رحيل أبو العز الحريرى.. أحد أبرز أصوات المعارضة المصرية

انتقد سياسات السادات ومبارك ووصف حكم الإخوان بأنه «اغتصاب دولة»

مصريون لدى تشييعهم جثمان أبو العز الحريري (الإطار) في الإسكندرية أمس (أ ف ب)
مصريون لدى تشييعهم جثمان أبو العز الحريري (الإطار) في الإسكندرية أمس (أ ف ب)
TT

رحيل أبو العز الحريرى.. أحد أبرز أصوات المعارضة المصرية

مصريون لدى تشييعهم جثمان أبو العز الحريري (الإطار) في الإسكندرية أمس (أ ف ب)
مصريون لدى تشييعهم جثمان أبو العز الحريري (الإطار) في الإسكندرية أمس (أ ف ب)

غيب الموت مساء أول من أمس (الأربعاء)، أبو العز الحريري، القيادي بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، البرلماني السابق، مرشح الرئاسة الأسبق، وأحد أبرز أصوات المعارضة المصرية، وأحد رموز ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، وذلك بعد صراع مع المرض، عن عمر يناهز 68 عاما، بمستشفى مصطفى كامل للقوات المسلحة بالإسكندرية.
ووسط حشد شعبي ورسمي شارك فيه مسؤولون حكوميون ورؤساء أحزاب من رموز المعارضة المصرية وشباب الثورة ونشطاء سياسيون، شيعت جنازة المناضل اليساري، عصر أمس (الخميس) بعد الصلاة عليه بمسجد أولاد الشيخ بحي محرم بك بالإسكندرية، ودفن جثمان الفقيد بمقابر الأسرة بمنطقة برج العرب.
وسوف يقام له سرادق عزاء اليوم بمسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، وسيقام سرادق عزاء آخر غدا (السبت) بمسقط رأسه بقرية الدواخلية بمدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، وفي القاهرة سوف يتلقى أهله ومحبوه العزاء فيه مساء يوم الاثنين المقبل في مسجد عمر مكرم المجاور لميدان التحرير.
ولد الحريري بمدينة المحلة الكبرى في الثاني من يونيو (حزيران) عام 1946، وغادرها في شبابه إلى الإسكندرية، حيث عمل بأحد المصانع، وعاش حياة حافلة بالنضال والعطاء والسجن والاعتقالات والطرد من العمل، وانحاز دائما لقضايا الفقراء والعمال، وكان يوصف دائما بـ«المناضل اليساري المشاكس» الذي لا تلين له قناة، خاصة في مواجهة الظلم والفساد.
في أثناء ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، كان الحريري أحد أبرز الوجوه التي اعتلت منصة الثورة بميدان التحرير بالقاهرة، محفزا الشباب على الصمود والتحدي حتى نجحت الثورة وتم إسقاط النظام.
عرف الحريري حياة السجون والمعتقلات فاعتقل نحو 9 مرات، إبان حكم الرئيس الأسبق أنور السادات بسبب مواقفه السياسية، وكان من أشد المعارضين لاتفاقية «كامب ديفيد» مع إسرائيل، حيث اعتبرها «خيانة للوطن»، وقاد الكثير من المظاهرات ضدها.
وفي حياته البرلمانية، واصل نضاله بقوة متسلحا بحصانته كنائب في البرلمان، وكان من أصغر الأعضاء في برلمان 1976 ممثلا لدائرة كرموز بالإسكندرية.
واعتقله السادات في 5 سبتمبر (أيلول) عام 1981 مع 1531 من الشخصيات الوطنية من جميع القوى السياسية، لكنه عاد إلى البرلمان مرة أخرى عام 2000 مع الإشراف القضائي على الانتخابات كممثل لدائرة كرموز.
