ترجيح تشكيل تحالف بين الاشتراكيين والليبراليين والمحافظين لتقاسم النفوذ في النادي الأوروبي

يونكر الرئيس المنتهية ولايته (أ.ب)
يونكر الرئيس المنتهية ولايته (أ.ب)
TT

ترجيح تشكيل تحالف بين الاشتراكيين والليبراليين والمحافظين لتقاسم النفوذ في النادي الأوروبي

يونكر الرئيس المنتهية ولايته (أ.ب)
يونكر الرئيس المنتهية ولايته (أ.ب)

بعد انحسار دخان الاحتفالات عن الانتخابات الأوروبية والقراءات المتعددة في نتائجها، التي ستعيد توزيع البيادق على رقعة شطرنج البرلمان الأوروبي بشكل جذري لأول مرة منذ 40 عاماً، اندلعت الفصول الأولى في المعركة الشرسة التي بدأت تخوضها العائلات السياسية الكبرى للسيطرة على رئاسة المفوّضية والمواقع الوازنة فيها. وهي معركة لم يشهد الاتحاد الأوروبي ضراوتها منذ عقود، في الوقت الذي يواجه تحديات غير مسبوقة من الداخل والخارج.
ويميل المراقبون إلى ترجيح تشكيل تحالف ثلاثي بين الاشتراكيين والليبراليين والمحافظين لتوزيع النفوذ في النادي الأوروبي بعد الانتخابات الأخيرة، مع احتمال أن تنضمّ إليه كتلة «الخضر» التي كانت من أبرز المنتصرين فيها.
أوّل فصول هذه المعركة هو «الهجوم» الذي بدأه الاشتراكيّون والليبراليّون لقطع الطريق على مرشّح الحزب الشعبي المحافظ لرئاسة الذراع التنفيذية للاتحاد، بعد أن استعادت الحكومات دورها التقليدي في بتّ هذا الملفّ الذي تسعى الدول الصغيرة إلى حصره في البرلمان. ويأتي هذا الهجوم في أعقاب التراجع الكبير للحزب الديمقراطي المسيحي الألماني في الانتخابات الأوروبية، والتوزيع الجديد في مروحة الكتل النيابية، الذي يفتح الباب واسعاً أمام التحالفات خارج المعادلة التقليدية.
وبدا واضحاً في القمة الأوروبية الأخيرة التي عقدت يوم الثلاثاء الماضي أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أصيب حزبه بانتكاسة واضحة في الانتخابات أمام تقدّم اليمين المتطرف، يسعى إلى افتراص تراجع الشريك الألماني لبناء تحالف جديد بين الليبراليين والتقدميين وفتح أبوابه أمام المحافظين الذين تتزعمهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. ويعتمد ماكرون في هذا المسعى على حليفه الجديد، الإسباني بيدرو سانتشيز، الذي كرّسته الانتخابات الأوروبية زعيماً للمعسكر الاشتراكي الذي ازدادت أهمية دوره في المركز الثاني لتشكيل التحالفات الجديدة، بعد صعود الليبراليين والخضر والقوى اليمينية المتطرفة.
وكانت هذه القمّة بمثابة صفّارة الانطلاق لتوزيع مراكز النفوذ الجديدة في المؤسسات الأوروبية، في ظروف تجعل منه الأكثر تعقيداً في تاريخ الاتحاد. الوضع بلغ من الحساسيّة والتعثّر ما دفع برئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إلى عقد القمة بين رؤساء الدول والحكومات منفردين، من غير مستشارين أو معاونين، كما فرض نظاماً للتشويش الإلكتروني حال دون استخدامهم للهواتف النقّالة. وبعد أن كلّفته القمّة متابعة هذا الملفّ الحسّاس وتقديم المقترحات بالترشيحات النهائية لبتّها في قمّة الشهر المقبل، قال توسك إنه يدرك «صعوبة المهمّة وتحقيق التوازن الكامل، خاصة أنه لا بد من مراعاة المعايير الجغرافية والسياسية وحجم البلدان والتمثيل النسائي»، وأعرب عن استعداده لبدء المفاوضات مع البرلمان الجديد في أقرب فرصة. وقال توسك إن المرشح لمنصب الرئيس المقبل للمفوضية ليس بالضرورة أن يكون مرشحاً على القوائم الحزبية الرسمية، أو مرشحاً رئيسياً لأحد الأحزاب. وذكر توسك عقب الاجتماع الذي تمت فيه مناقشة عملية الترشيح للأسماء المرشحة: «لا يمكن أن تكون هناك تلقائية» في الاختيار. وأضاف توسك: «لا يمكن استبعاد أي شخص... كونك مرشحاً رئيسياً ليس مبرراً لاستبعادك... على العكس من ذلك، يمكن أن تزيد فرصك». وأردف توسك قائلاً إن اثنين على الأقل من مناصب الاتحاد الأوروبي يجب إسنادهما لامرأة، مستشهداً بـ«أغلبية واضحة للغاية» من الدعم من قبل قادة الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن «هذه على الأقل هي خطتي، وأيضاً طموحي الشخصي».
