احتدام التوتر «العوني ـ القواتي» وسقوط سياسة «تنظيم الخلاف»

آلان عون لـ «الشرق الأوسط»: غير مسموح الرجوع إلى الوراء على صعيد المصالحة

TT

احتدام التوتر «العوني ـ القواتي» وسقوط سياسة «تنظيم الخلاف»

لا تكاد العلاقة بين الحزبين المسيحيين الأكبر في لبنان، «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» تصل إلى مرحلة الهدنة لتعود وتتوتر عند أول ملف خلافي، ما يعيد تكوين الجبهات السابقة التي ظن البعض أنها سقطت إلى غير رجعة مع المصالحة التي توصل إليها الطرفان في عام 2016.
فمع تعليق الحزبين، الصيف الماضي، تفاهمهما السياسي الذي عُرف بـ«اتفاق معراب» وتبنى على أساسه رئيس «القوات» سمير جعجع ترشيح العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، بعد اختلافهما على ترجمة بقية بنوده، توالت الصدامات السياسية بينهما وبالأخص داخل مجلس الوزراء.
وشكّل ملف الكهرباء مادة دسمة للسجال بينهما مع وضع «القوات» مجموعة ملاحظات على خطة «التيار» اعتبرها الأخير محاولة للإطاحة بها.
وتواجه الفريقان أخيراً مع اعتراض «القوات» على تصريحات لوزير الدفاع إلياس بو صعب من الجنوب حول موضوع الاستراتيجية الدفاعية، واعتراضها أيضاً على موقف لوزير الخارجية جبران باسيل من الكورة بخصوص الميليشيات، وصولاً إلى سجال عنيف بين وزيري الحزبين ريشارد قيومجيان وغسان عطالله حول ملف المهجرين. إذ انتقد الأول تخصيص مبلغ 40 مليار ليرة لوزارة ‏المهجرين من دون خطة واضحة مقابل التقشف في دفع مستحقات المؤسسات التي ‏تهتم بالرعاية الاجتماعية، ما استدعى رداً سريعاً من الثاني استتبعه سجالات بينهما على مواقع التواصل الاجتماعي، شارك فيها رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب «القوات اللبنانية» شارل جبور.
ودخل الاشتباك حول هذا الملف منحى تصاعدياً مع دخول رئيس «القوات» سمير جعجع على الخط، معتبراً أن «الطرف الذي صرف الـ40 ملياراً لصالحه (في إشارة إلى وزير التيار الوطني الحر) معروف بأنه لا يتصرف على أساس مقاييس دولة، وبالتالي نحن غير مستعدين في الظروف الراهنة إلى أن نصرف 40 مليار ليرة على بعض المحاسيب والمؤيدين السياسيين بحجة المهجرين».
ولا ينفي عضو تكتل «لبنان القوي» النائب آلان عون أن العلاقة مع «القوات» تراجعت، لافتاً إلى أنه «بغضّ النظر عن الأسباب، فهذا لا يجب أن يعيد النظر بالمصالحة التي حصلت». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لكن للأسف، الضوابط التي يمكن أن يحافظ عليها المسؤولون، ليس بالضرورة أن تنسحب على القواعد، وأي توتر متزايد بين الفريقين يصيب المصالحة بأضرار يجب تداركها لأنه من غير المسموح الرجوع إلى الوراء على هذا الصعيد».
وأشار عون إلى أن «المنافسة والتباينات السياسية مشروعة مهما كانت خلفياتها»، لكنه حذّر من «الانزلاق إلى المزيد من التوتر».
واعتبر عون أن «مجرد تراجع الثقة بين الفريقين، فهذا يعني أن التباعد قابل للتزايد في المرحلة المقبلة»، لافتاً إلى أن «مسلسل التعيينات سيكون محطة ضمن محطات أخرى قد تشهد تجاذبات وتشنّجات». وأضاف: «أفق العلاقة لا يوحي بإيجابيات من الآن حتى الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، ولكن يمكن استدراك هذا المسار التراجعي بصدمة إيجابية معاكسة في أي لحظة إذا ما توافّرت ظروفها».
ورغم أن المواجهة السياسية المستمرة بين الطرفين توحي بما هو أبعد من خلافات بوجهات النظر على ملفات محددة، أكدت مصادر «قواتية» أن الاشتباك مع «التيار» لا يزال موضعياً وعلى ملفات محددة ولم يعد إلى ما كان عليه قبل المصالحة حين كانت المواجهة يومية ومفتوحة، لافتة إلى أنه «بات واضحاً أن التيار تراجع عن المصالحة كما عن اتفاق معراب، ولا يريد تنظيم الخلاف ويعمل على ما يبدو لإبقاء الأمور على ما هي عليه، ما يدفعنا للتعاطي مع كل ملف وموقف انطلاقاً من قناعاتنا السياسية».
وأضافت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «أساس المشكلة يكمن بأننا نضيء على مسألة معينة ونطلب توضيحات فيأتينا الرد من دفاتر الماضي. ربما هم يعتبرون اليوم أن العودة إلى الماضي ونكء جراحه يفيدهم بخلق عصبية سياسية معينة لأنهم فشلوا في الحاضر على مستوى إدارة كل الملفات التي تسلموها».
ومن أبرز الملفات التي قد تشكل محطات خلافية جديدة بين الطرفين في الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة، ملف التعيينات الإدارية في ظل الاتهامات المستمرة من قبل «القوات» وبقية القوى المسيحية لـ«التيار» باحتكار التمثيل المسيحي، إضافة إلى ملف النزوح السوري في ظل اتفاق الطرفين على وجوب إعادة النازحين إلى بلدهم واختلافهما على الآليات الواجب اعتمادها وأبرزها التواصل المباشر مع النظام السوري.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.