البغدادي يتدخل في كل صغيرة وكبيرة لإدارة الرقة.. ويستعين بموظفي النظام ومهاجرين

فصل العمليات العسكرية عن المدنية.. وتونسي يحمل الدكتوراه يدير قطاع المواصلات

أبو بكر البغدادي
أبو بكر البغدادي
TT

البغدادي يتدخل في كل صغيرة وكبيرة لإدارة الرقة.. ويستعين بموظفي النظام ومهاجرين

أبو بكر البغدادي
أبو بكر البغدادي

يحكم تنظيم داعش قبضته على محافظة الرقة (شمال سوريا) عسكريا ومدنيا، بينما يتدخل زعيمه أبو بكر البغدادي في كل صغيرة وكبيرة لإدارتها. وأصبح التنظيم الذي يشتهر بجز الأعناق والصلب والإعدامات الجماعية يوفر الكهرباء والمياه ويدفع الرواتب وينظم حركة المرور في الشوارع ويدير كل شيء تقريبا من المخابز إلى البنوك والمدارس والمحاكم والمساجد. ويقول سكان يعيشون في المحافظة ومقاتلون في التنظيم ونشطاء معارضون إن «داعش» أقام هيكلا مشابها لحكومة حديثة في أقل من عام تحت قيادة زعيمه أبو بكر البغدادي.
وحسب تقرير لوكالة رويترز، فإن التنظيم تغلغل في نسيج الحياة اليومية في مناطق الرقة لدرجة سيكون معها من شبه المستحيل أن تتمكن الطائرات الأميركية والقوات العراقية والسورية والكردية اقتلاعها بالقوة وحدها.
وأصبحت الرقة العام الماضي أول مدينة تسقط في أيدي «داعش» بعد طرد جماعات مقاتلة أخرى من المدينة. وخلال عام استطاع التنظيم أن يمسك بكل الخيوط. وكان مصير النشطاء من منتقدي التنظيم القتل أو الاختفاء أو الهروب إلى تركيا. ومنع تناول المشروبات الكحولية. وأغلقت المتاجر عصرا، وأصبحت الشوارع خالية من المارة عند حلول الظلام. ولم يسمح بالاتصال بالعالم الخارجي، بما في ذلك المدن المجاورة، إلا عن طريق المركز الإعلامي لـ«داعش».
غير أنه بعد الحملة المشددة بدأ التنظيم يقيم الخدمات والمؤسسات، مؤكدا نيته البقاء. وقال أحد القادة في المحافظة: «نحن دولة. والأمور رائعة هنا لأننا نحكم بما أنزل الله». وبقي بعض المسلمين السنة الذين كانوا يعملون في حكومة الرئيس السوري بشار الأسد بعد أن بايعوا التنظيم.
وقال أحد المقيمين في الرقة ممن يعارضون «داعش»: «المدنيون الذين ليس لهم أي انتماءات سياسية تكيفوا مع وجود داعش؛ لأن الناس سئموا وملوا.. وللأمانة.. لأنهم يقومون بعمل قائم على المؤسسات في الرقة». وأضاف أنه منذ ذلك الحين «استعاد التنظيم كل المؤسسات المرتبطة بالخدمات وأعاد هيكلتها»، بما في ذلك مكتب حماية المستهلكين والقضاء المدني.
ويعتقد أن استخدام التنظيم للعنف في الرقة لم يكن عشوائيا بالكامل، إذ أبرم معاملات مع رجال أعمال موالين للأسد كلما اتفق ذلك مع مصالحه.
ويقول أحد المقاتلين إن موظفا كان يعمل في السابق بحكومة الأسد أصبح مسؤولا عن المطاحن وتوزيع الطحين (الدقيق) على مخابز الرقة. وبقي العاملون في سد الرقة الذي يزود المدينة بالكهرباء والمياه في مناصبهم.
ويكشف استعداد «داعش» لتوظيف العاملين السابقين في أجهزة حكومة الأسد عن «اتجاه عملي»، يقول بعض السكان والنشطاء إنه «أساسي لنجاح داعش في الاحتفاظ بالأراضي التي استولى عليها».
وساعد التنظيم أيضا مجيء خبراء من دول أخرى من بينها دول في شمال أفريقيا وأوروبا؛ فالرجل الذي اختاره البغدادي على سبيل المثال لإدارة قطاع الاتصالات في الرقة وتطويره تونسي يحمل الدكتوراه في هذا التخصص كان غادر تونس وانضم للتنظيم وأصبح يعمل مع «داعش».
كما يتولى حراس حماية علماء أجانب يقيمون في مكان خاص، من بينهم مسلمون من الصين، حسبما يقول مقاتلون. وقال جهادي عربي: «علماء ورجال يحملون شهادات ينضمون للدولة». وقرر البغدادي فصل العمليات العسكرية عن الإدارة المدنية، وعين بعض المقاتلين رجال شرطة، وعين بعضهم جنودا في الوحدات المقاتلة، كما عين نوابا مدنيين أطلق عليهم «الولاة» لإدارة المؤسسات وتطوير القطاعات. وتقسم المناطق الإدارية إلى ولايات تتفق في بعض الأحيان مع التقسيمات الحالية، لكنها يمكن أن تتجاوز الحدود بين سوريا والعراق مثلما هو الحال في ولاية الفرات التي تأسست في الآونة الأخيرة.
ويتلقى المقاتلون والموظفون رواتب من إدارة تسمى «بيت المال» تقوم بدور أشبه بدور وزارة المالية وبنك يهدف إلى الحد من الفقر.
ويحصل المقاتل على سكن ربما يكون في أحد البيوت التي تمت مصادرتها من السكان المحليين من غير السنة أو من الموظفين الحكوميين الذين هربوا من المنطقة، بالإضافة إلى ما يتراوح بين 400 دولار و600 دولار شهريا، وهو ما يكفي لسداد الاحتياجات الأساسية للحياة في شمال شرقي سوريا الفقير. كذلك فإن «داعش» يعمل على بقاء الأسعار منخفضة، ويعاقب التجار المتلاعبين بالأسعار وينذرهم ويغلق متاجرهم إذا كرروا المخالفة. كما فرض ضرائب إسلامية على كبار التجار والأسر الثرية.
ويقدر المحللون أن داعش يجمع أيضا عشرات الملايين من الدولارات من خلال بيع النفط من الحقول التي تسيطر عليها في سوريا والعراق لرجال أعمال أتراك وعراقيين وطلب فدى لإطلاق سراح من تحتجزهم رهائن. وعلى رأس «داعش» يقف زعيمه البغدادي، ويتفق سكان في المدينة ومقاتلون ونشطاء في الرأي على أن البغدادي منشغل بشدة الآن في إدارة الرقة، وله القول الفصل في كل القرارات التي يصدرها الولاة والمسؤولون.
ويقول بعض السكان إن البغدادي يقر أيضا عمليات قطع الرقاب وغيرها من الإعدامات وأحكام معاقبة المجرمين الذين تدينهم المحاكم الإسلامية. ويصفه مقاتلون بأنه «قائد رهيب يتمتع بخبرة كبيرة في ساحة المعركة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم