاتبان الفرنسيان في الكثير من التشابهات، خصوصاً فيما يتعلق بالمغامرات ذات الوتيرة السريعة والتحولات غير المتوقعة من جانب القدر.
ومن الكتاب المفضلين لدى خامنئي أيضاً روائي فرنسي آخر ينتمي إلى القرن الـ19، هو موريس لوبلان الذي تتمثل أفضل أعماله في سلسلة روايات «أرسين لوبين» عن رجل نبيل يسرق النبلاء من أبناء جلدته.
وتشترك أعمال لوبلان مع روايات زيفاكو ودوما في ملمحين: أولاً، بناء عالم موازٍ كبديل خيالي للعالم الواقعي. ثانياً، شعور البطل بالازدراء تجاه أعراف وتقاليد الطبقة البرجوازية.
ويقول خامنئي إنه قرأ أيضاً «تقريباً جميع الروايات الإيرانية» التي صدرت خلال فترة شبابه.
في شباب خامنئي، نادراً ما تحركت الروايات الإيرانية لما وراء حدود الروايات الفرنسية الصادرة أواخر القرن الـ19، خصوصاً إميل زولا وهيكتور مالو وأناتول فرانس. ونظراً لأن المفكرين الإيرانيين كانوا يمقتون البريطانيين، فإن أحداً لم يعبأ بترجمة روايات إنجليزية كبرى حتى خمسينات القرن الماضي، وكذلك الأدب الأميركي حتى عقد لاحق. وبالنسبة إلى القارئ الإيراني العادي من الشباب مثل خامنئي، كانت فرنسا «القوة الأدبية العظمى» عالمياً. أيضاً، كانوا على معرفة بسيطة بالأدب الروسي، الأمر الذي يعود في جزء منه إلى كراهية الصفوة الإيرانية روسيا باعتبارها عدو فارس على امتداد قرنين.
المثير أن جميع الروائيين الإيرانيين في الفترة التي يتحدث عنها خامنئي اختاروا نساءً كشخصيات رئيسية في وقت كانت المرأة الإيرانية لا تزال تعامَل كمواطن من الدرجة الثانية.
على سبيل المثال، تدور واحدة من روايات علي داشتي حول بطلة تُدعى «فتنة» تقرر استغلال مفاتنها في الصعود أعلى سلم عالم يهيمن عليه الرجال. وتتميز بطلة إحدى روايات محمد حجازي، وتدعى «زيبا»، بذات القدر من السحر والقسوة في السعي وراء إيجاد مكان لها داخل عالم يحاول إبقاء النساء على الهامش. وهناك أيضاً «شهراشوب» (وتعني حرفياً هادمة السلام)، البطلة التي ابتكرها الروائي حسين قولي مستعان والتي تتسم بشهوة جنسية قوية لا تقل عن رغبة البطل الذكر الأساسي للرواية أقا بالا خان. وهناك رواية أخرى مشهورة لمستعان تدعى «ربيعي» بطلتها امرأة، لكنها تدور في زمن العصور الوسطى.
وهناك رواية جواد فضل، «ياغنه»، وهي تنتمي إلى نمط مختلف من الأعمال الأدبية، فهي رواية رومانسية تدور حول قصة حب بلا أمل. وحتى في هذه الرواية يبقى الدور القيادي للبطلة «ياغنه». أيضاً، تتمثل الشخصية المحورية في الرواية الثانية لفضل، «شعلة»، في امرأة، لكن العمل برمته يبدو أكثر طموحاً من الناحية الأدبية.
أما العمل الأدبي الأبرز في تلك الفترة فكانت رواية «ياكوليا» للكاتب تاغي مودريسي، وتتميز بأنها تدور في حقبة توراتية.
أما أفضل الروايات مبيعاً في ذلك الوقت فكانت رواية محمد علي أفغاني، «زوج أبو خانوم» التي أثارت جدلاً واسع النطاق في البلاد حول وضع المرأة، وجرى تحويلها إلى فيلم ومسلسل تلفزيوني.
من جهته، يقول خامنئي إنه عشق جميع هذه الكتب، لكن المفارقة أن جميع الروايات التي التهمها بشغف في شبابه على قائمة الكتب الممنوعة «التي تفسد الأخلاق العامة وتنتهك القيم الدينية» التي أصدرها الرئيس محمد خاتمي عام 1999. وبالتالي، فإن الإيرانيين اليوم الذين في مثل عمر خامنئي عندما قرأ تلك الروايات، لن يتمكنوا من قراءة الكتب التي عشقها.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون
TT

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون

في اليوم العالمي للتسامح الذي صادف أمس، ينبغي لنا، نحن العرب تحديداً، أن نتساءل: ما بال العالم كله ينعم بالسلام ويتقلب في رغد العيش، ونحن نخرج من حرب لنلبس لأمة الحرب من جديد؟ وإن كانت أوكرانيا قد خرقت القاعدة، إلا أن الأعم الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية، تختلف عما نراه في أفلام السينما. بمناسبة اليوم، سنمر بمحطات تاريخية ذات علائق بالموضوع، ولعل أول رمز للتسامح في تاريخ الفكر هو سقراط، كما تجلّى في محاورات تلميذه أفلاطون، وتجلّت معه روح التسامح في أسلوبه الحواري كجزء من بحثه عن الحقيقة.

في المحاورات، كان متسامحاً للغاية مع محاوريه، ويدعوهم للسعي وراء الحقيقة أينما انطلق بهم هذا السعي. ولطالما شجّع خصومه على تفنيد كل ما يقول، وأن هذه هي الطريقة المُثلى للكشف عن وجه الحقيقة. وفي إحدى المحاورات يصف نفسه بأنه يبتهج بدحض الآخرين لأقواله أكثر من ابتهاجه بدحضه أقوال الآخرين، لأن النجاة من الشر خير من إنقاذ الآخرين.

السعي وراء الحقيقة، بالنسبة إلى سقراط، مرتبط بالعقل المنفتح، وهذا الشكل من التسامح الحواري يفترض بالطبع أن يؤدي إلى رؤية موحدة للحقيقة. لا بد أن تشعر في بعض الأحيان بأن تسامح سقراط مبالغ فيه للغاية، لكن ربما هذا هو أساس فكرة «المحاورات»، أن تخلق الإنسان الكامل المرجعي في كل شيء، مع أننا نعلم أنه في النهاية إنسان، ولا بد أن يكون غضب ذات مرة، بل مرات.

محطة التسامح الثانية يمكن أن نراها واضحة وأكثر تطوراً في رواقية إبكتيتوس وماركوس أوريليوس وسينيكا، فالفكرة الرواقية هي وجوب التركيز على تلك الأشياء التي يمكننا التحكم فيها، مثل آرائنا وسلوكياتنا، مع تجاهل تلك الأشياء التي لا يمكننا التحكم فيها، وخاصة آراء وسلوكيات الآخرين. ترتبط الفكرة بالاستسلام واللامبالاة، كما هو واضح في حالة إبكتيتوس، الذي قد يفسر وضعه الاجتماعي نصائحه بالتحرر الذهني، لا الجسدي، فقد نشأ مستعبداً عند الرومان.

بطبيعة الحال، صبر المستعبد ليس مثل تسامح المتسامح الذي يملك القدرة على الرفض، قدرة لا يمتلكها المستعبد، فالتسامح فضيلة القوي، كما يقول الإمبراطور ماركوس أوريليوس. وقد يرتبط الأمر بفضائل أخرى مثل الرحمة والإحسان، غير أن نظرة الرواقيين إلى التسامح لا تصل إلى درجة احترام الاستقلالية وحرية الضمير، كما الحال في الليبرالية الحديثة، إذ لم تكن الحياة السياسية الرومانية متسامحة مثل الحياة السياسية الحديثة، وعلى الرغم من أن «تأملات» ماركوس تحتوي على نصوص كثيرة تستحضر روح التسامح، فإن ماركوس نفسه كان مسؤولاً بشكل شخصي عن سحق واضطهاد المسيحيين في زمنه.

