محاولات من الرئاسة والحكومة لتجاوز «عقدة الشرعية» في الجزائر

فتح تحقيق قضائي بعد وفاة ناشط حقوقي خلال سجنه

جانب من مظاهرة الطلاب في الجزائر العاصمة الثلاثاء الماضي (رويترز)
جانب من مظاهرة الطلاب في الجزائر العاصمة الثلاثاء الماضي (رويترز)
TT

محاولات من الرئاسة والحكومة لتجاوز «عقدة الشرعية» في الجزائر

جانب من مظاهرة الطلاب في الجزائر العاصمة الثلاثاء الماضي (رويترز)
جانب من مظاهرة الطلاب في الجزائر العاصمة الثلاثاء الماضي (رويترز)

يحاول طاقم رئيس الوزراء الجزائري، نور الدين بدوي، فك الحصار المفروض عليه منذ بداية الانفجار الشعبي ضد النظام، عن طريق وضع أجندة أنشطة حكومية بالداخل والخارج. وامتنعت وسائل الإعلام الخاصة عن نقل أعمال وتصريحات الوزراء، تماشيا مع مطالب ملايين المتظاهرين بتنحية رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، وحلّ الحكومة التي عيّنها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، في 11 مارس (آذار) الماضي قبل ثلاثة أسابيع من استقالته.
وتسلم بن صالح رئاسة الدولة في 09 أبريل (نيسان) الماضي في إطار المادة 102 من الدستور، التي تنص على أن رئيس «مجلس الأمة» (الغرفة البرلمانية الثانية) يرأس البلاد لمدة 90 يوما، في حال استقالة الرئيس المنتخب. وتنتهي هذه المدة بتنظيم انتخابات رئاسية، وهي مقررة في 04 يوليو (تموز) المقبل، مرفوضة شعبيا ويتمسك بها الجيش كحل للأزمة.
ومنذ توليه الرئاسة، لم يعقد بن صالح مجلسا للوزراء مع أنه يملك هذه الصلاحية، ولم يلتق بأي عضو من الطاقم الحكومي. ولم يخرج إلى الميدان ولا مرّة واحدة، وبعض الأنشطة التي قام بها جرت داخل مبنى الرئاسة، ومنها تسلم أوراق اعتماد سفراء أجانب واستقبال بدوي. كما أنه أبعد عدة مسؤولين بأجهزة حكومية وفي القضاء ووسائل إعلام حكومية، وعيّن آخرين بدلا عنهم.
من جهته، نظّم وزير الخارجية، أول من أمس، إفطارا بـ«المركز الدولي للمحاضرات» بالعاصمة، للاحتفال بمرور 56 سنة على تأسيس «منظمة الوحدة الأفريقية» (تحولت إلى الاتحاد الأفريقي منذ 1999). وحضر الحفل سفراء أجانب والوزراء، وقاطعته وسائل الإعلام باستثناء وكالة الأنباء الحكومية. وردّد صابري بوقادوم في كلمة قرأها على المدعوين، ما سبقه إليه وزراء خارجية سابقين بخصوص «مبادئ الدبلوماسية الجزائرية»، وعلى رأسها «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى».
وحاول عدّة وزراء النزول إلى الميدان لمتابعة مشروعات معطّلة منذ بداية الحراك الشعبي، وكلّهم وجدوا أنفسهم وسط احتجاجات بالمناطق التي زاروها. وتعرّضوا لمواقف محرجة للغاية، وبعضهم نجا من الاعتداء. وكان آخرهم وزير الطاقة محمد عرقاب، الذي سافر إلى تندوف (800 كلم جنوب العاصمة)، على أمل أن يتمكن من مشاركة سكان بلدة صحراوي فرحتهم بوصل بيوتهم بالغاز الطبيعي، غير أنه وجد بالمطار متظاهرين رافعين لافتات ترفض زيارته، وتطلب منه «العودة إلى العاصمة لأن الشعب يرفضك، كما يرفض حكومتك ورئيس دولتك».
وقبل أسبوعين، واجهت وزيرة البريد هدى فرعون مظاهرة كبيرة بمدينة خنشلة (600 كلم شرق)، واضطرت لقطع زيارتها وعادت إلى مقر وزارتها. أما أكثر الوزراء نشاطا، فهو المكلف بقطاع الرياضة سليم برناوي الذي صوَره التلفزيون الحكومي يقوم «بزيارة مفاجئة» لمنشأة رياضية مهملة بالعاصمة، بمكان بعيد عن وسط المدينة. وواجه انتقادا حادا بعدما صرّح بأن الجزائر «تملك القدرة على تنظيم كأس العالم لكرة القدم»، مذكّرا بذلك تصريحا مشهورا للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة يعود إلى عام 2009، جاء فيه: «بإمكان الجزائر أن تنظم 3 دورات لكأس العالم».
على صعيد منفصل، أعلنت وزارة العدل الجزائريّة ليل أول من أمس أنّها أمرت بـ«إجراء تحقيق شامل» لتوضيح ظروف وفاة الناشط الحقوقي الجزائري كمال الدين فخار. وتوفي فخار الثلاثاء في مستشفى البليدة، بعد أن كان نُقل «في حالة غيبوبة» من جناح المساجين في مستشفى غرداية، وفق ما أفاد محاميه الذي ندّد بـ«تحامل القضاء ضدّه».
وقالت وزارة العدل، في بيان نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، إنّها أصدرت تعليمات إلى أجهزتها المعنيّة لإجراء «تحقيق شامل في ظروف» وفاة فخار. وبحسب المصدر، توفي فخار الثلاثاء بمستشفى البليدة (50 كلم جنوب الجزائر) حيث تمّ نقله في حالة غيبوبة من مستشفى غرداية (480 كلم جنوب الجزائر).
وسبق لفخار، وهو طبيب، أن دخل في إضراب عن الطعام لأكثر من مائة يوم أثناء عقوبة بالسجن لسنتين بين 2015 و2017 بتهم منها «المساس بأمن الدولة»، وهي التهمة نفسها التي سجن بسببها في 31 مارس (آذار).
ولم يتوقّف عن الإضراب إلا بعد إلحاح الأطباء واكتشاف إصابته بالتهاب الكبد الفيروسي، كما كان قد صرّح بنفسه. وشهدت غرداية مطلع عام 2015 مواجهات بين السكّان من أصول عربيّة والميزابيين الأمازيغ أسفرت عن مقتل 23 شخصاً وتوقيف أكثر من مائة، بينهم فخار الذي ألقي عليه القبض في 9 يوليو (تموز) من السنة نفسها.
وطالبت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بكشف «حقيقة وفاة» فخار الذي يوصَف بأنّه «سجين رأي». من جهتها، طلبت جبهة القوى الاشتراكيَّة، أقدم حزب معارض في الجزائر بـ«تسليط الضوء على ظروف هذه الوفاة».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.