وقالت ميركل إن زعماء الاتحاد منحوا رئيس المجلس الأوروبي تفويضاً لقيادة المفاوضات بشأن تعيين رئيس المفوضية الأوروبية المقبل. وأكدت ميركل على أهمية قيادة النقاش بصورة تتسم بالاحترام، للحفاظ على قدرة الاتحاد الأوروبي على اتخاذ القرارات بشكل مشترك في المستقبل. ولفتت المستشارة الألمانية إلى ضرورة التأكد «من عدم التسبب في جراح مع أولئك الذين ربما لا يمكنهم الموافقة (على المرشح المقترح)».
ويشمل التوازن الذي تحدّث عنه توسك 5 مناصب، هي رئاسة المفوضية، ورئاسة المجلس، ورئاسة البرلمان، ورئاسة البنك المركزي الأوروبي، والمندوب السامي للسياسة الخارجية. وبات واضحاً من نتائج الانتخابات الأخيرة أن توزيع الحصص في هذا التوازن لم يعد مقصوراً كالسابق على المحافظين والاشتراكيين، بل «أصبح من الواجب الحوار والتفاوض مع الكتل الأخرى»، كما قال رئيس الوزراء الإسباني، الذي بعد تكليفه قيادة الكتلة التقدميّة ينتظر أن يلعب دوراً محوريّاً في تحديد المعادلات الجديدة، بعد أن كانت إسبانيا تكتفي بالسير في الاتجاه الذي تحدده ألمانيا أو فرنسا. وكان سانتشيز قد عقد اجتماعاً مطولاً بعد نهاية القمة مع زعماء الكتلة الليبرالية، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الهولندي مارك روتيه، ونظيره البلجيكي شارل ميشيل، لتشكيل جبهة مشتركة في المفاوضات حول توزيع المناصب العليا في المؤسسات الأوروبية. ويسعى هذا التحالف إلى زيادة حصّة الليبراليين والاشتراكيين، على حساب المحافظين الذين يتولّون الآن 3 من المناصب الخمسة؛ المجلس، والمفوضية، والبرلمان. وكان سانتشيز قد عقد قمة ثنائية مع ماكرون قبيل القمة الأوروبية، وضع الطرفان خلالها خريطة الطريق لهذا التحالف الجديد، الذي ليس واضحاً بعد إذا كانت ألمانيا ستنضمّ إليه كما يتمنّى الرئيسان الفرنسي والإسباني.
وأعلنت المستشارة ميركل أنّها تدعم مرشح يمين الوسط مانفريد فيبر لرئاسة المفوضية الأوروبية. وأكّدت الزعيمة الألمانية للصحافيين بعد قمة بروكسل أنّ بعض زملائها يدعمون مرشحين آخرين، لكنّ العمل للتوصّل إلى تسوية سوف يستمر. وقالت ميركل بعد مغادرة بقية القادة للمكان: «ندعم مرشحنا الرئيسي، مرشح حزب الشعب الأوروبي، وهو مانفريد فيبر. آخرون يدعمون مرشحيهم». وأضافت: «لدينا مسؤوليات تجاه ناخبينا، وعلينا أن ننتظر ونرى. من المبكر الحديث بشأن ذلك، كل واحد يحتاج إلى إظهار المرونة والاستعداد للانخراط في تسوية».
وخسرت كتلة حزب الشعب الأوروبي من يمين الوسط الكثير من المقاعد في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة الأسبوع الماضي، ويطالب قادتها، بالألماني المحافظ فيبر، لشغل منصب رئيس المفوضية الأوروبية. لكنّ القادة الوسطيين الذين يقودهم الرئيس الفرنسي شكلّوا جبهة ضد فيبر، وهم يدفعون من أجل اختيار الاشتراكي الهولندي فرانس تيمرمانس أو الليبرالية الدنماركية مارغريت فيستاغر. وبعد اجتماع الثلاثاء غير الرسمي، من المقرّر أن يمضي القادة الأوروبيون بعض الأسابيع في التفاوض قبل قمتهم 21 يونيو (حزيران) حيث سيتم اتخاذ قرارات حول المناصب القيادية في الاتحاد.



كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.