التسوية السياسية تهتز مجدداً على وقع الخلافات المتشعبة

TT

التسوية السياسية تهتز مجدداً على وقع الخلافات المتشعبة

هزّة جديدة تتعرض لها «التسوية السياسية» التي أوصلت الرئيس ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، على وقع تفاقم الخلافات بين «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر» التي تتشعّب من السياسة إلى القضاء والتعيينات وتعدّتها إلى الصراع على الصلاحيات؛ ما يطرح مرة جديدة السؤال حول مصير هذه التسوية ومن خلفها مصير الحكومة.
ووصل السجال والمواقف التصعيدية بين الطرفين إلى مرحلة غير مسبوقة في قضايا عدة، من الحكم بتبرئة المقدم سوزان الحاج في قضية فبركة ملف «العمالة لإسرائيل» بحق الممثل زياد عيتاني والاتهامات بتسييس هذا الملف، إلى كلام وزير الخارجية رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل حول صعود «السنية السياسية» على جثة «المارونية السياسية» والحديث عن معركة يخوضها باسيل للإطاحة بمدير عام الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، ليضاف إليها أول من أمس كلام أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله الذي انتقد موقف لبنان في القمتين العربية والإسلامية في مكّة الذي اعتبره خروجاً عن «النأي بالنفس».
ومع تأكيد الفرقاء المعنيين حرصهم على التسوية السياسية، يشدّد «تيار المستقبل» على لسان النائب محمد الحجار أن ما يحصل اليوم هو خروج عن قواعد التسوية وقواعد الاستقرار و«لن يمر مرور الكرام»، فيما يجزم النائب في «التيار» آلان عون أنه ليس من نيّة لديهم للعودة عن التسوية وهناك دائماً وسائل للحوار والمعالجة. كذلك ترى مصادر سياسية مطّلعة أن لا خطر على التسوية التي سبق لها أن مرّت بهزّات عدة ولا تزال مستمرة منطلقة في ذلك من أن الخلافات التي تحصل الآن هي حول قضايا آنية وليست استراتيجية، مع تأكيدها أن الرئيس الحريري عبّر في قمة مكة عن موقف لبنان وأتى منسجما مع البيان الوزاري.
وأمام كل ما يحصل كان موقف لافت لرئيس «الحزب الاشتراكي» النائب السابق وليد جنبلاط، معتبراً في تغريدة على «تويتر» عاد وحذفها، أن «تفاهمات ما قبل انتخاب عون أوصلت إلى تحنيط اتفاق الطائف... والعهد الواعد يتخبط نتيجة الغرور للشهوة الرئاسية وصمت الآخرين»، وذلك بعدما سجّل كلام لوزير الداخلية السابق نهاد المشنوق من دار الفتوى داعياً إلى وقف التمادي بحق رئاسة الحكومة وإلى إعادة النظر بالتحالف وأسسه من الطرفين.
ويقول الحجار لـ«الشرق الأوسط»: إجراء التسوية أدى إلى انتخابات رئاسية وتشكيل حكومة واستقرار في البلاد لكن يبدو اليوم وأمام كل ما يحصل أن هناك خروجا عن قواعدها وقواعد الاستقرار من قبل «التيار» ونحن لن نسكت عن أي أمر يتناولنا ويتناول قياداتنا، مضيفا: «لأن التضحيات لا تعني التنازل عن موقعنا ودورنا خاصة في ظل حملات متتالية من الواضح أنها تستهدف مواقع وشخصيات محسوبة على (المستقبل)». ورغم ذلك يضيف الحجار: «لا نزال نؤكد على أن التسوية هي جزء من معادلة الاستقرار لكن إذا أراد التيار إبطالها فعندها أمور كثيرة ستتغيّر».
في المقابل، يعتبر النائب عون أن ما يجري اليوم من ردود فعل على تسريبات إعلامية مبالغ فيه ويعرّض العلاقة بين الفريقين لهزّات وتصدّعات هي بغنى عنها، مع تأكيده على أنه لا نيّة لتياره في العودة عن التسوية السياسية. ويقول لـ«الشرق الأوسط» من المفترض أن يكون تركيزنا في هذه المرحلة لمواجهة التحدّيات الاقتصادية ونحتاج لتحقيق ذلك أفضل انسجام بين مكوّنات الحكومة وعلى رأسها بين فريقي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وبالتالي لا يجب أن يعرض أي إشكال أو تباين ذات طابع أمني أو قضائي كامل العلاقة أو التسوية للخطر وهناك دائماً وسائل للحوار والمعالجة بيننا».
أما عن موقف نصر الله فيرى عون أنه متوّقع، موضحا: «هذا التناقض اللبناني حول تقدير مفهوم النأي بالنفس وحول ما يحصل في المنطقة يستدعي مزيداً من الاتزان والدقّة في المواقف الرسمية لكيلا ينعكس التصعيد والتوتر الإقليميان ضرباً للاستقرار السياسي اللبناني وللتسوية القائمة بين اللبنانيين والتي يشكّل حزب الله وتيار المستقبل ركيزتين أساسيتين لها».
وبين هذا الموقف وذاك، تؤكد مصادر سياسية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أنه لا خطر على التسوية التي لا تزال محكومة بتوافق على أسس أهم من كلام من هنا وتعليق من هناك وعلى تجاوز النقاط الخلافية، ولعل أبرزها «حزب الله» وسوريا، مقلّلة من أهمية موقف نصر الله. وتضيف: «الأهم أن الاتفاق مبني على القضايا الاستراتيجية الكبيرة على غرار ترسيم الحدود، ومبدأ النأي بالنفس الذي عبّر عنه الرئيس الحريري بشكل واضح في قمة مكة ولا خلاف عليه، وذلك انطلاقاً من أن لبنان دولة عربية ملتزمة بميثاق الجامعة العربية وتدين الاعتداء على أي دولة عربية من أي جهة كانت، والنأي بالنفس متعلق بالخلاف بين دولة عربية وأخرى، وبالتالي لا يمكن أن ينأى لبنان بنفسه عندما يتعلق الأمر بدولة غير عربية على غرار ما يحصل مع إيران الجهة المتّهمة».



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.