«حليم»... جعله العرب جزءاً لا يتجزأ من مطبخ حيدر آباد

«حليم» هو اسم طبق شهي يتكون من مزيج من القمح واللحم المفروم ويعود أصله إلى غرب آسيا، ويُعد طبقاً مميزاً في الهند في شهر رمضان المبارك، ويعتبر علامة مميزة لمدينة حيدر آباد.
يعود الفضل في تقديم هذا الطبق للهند للمغتربين العرب خلال فترة حكم يعرف بنظام محبوب علي خان السادس ليصبح الطبق فيما بعد جزءاً لا يتجزأ من مطبخ حيدر آباد، خلال الفترة اللاحقة التي حكم فيها مير عثمان خان السابع. بعد ذلك قام السلطان سيف نواز جونغ باهادور الذي تعود جذوره إلى المكلا بمدينة حضرموت اليمنية بنشر الطبق في حضرموت. يجري تحضير الطبق العربي بإضافة التوابل الهندية والفواكه الجافة والسمن بأسلوب طهي فريد، مما أكسبه طعماً فريداً مختلفاً عن غيره من أنواع «حليم». الجدير بالذكر أن الوصفة الأولى من طبق حليم كانت تسمى «هريس» في القرن العاشر.
يمكن ملاحظة مدى شعبية الطبق في رمضان من خلال اللافتات التي تُعلّق في الشوارع لتعد الأيام تنازلياً قبل بداية الشهر الكريم بستين يوماً. في غالبية اللافتات تكون الصورة عبارة عن طبق «حليم» للإشارة إلى الوجبة المفضلة لغالبية الناس في هذا الشهر الكريم.
تقوم الفنادق بمختلف درجاتها وكذلك المطاعم الصغيرة بتقديم طبق «حليم» نظراً لطبيعته المنشطة وقيمته الغذائية العالية وملمسه الذي يشبه العصيدة. ومع اقتراب موعد الإفطار، يشرع عشرات العمال في تعبئة وتقديم «الحليم» الساخن مع مرق اللحم، والبصل المحلى، والكزبرة، وشرائح الليمون.
يُقدّم طبق «حليم» بأشكال مختلفة منها لحم الضأن والدجاج والسمك، والخضراوات، ويضيف كل فندق ذوقه الفريد للطبق حيث يقدم البعض «حليم» مع الضأن بأسلوبه الخاص بوضعه مثلاً مع قطع الدجاج المقلية ولسان الماعز والبيض.
سعر الطبق يتفاوت من نوع لآخر ومن مكان لآخر ليناسب جميع الدخول، حيث تبيع المطاعم الصغيرة على جانب الطريق علبه «حليم» (250 - 300 غرام لحم أو دجاج بسعر يقارب 60 روبية، فيما تبلغ كلفة طبق من لحم الضأن في مطعم شعبي نحو 200 – 300 روبية.
اكتسب الطبق شعبية كبيرة خلال العقدين الأخيرين بفضل جهود شركة «بيستا هاوس»، وهي علامة تجارية عالمية تزعم أنها أكبر صانع حليم في العالم. فقد حصلت «بيستا هاوس» على مؤشّر جغرافي G1» » عام 2010 مما يعني أحقيتها في الاحتفاظ حصرياً باسم «حليم حيدر آباد» وتسويقه بهذا الاسم في مدينتها.
اليوم تبيع محال «بيستا هاوس» الطبق بسعر 200 روبية في منافذ بيع حيدر آباد وبنجلور وتشيناي.
وبحسب محمد مجيد، المدير التنفيذي لشركة «بيستا هاوس»، فإن طبق «حليم بيستا هاوس» «ليس متاحاً فقط في حيدر آباد، بل في مختلف أنحاء الهند ويتم تصديره أيضاً إلى الولايات المتحدة وعدة دول في الخليج وبعض دول أوروبا».
وقال مجيد: «هذا العام قدمنا (حليم) القمح الكامل حيث نستخدم حبوب القمح مع بعض المكونات الأخرى ذات الجودة الطبيعية العالية، ونستخدم كميات أقل من البهارات. فهذه الطريقة هي ذاتها التي يتم تحضير طبق (حليم) بها في السعودية».
كان مجيد في الماضي يمتلك متجراً للمنسوجات، لكن إعجابه بطبق «حليم» صغير جعله يحول فندقه المتواضع في حيدر آباد إلى شركة ضخمة. وقد اعتبر مجيد مشروعه الجديد هدية من الله نظراً لتجربته السابقة التي راعي فيه ألا يقبل بحلول وسط فيما يخص الجودة. لكنه أدخل بعض التغييرات الرئيسية على طبق «حليم»، وذلك بزيادة كمية الضأن واستخدام السمن النقي عالي الجودة والتحكم في زيادة ونقصان التوابل، لكنه احتفظ بباقي المكونات التاريخية للطبق.
في عالم اليوم السريع والفوري، فإن صنع طبق «حليم» على نار هادئة لساعات هو أمر غير وارد، ومع ذلك، فإن الفضل للشعبية الهائلة للطبق هي العمل وعرق مئات العمال الذين تم تجنيدهم لإعداده.
ينقع القمح والعدس واللحوم طوال الليل حتى تصبح طرية ويضاف 14 نوعاً مختلفاً من التوابل. تُوضع قطع من اللحم لتسلق على نار هادئة لمدة تتراوح بين 14 و16 ساعة إذا كان لحم ضأن، وبين 8 و9 ساعات إذا كان دجاجاً. توضع فوقه أوراق النعناع والبصل والتوابل والكزبرة، ولذلك فإن «حليم» هو طبق السعرات الحرارية العالية، وكذلك الكربوهيدرات والبروتينات من مجموعة متنوعة من المكونات المستخدمة في سياق التحضير.
أضاف مجيد: «نبدأ في الصباح في نحو الساعة 3 صباحاً عند تسلم اللحوم وبعد سلقها لأكثر من ست ساعات في ماء متبل تجري إضافة المكونات الأخرى، بما في ذلك القمح ومجموعة مختارة من التوابل الخاصة بنا، ثم يجري طهيها ببطء في أفران مصنوعة من الطوب والطين الأحمر. يتم وضع مرجل ضخم داخل الفرن مع بقاء الفتحة بالخارج فقط. يتم ذلك للتأكد من أن الحرارة العالية الناتجة عن احتراق الحطب تصل إلى جميع جوانب الوعاء الذي يستوعب نحو 100 كغم من اللحوم وغيرها من المكونات. يحتوي مزيج التوابل على الملح والهيل والقرفة والفلفل الأسود وشاه جيرا وبراعم الورد وغيرها من المكونات».
يمكن لكل مرجل استيعاب 100 كغم من اللحوم وغيرها من المكونات. ويحتوي مزيج التوابل على الملح والهيل والقرفة والفلفل الأسود وشاه جيرا وبراعم الورد وغيرها من المكونات. ويرافق العملية جولات متكررة من هرس اللحم المصنوع من مغارف خشبية كبيرة تسمى «غوتا».
في هذا المكان ينهمك العمال في مهمة شاقة حيث يعمل اثنان أو ثلاثة من العمال جنباً إلى جنب في وقت واحد لخلط المكونات باستخدام «غوتا» لإعطاء الطبق في نهاية المطاف قوام العجين مع اللحم. لا يتطلب العمل قوة بدنية فقط، بل أيضاً القدرة على تحمل الحرارة المشتعلة الناتجة عن الأفران.
الجدير بالذكر أن المئات من منافذ بيع «حليم» قد ظهرت في المدينة.
سيجري العام الحالي إثراء محال «بيستا هاوس» بالأرز الأسود الشهير المعروف باسم «تشاخاو» الذي يزرع في ولاية مانيبور الهندية الشمالية الشرقية، وذلك بدلاً من الأرز البسمتي.
وقد أوضح بهانو براتاب سينج، المدير التنفيذي لمؤسسة «نورث إيست»، أنه من المعتقد أن «أرز تشاخاو الأسود كان غذاء الإمبراطور الصيني، وذلك لثرائه بالبروتين وخصائصه المقاومة للسرطان. فالصينيون القدماء هم من اكتشفوا فوائده الصحية، حيث لم يكن مسموحاً لغيرهم بتناول هذا الأرز، ولذلك يُعرف الأرز الأسود باسم «الأرز المحرم»، نظراً لأنه كان حكراً على العائلة المالكة الصينية.
الأرز الأسود غني للغاية بمضادات الأكسدة والألياف والحديد وفيتامين E، وله خصائص مضادة للسرطان، ولذلك سيستفيد المستهلكون المنتظمون من التعزيزات الصحية والقيمة الغذائية العالية لهذا النوع من الأرز.
في موسم رمضان 2018، جرى بيع «حيدر آباد حليم» بقيمة 8 مليارات دولار وجرى توظيف 30000 شخص إضافي في إعداد وبيع هذا الطبق الشهير.
يحصل الطهاة امن ذوي الخبرة على رواتب تصل إلى 150 ألف دولار أميركي (2500 دولار أميركي) بالإضافة إلى مزايا شهرية.
ليس فقط المسلمون هم الذين يتصلون بالخط المباشر لمنافذ بيع «الحليم» وقت الإفطار بل يمتد الطلب ليشمل الجميع تقريباً. فبحسب الطاهي إسماعيل خالد: «إنه شيء رائع في وجبة الإفطار لأنه طبق متوازن للغاية بسبب محتواه الغذائي من الكربوهيدرات والدهون والبروتين، كل ذلك في وعاء واحد. ناهيك بأنه غني بالنكهات المكتسبة من مجموعة متنوعة من التوابل الكاملة المستخدمة في إعداد الطبق وكذلك الزينة الطازجة التي تتكامل مع هذه الوجبة الشهية. الوصفة بسيطة لكنها تتطلب عناية واهتماماً كبيرين للحصول عليها بشكل صحيح. والنتيجة هي صحن دافئ ومريح يتم تقديمه في وعاء واحد ليشاركه الجميع».
وفي وصفها للطبق، تقول سودا راميا: «أنتظر بفارغ الصبر موسم رمضان لأتناول (حليم). فأنا لا أشبع منه أبداً، فهو طبق من السماء. ليس هناك ما هو أفضل منه»، فيما يقول روحي خالد: «حليم هو جوهر رمضان. صحيح أن الطبق سافر من الدول العربية إلى الهند ورغم ذلك احتفظ بطعمه وأصالته وحيويته التي تجعله أحد الأطباق المفضلة لدي».