لبنان يرفض «مقايضة» العسكريين بسجناء إسلاميين.. ويريد «التفاوض» عبر «قنوات دولية»

دخل ملف العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى «جبهة النصرة» و«داعش»، أمس، في تعقيدات إضافية، مع رفض الحكومة اللبنانية مبدأ مقايضتهم بسجناء إسلاميين في سجن رومية، رغم الضغوط التي تمارسها عائلات المخطوفين لإطلاق سراح أبنائهم، لكنها لم ترفض التفاوض مع الخاطفين «عبر قنوات دولية».
وأكدت الحكومة اللبنانية، بالإجماع، بعد اجتماع عقدته أمس برئاسة الرئيس تمام سلام، أن العسكريين «لا يمكن أن تكون سلامتهم موضع مساومة أو مقايضة، لأن الدولة بمؤسساتها ستتصدى بحزم لكل ما يهدد حياتهم»، مشددا على وجوب «التنبه لضرورة عدم الانجرار لمحاولة تحوير مسار المعركة إلى بين المواطنين والدولة، في حين أن المساعي يجب أن تكون موحدة».
وأوضح وزير الإعلام رمزي جريج، الذي تلا مقررات مجلس الوزراء، أن الحكومة كلفت لجنة الأزمة برئاسة سلام والوزراء متابعة قضية العسكريين والوضع في عرسال ومحيطها «والطلب من القيادتين أخذ كل الإجراءات اللازمة لضبط الوضع وتحرير العسكريين، ومتابعة الاتصالات اللازمة مع الدول التي من الممكن أن يكون لها تأثير إيجابي في عملية إطلاق المخطوفين، وذلك وفق القوانين المرعية».
وشدد على أن «موضوع تحرير المخطوفين لا يمكن أن يكون موضع مقايضة، بل يمكن أن يكون موضع تفاوض، عبر قنوات دولية استُعملت وستُستعمل من أجل تحرير المخطوفين». ويُعد رفض الحكومة مقايضة العسكريين بالسجناء الإسلاميين في سجن رومية، العقبة المعلنة التي تحول من الأساس دون الإفراج عن العسكريين، في حين تصر «جبهة النصرة» على مبدأ التبادل، إذ أبلغت وسطاء أنها «لن تفرج عن عسكريين جدد إلا في إطار عملية تبادل».
وأوضحت قناة «إل بي سي» التلفزيونية المحلية، أن الوسطاء تبلغوا من القيادي بالنصرة «أبو مالك» أنه يطالب بـ15 موقوفا إسلاميا في مقابل كل عسكري مخطوف، مشيرة إلى أنه «لن يتقدم بلائحة أسماء قبل موافقة الحكومة اللبنانية على مبدأ التبادل».
وجاءت مقررات مجلس الوزراء تأكيدا لما أعلنه وزراء في الحكومة قبل دخولهم إلى الجلسة، من رفض لمبدأ «المقايضة»، في حين أعلن وزير العدل أشرف ريفي أن «هناك مصلحة وطنية عليا لحل قضية العسكريين، وأن أي قرار سيُتخذ يجب أن يكون بالإجماع، أكان مقايضة أم لا»، داعيا إلى الإسراع بالمحاكمات.
ووصل ملف العسكريين اللبنانيين المحتجزين لدى «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش»، إلى طريق مسدود، إذ يشترط التنظيمان الإفراج عن بعض السجناء الإسلاميين لدى السلطات اللبنانية، مقابل الإفراج عن العسكريين المختطفين الذي يحتجزون منذ 6 أغسطس (آب) الماضي، إثر انسحاب المقاتلين المتشددين من بلدة عرسال التي اشتبكوا فيها مع الجيش اللبناني، وأجبرهم على الخروج من البلدة إلى تلالها الحدودية مع سوريا. ولم تتخذ الحكومة اللبنانية «أي قرار بالإفراج عن أي من السجناء الإسلاميين»، بحسب ما أكدته مصادر وزارية مطلعة على ملف التفاوض لـ«الشرق الأوسط»، خلافا لما أشيع نهاية الأسبوع الماضي بأن الحكومة قررت الإفراج عن بعض السجناء لقاء مبادلتهم بالعسكريين المختطفين.
ووسط الجمود الذي طغى على الملف، يبحث المسؤولون اللبنانيون عن مخارج «قانونية» للأزمة، وهو ما عبر عنه عضو كتلة المستقبل النائب عمار حوري بدعوته الحكومة إلى «اعتماد أي أسلوب للإفراج عنهم، شرط أن يكون تحت سقف السيادة الوطنية والقوانين».
وتنحصر الحلول القانونية للإفراج عن السجناء، في إصدار عفو عام عن مجلس النواب، أو عفو خاص يتطلب توقيع جميع أعضاء الحكومة، في ظل غياب رئيس للجمهورية.
لكن المصادر الوزارية عينها، أكدت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن العفو الخاص «يصدر بحق المحكومين قضائيا»، موضحة أن «القسم الأكبر من الموقوفين الإسلاميين ليسوا محكومين بعد، وعليه، كان البحث بين المسؤولين الحكوميين والجهات القضائية المختصة في إمكانية تسريع إصدار الأحكام»، كون العفو الخاص يصدر بحق المحكومين حصرا.
وينقسم الموقوفون الإسلاميون في لبنان إلى شقين؛ الأول هم الموقوفون منذ أحداث المعارك مع الجيش اللبناني في نهر البارد (شمال لبنان) عام 2007، والموقوفون بعدها على خلفية المعركة نفسها، ومعظم هؤلاء لم تصدر أحكاما بحقهم منذ 7 سنوات. أما الشق الثاني فيتمثل بالموقوفين خلال العامين الماضيين، على خلفية معارك عبرا في صيدا 2013. والتفجيرات الإرهابية التي استهدفت مناطق في لبنان كما استهدفت مراكز الجيش اللبناني، وبينهم قياديون في تنظيم «كتائب عبد الله عزام» المرتبط بتنظيم القاعدة، وقياديين في جبهة النصرة و«داعش»، ومتورطين بنقل متفجرات وتفخيخ سيارات وتجهيز انتحاريين.
وأبدى القضاء اللبناني، أمس، استعداده للتسريع في بالمحاكمات. وقالت مصادر قضائية لـ«الشرق الأوسط» إن القضاء اللبناني «يمكن أن يساعد في الملف عبر الإجراءات القضائية ضمن الإطار القانوني فقط»، نافية أن يكون للقضاء «أي دور في التفاوض، الذي يُعد من مسؤوليات السلطة السياسية»، مشددة على أن القضاء «لا يمكن أن يبحث في أي تفصيل خارج الإطار القضائي والقانوني».
وأوضحت المصادر أن القضاء «يمكن أن يساعد عبر إجراءات قانونية يتخذها، مثل التسريع في المحاكمات، وإصدار الأحكام، بحيث إنه إذا كان هناك مرتكب، يجرم ويصدر في حقه الحكم القانوني، أما إذا كان بريئا، فيخلى سبيله»، كما يمكن للقضاء أن يساعد «في تسريع التحقيقات مع الموقوفين في التوقيفات الأخيرة»، مشددة على أن «الأشخاص الذين تثبت عليهم تهم الجرائم الإرهابية أو جرائم ترقى إلى مستوى الاعتداء على أمن الدولة، لا يمكن أن يُخلى سبيلهم قبل تنفيذ مدة المحكومية القانونية». وإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد القضاء في «الإشارة إلى أشخاص أنهوا فترات محكوميتهم ولا يزالون في السجن بسبب عجزهم عن تسديد غرامات مالية محكومون بدفعها».