تل أبيب لا تعترف بصلاحيات المحكمة الدولية في صراعها مع الفلسطينيين

السلطة تستنكر الحصانة الإسرائيلية للجنود

TT

تل أبيب لا تعترف بصلاحيات المحكمة الدولية في صراعها مع الفلسطينيين

أعلن المدعي العسكري العام الإسرائيلي، شارون أفيك، أن حكومته لا تعترف بصلاحيات المحكمة الجنائية الدولية للنظر في قضايا تتصل بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لأن هذه ليست من المهمات التي قامت من أجلها.
وادعى أن إسرائيل تتمتع بجهاز قضائي قوي وناجع يعالج أي خروقات، ولا تحتاج لمساعدة دولية بذلك.
جاءت أقوال أفيك خلال مؤتمر دولي لأجهزة النيابة العسكرية بشأن قوانين الحرب، افتتح في مدينة هرتسليا (شمالي تل أبيب)، أمس. وقد أراد بأقواله أن يستبق الانتقادات للسياسة الإسرائيلية وممارساتها بحق الفلسطينيين، خصوصاً بعد أن نشرت لجنة التحقيق الخاصة في الأمم المتحدة تقريراً لها في نهاية شهر مارس (آذار) الماضي، حول قمع «مسيرات العودة» على الحدود بينها وبين قطاع غزة، والذي أشار إلى أن «إسرائيل ربما تكون قد ارتكبت (جرائم ضد الإنسانية) باستخدام ذخيرة حية ضد المحتجين الفلسطينيين خلال (مسيرات العودة)»، فقد أوضح التقرير، في حينه، أن القوات الإسرائيلية أطلقت النار على أكثر من 6000 فلسطيني شاركوا في الاحتجاجات على طول حدود غزة بين مارس وديسمبر (كانون الأول) 2018، ما أسفر عن مقتل 183 شخصاً، بينهم 32 طفلاً، وأن أقل من 30 من القتلى كانوا «أعضاء في جماعات مسلحة فلسطينية منظمة، بينما الباقون أبرياء». كما اتهم التقرير، إسرائيل، بأنها «فشلت في التحقيق مع القادة والجنود، ومقاضاتهم على الجرائم والانتهاكات المرتكبة ضد الفلسطينيين».
وقد وقف أفيك يدافع عن إسرائيل، فقال إنه يرفض هذا التقرير بالكامل، وأضاف: «لقد أمرت بفتح تحقيق في 11 حالة قتل فيها فلسطينيون في الحدود مع غزة. إسرائيل تعتبر دولة قانون لديها جهاز قضائي مستقل وقوي، ولا يوجد سبب لأن تكون عملياتها خاضعة لفحص المحكمة الجنائية الدولية». وأضاف: «المفترض هو أن المحكمة الجنائية الدولية تستخدم كملاذ أخير لمعالجة حالات ترتكب فيها مجازر جماعية، ولكن ما يجري حالياً هو تحويل اهتمام هذه المحكمة عن القضايا الأساسية والصلاحيات القضائية التي أقيمت لأجلها». واتهم المسؤول الإسرائيلي، المحكمة، بالانشغال بقضايا كثيرة على أنها مسؤولية إسرائيل، مع أنها في الواقع لا تخص إسرائيل وحدها، وإنما تشاركها في ذلك دول أخرى. وشكا المدعي العام الإسرائيلي من أن «الجنود الإسرائيليين يكونون موجودين في حالة خطر، ولكنهم يخشون من إطلاق النار، خوفاً من القضاء الإسرائيلي، ويجدون أنفسهم يذهبون للتشاور مع محامٍ في حال دافعوا عن أنفسهم».
أدانت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية تصريحات المُدعي العام العسكري الإسرائيلي التي اعترف فيها بوجود قرار من المستويين السياسي والقضائي بمنح الحصانة الكاملة لجنود الاحتلال، وتوفير الحماية القضائية للجنود الذين يقتلون الفلسطينيين وتقديم الدعم الكامل لهم، عادّاً أن المحكمة الجنائية الدولية لا تمتلك الصلاحيات للبحث في كل ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.
وقالت «الخارجية» إنها «تنظر بخطورة بالغة لهذا التصريح ونتائجه وتداعياته، وتعتبره اعترافاً صريحاً وفاضحاً بتورط المستوى السياسي والعسكري والقضائي في دولة الاحتلال في الجرائم اليومية التي يرتكبها جنود الاحتلال ومستوطنوه بحق أبناء شعبنا، كما تعتبره تحريضاً علنياً على ارتكاب المزيد من الجرائم والإعدامات الميدانية ضد المواطنين الفلسطينيين، خاصة على حواجز الموت المنتشرة في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة».
وطالبت الخارجية «(الجنائية الدولية) والمحاكم الوطنية المختصة والمنظمات الدولية المعنية بالتعامل مع هذه الاعترافات الخطيرة بمنتهى الجدية، وعدم الوقوع في مصيدة الاعتقالات والتحقيقات والمحاكمات الشكلية التي تلجأ إليها سلطات الاحتلال لتضليل تلك المحاكم والرأي العام العالمي، في محاولة لإقناع الأطراف الدولية بوجود محاكمات نزيهة للمجرمين والقتلة».
وأضافت: «تؤكد الوزارة من جديد أن محاكم الاحتلال ومنظومته القضائية توفر للمجرمين أبواب للهروب والتبرئة بكافة الأشكال، بدءاً من إخفاء الأدلة والتلاعب في مسرح الجريمة، ومروراً بمحاكمات هزلية شكلية، وصولاً إلى تبرئتهم الكاملة والإفراج عنهم، وهو ما يستدعي تحركاً عاجلاً من (الجنائية الدولية) ويتطلب منها الاستجابة للمطالبات الفلسطينية بفتح تحقيق جدي في جرائم الاحتلال».
وتحدث المدعي العسكري العام عن موضوع بدا منه أنه يحضر لحرب مقبلة، فقال إن «إسرائيل تواجه مشكلة مع لبنان. فـ(حزب الله) يخطط لمحاربتها، وبعد أن كان يتخذ من منطقة الجنوب درعاً بشرياً، فيختبئ وراء السكان المدنيين، ويقيم قواعد ومخازن سلاحه بين البيوت، بات اليوم يجعل من لبنان كله درعاً بشرياً. فهو يقيم دولة بداخل دولة. وله نواب في البرلمان ووزراء في الحكومة. ولذلك يسأل السؤال: هل يمكن التفريق بين (حزب الله) وبين لبنان؟».
وقد فهمت أقوال أفيك هذه تبريراً قضائياً لما كان أعلنه الكثيرون من السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، الذين كانوا قد هددوا أنه في الحرب المقبلة سيدمرون البنى التحتية للبنان، وسيرون في لبنان كله جبهة حرب.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.