اتصالات عسكرية بين موسكو وأنقرة لوقف النار في إدلب

مخاوف من انهيار مسار آستانة

TT

اتصالات عسكرية بين موسكو وأنقرة لوقف النار في إدلب

بحث رئيس الأركان التركي يشار جولار مع نظيره الروسي فاليري جيراسيموف، في اتصال هاتفي، إجراءات وقف إطلاق النار في محافظة إدلب السورية.
وجاء الاتصال الهاتفي بين رئيسي الأركان عقب اتصال هاتفي أجراه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ليل الخميس - الجمعة، لبحث التطورات في إدلب، حيث تم التأكيد على ضرورة وقف إطلاق النار، وتحقيق الاستقرار في المحافظة السورية في أسرع وقت ممكن، تجنباً لكارثة إنسانية جديدة.
كان وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، قد أكد استمرار الاتصالات والمفاوضات مع الجانب الروسي حول إدلب، قائلاً: «نحن نكافح من أجل الاستقرار في إدلب، ووقف إطلاق النار... اتصالاتنا ومفاوضاتنا مع الروس تتواصل». وفي السياق ذاته، بدأ الجيش التركي زيادة التحصينات حول نقاط المراقبة التابعة له في محافظة إدلب السورية.
ووصلت 4 شاحنات محملة بالكتل الخرسانية إلى منطقة ريحانلي، بولاية هطاي، لتدخل الأراضي السورية من معبر «جليفا جوزو» التركي المقابل لمعبر «باب الهوى» السوري. ويبلغ ارتفاع الكتلة الخرسانية الواحدة 4 أمتار، وتتميز بمقاومتها الشديدة للصدمات.
كانت قوات النظام السوري قد هاجمت إحدى نقاط المراقبة التركية في شمال حماة أول من أمس.
وأقامت تركيا 12 نقطة مراقبة في إدلب، بموجب اتفاق بين الدول الضامنة لمسار آستانة (تركيا وروسيا وإيران) على إنشاء منطقة خفض تصعيد في إدلب عام 2017، تم بموجبه إدراج إدلب ومحيطها ضمن «منطقة خفض التصعيد»، إلى جانب أجزاء محددة من محافظات حلب وحماة واللاذقية.
وفي 17 سبتمبر (أيلول) 2018، أبرمت تركيا وروسيا اتفاق «سوتشي»، من أجل تثبيت وقف إطلاق النار في إدلب، وسحبت بموجبه المعارضة أسلحتها الثقيلة من المنطقة التي شملها الاتفاق في 10 أكتوبر (تشرين الأول) ذاته، إلا أن موسكو حملتها مراراً المسؤولية عن عدم سحب المجموعات الإرهابية من المنطقة العازلة منزوعة السلاح بين النظام والمعارضة، وفتح الطرق حول إدلب.
ودفع الجيش التركي، أول من أمس، بتعزيزات عسكرية مكونة من قوات وحدات خاصة «كوماندوز» إلى الحدود مع سوريا. ونقلت 50 مدرعة عسكرية قوات الكوماندوز من مختلف المناطق التركية إلى ولاية هطاي الحدودية في جنوب البلاد، لتوزيعها على الوحدات المتمركزة بالحدود مع سوريا.
وعبرت مصادر تركية عن قلقها بشأن التطورات الراهنة في إدلب التي تشهد تصعيداً من جانب النظام، بدعم من روسيا، وكذلك من العلاقات مع موسكو التي تبدو محفوفة بالمخاطر، ورأت أن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في إدلب بات أمراً صعب المنال.
ورأى مراقبون أن محاولات أنقرة لإقناع روسيا بحمل النظام على وقف هجماته المدعومة منها لن تسفر عن شيء، موضحين: «هي محاولات لا جدوى منها».
ومن جانبه، أكد رئيس المكتب السياسي للواء المعتصم مصطفى سيجري أن المفاوضات مع الروس في إطار «آستانة» وصلت إلى طريق مسدود، مرجحاً انهيار المسار، وعودة تركيا لدعم الفصائل، بالتنسيق مع الولايات المتحدة.
وقال سيجري، في تغريدة على «تويتر»، أمس (السبت): «‏التزمت الفصائل العسكرية طيلة الفترة السابقة، ووفق المصلحة السورية، بما تعهد به الرئيس رجب طيب إردوغان بصفته ضامناً».
وأضاف: «مع استمرار الممارسات الإجرامية والوحشية من قِبل الروس، ووصول المفاوضات إلى طريق مسدود، لا نستبعد انسحاب الحلفاء من مسار آستانة، والعمل مع الأميركيين على استئناف الدعم العسكري».
بالتوازي، أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو تواصل جهود إقامة منطقة آمنة شمال سوريا للحد من خطر الهجمات الإرهابية على تركيا.
وأكد بومبيو، في تصريحات في برلين أول من أمس، أن الولايات المتحدة ستواصل دعم جهود الأمم المتحدة الرامية للحل السياسي في سوريا، وأكد تأييد بلاده لجهود الحد من العنف في هذا البلد، وقال: «لقد شاهدتم العمل الذي قمنا به مع الأتراك في منبج، غرب نهر الفرات، وإضافة للدوريات التركية - الأميركية في منبج، نسعى لتأسيس نظام بوسعكم تسميته (منطقة عازلة) أو أي شيء آخر».
وتابع: «جهود إقامة منطقة آمنة شمال سوريا للحد من خطر الهجمات الإرهابية على تركيا لا تزال متواصلة». وأوضح أن المنطقة الآمنة المزمعة ترمي، أيضاً، للحيلولة دون التوترات بين تركيا والمجموعات المدعومة أميركياً في المنطقة، في إشارة إلى «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تعتبرها تركيا تنظيماً إرهابياً.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.