وتحت قبة البرلمان مارس بقوة جميع حقوقه الدستورية.. في انتقاد السلطة التنفيذية، وتسلح بحقه في استخدام الأدوات البرلمانية من أسئلة وطلبات إحاطة واستجوابات، كاشفا فساد النظام والحزب الوطني. كما خاض الكثير من المعارك مع كبار الشخصيات والمسؤولين، سواء في الحكومة أو الحزب الوطني، من أبرزها اشتباكه مع أحمد عز، رجل مبارك القوي، خاصة في بداية صعوده وسيطرته على الحزب الوطني من خلال صداقته لجمال مبارك الابن، فقدم الكثير من الاستجوابات ضد أحمد عز، كاشفا عن استيلائه على شركة حديد الدخيلة بالتواطؤ مع الحكومة ليصبح المحتكر الأول للحديد في البلاد، وليتحكم في أسعارها، وكل السلع المتعلقة به.
لم يكتف بنقده «الحزب الوطني» ورجاله المحتكرين، وإنما انتقد سياسات حزب التجمع اليساري الذي ينتمي إليه، رافضا أي تنازل عن سياسة الحزب الداعية إلى التغيير، وانتقد صفقات الحزب مع الحزب الوطني والحكومة.
وبعد ثورة 25 يناير وتولي المجلس العسكري إدارة المرحلة الانتقالية هاجم الحريري المجلس العسكري واتهمه بأنه يقود «ثورة مضادة ضد الثورة».
وفي 2012 خاض الحريري سباق انتخابات رئاسة الدولة في أول انتخابات رئاسية عقب ثورة «25 يناير»، وطعن على ترشح خيرت الشاطر، نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين في نفس الانتخابات، رغم رفض حزبه للطعن.
وعارض الراحل الرئيس الأسبق محمد مرسي منذ بداية حكمة، وقال إن «جماعة الإخوان المسلمين، تتعامل مع الشعب المصري بمنطق البقاء للأقوى، وإنها مسؤولة عن حالة العنف التي تشهدها البلاد»، وصف فترة حكم الرئيس مرسي قائلا: «نحن أمام حالة اغتصاب دولة».
وبعد عزل مرسي في يوليو (تموز) من العام الماضي، أقام الحريري دعوى قضائية طالب فيها بحل حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وتصفية أمواله، ورفض خوض الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ونصح الرئيس عبد الفتاح السيسي بعدم خوض سباق الرئاسة.
وتدهورت حالته الصحية مؤخرا ودخل في غيبوبة أكثر من مرة بالمستشفى، واتصل به الرئيس السيسي للاطمئنان على صحته، لكن والدته استقبلت الاتصال، وأبلغت مدير مكتب الرئيس السيسي بعدم استطاعه الحريري الرد على الهاتف لتأزم حالته الصحية، معربة عن شكرها وامتنانها للرئيس. وتكفلت القوات المسلحة المصرية بعلاج الراحل على نفقتها، بمستشفى القوات المسلحة بالإسكندرية.
ونعت معظم الأحزاب والتيارات السياسية في مصر وفاة أبو العز الحريري، وقال عمرو موسى، الأمين العام السابق للجامعة الدول العربية، عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: إن «مصر فقدت مناضلا وطنيا مخلصا أفنى حياته للدفاع عن حقوق العمال واستقلال الوطن».. كما قدم موسى العزاء إلى أسره الحريري وإلى الشعب المصري.
وقال الدكتور محمد أبو الغار، رئيس الحزب المصري الديمقراطي: «أبو العز الحريري كان شخصا نقيا طاهر الفكر والعقل صادق الموقف وصاحب كلمة لا يخشى فيها لومه لائم، وله مواقف تاريخية لا ينساها أحد».
وبحزن بالغ نعى الشيخ مظهر شاهين، إمام وخطيب مسجد عمر مكرم، رحيل أبو العز الحرير. وكتب شاهين، في تدوينه له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» قائلا: «في آخر حوار كان بيننا فوجئت به يهاتفني ليلا ﻷدله على الطرق والإجراءات المطلوبة لبناء معهد أزهري في إحدى المناطق الفقيرة.. إنه أبو العز الحريري، المناضل الوطني الجسور.. رحمه الله رحمة واسعة».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».