لبنان: ديوان المحاسبة يبدأ ملاحقة المسؤولين عن التوظيفات العشوائية

TT

لبنان: ديوان المحاسبة يبدأ ملاحقة المسؤولين عن التوظيفات العشوائية

وضع ملفّ التوظيفات العشوائية في المؤسسات والإدارات العامة اللبنانية، على سكّة الملاحقات القضائية، بعد القرار الذي اتخذه المدعي العام لدى ديوان المحاسبة القاضي فوزي خميس، بملاحقة مدير عام هيئة «أوجيرو» للهاتف الثابت المهندس عماد كريدية، وعضوين في الهيئة، بناءً على «شبهات توفرت عن مخالفتهم أصول التوظيف المرعية الإجراء، ومخالفة قرار ديوان المحاسبة بالتوظيف خلافاً للقانون، وعدم إعطاء الديوان المعلومات اللازمة في هذا الخصوص».
وأوضح القاضي خميس، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «قرار الملاحقة لم يقتصر على المسؤولين في (أوجيرو)، بل شمل وزارات ومؤسسات أخرى، وظّفت أشخاصاً خارج الأطر المعتمدة في عملية التوظيف». وكشف أن «مدير عام (أوجيرو) لم يتجاوب مع الكتابين اللذين أرسلهما ديوان المحاسبة، وطلب فيهما تبرير أسباب التوظيف، فكان جوابه (كريدية) أنه لا يخضع للرقابة المسبقة، التي يجريها الديوان»، كاشفاً أن هذه الملاحقات «تشكّل الدفعة الأولى لمجموعة كبيرة من الملفات التي تستكمل النيابة العامة لديوان المحاسبة التحقيق فيها».
وأصدر المدعي العام لدى ديوان المحاسبة، أمس، 17 قراراً تناولت مسألة التوظيفات العشوائية في الإدارات والمؤسسات العامة، وبما يخالف القانون رقم 16 الصادر في 21 أغسطس (آب) 2017، الذي يحظر التوظيف بمختلف أشكاله إلا بموافقة مجلس الوزراء، وبعد تحقيق تجريه إدارة الأبحاث والتوجيه في مجلس الخدمة المدنية، ويثبت حاجة المؤسسة إلى موظفين». وأفاد بيان صادر عن النيابة العامة في ديوان المحاسبة، بأنه «جرى الادعاء في أربعة ملفات أحيلت على غرف التحقيق المختصة في الديوان، وتشمل: وزارة الثقافة، والمديرية العامة للحبوب والشمندر السكري، وهيئة (أوجيرو)، والمديرية العام لليانصيب الوطني».
وأشار البيان إلى «صدور 13 قراراً قضت بحفظ الأوراق لعدم مخالفة القانون فيها، وتشمل وزارات: الاتصالات، والعدل، والصناعة، والشباب والرياضة، بالإضافة إلى المؤسسة العامة للإسكان، ومؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية، والمديرية العامة للموارد المائية والكهربائية، ومصلحة السكك الحديد والنقل المشترك، والمديرية العامة للطيران المدني ــ مصلحة الملاحة الجوية، ومؤسسة المحفوظات الوطنية، ومصلحة استثمار مرفأ صيدا، ومصلحة استثمار مرفأ صور، ومعرض رشيد كرامي الدولي، وذلك لعدم ثبوت مخالفة قانونية فيها».
أما بشأن المعلومات المتداولة عن توجّه لدى النيابة العامة للادعاء على ثلاثة وزراء في الحكومة السابقة، أقدموا على توظيف أشخاص بخلاف القانون، نفى القاضي فوزي خميس، أي توجه لديه للادعاء على وزراء، وأوضح أن «لا صلاحية لديوان المحاسبة بملاحقة وزراء، لأن ملاحقة هؤلاء تبقى (منوطة) حصراً بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء». وقال: «إذا توصلنا إلى أدلة ثابتة عن دور لوزراء في هذه التوظيفات، أو أي مخالفات محتملة، جلّ ما يمكن أن نفعله، إرسال كتاب إلى المجلس النيابي نطلعه فيه على المعلومات، وهو من يقرر الملاحقة من عدمها»، مشيراً إلى أن «صلاحية ديوان المحاسبة في الملاحقة تصل إلى مستوى مدير عام فقط».
وكانت فضيحة التوظيفات العشوائية تكشّفت خلال الأشهر الماضية، حيث تبيّن أن معظم الأحزاب والقوى السياسية استغلّت نفوذها، وأقدمت على توظيف أكثر من خمسة آلاف شخص في الوزارات والإدارات الرسمية، قبل وخلال الانتخابات البرلمانية التي أجريت خلال شهر مايو (أيار) من العام الماضي، وكانت هذه التوظيفات بمثابة رشاوى انتخابية، وهو ما أدى إلى تفاقم الإنفاق، وإغراق الخزينة بعجز إضافي.
وثمّن رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية النائب جورج عدوان​، ما قامت به ​النيابة العامة​ لدى ​ديوان المحاسبة، عبر مسارعتها إلى الادعاء في أربعة ملفات تتعلق بالتوظيفات غير الشرعية. وقال في تصريح إن ​«محاربة الفساد​ والهدر تبدأ من محاسبة مخالفي القانون والتوظيف السياسي والانتخابي، وها قد بدأت هذه المحاسبة». وأضاف النائب عدوان، وهو عضو كتلة «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية): «عملنا وسنعمل كل ما في وسعنا لتستمر الإجراءات وتتوسع، لتشمل جميع القضايا التي أثرناها في هذا المجال حتى نهايتها، لتشكل الخطوة الأولى في طريق الألف ميل لمكافحة الفساد​».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.