ولم يصبح التسامح موضوعاً جدياً للاهتمام الفلسفي والسياسي في أوروبا حتى القرنين السادس عشر والسابع عشر، بل قبل ذلك خلال عصر النهضة والإصلاح في القرنين الخامس عشر والسادس عشر رفع الإنسانيون من مثل إيراسموس ودي لاس كاساس ومونتين شعار استقلالية العقل البشري ضد دوغمائية الكنيسة التي كانت توقد نيران محاكم التفتيش وتلقي بالناس فيها وتقتل المخالف.

في أعقاب الانقسامات التي خلّفها مشروع الإصلاح اللوثري والإصلاح «الكاثوليكي» المضاد، دُمرت أوروبا بسبب الحرب التي أثيرت باسم الدين، حروب بلغت ذروتها في حرب الثلاثين عاماً (1618 - 1648). بسبب هذه الحرب الشنيعة، وكل الحروب كذلك، أدرك العلماء والحكماء حجم القوة التدميرية الكامنة في التعصب، فنهضوا لاجتثاث ذلك التدمير من خلال استعادة نصوص التسامح وإعادة النظر في العلاقة بين المعتقد الديني والسلطة السياسية.

لافونتين

وكان هناك تأثير ثقافي للتيار الذي قام من أجل تعريف معنى السيادة وتطهير الدين في بريطانيا مما علق به خلال الحروب الأهلية البريطانية (1640 - 1660)، ويضاف إلى كل ذلك تكاثر المعلومات عن الاختلافات الثقافية مع بداية عهد الرحلات واكتشاف العالم، وكان لاكتشاف الصين تحديداً أعظم الأثر، فقد صُدم المسيحيون صدمة فكرية عنيفة عندما وجدوا شعباً أخلاقياً لا يؤمن بدين، بمعنى أنهم وصلوا إلى أن الدين ليس مصدر الأخلاق. ورفع الإنسانيون في حركة الإصلاح شعاراً يقول: هل لديكم معرفة منقولة عن الله معصومة من الخطأ تبرر قتل من يُتهم بالزندقة؟ ولم يلبث هذا القلق بشأن قابلية الإنسان للخطأ أن فتح الطريق إلى ما يعرف باسم «التسامح المعرفي»، ومع اقتران الاعتراف بقابلية الإنسان للخطأ وانتقاد السلطة الكنسية، نشأت أشكال جديدة وأكثر عمقاً، من التسامح السياسي. وأخذ التسامح في القرن السابع عشر صورة الممارسة العملية في أجزاء معينة من أوروبا.

ربما حدث هذا نتيجة زيادة التجارة والحراك الاجتماعي. وصاغ سبينوزا حجة للتسامح ترتكز على 3 دعاوى، أولاً، تقييد حرية الفكر مستحيل. ثانياً، السماح بحرية الفكر لا يمس بسلطة الدولة. وثالثاً، يرى سبينوزا أن السلطة السياسية يجب أن تركز على التحكم في الأفعال، وليس على تقييد الفكر. هذا التركيز على الفرق بين الفكر والفعل أصبح قضية جوهرية في مناقشات المفكرين اللاحقة حول التسامح، خصوصاً عند لوك، وميل، وكانط. ويمكن العثور على صورة مختلفة إلى حد ما عن رؤى سبينوزا الأساسية في رسالة لوك الشهيرة حول التسامح (1689)، وهي مقالة كتبها أثناء منفاه في هولندا. وتركز حجة لوك بشكل خاص على الصراع بين السلطة السياسية والمعتقدات الدينية. لقد عبّر عن وجهة نظر مبنية على دعواه بأنه من المستحيل على الدولة فرض المعتقد الديني بالإكراه. وقال إن الدولة يجب ألا تتدخل في المعتقدات الدينية التي يختارها الأفراد، إلا عندما تؤدي هذه المعتقدات الدينية إلى سلوكيات أو مواقف تتعارض مع أمن الدولة. رسالة جون لوك اليوم لا تزال هي المانيفستو الأساس لكل مطالب التسامح، رغم أنها لم تكن كاملة في البداية.